قلة النوم تفقد التركيز أثناء القيادة
بيروت ـ سمية محمود
لماذا ننام؟ سؤال مهم حيّر العلماء على مدى قرون طويلة وحتى يومنا هذا، وتعددت النظريات التي حاولت الإجابة عنه. وعلميًا، لا يوجد تفسير دقيق يجيب عنه، إلا أن العلماء باتوا يعلمون كثيرًا عن أهمية النوم السليم للصحة البدنية والنفسية السليمة، إضافة إلى وصف طبيعة النوم، وما يصاحبه من تغيرات حيوية وعضوية. وفي دراسة للدكتور
الأميركي إيفيرسون، أجريت على الفئران ونشرت في العام 1989 في مجلة "النّوم" الطبية، كانت النتيجة موت جميع الفئران التي حرمت عمدًا من النوم تمامًا، وبشكل حاد، بعد عدة أيام، وذلك بسبب مضاعفات خطيرة ظهرت على شكل هزال شديد، وتقرّحات في الجلد، واختلال في عملية التمثيل الغذائي، تطورت إلى تسمم بكتيري في الدم، نتيجة انهيار نظام المناعة.
أما بالنسبة للدراسات الطبية التي أجراها العلماء على الإنسان، فقد استمر الحرمان القهري من النوم لمعدل 5 إلى 10 أيام فقط، نظرًا لنوبات النوم القهري التي انتابت الأشخاص تحت التجربة، بعد أعراض الهلوسة، واضطراب الأعصاب، وسوء التركيز.
وعامة يحتاج جسم الإنسان البالغ إلى معدل من 7 - 8 ساعات من النوم في اليوم والليلة، حتى يستطيع القيام بجميع وظائفه الحيوية على أكمل وجه. ويزيد هذا العدد إلى 16 ساعة بالنسبة للأطفال الرضع، ويقل إلى نحو 5 - 6 ساعات بالنسبة لكبار السن "فوق 65عامًا".
ولذلك يعد النوم من أهم الوظائف لإعادة شحن الطاقة، المساعدة على النمو الجسدي والعقلي، وصيانة أعضاء الجسم لضمان قوة التركيز والنشاط أثناء النهار.
وضمن هذا السياق لا بد من الحديث عن أهمية نوعية النوم واستقراره أثناء الليل الذي لا يقل أهمية عن عدد ساعات النوم الكافية. فالمريض الذي يعاني من رداءة طبيعة النوم أثناء الليل، وإن كان طويلًا من حيث الوقت، قد يعاني من المشكلات نفسها التي يعاني منها المحروم من ساعات النوم الكافية.
ويُعد الحرمان المزمن من النوم واحدًا من أهم الاضطرابات السلوكية الاجتماعية في المجتمعات الحديثة، وأكثرها انتشارًا، إذ يعاني نحو 37 % من سكان الولايات المتحدة الأميركية من الحرمان "الإرادي" المزمن من النوم، فلا ينامون إلا نحو 6 ساعات ونصف الساعة فقط في الليلة الواحدة.
ويلاحظ انتشار هذه المشكلة الاجتماعية في المجتمعات العربية، نتيجة تأخر أوقات النوم وثقافة السهر، والارتباطات الاجتماعية المختلفة التي تبدأ عادة في ساعة متأخرة من الليل، وانتشار القنوات الفضائية، والإنترنت، وأسواق التبضع على مدى 24 ساعة، وعدم انتظام ساعات النوم والاستيقاظ حتى عند صغار السن، الذين يحتاجون إلى ساعات نوم أطول لاكتمال النمو البدني والنفسي.
ويُنصح بالقيلولة أثناء النهار للتخفيف من آثار الحرمان من النوم أثناء الليل لبعض الأشخاص، ولكن لا يُنصح أن تزيد على 30 دقيقة. أما بالنسبة لمن يعانون من الأرق أثناء الليل فلا يُنصح لهم بالنوم أثناء النهار، تجنبًا لزيادة الأرق أثناء الليل، فمن تمام العافية أن يأخذ الإنسان ما يحتاجه كله من الراحة البدنية بالنوم أثناء ساعات الليل، فالنوم بالنهار ليس أبدًا بجودة النوم أثناء الليل، إذ جعل الله الليل للسبات والنّهار للمعاش وكسب الرزق، وهو ما تُمليه الفطرة السليمة. ومن أخطر مضاعفات الحرمان من النوم - بقسميه الحاد والمزمن - زيادة نسبة حوادث السيارات. فقد بينت كثير من الدراسات "زيادة معدل حوادث السير إلى ما يقرب من 5 أضعاف عند الأشخاص المحرومين من النوم لمدة تزيد على 20 ساعة متواصلة، وكذلك عند الأشخاص الذين ناموا لما يقرب من 4 ساعات فقط في الليلة السابقة للحادث، مقارنة بغيرهم من أصحاب النوم الكافي". وخلصت تلك الدراسة إلى أن "العمل في أكثر من وظيفة صباحية ومسائية، والعمل بنظام المناوبات، والقيادة بعد أكثر من 15 ساعة متواصلة من دون نوم، ولاسيما خلال ساعات الليل المتأخرة، تعد من أهم العوامل الرئيسية لحوادث السير".
وأثبت مسح حديث في المجتمع الأميركي "تنامي ظاهرة النعاس أثناء القيادة للعاملين في مجال النقل، بمن فيهم الطيارون، جراء ساعات العمل الممتدة، واضطرارهم للقيادة خلال أوقات غير ملائمة من الليل والنهار"، فنتيجة الإرهاق والنعاس، اعترف نحو" 20 % من الطيارين، بارتكابهم أخطاء خطيرة أثناء الطيران تبعًا لاختلال أوقات النوم والاستيقاظ وحرمان 50 % منهم من النوم السليم، واختلال عمل الساعة الحيوية التي تتحكم في تنظيم ساعات النوم والاستيقاظ".
وفي دراسة حديثة طُبقت على عينة من الأطباء السعوديين "81 طبيبًا" من المنخرطين في برامج زمالة الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، في كلّية الطب في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، تم جمع معلومات بواسطة المقابلات الشخصية، وتعبئة استبيان مفصّل عن نمط نومهم خلال الليلة التي سبقت يوم نوباتهم الطويلة، وأثناء ساعات المناوبة التي تستمر 24 ساعة، ومباشرة بعد الانتهاء من مسؤولياتهم المهنية في نهاية المناوبة.
وأظهرت النتائج "معاناة 87 % من أفراد العينة من الحرمان الحاد من النوم، إذ ناموا أقل من 5 ساعات خلال ساعات مناوباتهم "24 ساعة"، في حين نام 25 % منهم أقل من ساعتين فقط خلال يوم مناوبتهم، كما أفاد 85 % من الأطباء بمعاناتهم من التململ أثناء النوم وكثرة الاستيقاظ، في إشارة إلى رداءة طبيعة نومهم بشكل مزعج، مما سبب اضطرابًا في المزاج وتوترًا ملحوظًا لدى 33 % منهم".
ومن ضمن النتائج الخطيرة لهذه الدراسة، "ارتباط الإعياء الشديد والحرمان من النوم خلال فترة المناوبة، بتعرض 10 % من الأطباء إلى حوادث سيارات خلال صباح اليوم التالي أثناء قيادتهم بعد انتهاء المناوبة الليلية". وقد دل مقياس "ستانفورد" على أن" 60 % من الأطباء الذين تورطوا في حوادث سيارات، كانوا في حالة نعاس شديد، لكن الأخطر، أن معظمهم لم يشعروا بحقيقة أنهم في حالة نعاس مفرط، ولم يتوقفوا لأخذ غفوة قصيرة، ولم يعترفوا بإصابتهم بالنعاس حين تم سؤالهم بشكل مباشر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى