لم يكن حجازى رسام كاريكاتير عاديا.. ولكنه كان عصرا من الكاريكاتير.. كان النجم الأوحد بلا منازع.. هو أحد الذين صنعوا مجد «صباح الخير» منذ ولادتها.. كان قنبلة وثورة.. الصدق والتواضع كان طريقه لقلوب الناس.. كان كما يقال عنه.. اللى فى قلبه على ريشته..
ولذلك .. كان انحيازه الدائم للبسطاء والفقراء والمهمشين.. لذا لقب بفنان الحارة المصرية. وسيد درويش الكاريكاتير.. حجازى فنان سبق عصره بـ50 عاما.. حجازى فنان الكاريكاتير الخالد.. رحل عنا ظهر الجمعة... وكانت الصفحات التالية هى أقل ما يجب أن تقدمه صباح الخير لابنها صاحب أجمل ضحكات.. وطالما أن ضحكاته لن تموت.. فإن حجازى أبدا لا يموت
حجازى.. حين يغيب الفن الصح عن الزمن الخطأ
حين وجد الأستاذ حجازى نفسه مغتربا فى زمن لا يناسب نبل أفكاره وجمال قيمه.. قرر أن يبتعد بكامل إرادته.. تاركا وراءه إغراءات النجومية واحتياج المادة من دون ندم وبدون نظرة إلى الوراء.
كان ذلك فى أوائل التسعينيات حيث اكتشف ببصيرة الفنان رياح الفساد التى رأيناها بعد ذلك بعشر سنوات حين تجسمت وأصبحت عواصف.
لملم أشياءه القليلة عددا والعظيمة معنى.. وغادر زحام القاهرة إلى قريته فى طنطا.. ليعيش بعيدا عن التلوث الهوائى والثقافى.
كان الابتعاد قرارا يحفظ الكرامة فى زمن لم يفهم فيه الكثيرون أنها أغلى من وجع القلب فى تقليب الرزق وأهم من السقوط فى وهم الشهرة.
وكلما زادت سنوات الابتعاد اكتشفنا أن رسومات الفنان الاستثنائى حجازى تصلح للتعبير عن أحدث القضايا وأهم الأحداث.. لأن الزمن لم يتغير كما كان البعض يعتقد. حصل على معاش قليل وترك شقته لصاحب العمارة دون أن يأخذ مليما لم يدفعه.. ورفض كل طلبات الصحف العربية المغرية بكل تواضع وتهذيب حتى أنه كان يرشح زملاءه لمن يطلبه.. معبرا عن شعوره بالاكتفاء والقدرة على العيش بأقل القليل.. وعن أن فنه ليس سلعة تباع وتشترى وإنما هى ملك لمن يعرف قيمتها دون مقابل.
من أكثر المواقف سعادة وفخرا فى حياتنا - صديقة عمرى سهام ذهنى وأنا - أن أول موضوع نشر لنا وكان بعنوان - (الغناء السرى فى مصر) رسمه الأستاذ حجازى.
حين فتحنا مجلة صباح الخير فى منتصف السبعينيات صرخنا فى فرحة هستيرية تشبه صرخة امتزاج النجاح بالدهشة بالانتصار.. صرخة تعكس شعور من نجح فى الثانوية العامة.. لم تكن الفرحة بنشر أول موضوع كما كتبناه فى مجلة محترمة فقط، بل بشرف التحاق الموضوع برسوم حجازى.
التحقيق كان عن تجربة الشيخ إمام ونجم وعدلى فخرى وأضاف إليهم الأستاذ رؤوف توفيق أحمد عدوية نموذجا لغناء مختلف يجد مستمعيه بعيدا عن الإذاعة أو أى حفلات رسمية.
لا أعتقد أن أحدا قرأ التحقيق وعرف تفاصيله، فالرسوم التى أبدعها حجازى كانت تفوق الخيال فى تعبيرها وجمالها وسخريتها.. ورغم ذلك لم نحزن على المجهود الذى بذلناه فى اللقاءات والكتابة وعلى العكس فرحنا بشرف أن يرسم حجازى أول تحقيق لنا.
حاولنا المستحيل أن نرى حجازى ونتحدث معه لنشكره.. فقد كان يأتى إلى صباح الخير قبل السابعة صباحا يأخذ الموضوع الرئيسى ويقرأه (كان يقرأ الموضوع بدقة شديدة) ثم يرسم وينصرف قبل العاشرة.. وقبل حضور أى أحد.
وحين رأيناه وجدنا أمامنا إنسانا متواضعا بسيطا لا تشوبه شائبة غرور يؤمن أن العمل أهم من صاحبه.. حتى أنه امتدحنا ونحن صغار جدا ولم يترك لنا فرصة أن نمتدحه وهو عظيم جدا.. ومن يومها مسنا وتلبسنا درس مدرسة صباح الخير فى أهمية العمل والمهنية بعيدا عن الغرور والشهرة.
ولقد عذبنا هذا الدرس كثيرا حين عشنا بعد ذلك فى الزمن الخطأ الذى قرر حجازى الغياب عنه حتى لا يفقد نفسه وكرامته.
حجازى من دون ألقاب الفنان الأستاذ القدير.. غاب هذا الأسبوع الغياب النهائى.. غياب الجسد عن الدنيا ، ولكنه ترك لنا فنا لا يغيب لأنه مغموس بهموم الإنسان وكرامته.. وهى روح ونفس ومبادئ لا تعرف الغياب !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى