التصريح الأخير الذى أدلى به د.كمال الجنزورى رئيس حكومة الإنقاذ الوطنى والذى كشف فيه أن قطاع البترول مدين للبنوك ب 61 مليار جنيه مع أنه الدجاجة التى تبيض ذهبا فى كل بلاد الدنيا قد وضع الملح على الجرح، وأكد فعلاً أن المال السايب يعلم السرقة، وأن ما قاله الحكماء الأوائل بأن «من أمن العقوبة أساء الأدب» صحيح مائة فى المائة.
ولكن هل سيضرب وزير البترول المهندس عبدالله غراب رؤوس الفساد بيد من حديد أم أنه «سيطبطب ويدلع» ويقول بينه وبين نفسه: لقد أسمعت لو ناديت حياً.. ولكن لا حياة لمن تنادى.
أكتوبر تفتح ملفات الفساد، وتنشرها تباعاً من خلال الوقائع والمستندات فى محاولة جادة لتصحيح الأوضاع..
وكانت البداية فى مؤسسة دارالمعارف ومجلة أكتوبر عندما دخل علينا أحمد عبدالرءوف أحمد الشريف مدير إدارة التخطيط بشركة تاون جاز - قبل فصله - دخل علينا يحمل فى يده حقيبة مستندات خطيرة تنوء عن حملها الجبال.. اعتقدت لأول وهلة أنه تجاوز الستين أو السبعين، ولكن اكتشفت من خلال بطاقة الرقم القومى أنه رجل خمسينى، تبدو عليه آثار السفر والمرارة، وعلى جسده آثار التعب.. ولكن فى المقابل يرافقه شاب آخر أكثر حيوية وصلابة، بدا من بنيانه القوى، أنه عرك الحياة وعركته وأن له صولات وجولات مع رموز الفساد فى قطاع البترول، قال: إنه حل ضيفاً كريماً على سجن العقرب فى عهد النظام السابق وتعرض لإطلاق نار ومحاولات قتل لا حصر لها، ولكن «عمر الشقى بقى» على حد قوله.. أعطانى أكثر من 10 ملفات فساد متعلقة بالآبار والمناجم والمرتبات والحوافز والعمولات الخاصة، وخطوط الغاز ومشروع مسطرد وجبل السكرى، وأصحاب الجاه والسلطان، والأصهار والأقارب فى وزارة البترول، وملفات أخرى متعلقة بلغة المصالح «وشيلنى وأشيلك» والعزف على جثة الوطن، ومافيا سامح فهمى فى وزارة البترول، بالإضافة إلى ملفات أخرى متعلقة ببعض المنشآت الحيوية.
وفى ذات السياق أكد عمرو رمزى رئيس ائتلاف شباب البترول إنه لن يستريح ومعه عشرون ألف شاب على مستوى 32 شركة من شركات القطاع العام والاستثمارى إلا بعد القضاء على رموز الفساد، وقطع جذور النظام السابق، وكشف السفريات والحفلات الخاصة وعودة مصر المنهوبة إلى أصحابها، مؤكداً أن مصر غنية بأبنائها وخبرائها وثرواتها إلا أن الفساد الإدارى الذى نخر عظام أجيال متعاقبة من الشباب وأكل لحوم الكثير من أبنائها الأوفياء أعطى الفرصة لقلة قليلة من الأكابر أن تأكل خيرات هذا البلد على طبق من ذهب.
وملف اليوم مرتبط بملف استيراد خراطيم الغاز الطبيعى، والتى تعد قنبلة موقوتة فى كل بيت مصرى وذلك بعد أن قررت شركة تاون جاز بتاريخ 10/12/2009 استيراد 320 ألف خرطوم غاز صينى من إحدى الشركات التركية غير مطابقة للمواصفات المتعارف عليها والتى تعمل بها الشركة، وهى المواصفات الإنجليزية الخاصة بهيئة الغاز البريطانية. (استشارى شركة بيردج جاز) والتى تؤكد أنه لابد أن تكون مواصفات الماسورة واللاكور والخرطوم والعداد مواصفات إنجليزية، وتشترط مثلاً أن تكون قوة الخرطوم 7.5مم «بار» أى أن تكون وحدة قياس الضغط مرة ونصف قوة الدفع حتى يتمكن الخرطوم من تحمل ضغط الغاز، وأن تكون ماسورة الغاز 75مم بار، بمعنى أن وحدة قياس الضغط مرة ونصف أيضاً من قوة الضغط، مما يعنى أن قوة التحمل يجب ألا تقل عن 100مم بار.
ومع هذا - كما يقول عمرو رمزى من خلال المستندات والتى حصلت أكتوبر على نسخ منها - فإن آخر كمية دخلت مصر كانت فى 15/6/2010، وتم تركيبها بالكامل مما يؤكد أن المشاركين فى تلك الصفقة شركاء متضامنين فى قتل المصريين الأبرياء الذين احترقوا واختنقوا وماتوا بالغاز نتيجة رداءة الخراطيم الصينى وعدم مطابقتها للمواصفات.
فيما التقط خيط الحديث أحمد عبدالرءوف مدير إدارة التخطيط مؤكداً أن تلك الخراطيم قنابل موقوتة فعلاً، وأنه تمت حالات موت واختناق واحتراق كثيرة، وتبين أن سبب حالات الاختناق المتعددة هو أنه عند تركيب الغاز فى الشقة يضطر العبقرى المصرى لعمل توليفة بين الخرطوم الصينى واللاكور الإنجليزى لاستكمال معدات تركيب الغاز فى شقة واحدة. وكأن الموضوع كوكتيل فاكهة أو سمك لبن تمر هندى.
ومكمن الخطورة فى الموضوع - كما يقول عبدالرءوف: إن الخرطوم الصينى لا يقبل مثلا الماسورة الإنجليزى، وأن اللاكور الفرنسى لا يقبل الخرطوم الصينى، وذلك لاختلاف سن القلاووز عندها يلجأ الفنى إلى الاستعانة إلى حيل متعددة منها «الجلبة» الجلد ليمنع تسرب الغاز، والتى تكون عرضة للتلف فى أية لحظة نظراً لقصر عمرها الافتراضى، ولأنها ليست مصممة لتحمل ضغط الغاز، أو الاستمرار لفترات طويلة.
وعن شروط البحث الفنى لمعدات تركيب الغاز يقول أحمد عبد الرءوف مدير إدارة التخطيط بشركة تاون جاز سابقاً: إنه عند استيراد أى شحنة خراطيم أو لاكورات أو مواسير يتم أخذ نسبة عشوائية لاختبارها وتحليلها فى مراكز المعامل والمعايرة على أن يكون اختبار نسبة تحمل الخرطوم «مرة ونصف» ضغط الغاز، وأن يكون مرفق مع الشحنة شهادة صلاحية من أكثر من دولة قامت باستخدام مثل هذه الخراطيم واللاكورات لضمان السلامة، كما يجب على الشركة المُصدّرة أن تكون ذات سمعة عالمية ولها خبرة دولية، وحاصلة على شهادة الجودة (الأيزو) فى تلك الصناعة.
لجان ملاكى
ولكن ما حدث مع شحنة خراطيم 2009 التى قامت شركة تاون جاز باستيرادها من تركيا، والتى تجاوز عددها 320 ألف خرطوم، والتى ثبت بالدليل القاطع أنها خراطيم صينى، وغير مطابقة لمواصفات هيئة الغاز البريطانية، أنه ما إن وصلت الشحنة حتى قام رئيس إدارة المهمات بتشكيل لجنة مكونة من فنى طوارئ إبراهيم مجدى إبراهيم وفنى عبدالمحسن محمد محمد، وهو فنى متخصص فى الشبكات الأرضية والمواسير ولا علاقة له بصفقات أو شحنات الخراطيم، ومع ذلك تمت الاستعانة به لفحص الشحنة، كما تمت الاستعانة بالمهندس صلاح حسن محمد لإضفاء الشكل القانونى على اللجنة حتى تتم بسلام.
