آخر المواضيع

آخر الأخبار

12‏/07‏/2011

ما هي العدالة الانتقالية؟

252
العدالة الانتقالية هي استجابة للانتهاكات المنهجية أو الواسعة النطاق لحقوق الإنسان، تهدف إلى تحقيق الاعتراف الواجب بما كابده الضحايا من انتهاكات، وتعزيز إمكانيات تحقيق السلام والمصالحة والديمقراطية. وليست العدالة الانتقالية شكلاً خاصاً من أشكال العدالة، بل هي تكييف للعدالة على النحو الذي يلائم مجتمعات تخوض مرحلة من التحولات في أعقاب حقبة من تفشي انتهاكات حقوق الإنسان؛ وفي بعض الأحيان، تحدث هذه التحولات على حين غرة، وفي أحيان أخرى قد تجري على مدى عقود طويلة.
وقد برز هذا النهج في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، وجاء في الأغلب والأعم استجابة للتغيرات السياسية في أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا، ولارتفاع الأصوات المطالبة بالعدالة في هاتين المنطقتين. فقد سعى دعاة حقوق الإنسان وغيرهم آنذاك للتصدي للانتهاكات المنهجية التي اقترفتها الأنظمة السابقة، ولكن دون أن يعصف ذلك بالتحولات السياسية التي تشهدها البلاد. ولما شاع وصف هذه التحولات بـ"الانتقال إلى الديمقراطية"، فقد بدأ الناس يطلقون على هذا المجال الجديد المتعدد التخصصات مصطلح "العدالة الانتقالية".
وقد اعتمدت حكومات هذه البلدان الكثير مما أصبح فيما بعد بمثابة المناهج الأساسية للعدالة الانتقالية، ومن بينها المبادرات التالية: 
· الدعاوى الجنائية. وتشمل هذه تحقيقات قضائية مع المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان؛ وكثيراً ما يركز المدعون تحقيقاتهم على "الرءوس الكبيرة"، أي المشتبه فيهم الذين يعتقد أنهم يتحملون القدر الأكبر من المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة أو المنهجية.
· لجان الحقيقة. والغرض الرئيسي من لجان التحري هذه هو إجراء تحقيقات بشأن الفترات الرئيسية للانتهاكات التي وقعت في الماضي القريب، وإصدار تقارير عنها؛ وكثيراً ما تكون هذه اللجان هيئات رسمية تتقدم بتوصيات لمعالجة تلك الانتهاكات، ومنع تكرارها في المستقبل.
· برامج التعويض أو جبر الضرر. وهذه مبادرات تدعمها الدولة، وتسهم في جبر الأضرار المادية والمعنوية المترتبة على انتهاكات الماضي؛ وتقوم عادة بتوزيع خليط من التعويضات المادية والرمزية على الضحايا، وقد تشمل هذه التعويضات المالية والاعتذارات الرسمية.
· إصلاح أجهزة الأمن. وتستهدف هذه الجهود تحويل المؤسسات العسكرية والشرطية والقضائية، وغيرها من مؤسسات الدولة المتعلقة بها، من أدوات للقمع والفساد إلى أدوات نزيهة لخدمة الجمهور.
· جهود تخليد الذكرى. وتشمل هذه المتاحف والنصب التذكارية التي تحفظ الذكرى العامة للضحايا، وترفع مستوى الوعي الأخلاقي بشأن جرائم الماضي، وذلك بهدف إرساء حرز منيع يحول دون تكرارها في المستقبل.
ولئن كانت هذه المبادرات تعد عموماً بمثابة الأساس الذي ترتكز عليه جهود العدالة الانتقالية، فهي ليست قائمة شاملة تستقصي كافة المبادرات الممكنة؛ فقد وضعت مجتمعات كثيرة مناهج أخرى مبتكرة لمعالجة انتهاكات الماضي – وذلك سبب من الأسباب التي أضفت على هذا المجال قوة وتنوعاً في آن معاً على مر السنين.
منهج كلي
إن معالجة الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان تثير مشكلات عملية جسيمة؛ فقد يكون التوازن السياسي في بلد ما بالغ الحساسية، وقد تكون حكومة ما غير راغبة في النهوض بمبادرات واسعة النطاق، أو ربما عاجزة عن القيام بذلك دون تعريض استقرارها للخطر.
وكثيراً ما تكون المشكلات الكثيرة النابعة من انتهاكات الماضي أعقد من أن يتيسر حلها بواسطة إجراء واحد؛ فمن المستبعد مثلاً أن تكون الإجراءات القضائية، بما في ذلك المحاكمات، وحدها كافية؛ فإذا كان هناك آلاف المئات من الضحايا والجناة، فكيف يمكن إنصافهم جميعاً عن طريق المحاكم، خاصة عندما تكون تلك المحاكم ضعيفة وفاسدة؟ وحتى إذا كانت المحاكم تتمتع بالكفاءة اللازمة للنهوض بمهمة مقاضاة كل من تجب ملاحقتهم، فلا بد في نفس الوقت من اتخاذ مبادرات أخرى لإصلاح النسيج الاجتماعي الممزق.
وبعد عقدين من الممارسة الفعلية، توحي الخبرة المكتسبة بأن فعالية العدالة الانتقالية مرهونة بشمولها لعدة إجراءات يكمل بعضها بعضاً؛ فليس هناك إجراء واحد تكون فعاليته بمفرده بمثل فعاليته مجتمعاً مع الإجراءات الأخرى.
فبدون أي جهود للكشف عن الحقيقة أو التعويض، على سبيل المثال، قد ينظر إلى معاقبة قلة قليلة من الجناة على أنه شكل من أشكال الانتقام السياسي؛ والكشف عن الحقيقة بمعزل عن الجهود الرامية لمعاقبة مرتكبي الانتهاكات ولإصلاح المؤسسات، يمكن اعتباره مجرد أقوال بلا أفعال. كما أن التعويضات غير المرتبطة بالدعاوى القضائية أو الكشف عن الحقيقة قد يعدها البعض بمثابة "دية"، أي محاولة لشراء صمت الضحايا أو رضاهم. وبالمثل، فإن إصلاح المؤسسات بدون أي محاولة لتلبية التوقعات المشروعة للضحايا بشأن تحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة والتعويضات، ليس عديم الجدوى من منظور المساءلة فحسب، بل من المستبعد أن يفلح في تحقيق النتائج المرجوة منه.
والأمر الذي لا يقل عن ذلك أهمية هو أن العدالة الانتقالية يجب أن تستهدف تعزيز الديمقراطية والسلام – وهما الهدفان الرئيسيان اللذان تصبو إليهما المجتمعات وهي تلملم جراحها وتنهض من محنتها بعد فترات من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وهذان الهدفان يكونان أدنى إلى التحقيق من خلال المشاورة الفعالة والمشاركة النشطة لمجموعات الضحايا والجمهور عموماً. كما أن خيارات المجتمع تكون أقرب إلى الفعالية إذا كانت هي الأخرى تستند إلى استقراء جاد لتجارب المجتمعات الأخرى التي خرجت لتوها من حقبة الانتهاكات، مما يقلل من احتمال تكرار أخطاء بالإمكان تجنبها، وهي أخطاء لا ينبغي للمجتمعات الانتقالية الوقوع فيها لما لها من عواقب فادحة.
وأخيراً، فإن المنهج الكلي يشمل إيلاء الاعتبار لجميع العوامل التي ربما تكون قد ساهمت في حدوث الانتهاكات؛ ويجب أن يكون الحس المرهف للقضايا المتعلقة بنوع الجنس في العلاقات الشخصية والأسرية والاجتماعية ركناً أساسياً في جميع تدابير العدالة الانتقالية، ومن شأنه أن يسهم في نشوء فهم للأضرار المميزة التي تتكبدها المرأة.
العدالة الانتقالية في القانون الدولي
ومع اتساع هذا المجال وازدياد تنوعه بصورة مطردة، اكتسب أساساً مهماً في القانون الدولي، ويتمثل جانب من الأساس القانوني للعدالة الانتقالية في القرار الذي أصدرته محكمة الدول الأمريكية في قضية فيلاسكويز رودريغز ضد هندوراس عام 1988، والذي خلصت فيه المحكمة إلى أن جميع الدول تقع على عاتقها أربعة التزامات أساسية في مجال حقوق الإنسان، وهي:
· اتخاذ خطوات معقولة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان؛
· إجراء تحقيقات جادة بشأن الانتهاكات عند وقوعها؛
· فرض عقوبات ملائمة على المسؤولين عن الانتهاكات؛
· ضمان تقديم تعويض لضحايا الانتهاكات.
وقد أكدت المحكمة هذه المبادئ صراحة في قراراتها اللاحقة، كما تم التأكيد عليها في قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهيئات الأمم المتحدة المنشأة بموجب معاهدات، من قبيل اللجنة المعنية بحقوق الإنسان. وكان إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1988 من التطورات المهمة في هذا الصدد أيضاً، إذ يكرس النظام الأساسي لهذه المحكمة التزامات بالغة الأهمية تقع على عاتق الدول، مما يستوجب منها القضاء على ظاهرة إفلات الجناة من العقاب، وترسيخ احترام حقوق الضحايا.
نظرة إلى المستقبل
لقد شهد مجال العدالة الانتقالية تحديات جديدة أرغمته على التجدد والتطور، إذ تبدلت السياقات من الأرجنتين وتشيلي، حيث ولت نظم الحكم الاستبدادي، ونشأت سياقات أخرى مثل البوسنة والهرسك وليبيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكانت القضية الرئيسية فيها هي تعزيز السلام. وأصبح من بين القضايا الجديدة التي تسترعي الاهتمام التطهير العرقي والنزوح، وإعادة دمج المقاتلين السابقين، وتحقيق المصالحة بين الطوائف والمجتمعات، ودور العدالة في إعادة بناء السلام.
كما تفاعل العاملون في مجال العدالة الانتقالية مع تدابير العدالة المحلية أو "التقليدية"؛ ففي بعض البلدان، مثل سيراليون وأوغندا، قد ترغب المجتمعات والطوائف المحلية في استخدام الطقوس التقليدية في تعزيز المصالحة بين الأطراف المتحاربة أو إعادة دمج المقاتلين السابقين في نسيج المجتمع. في مثل هذه الحالات، يكون دور العدالة الانتقالية هو ضمان الأخذ بمنهج كلي ربما يشمل تلك الأساليب التقليدية، ولكنه لا يستبعد إمكانية استخدام سائر تدابير العدالة الانتقالية.
وفي النهاية، ليست هناك صيغة واحدة للتعامل مع ماضٍ مفعم بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان؛ فجميع مناهج وأساليب العدالة الانتقالية تستند إلى إيمان جوهري بعالمية حقوق الإنسان؛ ولكن في نهاية المطاف يجدر بكل مجتمع أن يختار لنفسه الطريق الملائم له؛ بل لا مناص له من ذلك.

انظر ايضا :

العدالة الانتقالية : فـحـص الـمـوظـفـيـن وإصـلاح الشرطة و الـمـؤسـسـات الـفـاسـدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى