«هذه رسالة خاصة أتوجه بها إلى قارئي الكريم .. وهى تختلف عن كل الرسائل اليومية التي أكتبها له.. ليس في موضوعها.. وإنما في درجة الإحساس الذي أكتب به، فلم أشعر بالإهانة والخوف على بلادي.. كما أشعر بهما اليوم، وأنا في الغربة، ويتملكني إحساس بأن مصر اليوم بلا حكومة.. وبلا دولة.. وبلا نظام. والسبب في هذا الشعور الذي يتملكني ويكاد يعتصرني هو الأحداث التي تمر بها بلادي هذه الأيام من فوضى الشائعات التي لا أول لها ولا آخر، والتي تكشف عن ضعف الإحساس بالمسؤولية لدى رجال نظام الحكم ومؤسساته، واستهتارهم بأمن الوطن والمواطن.
الشائعات أقوى من الدولة، والدولة بلغت درجة من الضعف لم نعرفه من قبل.
لا أتحدث عن الضعف في مواجهة الخصوم السياسيين، فهي في ذلك قوية وباطشة ومستعدة لاعتقال عشرات الآلاف خلال أيام قليلة، في سبيل أن يبقى النظام.
لكن الدولة ضعيفة ومهزوزة وغير قادرة على مواجهة الشائعات، لأن الناس فقدوا الثقة تماماً في نظام الحكم، ومستعدون لتصديق أي شيء يقال لهم، لأن نظام الحكم لم يعمل حساباً للشعب في أي وقت، والنظام عندما يتحدث اليوم عن الشعب ويتحدث باسمه، فالشعب لا يصدقه.
ما أتخوف منه هو المستقبل الغامض لبلادي، الذي أظهرت الشائعات أنه في مهب الريح، ويفتح أبواب المجهول.
أعرف أن الشعب المصري العظيم سوف يتجاوز كل ذلك، وسوف «يبلع» ـ كما هي عادته ـ هذه الفوضى في جوفه، فالنظام سوف يختفي والشعب هو الذي سيبقى، وقلقي نابع من أن الشعب هو الذي يدفع الثمن دائماً. وكل ذلك بسبب أن الرئيس مبارك لا يريد – وهو قادر – أن يرسم صورة واضحة لمستقبل الحكم في مصر.
نجح نظام الحكم الحالي في تحطيم إرادة المصريين وفى جعل الشعب يفقد الثقة تماماً في ما يقوله رجاله.. وهذا هو السبب في فشل نظام الحكم في السيطرة على تلك الشائعات وعجزه عن التصدي لها وإيقافها!
فالناس وصلت بها درجة انعدام الثقة إلى أنها تتشكك فيما إذا كان الذي يظهر في الصورة أمامهم هو الرئيس مبارك أم لا، وهل هذه الصورة حديثة وحية أم قديمة!
وعندما يصل الأمر إلى هذا الحد، فليس أمام نظام الحكم سوى انتظار لحظة النهاية، وهى اقتربت، بينما الشعب باق.. باق.
بالطبع ليست تلك رسالتي أو كلماتي إلى شعبنا العظيم بالرغم من أنها تنطوي على الكثير مما نمر به الآن. إنما هي مقتطفات من مقالة لأستاذنا الجليل الغائب الحاضر الراحل مجدي مهنا.
لا أعلم لماذا تبادرت تلك الكلمات الغالية لفارس الكلمة حينما قرأت بيان الزميل العزيز يسري فودة الذي تضمنه تعليق برنامجه «آخر كلام» احتجاجاً على ما حدث معه من إلغاء حلقته الأخيرة… مما دعاه إلى أن يتخذ تلك الوقفة احتراماً لذاته ولجمهوره الذي وثق فيه.
وما أشبه اليوم بالبارحة ففي عام 2001 بدأ الكاتب الراحل نشر سلسلة مقالات في جريدة الوفد، كشف من خلالها صفقة شركة ميدور التي كانت الخطوة الأولى في تصدير الغاز إلى إسرائيل ودور حسين سالم فيها، مما اغضب نظام مبارك على الراحل مهنا وكانت النتيجة إقصاءه من مناصبه وإبعاده عن رئاسة تحرير الوفد، وكل هذا لأنه حاول أن يدافع عن ثروات بلده وشعبه، وكانت تلك الصدمة التي تلقاها الراحل مهنا بداية لانطلاق أول جريدة مستقلة في مصر هي «المصري اليوم» التي من خلالها واصل مهنا نضاله بالكلمة التي كانت الشرارة الأولى لنضال الشعب.
ما زالت تتوارد على خاطري كلمات فارس الكلمة الراحل مهنا، وأنا أمعن النظر والتفكير في بيان فوده. فالشبه بينهما قريب فكل منهما يحترم ذاته ويقدر جمهوره، والاثنان آمنا بحرية الكلمة وخطورتها ورفضا أن يكونا أداة تدليس تمرر من خلالهما رسائل مغرضة، مما أكسبهما احترام وتقدير معارضيهما قبل معجبيهما.
آمن الفارسان بان السلطة زائلة لا محالة مهما كان جبروتها وطغيانها واستبدادها، وكلما زاد ظلمها كانت نهايتها أقرب وأسرع، وأن المنتصر في النهاية والباقي هو الشعب والوطن. فسلكا الطريق الصعب ولم يهادنا أو يتواطآ كما فعل غيرهما، لم يكونا من منافقي السلطة، ثبتا على موقفهما واحترامهما لمهنتهما السامية ورسالتهما، فأصبحا حقاً فرسان الكلمة.
كشف الراحل مهنا عن جريمة ارتكبت في حق مصر وشعبها فجُرد من منصبه بالوفد. فتأسست المصري اليوم، حاول فودة إيضاح الحقيقة وكشف التدليس والزيف عما يحدث، فمورست عليه الضغوط وألغيت حلقته وعلق برنامجه. فهل تكون تلك بداية لتأسيس إعلام مستقل ومنبر حر للشعب ومن الشعب يقول القائمون عليه كلمة الحق ولا يخشون في الله لومة لائم، كما كان الحال مع «بائع الملوك» العز بن عبدالسلام، ذلك الشيخ الجليل الذي تعرض لأكثر من موقف حاسم لو تعرض لها البعض من شيوخنا اليوم لهادنوا وتملقوا وباعوا دينهم بدنياهم، فهل يوجد بين من في السلطة اليوم مجلس أو حكومة أو أي مسؤول صغيراً أو كبيراً مثل ذلك الشيخ الجليل، أو مثل هذين الفارسين؟
رحم الله العز بن عبدالسلام ورحم الله أستاذي مجدي مهنا وأعان الله يسري فودة على ما هو آت، والله عليم بما هو آت.
استفيقوا يرحمكم الله…
هاني أبوالخير
22/10/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى