بالتفاصيل .. حرب الشوارع تشتعل فى التحرير

عندما تمطر السماء الآلاف من القنابل المسيلة للدموع .. وتمتليء الأرض بأجساد المصابين .. ولا صوت يعلو علي الغضب والعنف والدمار ، فأعلم أنها واحدة من أسود الليالي التى مرت علي ميدان التحرير .. وللمرة الأولى فى تاريخ علوم الطبيعة ، كان اللون الأسود ممزوجاً بالأحمر ليشكلا معاً سيمفونية الغضب والدم ! .

فحتى ساعات الفجر الأولي كانت قوات الأمن المركزى تكثف من تواجدها بشارعى القصر العينى ومحمد محمود، حيث قامت بضرب متظاهرى التحرير بالقنابل المسيلة للدموع بكثافة، الأمر الذى أدى إلى انحصار المتظاهرين داخل ميدان التحرير ، ومن جانبهم قابل المتظاهرون قوات الأمن بإلقاء زجاجات المولوتوف عليهم، كما تواصلت الاشتباكات العنيفة بين آلاف المتظاهرين وقوات الأمن المركزى بشارع الشيخ ريحان المؤدى لوزارة الداخلية، وحاول المتظاهرون إقامة متاريس حديدية لحمايتهم من الرصاص المطاطى، وقام بعض الشباب بتكسير الأرصفة وجمع الطوب لزملائهم لرشق قوات الأمن بالحجارة ، فيما قام البعض بحمل المصابين إلى سيارات الإسعاف المتمركزة عند مدخلى عمر مكرم والقصر العيني، كما قامت قوات الأمن المركزى عن طريق الخطأ بإطلاق قنابل مسيلة للدموع داخل مجمع التحرير، ما أحدث حالة من الارتباك خوفا من اندلاع النيران داخل المجمع، كما قام عدد من الشباب بشراء كميات كبيرة من المياه الغازية والخل لتفادى الإصابة باختناقات القنابل المسيلة للدموع ، ورغم تضارب الأرقام .. لكن عدد المصابين حتى الآن يقترب من الألف شخص .

وفى هذا التوقيت .. أصدرت مشرحة زينهم التقرير الطبى لقتيل أحداث الأمس وهو أحمد محمود أحمد محمد (23 سنة) من منطقة السيدة عائشة ، وأورد التقرير الذى أشرف عليه الطبيب المعالج محمود سعيد حسن، أن القتيل حضر إلى المستشفى مصاباً إلى قسم الاستقبال والطوارئ حوالى الساعة 8.5 الثامنة والخمس دقائق، منقولاً بواسطة أهله، وتوفى فور وصوله إلى المستشفى، وبالكشف الطبى الظاهرى على الشهيد، تبين وجود جرح تهتكى نافذ شبه دائرى قطره حوالى 1 سم أعلى الصدر من الجهة اليسرى من عظمه القضبة، ويوجد آثار حروق بجوار الجرح "آثار مقذوف نارى"، وتبين وجود جسم غريب بالإشاعة العادية بأسفل الصدر، من الجهة اليسرى، وسحجات بالكتف الأيسر والمرفق الأيسر، والرسخ الأيسر والركبة اليسرى، وسحجة بمنتصف الجبهة والأنف، ولا توجد إصابات ظاهرية أخري.
وفي الاسكندرية .. أعلن الدكتور سلامة عبد المنعم، وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية، وفاة أول متظاهر فى أحداث التظاهرات التى تشهدها منطقة سموحة أمام مديرية أمن الإسكندرية ، والوفاة لشاب اسمه بهاء الدين السنوسى وهو من مؤسسى حزب التيار المصرى (25 سنة) متأثراً بجراحه من تظاهرات أمام مديرية أمن الإسكندرية، بالإضافة إلى إصابة "شادى على على" (16 سنة) بطلق نارى فى الكتف الأيسر.
وبسرعة انتشار النار في الهشيم .. امتدت أصداء ميدان التحرير، لتشمل عدداً من المحافظات، إذ تجمع المئات من المتظاهرين أمام المنطقة الشمالية العسكرية  ، وسقط فى ساعة مبكرة من صباح الأحد شابان من المتظاهرين المحتجين أمام مديرية أمن الإسكندرية بمنطقة سموحة برصاص قناصة تمركزوا فوق سطح المديرية المكونة من خمسة عشر طابقا ، وفى الدقهلية تظاهر شباب حركة 6 إبريل بالمنصورة وحركة شباب الميدان والاشتراكيين الثوريين أمام مبنى محافظة الدقهلية، احتجاجاً على أحداث ميدان التحرير بالقاهرة، وأعلنوا رفضهم تدخل وزارة الداخلية لفض الإضراب بالقوة،  وفى السويس كان الموقف أكثر اشتعالاً .. حيث قام مجهولون باقتحام مبنى حى الأربعين وحرقه، وإتلاف جميع محتوياته وقاموا بإلقاء المستندات وأجهزة الكمبيوتر من أعلى المبنى. ووجهت بعض القوى السياسية بالسويس انتقادات حادة لقيادات الأمن بالمحافظة، بسبب مشاهدتهم لما يحدث من إلقاء زجاجات المولوتوف على الحى بدون أن يتدخلوا ، كما تم تمزيق مجموعة كبيرة من لافتات أعضاء الحزب الوطنى المنحل والمرشحين فى الانتخابات المقبلة، وفى دمياط، خرج العشرات من أعضاء شباب 6 إبريل، وبعض القوى السياسية فى المحافظة، احتجاجاً على الأحداث التى شهدها ميدان التحرير، حيث تمركز المتظاهرون أمام ميدان الساعة بمدينة دمياط ، وفى الإسماعيلية نظم العشرات من شباب الثورة والقوى السياسية، مظاهرة حاشدة بميدان الحرية (الممر سابقا) وسط مدينة الإسماعيلية اعتراضاً على استمرار المجلس العسكرى فى الحكم، والمطالبة بمدنية الدولة، وانتخاب رئيس فى أبريل 2012، وذلك تضامناً مع تظاهرات ميدان التحرير بالقاهرة.

ورسمياً  .. أكد اللواء أركان حرب محسن الفنجرى عضو المجلس العسكرى أن الهدف مما يحدث هز العمود الذى ترتكز عليه الدولة وهو القوات المسلحة. وقال مسموح بالمظاهرات السلمية ولكن القانون يجرم الاعتصامات والاضرار بأمن البلد. وقال القوات المسلحة انحازت للشرعية الدستورية. وقال أن تصرفات منظمات المجتمع الدولى ضدالدولة ، وتعليقاً منه علي المطالب المثارة مثل محاكمة كل من أفسد فى الحياة السياسية وساهم فى قتل الثوار في أثناء ثورة يناير، قال  : ليس هناك من شك فى أن كل المشاركين فى قتل المتظاهرين أمام القضاء، وعلينا أن نترك القضاء ليقول كلمته فى محاكمة رموز النظام السابق ، وأضاف أثناء مداخله هاتفية مع برنامج "الحياة الآن" الذى تقدمه الإعلامية ياسمين سعيد على قناة "الحياة"، أن المطلب الثانى الذى يثيره المصابون هو صرف معاش شهرى لمصابى الثورة، واصفاً ذلك بأنه سوف يحدث انفجارا فى الدولة ومفارقة بين مصابى حرب أكتوبر ومصابى ثورة يناير، حيث أن مصابى أكتوبر لم يحدد لهم معاشا شهريا ، وأشار الفنجرى إلى أن القوات المسلحة تعمل على توفير العديد من فرص العمل للمصابين حسب المؤهلات العلمية لهم، حيث تم توفير 500 فرصة عمل فى مصانع النسيج، كما تم طرح مشروع تابع للاتصالات لم يتقدم إليه إلا 15% من النسبة المطروحة، بالإضافة إلى العديد من الوظائف الحرفية، وعلاوة على ذلك توفير عدد من المراكز التجارية بجميع المحافظات يمكن للمصابين أن يديروها أو يعملوا فيها بأنفسهم، فيما سيتم تحديد معاش شهرى للمصابين الغير قادرين على الكسب، متسائلاً من يسعى وراء هذا الملف لهز كيان الدولة.
أما الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء فأعلن أنه سوف يرأس اجتماعاً صباح اليوم – الأحد - للجنة الوزارية لإدارة الأزمة، وذلك بسبب الأحداث التى شهدها ميدان التحرير، وأدت إلى إصابة المئات ، وكان شرف دعا المواطنين المتواجدين بميدان التحرير، لإخلاء الميدان، والمعاونة فى فتح المحاور المرورية بالميدان ، وناشد فى بيان أصدره مجلس الوزراء، الجماهير الواعية، الحفاظ على ثورتهم وأهدافها، وعلى الهدوء والاستقرار.

ومن خلال متابعتنا وتواجدنا بالميدان منذ اندلاع الأحداث يتضح أن المتواجدين الآن لا ينتمون لأى حركات سياسية وفى الكثير من التجمعات التى شهدتها ساحات التحرير أكد المتظاهرون أن الحركات والإئتلافات والأحزاب قد باعوا الثورة وانشغلوا بالمعركة الانتخابية وركزوا جهودهم فقط فى توزيع واقتسام التورتة فيما بينهم فى حين تركوا أهداف ومطالب الثورة الحقيقية وراء ظهورهم .. ومن ناحيتهم فقد حرص المنتمون للتيارات الإسلامية على التوافد على الميدان والحديث مع المتظاهرين للتأكيد على أنهم لم يخونوا الثورة.
وأكد عدد من المتظاهرين لبوابة الشباب أنهم من شباب 25 يناير الذين خرجوا أول الثورة لأهداف نبيلة تقوم على التغيير والعدالة الاجتماعية والحرية ولكنهم فوجئوا مع تطور الأحداث أن الثورة تمت سرقتها وأن الأحزاب والحركات السياسية اختطفت الثورة حتى تحقق طموحاتها السياسية فقط فى حين تركت الشعارات الأولى للثورة والدليل على ذك حسب كلام محمود حسين (33سنة) من شباب 25 يناير أنهم أمس رفضوا الاعتصام وباتوا يهتمون فقط باستعراض العدد والعضلات وخاصة الإسلاميين منهم.  
وفى الإطار ذاته حرص عدد من أنصار حازم صلاح أبو إسماعيل على التوجد بالميدان لتحسين صورته بعد أن تراجع عن موقفه بالاعتصام فى الميدان ليلة أمس حينما قال كلمته المشهورة بأن " اللى يمشى لا يخون اللى يقعد واللى يقعد لا يخون اللى يمشى". وأكد أنه سينزل الميدان مرة أخرى وبالفعل سعى لتنظيم مسيرة من أسد ابن الفرات للتوجه إلى الميدان مؤكدا رفضه لما تعرض له المعتصمون من قبل قوات الأمن.
وقد أعلن المعتصمون بالميدان اليوم أنهم لن يسمحوا بإقامة أى منصة فى التحرير ولن يسمحوا لأى حزب باستغلال الفرصة والتسلق على أكتافهم معتبرين أن ما تحقق كان بمثابة نصر لهم. يأتى هذا فى الوقت الذى لم تحدد فيه أى حركة سياسية موقفها من الاعتصام حيث أن أحداث التحرير وضعها فى مازق حرج.
ولم يتواجد من مشاهير شباب الثورة فى الميدان اليوم سوى الناشطة أسماء محفوظ والتى تقهقرت إلى الوراء ولم تشارك بأى هتافات وإنما اكتفت بالفرجة فقط.
هذا فى الوقت الذى خيم فيه الخوف على منطقة وسط البلد حيث أغلقت محلاتها وخرج العاملون بها بأسلحة بيضاء لحمايتها من البلطجية فى إشارة لعودة المشاهد الأولى لثورة يناير .

بوابة الشباب

مواضيع مشابهة