آخر المواضيع

آخر الأخبار

12‏/07‏/2011

العدالة الانتقالية : فـحـص الـمـوظـفـيـن وإصـلاح الشرطة و الـمـؤسـسـات الـفـاسـدة

253

نظرة عامة على فحص الموظفين وإصلاح المؤسسات الفاسدة
كثيرا ما تحتاج البلدان الخارجة حديثا من الديكتاتورية إلى تبني إصلاحات تشمل مؤسساتها وقوانينها وسياستها، بهدف تمكين البلاد من تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية البعيدة المدى، والتي تعتبر ضرورية لتفادي وقوع انهيار حضاري و/أو ديمقراطي في المستقبل. ففي فترات الصراعات، عادة ما يتم تعليق معايير حقوق الإنسان وإفساد إجراءات العمل الاعتيادية وعقليات وقت السلم في العديد من مؤسسات الدولة، إن لم يكن في مجملها. وعندما ينتهي الاضطراب، فإن الإصلاحات المؤسساتية بشكل عام يكون الهدف منها هو إزالة الشروط التي أدت إلى نشوء فترة النزاع أو القمع. وسنتناول فيما يلي اقتراحات ثلاثة تتعلق بالسبل التي تمكن من بلوغ هذا الهدف:
(1) عبر إعادة هيكلة مؤسسات الدولة التي تواطأت في أعمال العنف أو الانتهاك،
(2) عبر إزالة التمييز العرقي أو الإثني أو الجنسي القديم العهد،
(3) عبر منع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان من الاستمرار في الاستفادة من شغل مناصب في المؤسسات العمومية.

إصلاح المؤسسات المتعسفة: موضوع ذو صلة وثيقة بأهداف العدالة الانتقالية
تتناول اتفاقيات السلم في حالات ما بعد انتهاء النزاعات، وبشكل منتظم، إمكانية إنشاء لجنة للحقيقة مستقبلا أو إجراء محاكمة قضائية، غير أنها كثيرا ما تكون أقل وضوحا فيما يتعلق بالإصلاحات المؤسساتية (اتفاقيات دايتون للسلام في يوغوسلافيا السابقة هي استثناء بارز). والحقيقة أنه بدون إصلاحات في مجالات مثل النظام القضائي الوطني والبرلمان وأجهزة أمن الدولة، فإن أية عملية محاسبة ستظل ناقصة بشكل شبه مؤكد، وبالتالي ستفشل في خلق صدى إيجابي لدى عامة الشعب. فالمواطنون الذين تعلموا أن ينظروا إلى أجهزة الشرطة والجيش والحكومة بنوع من الارتياب سوف يصعب عليهم أن يؤمنوا بجدوى أية إجراءات مساءلة تشمل هذه المؤسسات. وإذا كان عليهم أن يقوموا بذلك، فإنه يتعين عليهم الاقتناع بأن الثقافات المؤسساتية التي سمحت بوقوع انتهاكات حقوق الإنسان أو غذتها قد تم تقويمها بشكل نهائي.

علاوة على ذلك، يمكن أن تكون الإصلاحات الدستورية والقانونية وإصلاحات أجهزة الشرطة، التي تهدف إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، ذات أهمية واضحة في العديد من المجالات، مثل ملكية الأراضي، وحماية اللاجئين، وضرائب الدخل، والإنصاف في الأجور، وتعيين القضاة، وتولي المناصب، والترقية والانضباط، وإجراءات الانتخاب، واستقلال وسائل الإعلام، وحرية الحصول على المعلومات، والعمل الإيجابي، ونزع السلاح، وتمويل الأحزاب السياسية، والقانون الجنائي والإجراءات الجنائية.

غير أن مجال الإصلاحات المؤسساتية شاسع ومعقد بشكل كبير. فالعلاقات داخل أجهزة الدولة وفيما بينها لا تسمح حتى بإجراء تشخيص بسيط للإصلاحات، إذ إن إصلاح "أجهزة أمن" الدولة يستلزم إصلاح الجيش، والشرطة، والقضاء، والجمارك، ومراقبة الهجرة، وأجهزة المخابرات، والقطاعات العديدة الأخرى ذات الصلة. وهكذا فإن محاولة تغيير البنيات المؤسساتية والحساسيات داخل هيئة ما سينعكس على العديد من الهيئات الأخرى، ولا تكون كل الصلات القائمة بينها دائما واضحة بشكل مباشر للعيان.

وقد تكون الحاجة إلى الإدخال التدريجي لنوع من النزاهة والمهنية في مؤسسات الدولة المتعسفة واضحة بشكل مباشر. غير أن الأسلوب الأكثر فعالية. قد لا يكون واضحا. ومن المستحيل مناقشة جميع الإصلاحات المؤسساتية التي تعزز أهداف العدالة الانتقالية في هذه المقالة القصيرة. وبدلا من ذلك، فإن موضوع التدريب هذا يتناول ثلاثة مجالات، يتعلق الأول بإصلاح جهاز الشرطة (إعادة هيكلة مؤسسة عمومية متواطئة على انتهاكات حقوق الإنسان)، والثاني يتناول المساواة بين الجنسين والإصلاح المؤسساتي (تقويم التمييز الشامل أو/و القديم العهد)، فيما يتطرق الثالث إلى تطهير السياسة (منع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان من الاستمرار في تقلد مناصب في مؤسسات الدولة).

ويمكن تطبيق العديد من الأفكار والأمثلة الواردة هنا على مؤسسات وآليات إصلاح أخرى باعتبارها نماذج لمناقشة قضايا إصلاح أوسع، أكثر من كونها تلخيص للتحديات الرئيسية القائمة في مجال الإصلاح المؤسساتي. غير أنه من المهم الإشارة إلى أن مؤسسات الدولة لا توجد في فراغ، وأن تطبيق الإصلاحات في مجال أو مؤسسة ما سينعكس دوما على مجالات ومؤسسات أخرى. فإصلاح أجهزة الشرطة، والإصلاحات في مجال المساواة بين الجنسين، ومراجعة إجراءات التوظيف، كلها حلول ناقصة سواء أكان الهدف هو المعاقبة على انتهاكات حقوق الإنسان أو الوقاية منها أو من الفساد، وبالتالي يمكن ويتعين بالضرورة أن ترافقها إصلاحات كلية وشاملة وتدابير أخرى كفيلة بتحقيق الوقاية والمسائلة وجبر الأضرار.

إصلاح الشرطة: إصلاح مؤسسة عمومية متواطئة في حالات انتهاك حقوق الإنسان
خلال فترة النزاعات، غالبا ما يتم تأويل مهمة ضابط الشرطة المتمثلة في فرض النظام على أنها ضوء أخضر لارتكاب انحرافات سياسية وعرقية. وقد تواطأ ضباط الشرطة الوطنية مع أجهزة الاستخبارات في ارتكاب انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك تجاهل الحقوق الواجب احترامها في ما يتعلق بالتفتيش، وأوامر الاعتقال، وإجراءات الاحتجاز، وصولا إلى الضرب والتعذيب وحتى القتل.

وعندما تنتهي حالة الصراع أو القمع، يتعين أن تشجع الإصلاحات عودة عقلية شرطة زمن السلم وإدراك أن واجب ضابط الشرطة هو التصرف بمهنية عالية للحفاظ على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. غير أن استرجاع مثل هذه العقلية ليس بالشيء الهين. وحتى لو تم قطع العلاقات الداخلية المعقدة بين أنظمة شرطة الدولة وأجهزة الأمن الأخرى، فإنه من المحتمل جدا أن تصطدم الإصلاحات بمقاومة داخل الجهاز نفسه من لدن الضباط والمسؤولين الذين يخشون فقدان السلطة ويستأؤون من عواقبها ويرفضون الحاجة إلى أي مراقبة أو تدخل خارجي.

لذا، فإن بناء قوات شرطة تتميز بالاحترافية وعدم التمييز وتسير نفسها بنفسها في إطار من النزاهة يستلزم إتباع منهج شامل تجاه الإصلاح المؤسساتي (مثلا الإصلاح الذي يخص التوظيف، وإعادة التدريب، وإعادة الهيكلة، والتدبير/كتابة التقارير وتدابير المراقبة). وقد كانت خطة إصلاح الشرطة المتكونة من ثلاث نقاط، والتي أعدتها قوات حفظ السلام الدولية في البوسنة تهدف إلى: (1) إعادة هيكلة شرطة ما بعد الحكم الشيوعي وما بعد النظام شبه العسكري، (2) الإصلاح بتطبيق إجراءات جديدة في التدريب والاختيار ومنح الشهادات، (3) اتباع أسلوب ديمقراطي من خلال إنشاء قوات شرطة لا تخضع للأمور السياسية، ونزيهة، وقابلة للمحاسبة، ومتعددة الإثنيات، وتؤمن بمبادئ شرطة المجموعة .

ويمكن أن تتضمن إستراتيجية شاملة مجموعة من العناصر، منها تبني ميثاق أخلاقي مؤسساتي، والعمل على تعليم الجمهور وإعادة تدريب الشرطة على إجراءات سياسة جديدة، وتطبيق إجراءات إدارية وتواصلية وتدبيرية لتشجيع الشفافية والمراقبة ، وتطبيق إجراءات تأديبية لضمان الانضباط، وتوفير وسائل الشكاية والتقويم، ومراجعة إجراءات التوظيف لتشجيع قوات شرطة تكون جميع الطوائف ممثلة فيها دون تمييز.

وإذا كان يلزم على الإصلاحات المؤسساتية أن تساهم في ضمان عدم العودة إلى دائرة العنف مجددا، فيجب عليها أن تعالج مشكلة التحيز. فثقافة اللا عقاب المؤسساتية التي شجعت الوسائل البوليسية المنحرفة يمكن مقاومتها بتشجيع سياسة التوظيف الشامل لجميع الأعراق دون استثناء. ففي سنة 2000، كان 88 % من ضباط الشرطة في الشرطة الملكية بأيرلندا الشمالية من البروتستانت، ونحو 8 % فقط من الكاثوليك. وليس ثمة حاجة إلى القول إن السكان الكاثوليك كانوا لا يشعرون أن الشرطة الملكية بأيرلندا الشمالية تدافع عن مصالحهم. لذا فإن تقويم هذا التباين الصارخ في نسبة التمثيل داخل هذا الجهاز يمكن أن يكون ذا فائدة مزدوجة، تتمثل في إزالة الضرر الذي لحق المواطنين بسبب الشرطة وإعادة بناء ثقة المواطنين في نزاهة قوات الشرطة. كما يمكن أن يكون عاملا محوريا في تعزيز ثقة النساء.

إن المراقبة الفعالة والموضوعية شرط أساسي لضمان احترام الإجراءات الجديدة. وربما يتطلب الأمر خلق مؤسسات جديدة لبلوغ هذه الغاية، بما في ذلك هيئات مراقبة مدنية، ولجنة وطنية لحقوق الإنسان، ومؤسسة عليا لتدقيق الحسابات، ومكتب للتظلمات (لاستقبال الشكايات ضد مسؤولي الدولة والتحقيق بشأنها)، ومكتب لمحاربة الفساد، ومحاكم خاصة، ومستوصفات متخصصة لتقديم المساعدة القانونية للفقراء. كما يتعين أيضا وضع برامج وسياسات للتدريب في مجال مكافحة الفساد.

المساواة بين الجنسين، والإصلاح المؤسساتي: تغيير التمييز كجزء من النظام
غالبا ما يكون تمثيل النساء منعدما أو بشكل باهت أو غير ممثلة بالمرة في بنيات السلطة المؤسساتية. لذا فإن تغيير بنية المؤسسات ضروري لإعطاء المزيد من السلطة للنساء. ويمكن أن يشمل ذلك مجالات من قبيل التعليم، وتنمية المهارات، والتوظيف، والتمثيلية، والحصول على الموارد، والعدالة، والرعاية الطبية، والمأوى، والمساعدة، والاستشارة، وإعادة التوطين وإعادة التدريب. وكما هو عليه الحال في الإصلاحات المؤسساتية بشكل أكثر عمومية، فإن لم تتوفر وجود استراتيجيات للتنفيذ والمراقبة الفعليين، فإن الانتهاكات ستستمر، وهنا يمكن أن ينشأ منصب محقق في شكاوى النساء أو هيئة رسمية أخرى لتطبيق إستراتيجية لتنفيذ ومتابعة الإصلاحات المؤسساتية في مجال المساواة بين الجنسين.

إن التمثيل العادل للنساء عامل رئيسي في تشكيل عمليات اتخاذ القرار وتعزيزها. فكثيرا ما يتم تجاهل النساء في مفاوضات السلام، بداعي "افتقادهن للخبرة اللازمة للتفاوض أو بسبب التمييز أو الأفكار النمطية المسبقة" . غير أن مفاوضات السلام غالبا ما تضع قواعد البنية المستقبلية والإصلاحات المؤسساتية، وإذا لم تكن النساء ممثلات منذ البداية، فإن اهتماماتهن لن تكون منعكسة في البنية السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع. لذا يتعين حماية حقوق النساء من خلال التركيز على المساواة بين الجنسين في الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية والقضائية والانتخابية. ونسبة تمثيل النساء ضعيفة جدا في مجال السياسة وتدبير الشأن العام على جميع المستويات. وفي هذا الإطار، يمكن أن تكون أنظمة الحصص وبرامج المراقبة من الشروط الضرورية والكفيلة بضمان احترام سياسات التوظيف التي تراعي تمثيل النساء.

كما يتعين إشراك النساء بالتساوي مع الرجال في صياغة وتدبير النشاطات الإنسانية. فقد تبين من الدراسات أن اشتراك النساء في عمليات حفظ السلام يساهم في تحسين المساعدة المقدمة للنساء المحليات، خاصة في مجال حصولهن على العلاج الطبي والنفسي، ويجعل الرجال المسؤولين عن حفظ السلام أكثر تجاوبا وأكثر إحساسا بروح المسؤولية، ويوسع من تشكيلة المهارات والتخصصات الموجودة في البعثة، ويخفف في غالب الأمر من حدة النزاع والمواجهة، وينتج عنه انخفاض نسبة الشكايات المقدمة من السكان المحليين، وانخفاض حالات الاستخدام السيئ للقوة أو السلاح، ويساهم في الوقت نفسه في تخفيض معدل الدعارة في صفوف النساء المحليات وبالتالي تأمين حماية أفضل لعناصر قوات حفظ السلام من وباء الإيدز . ورغم هذا الوعي، فإن اتفاقيات دايتون للسلام في يوغوسلافيا السابقة لم تركز كثيرا على إشراك النساء في عملية الصياغة، مما نتج عنه غياب الوعي بحقوق النساء في مرحلة تنفيذ الاتفاقيات.

لقد حرصت منظمة الأمم المتحدة على إدراج وحدات نسائية ومستشارات في صفوف بعثاتها في كل من تيمور الشرقية وكوسوفو والكونغو والبوسنة والهرسك وسيراليون. وقد اتخذت البعثات الخاصة بالبوسنة والهرسك وكوسوفو وتيمور الشرقية تدابير لتشجيع المساواة بين الجنسين في قوات الشرطة المحلية أو العمل مع قوات شرطة جديدة أو أعيدت هيكلتها حول القضايا المرتبطة بالعنف الداخلي والاتجار بالنساء أو الفتيات. كما أن بعثتي كوسوفو وتيمور الشرقية دعمتا بشكل فاعل مشاركة النساء المتنامية في البنيات الحكومية والإدارية بالتكوين وبناء القدرات، وسهلتا من إدماج النساء في بعثات الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدني. ومع ذلك ففي عام 2001 لم يكن بين قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلا 25% من النساء.

التطهير وفحص الموظفين: منع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان من تقلد مناصب في مؤسسات عمومية
يعني مصطلح فحص الموظفين بشكل عام مراجعة سجلات التوظيف الفردي وغيرها من السجلات أخرى بهدف توظيف أو عزل أشخاص في مكان العمل. وكثيرا ما يشكل الفحص عنصرا مركزيا في الإصلاحات الخاصة بالمؤسسات المتعسفة، والتي تتبناها الحكومات الجديدة كأسلوب لعزل الأفراد المسؤولين عن تجاوزات خطيرة من مناصبهم في القطاع العام. وتتضمن عملية الفحص عملية مراجعة دقيقة للخلفية اعتمادا على مصادر عديدة لتحديد ما إذا كان مسؤول بعينه متورطا في انتهاكات الماضي. وعلاوة على ذلك فأن الفحص ينزع إلى وضع إجراءات تضمن أن يكون الطرف الخاضع للتحري على علم بالإدعاءات التي تطاله وأن تعطى له الفرصة للرد عليها.

ومن هذه الجهة، كما من جهات أخرى، يمكن التمييز بين الفحص و"التطهير"، وهو مصطلح كان يستعمل بكثرة في أوروبا الشرقية والوسطى للإشارة إلى تلك القوانين والسياسات التي تشمل عمليات العزل والإقالة على نطاق واسع، اعتمادا ليس على سجلات الأفراد وإنما على الانتماءات الحزبية أو المواقف السياسية أو استمرار التواطؤ مع جهاز استخبارات قمعي. وقد تعرضت العديد من قوانين التطهير للانتقاد لكونها خرقت معايير النزاهة الأساسية من خلال بعض الإجراءات مثل فرض العقاب على أساس الذنب الجماعي وليس الفردي، وخرق مبدأ افتراض البراءة حتى تثبت الإدانة، وفرض قيود على المناصب التي تقلد بالانتخاب أو التعيين (في خرق واضح لمبدأ عدم التمييز على أساس الموقف السياسي)، وتقييد حقوق الاستئناف أمام الهيئات القضائية بشكل غير عادل، والاعتماد بشكل مبالغ فيه على سجلات العهد الشيوعي المشكوك فيها للبرهنة على وقوع ممارسات جنائية. ولهذا السبب، ولأسباب أخرى، يمثل أسلوب الفحص، على العموم، نموذجا مفضلا على أسلوب التطهير فيما يتعلق بعزل مسؤولي الدولة الذين ثبت ارتكابهم لتجاوزات مهنية خطيرة.

وثمة إيجابيات عديدة لعملية الفحص باعتبارها من آليات العدالة الانتقالية. فالفحص، مثلا، يساعد في تقليص احتمالات وقوع انتهاكات جديدة أو استمرارها، وتعزيز ثقة الشعب في مؤسسات الدولة، والإسهام في إزالة الحواجز أمام المتابعات القضائية، والمساعدة في إعادة الاعتبار للمسؤولين الذين تضررت سمعتهم بشكل غير عادل نتيجة ورود أسمائهم ضمن العناصر الفاسدة في مؤسساتهم. ولهذا السبب يمكن أن ينظر إلى الفحص والتطهير على أنهما "جسور" بين النظام القديم والمؤسسات الجديدة، التي تتميز بشفافيتها وقابليتها للمحاسبة.

آليات الفحص
بصفة عامة، يجب أن تطبق إجراءات الفحص على جميع المسؤولين داخل مؤسسة من المؤسسات، بغض النظر عن سلوك مثالي سابق، أو تمتع بتبرئة، أو القيام بسنوات خدمة، أو مكانة أو منصب. وقد يكون من الحصافة والتعقل استثمار موارد وطاقات خارجية في فحص الأعداد القليلة من الأشخاص في أعلى مرتبة في المؤسسة، والذين تورطوا في انتهاكات الماضي. وعلى العموم، ينصح بالاعتماد ما أمكن على كل المصادر المشروعة للمعلومات لتكوين فكرة عن شخص ما، بما في ذلك وثائق الحكومة التي رفع عنها طابع السرية، وسجلات المحاكم/وثائق المحاكمات، والشكايات المسجلة لدى المؤسسة، وملفات تحريات الشرطة، وتقارير المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية المعنية بمكافحة الفساد وحقوق الإنسان.

ويتعين أن تكون آليات الفحص مطابقة لمبادئ النزاهة الإجرائية الأساسية أو الممارسة القانونية. كما يتوجب ألا تشكل جهود إصلاح الفساد أو المؤسسات الفاسدة حجة لنهج ممارسات خاطئة أو غير ملائمة هي نفسها موضوع الإصلاح. ولذلك فإن الأشخاص الذين تعتزم هيئة التقويم إقالتهم من مناصبهم ينبغي أن يكون لهم الحق في أن يتم إبلاغهم بشكل معقول بالاتهامات الموجهة ضدهم، وأن يمارسوا الحق في الاحتجاج على هذه الاتهامات لدى هيئة الفحص، والحق في استئناف قرار مناوئ أمام هيئات غير منحازة، وأيضا الحق في أن يتم إخبارهم بهذه الحقوق في الوقت المناسب.

ويجب أن تتوفر في هيئة الفحص السلطات التي تمكنها من فرض مجموعة من العقوبات. فبطبيعة الحال، يتعين أن تكون لها سلطة إصدار الأمر بإقالة المسؤولين، لكن أيضا سلطة فرض عقوبات أخرى، مثل الحظر المؤقت من الخدمة المدنية، أو المنع من تملك السلاح واستعماله، أو تقليص المعاشات والامتيازات الوظيفية الأخرى، أو إصدار الأمر بإرجاع ممتلكات أو أداء غرامات للدولة. أما حالات الانتهاكات الخطيرة بشكل خاص فيمكن عرضها على السلطات المكلفة بإنفاذ القانون لاتخاذ إجراءات إضافية في حق المعني بالأمر. ويمكن أن تعطى أيضا لهيئة الفحص صلاحية فرض عقوبات أقل قسوة جزاء على من ارتكب تجاوزات أقل خطورة، أو على الأشخاص الذين يدلون بأدلة للتخفيف من حدة أخطائهم. ويمكن أن تشمل العقوبات المخففة الإقصاء من الوظيفة بصفة مؤقتة، أو إزالة درجات الترقية الوظيفية المكتسبة، أو إعادة الانتشار الوظيفي، أو الخيار في التقدم مجددا لشغل وظيفة في نفس المؤسسة أو في مؤسسة أخرى عمومية مختلفة، أو إمكانية الاستمرار في شغل نفس الوظيفة على أساس اجتياز اختبار الكفاءة وبراتب أقل. غير أنه قد يكون من المهم أن يتم تشجيع هيئة الفحص على جعل التمتع بهذه العقوبات التخفيفية مشروطا بتحقيق بعض المطالب الأخرى، مثل برامج التدريب، وإرجاع ممتلكات، وتقديم خدمات للمجتمع، و/أو التعاون مع السلطات المكلفة بإنفاذ القانون.

الدروس المستخلصة
في مجال إصلاح المؤسسات المتعسفة، كما في جميع مجالات العدالة الانتقالية الأخرى، يكون اتخاذ القرار مقيدا بالمناخ السياسي القائم والموارد المتاحة والحاجة إلى صياغة مشروع بأهداف واقعية. ومن بين الدروس المستخلصة من المحاولات الماضية لإصلاح المؤسسات المتعسفة أن الجهود المبذولة لتحقيق الإصلاح من حيث الكم والكيف، لا يجب أن تكون أكبر من حجم القدرات المحلية من حيث البنية المؤسساتية والموارد البشرية والمالية، إذ إن الوقوع في مثل هذا الخطأ قد يجر عملية الإصلاح إلى الوراء عوض الدفع بها قدما. وثمة درس آخر مرتبط بالأول، لا سيما في مجال الفحص، يتمثل في وجوب الانتباه إلى المخاطر التي يمكن أن ينطوي عليها عزل الأشخاص من المناصب العمومية (خصوصا المسؤولين في الشرطة والجيش وأجهزة الاستخبارات)، والذين غالبا ما يتحولون فرادى إلى العمل في مجال الجريمة بعد عزلهم من مؤسسات الدولة. لذا يتعين استباق هذا التحدي من خلال السماح لهيئة الفحص بالتفكير في طريقة لإعداد هؤلاء المسؤولين لحياة جديدة. وفي الفترات الانتقالية على وجه الخصوص، حيث تكون مستويات البطالة والجريمة عالية، يمكن التفكير في إعادة التدريب، وبرامج التعلم في المجالات المدنية، إضافة إلى أشكال أخرى لإعادة الإدماج الاقتصادي بطريقة مستديمة. غير أنه ينبغي صياغة مثل هذه الإجراءات بحذر كبير حتى لا تبدو وكأنها مكافآت على الانتهاكات السابقة. كما يتعين تدبير الإصلاحات المؤسساتية وفق أسلوب عادل وشفاف، مع ضمان مشاركة شعبية واسعة، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والسكان المدنيين في عمليات الاستشارة وصياغة الإصلاحات المؤسساتية. كما ينبغي، علاوة على ذلك، إرفاق الإصلاحات المؤسساتية بتدابير تهدف إلى الحد من احتمالات النكوص والارتداد (مثل تطبيق المراقبة المنتظمة والاحتفاظ بسجلات دقيقة وتحليل التوجه/النموذج). كما أن المراقبة والتقييم ضروريان لضمان الامتثال، وقد يستلزمان إقامة مؤسسات جديدة مستقلة عن المؤسسات موضع المراقبة.

وأخيرا - وربما يكون هذا هو الأهم – ينبغي اعتبار إصلاح المؤسسات المتعسفة على أنه عملية طويلة الأمد. إذ يستغرق الأمر سنوات عديدة قبل أن يتبين مدى نجاح أو فشل القوانين والمؤسسات الجديدة، ومن ثم فإنه من الأهمية بمكان العمل في هذا المجال بإرادة ولكن دونما تسرع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى