لم يتوقع الناس حضور مبارك إلي القفص فلماذا حضر؟ ولماذا جاء ممددًا بهذا الشكل علي سرير ولم يأت علي كرسي متحرك مثلاً؟ هل هو في غيبوبة «رئاسية» مثلاً معتقدًا أنه لا يزال «الرئيس» وأن ما يحدث أمامه مجرد وهم أو كابوس.. أم أنه واع تماما بما يفعل ــ بناء علي إرشادات ـ محاميه المتمرس طمعًا في تأليب الشعب المصري مرة أخري لصالحه بدافع التعاطف معه؟
لا أحد يدري ماذا يدور في رأس الرجل.. لكن المؤكد أنه ــ في جميع الحالات ــ ينتظر الحكم ببراءته وإعادة الاعتبار إليه.. لكن الواقع شيء والخيال شيء آخر.
في القديم كان الإغريق يعتقدون في شيء اسمه «لوجوس» وهو يعني القانون الذي يحكم العالم.. وعند المصريين القدماء كانت هناك الإلهة «ماعت» التي تعني العدل والقانون والمتأمل اليوم لما يحدث في العالم.. وقد أصبحت الصورة كاملة من خلال القنوات الفضائية يدرك أن العالم يحكمه نوع من التوازن.. أو القانون.. هذا القانون الإلهي هو الذي يحفظ الحياة، فما أن يميل الميزان بحكم الظلم حتي ليظن المرء أن الظلم قد استشري وأنه أصبح يحكم العالم حتي يعتدل الميزان مرة أخري بفعل العدل الذي يستيقظ فجأة ليعيد التوازن إلي الحياة.
هل كان يتوقع أحد أن تهب مصر كلها بكل طوائفها وفي جميع محافظات مصر مطالبة بالعدل وتغيير النظام وإقصاء رموز الفساد؟ هل كان الحكام أنفسهم يتوقعون أن تصل الأمور إلي ما وصلت إليه أم أنهم نظروا إلي الثورة في البداية علي أنها مجرد تمرد سينفض بعد قليل حين تعمل رصاصاتهم بين الحشود؟
إنه القانون الإلهي اليقظ الذي يحفظ للحياة توازنها والذي يكاد يراه المظلوم بينما تعمي عين الظالم عن رؤيته.
لقد رأي «مبارك» شاوشيسكو صديقه وهو يساق إلي الإعدام بتهمة قتل شعبه ورآه هو وزوجته في وسائل الإعلام بعد إعدامهما.. كما رأي «مبارك» شاه إيران وهو يحلق بطائرته ــ كالمتسول ــ بين دول العالم طلبًا للجوء دون فائدة.. وهو الذي يملك القصور والمليارات في كل دول العالم.. حتي سمح له السادات بالهبوط في مصر ليموت فيها بمرض السرطان.. لقد رآهما «مبارك» وهما متهمان بنفس تهمته اليوم فهل اتعظ؟ هل فكر في رفع الظلم عن شعبه أم فكر في نفسه فقط؟ لقد كان «مبارك» ديكتاتورًا يملك كل السلطات في يده.. وكان سعيدًا بذلك.. فهل نظر في التاريخ ليري مصير من سبقوه؟ أبدًا.. بل لقد كان يتباهي بأنه لا يقرأ حتي الصحف.. ثم أصبح فيما بعد لا يسمع أيضًا.. لقد عاش داخل ذاته يتأمل ذاته ليحس كما لو كان إلهًا! كان منظرًا مؤسفًا أن يبدو فرعون مصر منبطحًا هكذا علي سريره في قفص الاتهام.. منظرًا يدعو إلي الأسف لكنه لا يدعو للشفقة أو العطف.. فلا يمكن للإنسان المصري أن ينسي قوة وجبروت هذا الرجل وظلمه أيضًا حين كان يقف علي رجليه.. إن الصورة الحالية لا تخفي صورته فيما قبل.. إن الصورة الحالية هي صورة مزيفة بينما القديمة هي الأصل.. فمن أين ستأتي الشفقة؟ لقد مات الرئيس المخلوع معنويا حين دخل القفص محمولاً علي سرير.. ونزل من ألوهيته حين نادي عليه القاضي وأجابه «أفندم» التي لم يقلها من قبل في حياته الرئاسية.. لقد سمعت جملة «أفندم.. أنا حاضر» بمعني خاص كأنه يقول أنا لم أمت بعد.. أو أنا موجود.. يقولها للقاضي ولنفسه أيضًا.
إن نصف الحكم بإعدام مبارك قد حدث بالفعل بحضوره هكذا ودخوله القفص ويبقي النصف الآخر بإدانته بقتل الثوار.. بل قتل الشعب المصري.. وقتل أجمل ما فيه طوال حكمه الذي دام ثلاثين عامًا.
لم يعد الحاكم بعد اليوم معصومًا.. ولم يعد إلها يحكم ويتحكم.. ولم يعد أمره سيفًا مسلطًا علي رقاب العباد.. فقد سمع الشعب في مصر ــ وفي محيط العالم العربي كله ــ كلمة الديمقراطية.. وأدرك معناها.. وأدرك معني أن يكون هناك حوار حتي بين الفرد العادي والحاكم.. وفهم معني جملة أن الشعب مصدر السلطات.. وأنه الحاكم الحقيقي.. بل رأي ذلك مجسدًا في ثوار ميدان التحرير الذين كانوا بمثابة مجلس الشعب بالنسبة لمصر والمصريين. وقبل ذلك وبعد ذلك أدرك الشعب ــ عن يقين ــ أن هناك قانونًا إلهيا يقظًا يحفظ للحياة توازنها وأن هناك قانونًا أرضيا ــ تحركه الشعوب ــ ضد حكامها الظالمين.. والذي ما أن يسمعه الحاكم حين يدخل القفص وينادي عليه حتي يجيب حتي قبل أن يفكر: أفندم!
24/10/2011
مبارك … افندم … انا حى؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
موضوعات عشوائية
-
ADDS'(9)
ADDS'(3)
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى