د. نادر فرجاني
يحز في النفس، بعد قرابة عام على قيام ثورة الفل العظيمة، أن يكون محتوى هذا المقال شبيها بما كنت أكتب في نهايات عهد الطاغية المخلوع محمد حسني السيد مبارك "الاسم الرباعي للمجرم المقدم للمحاكمة".
أبدأ بالقول بأن مأساة الطغاة، أفرادا وعُصَبا، أنهم لا يفيقون على هول ما يرتكبون من جرائم في حق شعوبهم، إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن تكون قد ولت فرصة تصحيح الأخطاء، ويدفع الثمن في النهاية الشعوب والأوطان التي ابتليت بهم. هذا كان درس إسقاط الطواغيت العرب الذين أسقطتهم ثورات المد التحرري العربي العظيم خلال العام الحالي. ولكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة على ما يبدو لم يستوعب هذا الدرس.
فلا يساورني الآن شك في أن الطاغية المخلوع قد أوكل حكم مصر إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو قرار معيب بجميع المعايير، على وعد منهم بأن يحموا نظامه وعصابته وأن ينتقموا له من الشعب، خاصة الشباب، الذي تجرأ وثار عليه. فالشواهد قد تراكمت على أن المجلس لم يتخذ قرارا لحماية الثورة، على قلة مثل هذه القرارات، إلا على مضض بالغ وتحت ضغط هائل من قوى الشعب الحية، بينما بذل المجلس جهدا هائلا لحماية بُنى ومجرمي نظام الحكم التسلطي الفاسد والمستبد الذي قامت الثورة لإسقاطه، من دون أن ينفي ذلك شبهة حرص المجلس على مصالحه الخاصة باعتباره مكونا أصيلا من النظام الساقط.
وعندما أرغم الضغط الشعبي المجلس على تقديم رئيسه وبطانة السوء التي أحاط نفسه بها إلى المحاكمة، بتهم واهية أساءت النيابة العامة تكييفها عمدا، تصرف وكأن هذه المحاكمة الهزلية كانت آخر تنازل يقدمه للثورة، وانصب جهد المجلس بعد ذلك على ملاحقة الشرائح النشطة من الشعب المصري بتجريم أفعال التظاهر والاعتصام وتقديمهم لمحاكمات عسكرية جائرة، وعلى تبرئة الطاغية المخلوع بشهادات تحت القسم ناقضت تصريحات سابقة لهم. وعلى عقاب عموم الشعب بالغلاء الملتهب واستشراء الظلم الاجتماعي وتفاقم كبت الحقوق والحريات.
وقد لا ينازعني القارئ في زعمي بأن الظروف الموضوعية في مصر الآن تشابه تلك التي سادت في الشهور الأخيرة لحكم الطاغية المخلوع، بل هي ربما أسوأ خاصة على بعدي بطش الحكم التسلطي بالحقوق وتفاقم الظلم الاجتماعي.
والحق أن نظام الحكم التسلطي للمرؤوسين قد تفوق على نظام رئيسهم في القهر والبطش. فرفع المجلس العسكري سجل انتهاكات الحكم التسلطي للحقوق والحريات في مصر إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وما زالت الأيام الدامية في تاريخ مصر المعاصر تتكرر برتابة تثير الشبهات القوية حول دور المجلس وأساليبه، مع تصاعد وتيرة انتهاك قوات الشرطة والجيش لحقوق التظاهر والاعتصام التي لا يكل المجلس من الإدعاء الكاذب بحمايتها. وذلك من خلال دهس المتظاهرين بمدرعات الجيش، وباستعمال كيماويات محرمة دوليا ضدهم، وبالتحرش الجنسي المشين بالمتظاهرات، وبالتعدي على القضاة وأعضاء مجلس الشعب المنتخبين في برلمان ما بعد الثورة، وبإطلاق البلطجية المأجورين الذين أسبغ عليهم صفة "الأهالي" لارتكاب جرائم التعدي على المتظاهرين والمعتصمين في حماية قوى الأمن المدنية والعسكرية، ولم تعد تخفي صلتهم بالمجلس وبفلول النظام الساقط.
ولن يغفر التاريخ للمجلس تمسكه الواهي بأهداب شرعيات زائفة، يشي تعددها بشعور المجلس بانعدام شرعيته. فالشرعية الوحيدة التي يمكن أن يدعيها المجلس بحق هي الشرعية الثورية التي أسبغها الشعب الثائر، مصدر السيادة الوحيد، على المجلس بندبه لحماية الثورة. وها هو المجلس قد أسقط استحقاقه لهذه الشرعية بمعاداته للثورة وحماية من يكيدون لها، فآن للشعب أن يسقط شرعيته التي منحها للمجلس. ولن يبقي للمجلس حينها إلا شرعية القوة الجبرية، وهي على خلاف ما قد يظن بعض الحمقى، أوهى الشرعيات قاطبة وأشدها استجلابا لغضب الشعوب ولتجريم التاريخ.
ولا يعفي المجلس من المسؤولية التاريخية أنه اصطنع دائما ناصحي سوء ومعاونين إمعات من ضعاف النفوس والشخوص. سواء كانت حكوماته التي شكلت استمرارا للنظام الساقط في السياسات وقلة الهمة وحتى في الشخوص الخارجين من عباءة مجلس سياسات الوريث المحبوس أو الأوعية الأقدم في نظام الفساد والاستبداد. ويأتي على رأس هذه الجهات المشبوهة النيابة العامة التي ورثها المجلس من رئيسه السابق وتمرست في حماية مجرمي النظام الساقط حتى بعد سقوط رأسه على حساب حق الشعب الذي أقسمت على الذود عنه، تملقا للمتسلط الأكبر أيا من كان، ما دامت له صلاحية تعيين النائب العام وإعفائه.
ومن هنا، فالتحية واجبة لأعضاء المجلس الاستشاري الذين استقالوا من عضوية المجلس احتجاجا على قمع متظاهري مجلس الوزراء بالعنف المفرط، خاصة معتز عبد الفتاح الذي كان قد استقال قبلا من منصبه الاستشاري في الحكومة السابقة. ومن العيب على بعض أعضاء المجلس الآخرين أن يستمروا تحت هذه الظروف أبواقا صدئة للمجلس العسكري في الإعلام.
كما أن تصريحات الجنزوري، صاحب الصلاحيات الرئاسية المدعاة، عن أحداث عنف الجيش تجاه متظاهري مجلس الوزراء تؤكد أنه ليس إلا بوقا آخر للمجلس العسكري، تماما كسلفه الذي سقط غير مأسوف عليه.
ولن يغفر للمجلس أيضا إنكاره الكاذب، لوقائع موثقة بالصوت والصورة وبشهادات من انتهكت حقوقهم مثل فعل فحص العذرية الحقير، وبذاءات جنود الجيش وضباطه التي لا يمكن تصورها من دون أوامر من أعلى أو تسامح مع مرتكبيها يغري باقتراف أفدح منها فيما بعد.
والدليل على تواطؤ المجلس ومعاونيه في التحريض على هذه الانتهاكات وتشجيعها هو أن لا أحد قد قدم لمحاكمة جادة في وقائع أي من الأيام الدامية التي تعهد المجلس بتحقيقات نزيهة في ما جرى فيها، مكتفيا بالإشارة المُعمّاة إلى طرف ثالث مُجهّول، واختفت تلك التحقيقات في بئر النيابة العسكرية، أو المدنية العميق، فلا فرق بينهما في السكوت عن الحق، بينما تفاقمت الانتهاكات باطراد. ولم نسمع عن مدني أو عسكري قدم لمحاكمة إثر أي من هذه الأيام الدامية إلا وكان اتهامه باطلا أو ظاهر التلفيق مثل الشهيد مينا "ويا للصفاقة!" وعلاء عبد الفتاح الذي تفاقمت تهمه بعد إحالته لنيابة أمن الدولة الاستثنائية، على حين قدم ضابط الشرطة صائد العيون إلى النيابة العامة. ويحدونا بقية من أمل في أن هذا الاعتراف، في صورة الإنكار المفضوح، ليس إلا شعورا بهول الجرم الذي يرتكبه المجلس ومعاونوه.
ولا ريب في أن جريرة المجلس الأكبر هي أن صارت مصر هي الحالة الأوضح والأفدح على إخفاق السلطة الانتقالية في حماية ثورة شعبية رائعة، ومنعها من الاكتمال، حتى لا نقول اختطافها وتسليمها لأعدائها. وتكفي المقارنة بالحالة المثال لتونس، لتبين الجريمة التاريخية التي ارتكبها المجلس العسكري في حق الثورة، ولن يبرأ منها البلد ولا الشعب بسهولة وبدون تكلفة قد تكون هائلة، يتحمل وزرها المجلس وحده.
فهل يصحح مجلس الشعب القادم جماع هذه الجرائم التي يندى لها الجبين ويعمل على ضمان اكتمال الثورة العظيمة ونيل غاياتها في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية؟.
يحز في النفس، بعد قرابة عام على قيام ثورة الفل العظيمة، أن يكون محتوى هذا المقال شبيها بما كنت أكتب في نهايات عهد الطاغية المخلوع محمد حسني السيد مبارك "الاسم الرباعي للمجرم المقدم للمحاكمة".
أبدأ بالقول بأن مأساة الطغاة، أفرادا وعُصَبا، أنهم لا يفيقون على هول ما يرتكبون من جرائم في حق شعوبهم، إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن تكون قد ولت فرصة تصحيح الأخطاء، ويدفع الثمن في النهاية الشعوب والأوطان التي ابتليت بهم. هذا كان درس إسقاط الطواغيت العرب الذين أسقطتهم ثورات المد التحرري العربي العظيم خلال العام الحالي. ولكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة على ما يبدو لم يستوعب هذا الدرس.
فلا يساورني الآن شك في أن الطاغية المخلوع قد أوكل حكم مصر إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو قرار معيب بجميع المعايير، على وعد منهم بأن يحموا نظامه وعصابته وأن ينتقموا له من الشعب، خاصة الشباب، الذي تجرأ وثار عليه. فالشواهد قد تراكمت على أن المجلس لم يتخذ قرارا لحماية الثورة، على قلة مثل هذه القرارات، إلا على مضض بالغ وتحت ضغط هائل من قوى الشعب الحية، بينما بذل المجلس جهدا هائلا لحماية بُنى ومجرمي نظام الحكم التسلطي الفاسد والمستبد الذي قامت الثورة لإسقاطه، من دون أن ينفي ذلك شبهة حرص المجلس على مصالحه الخاصة باعتباره مكونا أصيلا من النظام الساقط.
وعندما أرغم الضغط الشعبي المجلس على تقديم رئيسه وبطانة السوء التي أحاط نفسه بها إلى المحاكمة، بتهم واهية أساءت النيابة العامة تكييفها عمدا، تصرف وكأن هذه المحاكمة الهزلية كانت آخر تنازل يقدمه للثورة، وانصب جهد المجلس بعد ذلك على ملاحقة الشرائح النشطة من الشعب المصري بتجريم أفعال التظاهر والاعتصام وتقديمهم لمحاكمات عسكرية جائرة، وعلى تبرئة الطاغية المخلوع بشهادات تحت القسم ناقضت تصريحات سابقة لهم. وعلى عقاب عموم الشعب بالغلاء الملتهب واستشراء الظلم الاجتماعي وتفاقم كبت الحقوق والحريات.
وقد لا ينازعني القارئ في زعمي بأن الظروف الموضوعية في مصر الآن تشابه تلك التي سادت في الشهور الأخيرة لحكم الطاغية المخلوع، بل هي ربما أسوأ خاصة على بعدي بطش الحكم التسلطي بالحقوق وتفاقم الظلم الاجتماعي.
والحق أن نظام الحكم التسلطي للمرؤوسين قد تفوق على نظام رئيسهم في القهر والبطش. فرفع المجلس العسكري سجل انتهاكات الحكم التسلطي للحقوق والحريات في مصر إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وما زالت الأيام الدامية في تاريخ مصر المعاصر تتكرر برتابة تثير الشبهات القوية حول دور المجلس وأساليبه، مع تصاعد وتيرة انتهاك قوات الشرطة والجيش لحقوق التظاهر والاعتصام التي لا يكل المجلس من الإدعاء الكاذب بحمايتها. وذلك من خلال دهس المتظاهرين بمدرعات الجيش، وباستعمال كيماويات محرمة دوليا ضدهم، وبالتحرش الجنسي المشين بالمتظاهرات، وبالتعدي على القضاة وأعضاء مجلس الشعب المنتخبين في برلمان ما بعد الثورة، وبإطلاق البلطجية المأجورين الذين أسبغ عليهم صفة "الأهالي" لارتكاب جرائم التعدي على المتظاهرين والمعتصمين في حماية قوى الأمن المدنية والعسكرية، ولم تعد تخفي صلتهم بالمجلس وبفلول النظام الساقط.
ولن يغفر التاريخ للمجلس تمسكه الواهي بأهداب شرعيات زائفة، يشي تعددها بشعور المجلس بانعدام شرعيته. فالشرعية الوحيدة التي يمكن أن يدعيها المجلس بحق هي الشرعية الثورية التي أسبغها الشعب الثائر، مصدر السيادة الوحيد، على المجلس بندبه لحماية الثورة. وها هو المجلس قد أسقط استحقاقه لهذه الشرعية بمعاداته للثورة وحماية من يكيدون لها، فآن للشعب أن يسقط شرعيته التي منحها للمجلس. ولن يبقي للمجلس حينها إلا شرعية القوة الجبرية، وهي على خلاف ما قد يظن بعض الحمقى، أوهى الشرعيات قاطبة وأشدها استجلابا لغضب الشعوب ولتجريم التاريخ.
ولا يعفي المجلس من المسؤولية التاريخية أنه اصطنع دائما ناصحي سوء ومعاونين إمعات من ضعاف النفوس والشخوص. سواء كانت حكوماته التي شكلت استمرارا للنظام الساقط في السياسات وقلة الهمة وحتى في الشخوص الخارجين من عباءة مجلس سياسات الوريث المحبوس أو الأوعية الأقدم في نظام الفساد والاستبداد. ويأتي على رأس هذه الجهات المشبوهة النيابة العامة التي ورثها المجلس من رئيسه السابق وتمرست في حماية مجرمي النظام الساقط حتى بعد سقوط رأسه على حساب حق الشعب الذي أقسمت على الذود عنه، تملقا للمتسلط الأكبر أيا من كان، ما دامت له صلاحية تعيين النائب العام وإعفائه.
ومن هنا، فالتحية واجبة لأعضاء المجلس الاستشاري الذين استقالوا من عضوية المجلس احتجاجا على قمع متظاهري مجلس الوزراء بالعنف المفرط، خاصة معتز عبد الفتاح الذي كان قد استقال قبلا من منصبه الاستشاري في الحكومة السابقة. ومن العيب على بعض أعضاء المجلس الآخرين أن يستمروا تحت هذه الظروف أبواقا صدئة للمجلس العسكري في الإعلام.
كما أن تصريحات الجنزوري، صاحب الصلاحيات الرئاسية المدعاة، عن أحداث عنف الجيش تجاه متظاهري مجلس الوزراء تؤكد أنه ليس إلا بوقا آخر للمجلس العسكري، تماما كسلفه الذي سقط غير مأسوف عليه.
ولن يغفر للمجلس أيضا إنكاره الكاذب، لوقائع موثقة بالصوت والصورة وبشهادات من انتهكت حقوقهم مثل فعل فحص العذرية الحقير، وبذاءات جنود الجيش وضباطه التي لا يمكن تصورها من دون أوامر من أعلى أو تسامح مع مرتكبيها يغري باقتراف أفدح منها فيما بعد.
والدليل على تواطؤ المجلس ومعاونيه في التحريض على هذه الانتهاكات وتشجيعها هو أن لا أحد قد قدم لمحاكمة جادة في وقائع أي من الأيام الدامية التي تعهد المجلس بتحقيقات نزيهة في ما جرى فيها، مكتفيا بالإشارة المُعمّاة إلى طرف ثالث مُجهّول، واختفت تلك التحقيقات في بئر النيابة العسكرية، أو المدنية العميق، فلا فرق بينهما في السكوت عن الحق، بينما تفاقمت الانتهاكات باطراد. ولم نسمع عن مدني أو عسكري قدم لمحاكمة إثر أي من هذه الأيام الدامية إلا وكان اتهامه باطلا أو ظاهر التلفيق مثل الشهيد مينا "ويا للصفاقة!" وعلاء عبد الفتاح الذي تفاقمت تهمه بعد إحالته لنيابة أمن الدولة الاستثنائية، على حين قدم ضابط الشرطة صائد العيون إلى النيابة العامة. ويحدونا بقية من أمل في أن هذا الاعتراف، في صورة الإنكار المفضوح، ليس إلا شعورا بهول الجرم الذي يرتكبه المجلس ومعاونوه.
ولا ريب في أن جريرة المجلس الأكبر هي أن صارت مصر هي الحالة الأوضح والأفدح على إخفاق السلطة الانتقالية في حماية ثورة شعبية رائعة، ومنعها من الاكتمال، حتى لا نقول اختطافها وتسليمها لأعدائها. وتكفي المقارنة بالحالة المثال لتونس، لتبين الجريمة التاريخية التي ارتكبها المجلس العسكري في حق الثورة، ولن يبرأ منها البلد ولا الشعب بسهولة وبدون تكلفة قد تكون هائلة، يتحمل وزرها المجلس وحده.
فهل يصحح مجلس الشعب القادم جماع هذه الجرائم التي يندى لها الجبين ويعمل على ضمان اكتمال الثورة العظيمة ونيل غاياتها في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى