جريمة أنس الفقى

           ياسر أيوب يكتب : ٢٢/ ٥/ ٢٠١١

لم يكن من السهل تجاهل هذا الخبر وعدم الالتفات إليه بما يستحقه من انتباه واهتمام.. وأقصد قرار النائب العام بحبس أنس الفقى، وزير الإعلام السابق، ١٥ يوما على ذمة التحقيق معه فى قيامه بمنح القنوات الخاصة شارة بث مباريات دورى الكرة بالمجان.. وليس سر الاهتمام هو أنها المرة الأولى التى تظهر فيها الكرة لنا.. بمثل هذا الوضوح الجنائى والسياسى والإعلامى.. فى أى مشهد يخص هؤلاء الذين فى طرة أو الذين يستعدون للذهاب أو حتى للخروج من هناك، رغم أن الكرة كانت مسرحا أو غطاء لكثير من الجرائم والخطايا.. إنما هو التفات واهتمام ببلاغ تقدم به سامى الشريف، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، اتهم فيه أنس الفقى بإهدار المال العام لأنه وافق على منح شارة البث مجانا للقنوات الخاصة وأضاع على التليفزيون المصرى قرابة المليونى دولار كان من المفترض أن تدفعها هذه القنوات الخاصة.. ولست هنا أدافع عن أنس الفقى أو القنوات الخاصة..

فأنس الفقى له حكاياته واتهاماته الأخرى التى لا أول لها ولا آخر ويجرى معه التحقيق بشأنها والذى قد ينتهى بالإدانة أو البراءة.. والقنوات الخاصة مشروعات إعلامية واقتصادية لها نجاحاتها وإخفاقاتها ومزاياها وعيوبها وحساباتها وحروبها.. ولكننى أتوقف هنا أمام حقائق فى غاية البساطة والوضوح.. فما قام به أنس الفقى مع القنوات الخاصة قبل عامين ومنحها شارة البث بالمجان.. لم يكن أمرا سريا وراء أبواب مغلقة ووسط ظلام مطلوب للخروج على القانون.. ولم يمنح الفقى هذه الشارة المجانية للقنوات الخاصة لتقاضى رشاوى وهدايا أو تحقيق أى مكاسب شخصية وخاصة.. فهذا الاتفاق كان معلنا وتفاصيله مطروحة أمام الجميع بل وكان ذلك مطلبا لكثيرين جدا..

وتعددت وقتها الكتابات والكلمات والصرخات التى نادت بضرورة اتفاق يسمح للتليفزيون المصرى بنقل مباريات الكرة لكل المصريين لأن هذا من حقهم وواجب على تليفزيون بلادهم.. ويحافظ فى الوقت نفسه على بقاء هذه القنوات الخاصة ويحمى وجودها واستثماراتها.. ويسمح لاتحاد الكرة بالبيع لأن أندية الكرة كانت تريد المال وتحتاجه.. وليس معنى أن أنس الفقى أصبح الآن محبوسا ومطلوبا للتحقيق فى جرائم وتجاوزات أخرى أن ننسى كل الذى قلناه سابقا واتفقنا عليه كلنا باعتبار أن اتهاماً جديداً للفقى لن يضيره فى شىء.. أو باعتبار أنه من السهل والجائز الآن تحويل كل الموجودين فى طرة إلى شماعات نعلق عليها أى خطايا وذنوب، باعتبار أنهم صيد سهل ولا أحد منهم يملك حق الرد أو الدفاع.. وكنت أتمنى لو أن سامى الشريف بدلا من انشغاله بالتقليب فى أوراق ملفات قديمة لمجرد توجيه اتهامات جديدة لأنس الفقى بعدما أصبح سابقا وسجينا.. أن يقرر حسم هذه القضية المفتوحة منذ سنوات دون قدرة أى أحد منا على حسمها..

وأقصد حقوق البث التليفزيونى وتكلفته وعوائده.. ما هى حقوق الأندية أو التليفزيون أو القنوات الخاصة.. وإعلان سعر شارة البث بوضوح وتحديد سواء كان الذى سيشترى ويذيع هو التليفزيون أو أى قناة أخرى.. ومَن الذى يملك قرار بيع مباريات دورى الكرة وما هى حقوق المشترى مقابل ما سيدفعه من مال.. وأسئلة أخرى كثيرة نحفظها كلنا، لكننا نرفض أى اتفاق على إجابات لها.. كأننا نخاف أن تغدو كل الحقائق والحقوق والأرقام واضحة ومحددة ومعلنة طول الوقت.. يعجبنا هذا الوضع الغائم المرتبك الذى يسمح لنا بالتصفيق اليوم لمن كنا نلعنه أمس أو نشتم غدا مَن نشيد اليوم بقدرته وحكمته..

فالحقوق والعدالة فى إعلامنا هى أمر نسبى ووقتى حسب الظروف والأحوال.. وأنا شخصيا لن أمسك الآن بحجر وألقى به فى وجه أنس الفقى لمجرد أن هذا الحجر الآن سيلقى الهوى الشعبى وتصفيق الناس وإعجابهم.. فبناء المستقبل أهم من مثل هذه البطولات الزائفة.. وبذلك يصبح من الضرورى الآن أن تأتى كل الأطراف وتجتمع وتخرج لنا باتفاقات نهائية لن تتغير مهما تغيرت أسماء ووجوه المسؤولين سواء فى التليفزيون أو اتحاد الكرة وأنديتها أو القنوات الخاصة وأصحابها.

مواضيع مشابهة