ويشير عبدالرءوف أن صفقة ال 320 ألف خرطوم التى استوردتها شركة تاون جاز وتبين أنها غير مطابقة للمواصفات رغم أن سعر الخرطوم تجاوز ال 4 دولارات وعشرين سنتا، بما يعادل 25 جنيهاً مصرياً، وتبيعه الشركة للمستهلك ب 94 جنيهاً.. أن هذه الصفقة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، حيث تمت بعد ذلك صفقات أخرى اقتربت من حد ال 120 ألف خرطوم تم استيرادها فى تاريخ 15/6/2010، حيث قام المهندس أحمد على السمين مدير عام المهمات وقتها بتشكيل لجنة مماثلة - كالتى شكّلها فى الشحنة الأولى، حيث اعتمد فيها على هؤلاء الفنيين الذين لا علاقة لهم بالفحص والاختيار، وتبين أيضاً بأنه لم يستعن بأعضاء اللجنة الفنية المنوطة بالقيام بمثل هذه الأعمال، والمسئولة قانوناً عن اختبار الخراطيم فى معامل القياس والمعايرة.
وألمح عبد الرءوف أن أكثر من 18 مليون جنيه ضاعت على المصريين نتيجة هذه الصفقة المتواضعة فى وقت تحتاج فيه الخزانة العامة لكل مليم يمكن أن يسد عجز الموازنة فى تلك المرحلة الحرجة، موضحاً أن بوليصة التأمين الموقعة بين شركة تاون جاز والشركة التركية لا قيمة لها الآن لأن صلاحية بوليصة الدفع أو الاستيراد فى أى قانون لا تزيد على عام واحد وهى الفترة التى يمكن من خلالها استرداد البضاعة، أو الحصول على جزء من التأمين، ولكن فى مثل هذه الحالة فقد خسر المواطن المصرى «الجلد والسقط» كما يقولون بعد أن مر على بوليصة التأمين أكثر من عامين حيث تم التوقيع عليها فى 2009.
وعن الإجراءات القانونية لمنع استرداد مثل هذه المهمات يقول أحمد عبدالرءوف: إنه تقدم بعدة بلاغات - حصلت أكتوبر على صور منها - للمستشار عبدالمجيد محمود النائب العام والمحامى العام لنيابات شرق القاهرة كشف فيها أن معدات تركيب الغاز التى تستوردها شركة تاون جاز، والتى تقوم بتركيبها للمواطنين تباعاً بها عيوب خطيرة فى الخراطيم والمحابس، واللاكورات والعدادات، وأنه بموجب مثل هذه البلاغات وبصفته مدير إدارة التخطيط والمتابعة بالشركة، ولكونه يعلم كل كبيرة وصغيرة فى مثل هذه المسائل يخلى مسئوليته، ويأمل أن تسير التحقيقات فى مجراها الطبيعى بعيداً عن أساليب التجاهل والحفظ المتعارف عليها.
والدليل على فساد ورداءة مهمات ومحابس وخراطيم شركات الغاز - كما يقول عبدالرءوف - تلك الحوادث المأساوية التى أودت بحياة كثير من الأبرياء والذين ارتبطت أرواحهم بخراطيم الغاز الصينى، والتى باتت ترقص معهم رقصة الموت أو رقصة الوداع فى أى لحظة من ليل أو نهار، خاصة إذا كانت الشقة مغلقة أو متروكة لعدة أيام.. حيث يفاجأ المواطن عند فتح باب الشقة بنار الله الموقدة وتنتهى حياته فى لمح البصر حيث يتسرب الغاز من وصلة اللاكور والخرطوم والماسورة وبعد تعبئة الشقة.. وفتح «كوبس الكهرباء» يحدث الماس وبالتالى تحدث الكارثة.
وفى نفس السياق فقد حصلت أكتوبر على مستند خطير يؤكد أن القيادات المسئولة عن استيراد مهمات تركيب وصلات الغاز شريك متضامن فى إزهاق أرواح المصريين لعدم توخيها الدقة وعدم مراعاة مواصفات السلامة والقياس والمعايرة المتبعة فى الشركات الإنجليزية أو هيئة الغاز البريطانية.
والدليل على فساد تلك المعدات والمهمات المتمثلة فى المحابس والمواسير والخراطيم واللاكورات ما يحدث من حالات وفاة يومياً بسبب الاحتراق والاختناق والدليل أنه بعد وفاة أربع أفراد من أسرة واحدة بمنطقة المطرية كلّفت النيابة العامة فى المحضر 6313 لسنة 2011 د. أشرف محمد محمد بالتوجه إلى موقع الحدث وإعداد تقرير طبى لمعرفة أسباب الوفاة، حيث تبين - كما يقول التقرير - الذى حصلت أكتوبر على نسخة منه بأن الأسرة الكائنة بشارع التروللى بحى المطرية والمكونة من 4 أفراد قد ماتت نتيجة تفحم واحتراق واختناق نتيجة انبعاث غاز أثناء النوم مع حريق، مما يعنى عدم وجود شبهة جنائية، وأن الجثث الأربع تحت تصرف النيابة.
وعوداً على بدء يقول معوض رمزى رئيس ائتلاف شباب البترول إنه لكثرة وقائع الفساد فى الوزارة التقى وأحمد عبدالرءوف مع المهندس عبدالله غراب وقدم له مستندات وملفات خطيرة، سيتم الكشف عنها تباعاً، ووعد الوزير باتخاذ اللازم حيال تلك المخالفات.
ومن جانب آخر طالب رئيس ائتلاف شباب البترول بإقصاء كل المنتفعين من العصر البائد والذين مازالوا ينتهجون نفس السياسة التى كانت متبعة قبل 25 يناير، المتمثلة فى الفساد الإدارى المتجذر فى شركات القطاع العام والاستثمارى، وخاصة ما كان متعلقاً بنظام الحوافز والمكافآت والترقيات والعلاقات الأسرية، والوصول إلى أعلى المناصب بالمجاملات والمحسوبيات.
تراخيص جديدة
كما وافق الوزير على أن يجتمع مع ائتلاف شباب البترول كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع وتعيين 2 مستشارين و2 من النواب على أن يكون أحدهما للتعدين بعد «سحب تراخيص المحاجر من المحليات، وسن قوانين جديدة خاصة بوزارة البترول تسمح لها بالإشراف الكامل على المحاجر والمناجم والرخام والسن والظلط والفوسفات والمنجنيز والحديد، وأن تكون الوزارة هى المسئولة عن استخراج التصاريح، وأن يعود فائض الإنتاج على مراكز الأبحاث والتطوير وشراء معدات جديدة وإقامة دورات تدريبية للشباب بدلاً من توزيع الأموال على المحاسيب.
وعن تصريح د. كمال الجنزورى الأخير والذى أكد فيه أن قطاع البترول مدين للبنوك ب 61 مليار جنيه مع أنه الدجاجة التى تبيض ذهباً فى كل الدنيا قال رمزى: فعلاً قطاع البترول مدين للبنوك بهذا المبلغ، ولكن يجب أن يعرف القارئ أن وزارة المالية مدينة لوزارة البترول فى الموازنة العامة ب 100 مليار جنيه، ناهيك عن الدعم الذى كانت تقدمه الحكومة المصرية لإسرائيل والأردن والذى بلغ 10 مليارات دولار لإسرائيل و8 مليارات دولار للأردن ومثلها لأسبانيا، بالإضافة إلى ملف سرقات «مصالحة الأراضى» والذى أهدر فيه 31 مليار جنيه، وأسرار منجم السكرى الذى تحصل فيه الحكومة الاسترالية على 90% من الإنتاج مقابل التنقيب حتى سنة 2012، فى الوقت الذى لا تحصل فيه الحكومة المصرية إلا على 10% بالإضافة إلى الملفات الأخرى التى سنكشف عنها تباعاً.
فى الملف القادم:
حكاية المافيا الدولية التى سرقت بترول مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى