آخر المواضيع

آخر الأخبار

21‏/08‏/2011

معاهدة كامب ديفيد أنتقاص من سيادة مصر

181
ما من شك أن ما يجرى فى سيناء من مظاهر مؤرقة للخلل الأمنى، وتهديدات لمصالح مصر العليا، إنما يحصل كنتاج طبيعى لهذه الحدود المفروضة على مصر، وقدراتها على السيطرة الكاملة على هذه المنطقة. وهو وضع بات شاذا، ومرده لإملاءات كارتر-بيجين التى ألزمت مصر بترتيبات متعسفة للإنذار المبكر اعتبرت ضمانات لعدم الاعتداء، وألحقت بمعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية، فى صورة ما يعرف «بالبروتوكول بشأن الانسحاب الإسرائيلى وترتيبات الأمن» الموقع بطرفى المعاهدة فى الثالث من أغسطس 1981. تلك الترتيبات المجحفة التى قبلها السادات مزقت سيناء استراتيجيا لقطاعات أربعة بين منزوعة ومخففة التسلح.
ولو افترضنا جدلا أن التسليم بمثل هذه الترتيبات كان مقبولا بمعطيات ما بعد حرب أكتوبر فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى، وجرى تحت ضغوط أملتها اعتبارات تبنتها الولايات المتحدة -راعى الاتفاق- لتحقيق السلام بين مصر وإسرائيل آنذاك، فإن قبولنا اليوم باستمرارها لم يعد ممكنا بحال فى ضوء معطيات وتحديات اللحظة الراهنة، فعلاوة على كونها تمث
ل وصاية مهينة تشكك فى قدرة مصر على الالتزام الدولى بالمعاهدات، فهى تنتقص كذلك من سيادة طبيعية لدولتنا على أراضيها، وبما يعطل طموحات التنمية والاستقرار فى سيناء. بل الحقيقة أرى فوق ذلك أن وجودها بات يمثل عبئا على أطراف المعاهدة كافة.
وكحل دبلوماسى، يقتضى جهدا تفاوضيا لا تعدم مصر خبرته، أرى أهمية تبنينا لمعادلة جديدة للسلام على الحدود الشرقية، وأرى ضرورة شروع الحكومة المصرية -وفى ظل الأجواء الراهنة- فى الدعوة إلى كامب ديفيد ثانية، يدعى فيها الطرفان الإسرائيلى والأمريكى لمفاوضات عاجلة حول هذه المعادلة، وصولا لتطبيقها فى أقرب فرصة، مع حشد موقف دولى مساند لهذا التطوير التصحيحى للمعاهدة، خصوصا أن الموقف الدولى ليس مع إلغائها من أى من طرفيها.
ومضمون المعادلة البديلة المقترحة باختصار هو «السيطرة الكاملة مقابل المسؤولية الكاملة»، بمعنى إلغاء البروتوكولات الخاصة بترتيبات الأمن التى تحد من وجود القوات المسلحة المصرية فى المنطقتين «ألف وباء» اللتين حددتهما المعاهدة وملاحقها، مع إحلال بروتوكول لضمانات أمنية متبادلة محلها بما يحقق على نحو ملموس سلم الحدود. هذا البروتوكول البديل ينبغى أن يوازن الضمانات على الجانبين، وأعنى بهذا تحديدا أن يقلص مساحة المنطقة «جيم» لتكون شريطا أمنيا موازيا للمنطقة «دال» الموجودة على الجانب الإسرائيلى، وبذات تفاصيلها من حيث العرض الجغرافى ومحددات التسليح على الجانبين، وضمن ترتيبات مراقبة دولية مؤقتة تسمح للقوة متعددة الجنسيات فى المنطقتين بالعمل على ترسيخ وبناء الثقة بين طرفى الحدود، ووضع ضمانات السلام موضع التنفيذ ولمدة لا تزيد على خمس سنوات قادمة، يتم بعدها تلقائيا إنهاء الرقابة الدولية وإيجاد ترتيبات اعتيادية على الحدود.
وهذه المعادلة المقترحة أظنها تمثل مكسبا للجميع:
فهى تستجيب بفاعلية لمطالب إسرائيل، التى تؤرقها الهجمات الإرهابية وأنشطة التهريب من سيناء، بحسب ما تورد تقاريرهم الاستراتيجية وبمنطوق ما حذر قادتهم السياسيون والعسكريون منه عبر السنوات الماضية. فمنذ وصول حماس إلى الحكم فى غزة، ورغم حصارها، وشن الحرب والغارات عليها، يجأر الإسرائيليون فى كل محفل بالشكوى من شبكة الأنفاق فى منطقة رفح التى تستخدم فى التهريب، ويؤكدون غاضبين عجز كل الترتيبات الأمريكية-المصرية عن إغلاقها، كما تدعى التقارير الأمنية الإسرائيلية أن فرق المقاومة قد قامت ببعض أنشطتها المسلحة فى النقب، وفى المنطقة الساحلية بطابا وجنوبها انطلاقا من سيناء، وبتعاون من قبل البدو المحليين. وبغض النظر عن مقدار صحة الدعاوى الإسرائيلية، التى سنفترض جدلا صحتها، سيبقى السؤال: كيف إذن يتم تلبية هذا المطلب الأمنى؟ بالطبع هناك حالة استحالة إذ لا يمكن الاستجابة لمطالب إسرائيل فى ظل العجز المفروض بقيود المعاهدة على الشرطة المصرية لتكون قليلة الأفراد، محدودة القدرات. ليس هناك سوى أحد خيارين، إما أن تحتل إسرائيل سيناء مجددا لتفرض إرادتها الأمنية، وهذا دونه الحرب، أو أن تتسم بالواقعية، وتدرك أن الحل الوحيد المنطقى هو توافر قوة عسكرية وطنية مصرية تضطلع بمهمة ضبط حدودها، كما يجرى فى مختلف أرجاء العالم.
على الجانب الأمريكى، ستخفف معادلة «المسؤولية مقابل السيطرة» من عبء مراقبة الالتزام بالترتيبات الأمنية الواقع على كاهل راعى المعاهدة. منذ دخول الاتفاقية حيز النفاذ، لم تسلم القوة التى أنشأتها كبديل لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تحت مسمى «القوة متعددة الجنسية والمراقبين» من الانتقادات اللاذعة من قبل الطرفين، فرغم قوامها الجيد، الذى يتخطى الألف وستمئة جندى وتجهيزها المناسب، حدثت خروقات عدة فى محل سلطتها بالمنطقة «جيم»، ووصمت فاعليتها بالضعف، حتى من قبل الإسرائيليين الذين نعتوها بقوة «المتثائبين» واتهموها بالتقصير فى مكافحة التهريب عبر الأنفاق والحد من الهجمات المسلحة للمقاومة، ولعل هذا هو المبرر لسعى الولايات المتحدة منذ سنوات إلى سحبها أو تخفيضها مع إشراك دول أوروبية فى مسؤوليتها وتمويلها كفرنسا.. هذه المعادلة ترفع إذن الحرج عن القوة الأمريكية. وتعى حقيقة أن القوة متعددة الجنسيات غير مطالبة بالدخول فى مواجهات مسلحة على الأراضى المصرية، إنما الأمن دور أصيل للقوات المسلحة المصرية، وقد أثبتت التحديات الراهنة أنه لا غنى عنها فى تحصيله.
والأهم فوق كل هذا أن هذه المعادلة تسمح من المنظور المصرى بتنمية حقيقية جديدة لإقليم سيناء والقناة، وحل مشكلاته، وبما ينعكس على الحالة الأمنية إيجابا، وعلى نحو يزيل تلك الهواجس التى سادت طويلا من احتمال إعادة احتلال شبه الجزيرة من قبل إسرائيل، وهى هواجس مسؤولة عن تعطيل طموحات التنمية. كما تسمح أيضا بتخفيف حدة الوضع فى غزة، وتيسر الاتصال الطبيعى المحكوم بالقانون الدولى بين التجمعات البشرية الواحدة الممتدة بين سيناء والأراضى الفلسطينية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى