وائل عبد الفتاح : لا تضحكوا على شفيق
شفيق ليس كوميديا.
إنه حامل رسائل من جمهورية الاستبداد ودولتها العميقة.
الصورة التى يرسمها للثورة: شعب طيب غضب قليلا… لكن جماعة الأشرار حولت هذا الغضب إلى مسرحية قامت بها بكل الأدوار: قتلت الثوار وفتحت السجون واستعانت بعناصر خارجية… كل هذا وشاركت فى استمرار الغضب حتى سقوط الديكتاتور.
هذه هى الصورة: جماعة الإخوان هى صانعة الشرور أما الشعب الطيب فسنوزع عليه منحا مدهشة ليست العلاوات فقط كما كان الحال أيام مبارك، لكن تقنين وضع المخالفين الذى يبنون على الأرض الزراعية.
صور يبدو معها شفيق مثيرا للسخرية لكنه يخاطب بها كتل تصويت بعيدة عن القاهرة والمدن الكبرى، يستدعيها لتحل مشكلاتها الصغيرة، ويخرب وعيها لتوافق على شيطنة الإخوان بهذه الطريقة المستوحاة من سيناريوهات ١٩٥٤.
وهى طريقة تختلف تماما عن المسافة السياسية بين الثورة والإخوان التى تتسع منذ ١٩ مارس أى الاستفتاء الذى نجح العسكر فى تحويله إلى يوم أسود على الثورة.
شفيق يلعب على صورة الإخوان المثيرة للرعب ويضخمها ليبدو أنه الفارس القادم على حصان أبيض من زمن الجمهورية الاستبدادية.
ويروج شفيق إلى خرافة أنه «الدولة المدنية»، وهى الخرافة التى عاشت بها جمهوريات عبد الناصر والسادات ومبارك، وكلها مع الاختلاف بين نبل عبد الناصر وحنكة السادات وانحطاط مبارك، لكنهم جميعا أبناء جمهورية الاستبداد المحكومة بقانون عسكرى خفى، وشرعية الغالب مسيطر، وثقافة الثكنات التى تبحث عن «الاصطفاف» الوطنى خلف الزعيم أو القائد، لهذا كان كل رئيس قائد حتى لو مبارك الذى لم يكن له ذكر إلا فى عالم البيروقراطية العسكرية.
شفيق خرج من أطلال هذه الجمهورية وعلى وجهه علامات ضرب الأحذية، ليبشر الناس أنه سوبرمان المدنى الذى سينقذ المدينة من شياطين الطائفية.
باسم الرعب من الإخوان يبيع شفيق كوميديته بعد أن يداعب أحلام المواطن الذى عاش سنوات طويلة بالتحايل على الدولة، فيأتى من يقترب من رئاسة هذه الدولة، ويقول له سأغمض عين الدولة وسأجعل تحايلك قانونيا.
غواية مثيرة للدهشة السياسية، تشير إلى أن هذا ما تبقى من جمهورية الاستبداد بعد أن صنعت شعبيتها بقوانين الإصلاح الزراعى مع عبد الناصر، ها هى تنادى على آكلى الأرض الزراعية لتمنحهم رخصة مخالف مقابل صوت فى الصندوق.
هذه أخلاق عصابة تسرب للجمهور المحروم من كل اهتمام والمقيم على هامش النشاط السياسى والاقتصادى، سنتذكركم معنا بقطعة من الكعكة.
شفيق يوقظ المصالح النائمة التى تعوق التغيير الحقيقى، ويحول عناصر مقاومة الثورة إلى ترسانة قوية، بعد أن عاشت أيام الشتات فى ظل مجلس عسكرى أراد الحفاظ على استقرار المصالح بأقل قدر من التغيير الاضطرارى. حاكم مبارك دون أن يحاكم بارونات الدولة الأمنية، حل جهاز أمن الدولة لكنه أعاد تشكيله.. إلى القبض على لصوص الثروات لكن محاكماتهم شكلية وعلى السطح وتطارد المسروقات التافهة، بينما البنية الأساسية لدولة الفساد ما زالت مستمرة.
المجلس العسكرى حافظ على استقرار المصالح ومنحها قوة بإجراءات دعائية لم تلمس أعمدة الاستبداد، وها هو شفيق يبشر الخفافيش أن وقت الظلام سيعود من جديد وستعلن دولتهم من جديد.
شفيق ليس كوميديانا… لا تضحكوا عليه.