المظاهرات الصاخبة التى قام بها جمع من الشعب المصرى أمام السفارة الإسرائيلية فى القاهرة ردا على قيام إسرائيل بقتل عدد من الجنود المصريين على الحدود بدم بارد والتى انتهت بإنزال العلم الإسرائيلى من على مبنى السفارة ورفع العلم المصرى كصورة رمزية لرفض الوجود الإسرائيلى على أرض مصر، عكست روحا جديدة ورسالة قوية إلى إسرائيل بأن الشعب المصرى له رأى آخر يختلف عن رأى الحكومات التى وقعت اتفاقيات كامب ديفيد وتنازلت عن جزء من السيادة المصرية مقابل الحصول على امتيازات أغلبها شخصية لمن كانوا يحكمون مصر قبل الثورة، وبدلا من أن تقوم الحكومة المصرية بمراجعة مواقفها من تلك الاتفاقيات المهينة واستخدام الغضب الشعبى كورقة ضغط على إسرائيل، كما يفعل معظم حكومات الدنيا، فإنها تقوم الآن ببناء جدار عازل حول السفارة الإسرائيلية كى تحجب عن الناس مبنى السفارة وتحميها من أى تحركات شعبية قادمة، كما أن رد الفعل الرسمى المصرى كان مليئا بالتهاون والتخبط إلى حد كبير. فى المقابل نجد دولة تقيم علاقات مع إسرائيل منذ قيامها على أنقاض فلسطين عام 1948، وهى تركيا، تقوم برد فعل عكسى تماما لرد الفعل المصرى، وذلك للتعبير عن رفضها تقرير الأمم المتحدة الذى أيد ما قامت به إسرائيل ضد أسطول الحرية الذى سعى إلى كسر الحصار عن غزة فى شهر مايو من العام الماضى 2010، وأدى إلى مقتل بعض الأتراك، وقد وصف الرئيس التركى عبد الله جول التقرير بأنه «باطل وكأن لم يكن» وفوق ذلك قامت الحكومة التركية برد فعل قوى للغاية تمثل فى إعلان وزير الخارجية التركى أحمد داوود أوغلو طرد السفير الإسرائيلى من أنقرة وتجميد الاتفاقات العسكرية مع إسرائيل وهذا من أشد الإجراءات التى تقوم بها الدول فى العرف الدبلوماسى، ولم يكن هذا ردا على تقرير الأمم المتحدة فحسب بل كان ردا على التعنت الإسرائيلى برفض الاعتذار عن تلك الجريمة التى ارتكبت بحق الأتراك. تركيا لم تقف عند حد طرد السفير الإسرائيلى، بل قررت أن تتحدى ما وصفته بـ«البلطجة الإسرائيلية فى شرق البحر المتوسط» وأعلنت أن سلاح البحرية التركى سيوسع نشاطه فى شرق المتوسط، علاوة على قيام السفن التركية بتأمين قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى قطاع غزة، وذلك فى تحد عسكرى لإسرائيل غير مسبوق، وكما هو معلوم فقد كانت المؤسسة العسكرية فى تركيا تحتفظ بعلاقات قوية واتفاقات عسكرية مميزة مع إسرائيل لكن إصدار قرار سياسى قوى فى هذا الاتجاه يعزز دور الحكومة التركية حتى من الناحية العسكرية ويحسم جدلية العلاقة بين العسكر والسياسيين فى تركيا، كما قررت تركيا حسب وزير الخارجية التركى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية فى لاهاى لكى تقرر فى شأن مشروعية الحصار الذى تفرضه إسرائيل على قطاع غزة من 31 مايو عام 2010، وهذا يفتح تحديا ومعركة قانونية وإنسانية وجنائية ضد إسرائيل فى المحافل الدولية، وأكد أن تركيا لن تتنازل عن مطالبها فى ما يتعلق بحل أزمة أسطول الحرية.
الموقف التركى يضع إسرائيل للمرة الأولى فى مواجهة مع دولة حليفة لها، ويضيق الخناق عليها إلى حد كبير، ويؤكد أن المصلحة الوطنية التركية ودماء الأتراك فوق كل اعتبارات سياسية أو مصالح آنية، وهذا مأزق لن تستطيع إسرائيل أن تتجاوزه بسهولة فى ظل التحديات الداخلية والتردى القائم لمصالحها فى الدول المجاورة لها والتى سعت سواء عبر اتفاقات مكتوبة أو شفهية إلى أن تحول كثيرا من هذه الدول إلى حماة لأمنها وعجرفتها وتعديها على كل الأعراف والقوانين الدولية، فالثورة المصرية رغم أن نجاحها واكتمالها لم يتم بعد فإنها وضعت صانع القرار الإسرائيلى فى مأزق كبير، علاوة على الثورات فى كل من تونس وليبيا وسوريا واليمن، كلها تؤكد أن مستقبل إسرائيل لن يكون مثل ماضيها كما أن تجاسرها على خرق القوانين واستباحة الدماء والأراضى أمر لن يمر دون عقاب فى المستقبل. الموقف التركى يضع الحكومة المصرية المتخبطة سواء فى سياساتها الداخلية أم الخارجية أمام تحد كبير، ويوفر لها فرصة تاريخية لتضغط على إسرائيل لمراجعة الاتفاقات الهزيلة التى سبق أن وقعها النظام السابق مع إسرائيل، علاوة على رفع الحصار عن غزة، وتأمين حدود مصر وطلب تعويض كبير على ما قامت به إسرائيل من انتهاكات سابقة، وذلك حتى تأتى حكومة منتخبة ومفوضة من الشعب تقرر مصير كل شىء تماما مثل الحكومة التركية الحالية. إن أبسط الرسائل التى يمكن أن ترسلها الحكومة المصرية الحالية إلى إسرائيل هى أن مستقبل مصر غير ماضيها، وإذا كان الماضى قد صنعته حفنة من اللصوص سرقت مصر وشعبها وسياستها وأمنها طوال العقود الماضية فإن المستقبل سوف يصنعه الشعب الذى قام بثورة استرد من خلالها سيادته على بلاده ومصيره ومقدراته، ومن ثم فليس أمام إسرائيل سوى أن تلتزم وتحترم الإرادة المصرية أو أنها ستواجه تحديات مع مصر ربما تفوق ما قامت به تركيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى