قالت صحيفة "الغارديان"، إن المذكرة القانونية التي أصدرتها إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن الأسبوع الماضي وطلبت فيها من المحكمة منح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حصانة سيادية في قضية مدنية تتعلق بقتل الصحفي جمال خاشقجي، كشفت أن القرار "لم يكن صادقا على الإطلاق".
ولفتت الصحيفة في تقرير لها ترجمته "عربي21" أن نظرة متفحصة لتصرفات إدارة بايدن، بما في ذلك المقابلات مع الخبراء القانونيين والأشخاص الذين تابعوا الأمر عن كثب، تشير إلى أن القرار المثير للجدل لم يكن صادقا على الإطلاق.
وشددت على أن القرار أتاح فرصة غير مسبوقة لحماية الأمير محمد من خلال مناورة قانونية جعلته فوق القانون وخروجه من طائلة النظام القانوني الأمريكي، وبمجرد حدوث ذلك، قالت إدارة بايدن في الواقع إن يديها كانت مقيدة.
وقال أحد المراقبين المقربين، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه حتى يتمكنوا من التحدث بصراحة: "إذا نظرت إلى تسلسل الأحداث، فمن الصعب ألا ترى أنها معركة بين بايدن ومحمد بن سلمان تتكشف. أكره أن أتخيل أن هناك مقايضة على نظامنا القضائي وأن النزاهة كانت في متناول اليد".
ووجه قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية جون بيتس دعوة إلى الحكومة الأمريكية للمشاركة في الدعوى المدنية المرفوعة ضد محمد بن سلمان في 1 تموز/ يوليو، وفي قلب الطلب، كانت الدعوى المرفوعة عام 2020 ضد ولي العهد وشركائه من خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، واتهمت فيها ابن سلمان ورفاقه بالتآمر مع سبق الإصرار على خطف وتعذيب وقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في 2018.
وكان طلب بيتس صريحا، حيث أمهل الإدارة 30 يوما حتى 1 آب/ أغسطس - لتقديم "بيان المصالح" والتفكير فيما إذا كان يجب منح وريث العرش السعودي حصانة سيادية في القضية، أو إخبار المحكمة بأنها لا ترغب بتقديم إفادة. كما أراد من الإدارة أن تدرس كيف يمكن للمحكمة أن توفق بين تدابير الحماية الممنوحة للقادة الأجانب وأولئك الذين يستخدمون قانونا أمريكيا يسمح لضحايا التعذيب أو القتل خارج نطاق القضاء بمحاسبة الجناة.
وقال هارولد كوه، المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية خلال إدارة أوباما والذي يعمل الآن أستاذا للقانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة ييل، "إن الولايات المتحدة كانت لديها مصالح متنافسة، من ناحية أخرى، تؤكد الولايات المتحدة على المبادئ المتبادلة للحصانة بحيث يُمنح رئيس دولتها الحماية من المحاكم القانونية. ولكن كان يجب موازنة ذلك مع تصريحات بايدن حول كون حقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية لإدارته وأن يفهم المستبدون أن الرئيس يعني ما يقول".
وأضاف كوه: "بعد أخذ كل الأمور في الاعتبار، كان الصمت هو أفضل طريقة لتحقيق التوازن بين تلك المصالح الوطنية المتنافسة"، مضيفا أنه كان من الممكن أن تكون هناك "سابقة كافية" لوزارة الخارجية للبقاء صامتة.
وفي 18 تموز/ يوليو، طلبت الولايات المتحدة من القاضي بيتس التمديد، قائلة إنها بحاجة إلى وقت للتشاور مع كيانات متعددة داخل الإدارة فيما يتعلق "بالقضايا المعقدة للقانون الدولي والمحلي". وافقت المحكمة، وأعطت الولايات المتحدة مهلة حتى 3 تشرين الأول/ أكتوبر للرد.
وبعد أسابيع، في 23 أيلول/ سبتمبر، قام بريت ماكغورك، منسق سياسة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي (NSC)، وعاموس هوشستين، كبير المستشارين الأمريكيين لأمن الطاقة، بزيارة جدة، ظاهريا لمناقشة سياسات الطاقة.
وفي 27 أيلول/ سبتمبر، أعلن الديوان الملكي السعودي أن الأمير محمد قد تم تعيينه رئيسا للوزراء، وهو الدور الذي كان وما زال يشغله الملك السعودي. وأشار مراقبون إلى أن الترقية الظاهرة لم تمنح محمد بن سلمان أي واجبات أو صلاحيات رئيسية جديدة.
واعتبر المدافعون عن حقوق الإنسان أنها حيلة للتأثير على توصية الولايات المتحدة بشأن الحصانة السيادية، والتي كانت مستحقة بعد حوالي أسبوع.
وطلبت حكومة الولايات المتحدة، مستشهدة بـ "الظروف المتغيرة"، تمديدا ثانيا لإعداد ردها ومنحت تمديدا حتى 17 تشرين الثاني/ نوفمبر. وبعد أيام قليلة من تخلفها عن الموعد النهائي في 3 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلنت "أوبك +" أنها ستخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، فيما اعتبره الديمقراطيون محاولة من المملكة للتدخل في الانتخابات الأمريكية والوقوف إلى جانب روسيا على حساب المصالح الأمريكية.
وعد بايدن بأن السعودية ستواجه "عواقب" لهذا القرار، لكنه لم يوضح أي إجراءات محددة يخطط لاتخاذها ضد المملكة. وفي 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، قبل ساعات فقط من الموعد النهائي في منتصف الليل، قدمت الإدارة إشعارا بأنها تعتقد أن الأمير محمد، بصفته رئيسا للوزراء، يستحق أن يُعامل بصفته صاحب السيادة كمسألة معيارية في القانون الدولي.
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي لصحيفة "الغارديان" إن الرئيس الأمريكي قد تم إطلاعه على قرار الحصانة، الذي استند إلى "مبادئ راسخة للقانون العام".
وعندما سألت صحيفة "الغارديان" المتحدث الرسمي عما إذا كان أي مسؤول أمريكي قد اقترح على المملكة العربية السعودية تعيين الأمير محمد رئيسا للوزراء قبل نشر الأمر، قال المتحدث: "كان هذا قرارا مستقلا اتخذته السعودية".
ويقول الأشخاص المطلعون على الأمر إن الأسئلة القانونية حول وضع الأمير محمد كانت محل نقاش ساخن داخل وزارة الخارجية، حيث اختلفت الآراء حول أفضل مسار للعمل، وفي المناقشات داخل الإدارة، قام كبار المسؤولين مثل ماكغورك الذين سعوا إلى تعزيز إعادة تأهيل العلاقة السعودية الأمريكية باستبعاد الأهداف السياسية التي تركز على حقوق الإنسان.
وقال أحد الأشخاص الذين دافعوا عن منح حقوق الإنسان مكانة بارزة في القرارات المتعلقة بالسياسة: "هذه الإدارة اتخذت القرار لأن محمد بن سلمان هو رئيس الوزراء، لكنهم تباطأوا كثيرا، كان من الواضح أن هذا قرار سياسي من حيث أنهم انتظروا وماطلوا".
كان القادة مثل محمد بن سلمان "قلقين" عندما تولى بايدن منصبه لأول مرة وتعهد بجعل الوريث السعودي مسؤولا عن انتهاكات حقوق الإنسان، لكن عندما وصل إلى منصبه، لم يكن هناك تطبيق للوعود الانتخابية، وحتى عندما اتخذ بايدن قرارا برفع السرية عن تقرير استخباراتي وجد أن الأمير محمد قد أمر بالقتل على الأرجح، لم تكن هناك عقوبات ضده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى