أول أمس الجمعة أتمت المرحلة الانتقالية «الانتقامية إن شئت» شهرها التاسع، فماذا وضعت لنا غير مولود مصاب بتشوهات خطيرة، لم تكن نتيجة عيوب خلقية للأسف، بل جاءت متأثرة ببيئة تلوثت عمدا.
إن الفترة من 11 فبراير إلى 11 نوفمبر شهدت مجموعة من الأخطاء المتعمدة أوصلتنا فى نهاية هذه الرحلة الطويلة العصيبة إلى نقطة الصفر، وكأننا نعيش صباح اليوم التالى لخلع مبارك، حيث تجرى الاشتباكات حول القضايا ذاتها التى أطلت برأسها بعد الخلع، وربما تستخدم المفردات نفسها، دون أن يستشعر أحد شيئا من الملل، أو أنه يستهلك الوقت الطاقة فى حوارات تدور على أسس خاطئة.
ولو رجعت إلى الأسبوع التالى ليوم 11 فبراير ستلمس كم كان الجميع مهيئين وتوَّاقين إلى بداية جديدة فى مصر، بل إن ألدَّ خصوم شعار «الدستور أولا» الآن، كان يتشدد فى القول بعد الخلع بأن مصر تستحق دستورا جديدا ولن ترضى بترقيعات على دستور مبارك، وسبحان مغير الأحوال والمواقف ومقلب القلوب ومبدل المبادئ.
و من حقك أن تسأل وتفكر بعد هذه التسعة أشهر: ماذا كان سيضير مصر لو أن المجلس العسكرى قرر أن يسلك الطريق السهل الذى جربه كثيرون غيرنا مروا بفترات انتقال ثورية مثلنا، ماذا كان سيحدث لو أننا استجبنا لأبسط مبادئ المنطق ووضعنا أساسا للمرحلة الانتقالية على ضوء ما تفرضه قواعد علم الهندسة، وليس ما تمليه ضرورات الفهلوة والكلفتة؟
إننا بعد تسعة أشهر أدخلنا الجميع فى أتون الصراع حول المبادئ الدستورية، بينما كانت بين أيدينا لحظة توافق نادرة تسمح بوضع دستور جديد لمصر الثورة دون أن يتنازع حوله أحد، ما كان سيغنينا عن هذه الطاحونة التى لا يتصور مشغلوها الحياة بدون دوران رحاها.
لقد كان أمامنا المجال ممتدا لكى نخطط وننظف التربة ونهندس ونضع قواعد راسخة، ونشرع فى بناء محترم، غير أنهم وبتعمد قرروا أن يكونوا أوفياء ومخلصين لمذهب العشوائية، ومدافعين أشداء عن نظرية الفوضى، تماما كما كان يحدث فى سنوات المخلوع.
وانظر حولك فى كل مكان فى مصر ستجد العشوائية هى أساس الحكم والإدارة، نبنى كبارى وجسورا عملاقة تحبس البلد أنفاسها سنوات حتى تكتمل، وما إن ينتهى البناء ويبدأ التشغيل نكتشف أنها أضيق مما يجب، فنهدمها لكى نجرى توسعات فنصطدم بعقبات نزع ملكيات لعشوائيات نشأت حولها بلا رقيب وهكذا..
وشىء من هذا حدث فى السياسة، استفتاء على تعديل دستور قديم حشرنا فى إعلان دستورى عجيب وملىء بالثقوب ما استدعى ترقيعه أكثر من مرة، وقانون انتخابات ونظام انتخابى مهلهل خضع لجراحات عديدة منذ الإعلان عنه، دون جدوى، فأدخلنا إلى انتخابات عبثية، أعدت بطريقة تجعلها غير محصنة فيروسات الطعن والإلغاء، بما يحمل إمكانية العودة إلى نقطة الصفر.. وهكذا تمضى الملهاة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى