المرض الأكثر انتشارا فى مصر من السكر والضغط والسرطان وفيروس «سى» هو مرض الفهلوة!
وها نحن أولاء ندير أهم انتخابات تشهدها مصر منذ عام 1952 بنفس الطريقة التى ندير بها حياتنا خلال عصر مبارك، طريقة الفهلوة والكروتة والفكاكة والعشوائية ووضع التراب تحت السجادة كأننا ننظف!
تعودنا أو تصورنا أن تزوير الانتخابات هو فقط تسويد البطاقات وتصويت الموتى وتزييف الجمع والطرح فى الأرقام، ولهذا فنحن سعداء جدا أن هذه الانتخابات لم تشهد مثل هذه المآسى الملاهى، لكن المشكلة أن الانتخابات تعانى من ضربة موجعة فى شرعيتها نتيجة انتهاكات دؤوب ومستمرة ومنتظمة بينما نعالجها بالسكوت والتواطؤ والطرمخة والرغبة فى عدم إطلاق نار فى الفرح كى لا نفسد على أهل العروسين فرحهم وفرحتهم، ثم إننا بعد كل ما شفناه من تزوير سافل وصفيق فى عهد مبارك يصبح بالنسبة إلينا أى رائحة حرية ترضى وأى خلو من التزوير الفج يكفينا كى نمرر تحفظاتنا ونمر كراما سراعا على مخازى هذه المرحلة فى الانتخابات كأن شيئا لم يكن أو بأقصى تقدير نردد الثرثرة الفارغة واصفين ما جرى بأنها مجرد تجاوزات ومخالفات لا ترقى إلى الطعن فى شرعية الإجراءات فضلا عن أنها لا تشوه الصورة التى نتصورها جميلة ورائعة للعملية الانتخابية!
وهذا كله يقودنا إلى احتمال موجع هو الطعن فى الانتخابات وسحب الشرعية عن برلمان من المفترض أنه سيشكل لجنة صياغة الدستور، وهو ما يجعل دستورنا نفسه محل تساؤل حول شرعيته، وقد دعت إليه أو انتخب صائغيه نواب يفتقرون إلى الشرعية أو جاؤوا عبر انتخابات تصدر ضدها أحكام قضائية بالبطلان!
الأدلة كثيرة على رغبة الجميع من المجلس العسكرى وحتى الأحزاب المشاركة والتيارات السياسية بإعلامها ورجالها فى التستر على الانتهاكات، وهى صارخة لا تحتمل الطرمخة، لكن يكفى مثالا أن اللجنة العليا للانتخابات كانت مصممة على إجراء الانتخابات فى دائرة الساحل التى شهدت سرقة صناديق واختفاء صناديق والتلاعب فى البطاقات بعشرات من الصناديق الأخرى فضلا عن مساخر مصاحبة، ومع ذلك كانت تصر على الاستمرار فى إجراء الانتخابات بها، ورغم صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا بوقفها، ثم حين تصدر اللجنة كذلك قرارا بالاستجابة بعد لأْى ولفّ وتلكؤ إذا بها تسمح باستمرار انتخابات على مقعد الفردى فى دائرة أخرى تتشارك فى نفس الانتهاكات مع دائرة الساحل.
قراءة تقارير جمعيات ومنظمات المراقبة على الانتخابات تفضح انتهاكات لا يمكن أن تمر فى دولة ديمقراطية أو حتى نصف ديمقراطية تحترم إرادة مواطنيها لكننا كأننا مُحدَثو نعمة، نقبل بالقليل وبالفتات الديمقراطى وبالهرطقة القانونية كأنه مكتوب علينا أن لا نمتلك أبدا حقوقنا كاملة، والمخيف هنا أن اللجنة العليا للانتخابات التى تريد لنا أن نفهم أنها مستقلة بينما هى مستقلة عن الواقع فعلا تنكر هذه الانتهاكات، أو بأفضل تقدير تخفف منها ومن أهميتها، ثم تناشد وتطالب جهات غير معلومة بالتصدى للمخالفات (طبعا تنزل بهذه الانتهاكات إلى مصافّ المخالفات فتهبط بها من الجناية السياسية إلى الجنحة!) أو تزعم أن هذه المخالفات (..) مشكلة أخلاقية لا إدارية ولا قانونية!
سنصرف النظر هنا عن الطريقة البدائية للانتخابات فى التصويت والتشميع والنقل والفرز والجمع والطرح باليد والآلة الحاسبة والتعليم على الورق التى تعود إلى القرون الوسطى وسنعتبر هذا جزءا من تخلف مصرة عليه مصر رغم التقدم التكنولوجى الهائل الذى تعيشه طرق التصويت الآلى والإلكترونى فى العالم كله (وبالمناسبة الهند اخترعت آلات لتصويت مليار ناخب ورخيصة الثمن وعالية القدرة وخالية من أى بدائية تعطل وتعوق وتفشل) لكننا عندما نتكلم عن مشكلات تنظيمية فى الانتخابات فنحن نتكلم عن مشكلة فى شرعيتها، فالانتخابات ما هى إلا إجراءات وتنظيمات وعمليات إدارية، وأن نتحدث عن سلبيات شابت العملية الانتخابية فهى سلبيات تصيب إرادة الناخب ومن ثم تخل بموازين التمثيل الحقيقى المعبّر عن رغبة الناخبين. إن التخفيف من حجم ما جرى من انتهاكات ليس حلا ولن ينفى وجودها المتضخم رغم محاولات التهوين المتحمسة!
وبعد هذا كله أرجو أن تتكرموا علينا وتتوقفوا عن ابتذال الثورة التى استشهد من أجلها وفيها عشرات الشهداء حين تصفون البرلمان القادم ببرلمان الثورة.. هذه إهانة للثورة، راجعوا ضميركم قبل أن تستمروا فى إهانتها، فالمسألة مش ناقصة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى