اخترت سميرة إبراهيم عندما كتبت عن شخصية العام فى جريدة «الأخبار» اللبنانية.
وهزتنى شعبية أحمد حرارة عندما غنى له على الحجار ليلة رأس السنة فى ميدان التحرير.
ورأيت أن اهتمام الناس بمولود علاء عبد الفتاح إشارة إلى تحول لم تعد فيه السلطة هى صانعة الحكايات.
كل منهم له حكاية عن قوة الفرد فى مواجهة دولة استبداد تعيش على تحول المجتمع إلى قطعان تسوقها فى الصباح إلى مكاتب ومصانع وتعيدها إلى البيوت فى المساء بعد أن تكون قد اكتملت رحلة الترويض.
سميرة وحرارة وعلاء.. حكايات تفتح أفقا جديدا، لأنها تشير فى كل منها إلى طريق جديد.
سميرة خرجت من قفص الأخلاق البليدة لتواجه «سلطة» صنعت بالخوف قداستها، وحرارة أكد بفقدانه نور العين قيمة الكرامة والحرية وأن الاستسلام للقهر والخلاص الفردى هو عمى أكبر.. علاء امتنع عن الامتثال لخطيئة تمنحها السلطة العسكرية قوة القانون، الاستسلام لخطايا تستخدم القانون للقهر، تكسرت مع الإرادة القوية لفرد واحد.
هؤلاء جميعا حكايات جديدة كشفتها الثورة التى جعلت مصر تكتشف نفسها بعد ٦٠ سنة من ثقافة القطيع القائمة على وطنية الامتثال للأوامر.
المجلس العسكرى يحارب بكل ما أوتى من أدوات وأجهزة قمع للدفاع عن الجمهورية القديمة، جمهورية الاستبداد وحكم الأجهزة الأمنية. الجمهورية الشمولية حيث الحاكم أو السلطة الحاكمة هى كل شىء.
يتهم المجلس المختلفين معه بالخيانة، ويحارب كل الكيانات التى لم تدخل حظائر التدجين، ويشن حربا نفسية لإعادة ثقافة القطيع… كل هذا باسم «وطنية» ترى فى كل المعارضين عملاء وواجهات لقوى خارجية.
وهذا ما كان يفعله مبارك بالضبط، كان يتحدث عن «المصالح العليا للوطن» التى لم تكن سوى قيم غامضة يمكنه باسمها أن يروض شعبا كاملا إما بالتخويف وإما بالتخوين.
«الوطنية» هى الطاعة فى رأى من يمسك السلطة، ويروض الشعب إلى الطريق الذى يريد.
كانت «الوطنية» أو قمتها العالية هى الحرب مع إسرائيل، وعندما هزمت القوات المسلحة أصبحت الوطنية هى الاستنزاف فالحرب الكبرى، ثم فض الاشتباك، وهنا اختلفت الآراء إلى «تفاوض» و«لا تفاوض»… لكن السلطة أصرت على أن اختيارها هو الوطنية… وهى نفسها التى اعتبرت الوطنية هى السلام مع إسرائيل، والمختلف معها جاسوس وعميل لقوى خارجية، ويحاكم ويوضع فى السجون.
وهكذا فالمصالح العليا هى ما تراه السلطة وتريده.
والخارج عنها جاسوس… وحاقد ومأجور.
هذه تقاليد ما سميته من قبل «الوطنية» الكاكى، وطنية الطاعة والطوابير وقطعان تحارب بأوامر وتسالم بأوامر.
المشكلة عندما انتقلت هذه الوطنية الكاكى إلى المجال المدنى، وطلبت السلطة من الشعب التحول إلى «جنود» فى معركة لا أحد يعرف متى ينتهى.
هل يعقل أن مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تقنع فيه السلطة شعبها بأنه معرض للمؤامرات ولا فرق بين عبد الناصر والسادات ومبارك والمجلس العسكرى؟
هل من الطبيعى أن كل معارضة لا تسمع الكلام تصبح مأجورة وتعمل ضد «المصالح العليا»؟
.. الحقيقة أن هذه كلها مفاهيم مستوحاة من تصور هتلر عن الدولة.
تصور يضع الشعب فى حالة طوارئ، ويبعده عن المشاركة أو المطالبات لأننا فى «حرب» وهى شىء لا يفهمه سوى قلة قليلة، أو خبراء هم الذين يعرفون وحدهم «المصالح العليا» للوطن.
وهذه تصورات واهمة.. لأن المصالح العليا للوطن هى الفرد الذى يجب أن يشعر بالأمان والكرامة والحرية والعدالة قبل الخبز دائما.
الفرد هو الأمن القومى فى الدول الديمقراطية… حين لا يتعلم الشعب الديمقراطية ولا الوطنية من الجيوش.
لم يعد الكاكى مسطرة الوطنية.
المجتمع يصنع حكاياته ومفاهيمه.. وهنا تشتعل حرب الأجهزة القديمة كلها ضد المجتمع لإعادة المجتمع إلى الحظيرة والمسطرة إلى السلطة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى