آخر المواضيع

آخر الأخبار

08‏/04‏/2012

«الشاطر خيرت» على طريق الرئاسة

 

د. أحمد يوسف أحمد
لا أعتقد أن هناك مسألة أثارت من الجدل منذ قيام ثورة يناير كترشيح "الإخوان المسلمين" خيرت الشاطر رئيسا للجمهورية، ولا أقصد بذلك بطبيعة الحال أن هذه المسألة هي أهم ما عرفه سجل الثورة الذي تجاوز العام عمرا. فهناك ما هو أهم منها بكثير، لكنها إما كانت موضع إجماع وطني، أو جدلا أضيق نطاقا مما يدور الآن بسبب ترشيح الشاطر.
لم يكن القرار مفاجئا تماما على عكس ما يرى الكثيرون لأن السجل السياسي لجماعة الإخوان منذ بداية الثورة يتسق مع هذا القرار، ولا أريد أن أكرر ما قيل حول إعلانهم أنهم لن يتجاوزوا نسبا معينة في الترشيح لمجلس الشعب بدأت ﺑ35 بالمئة وانتهت بلا سقف، أو حول تدرج موقفهم من الترشح لرئاسة الجمهورية من الرفض الكامل لأي دور لهم في هذا الصدد إلى ما وصلنا إليه. وقد صرح المرشد العام في برنامج 90 دقيقة على قناة المحور في 5/ 12/ 2011 بخصوص مطالبته بعدم اختيار شخص محسوب على أي تيار إسلامي "لنطمئن الداخل والخارج معا". وبلغ التمسك بهذا القرار إلى حد دفاع المرشد العام عن قرار فصل أبو الفتوح في الجلسة الختامية لمؤتمر الأخوات المسلمات بتاريخ 2/ 7/ 2011 بقوله: "قلت للإخوان يومها بأنني كمن يقطع أصابعي، لكن قطع أصابعي أهون عندي من نقض العهد مع الله"، فما الذي أدى يا ترى إلى أن ينقض الإخوان "عهدهم مع الله"؟
يقول الأمين العام للجماعة محمود حسين إن الأسباب تنحصر في أن الإخوان وجدوا أن هناك تهديدا حقيقيا للثورة وأهدافها "وكأنه لا يوجد من خارج الجماعة في مصر كلها من يقدر على التصدي لهذا التهديد"، فضلا عن المعوقات التي يضعها البعض أمام نقل السلطة للمدنيين "ما العلاقة؟ وألا تنطبق هذه المعوقات أيضا على منصب رئيس الجمهورية؟".
والغريب أن الأمين العام اعتبر الاعتراض على تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور محاولة لإعاقة تسليم السلطة للمدنيين، وإذا كان لا يعلم أن الاعتراض لا علاقة له البتة بموضوع تسليم السلطة وإنما سببه يعود إلى هيمنة "التيار الإسلامي" عليها فتلك كارثة، كذلك اعتبر الأمين العام رفض كل من خاطبهم الإخوان الترشح لرئاسة الجمهورية سببا من الأسباب. يضاف إلى ذلك تعويق المجلس العسكري تشكيل حكومة جديدة ذات صلاحيات حقيقية "مع العلم بأن المسألة ليست تعويقا وإنما تطبيقا لمواد الإعلان الدستوري الذي تعض الجماعة عليه بالنواجذ، وهو يجعل سلطة حل الحكومة وتشكيلها بيد المجلس وحده"، كما تحدث حسين عن خوف الإخوان من احتمالات حل قضائي دستوري لمجلسي الشعب والشورى "وكأن وجود منتمٍ للإخوان في مقعد الرئاسة يعوض ضياع البرلمان من بين أيديهم". وقد أفاد وكيل لجنة الثقافة بمجلس الشعب "عن حزب الحرية والعدالة" بأن ترشيح الشاطر جاء بالتوافق مع عديد من "القوى السياسية" وادعى أن السلفيين يؤيدون هذا الترشيح، ولا أدري إذا كان الإخوان يعلمون أم لم يفطنوا بعد إلى أن هناك مرشحا للسلفيين يسمى حازم أبو إسماعيل.
كذلك ذكر الدكتور محمد مرسي رئيس حزب العدالة "أننا رأينا أن مصر تحتاج واحدا منا "بالذات"" لتحمل المسؤولية، "وكأنه لا يوجد خارج الجماعة في مصر كلها من يستطيع أن يلبي هذا الاحتياج".
يرتبط بما سبق أن "المؤشرات الدينية" في هذه المسألة بالغة الوضوح، وقد سبقت الإشارة إلى اعتبار المرشد العام أن القرار السابق للإخوان بعدم الترشيح لرئاسة الجمهورية هو "عهد مع الله"، كما أن عاصم عبد الماجد، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، التي انضمت للفئة القليلة التي أيدت الجماعة في قرارها قد "أفتى" بأن ترشيح الشاطر "يتطابق مع السنة التي أرست تقليدا بأن الإمارة لا تعطى لمن طلبها""!". وأستطيع أن أسوق عشرات الأسماء المحترمة التي لم تطلب "أن تتولى الإمارة"، ومع ذلك لم تنل شرف ترشيح الإخوان لها. وأخيرا وليس آخرا فإن المرشد العام قد حذر من الافتراء على الشاطر لأن دعوته مستجابة"!"، وهو سلاح سياسي جديد في الساحة المصرية.
*****
والحقيقة أنه آن الأوان في تقديري لمراجعة التجربة المصرية بعد الثورة التي اشترطت لتكوين الأحزاب ألا يكون أساسها دينيا، ومن هنا خرج "الحرية والعدالة" من رحم الجماعة بدعوى أنه حزب سياسي مستقل لا شأن له بجماعة الإخوان المسلمين، ورغم وضوح الصورة منذ البداية إلا أن المسألة وصلت الآن إلى مرحلة الإفصاح التام، لا بخصوص علاقة الحزب بالجماعة وإنما بشأن تأكيد أنه ليس فقط على علاقة عضوية بالجماعة، وإنما ها هو ترشيح الشاطر يخرج من مجلس شورى الجماعة وليس من الهيئة العليا للحزب مثلا، وهنا لا بد من وقفة، وأعتقد أن من يريدون الآن الطعن في قانونية نشأة الحزب يمكنهم أن يكسبوا هذا الطعن، وإن كان ذلك سوف يسبب مزيدا من الارتباك في الوضع الراهن والمدى القصير، لكنه سوف يساعدنا على بناء ديمقراطية سليمة على المدى الطويل.
لا شك في أن هذا القرار سوف تكون له تداعيات خطيرة على التجربة الديمقراطية في مصر بعد الثورة بغض النظر عن أن للإخوان حقا قانونيا فيه، وأخطر هذه التداعيات هو فوز الشاطر- إن تحقق- خصوصا مع هيمنة التيار الإسلامي على مجلسي الشعب والشورى، بالإضافة إلى دستور يعطي للأغلبية في مجلس الشعب الحق في تشكيل الحكومة سوف يعني ببساطة أننا سنعيش- أو على الأقل سنكون مهددين بذلك- في ظل نظام شمولي يديره مجلس شورى الإخوان ومكتب الإرشاد مهما تمسك قادة الإخوان بموقفهم الطريف من أنهم لا يسعون إلى السلطة.
لكن الأهم من ذلك هو التداعيات على الجماعة نفسها، فقد خسرت الآن عددا من أبرز قياداتها التي تحظى باحترام مجتمعي واسع، وكان أولهم قبل هذه التطورات هو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمد حبيب، وتلا ذلك بعد القرار الدكتور كمال الهلباوي، وقد تكون البقية في الطريق. بالإضافة إلى انقسام غير معروفة حدوده بدقة حتى الآن في صفوف الجماعة خاصة بين الشباب وعلى ضوء ما راج من أن الشاطر لم يحصل إلا على تأييد 56 صوتا فيما اعترض 52 على ترشيحه.
وبالإضافة إلى ذلك سوف يؤدي هذا القرار إلى تفتيت الصوت الإسلامي بإضافة مرشح رابع إلى القائمة، وهم- أي الإخوان- بهذا يكادون يقدمون منصب الرئاسة على طبق من ذهب للقوى المدنية لو كانت قد تعلمت درس الانتخابات البرلمانية..
ويبدو أن الإخوان لا يدركون أنهم أقلية داخل المجتمع وإن خرجوا بنصيب الأسد في الانتخابات البرلمانية، وقد يكون في نسبة الإقبال الضعيفة على انتخابات مجلس الشورى "حوالي 7 بالمئة" ما يؤيد بوضوح هذه الحقيقة، خاصة أن المنطق الذي يحكم سلوك الناخب في الانتخابات الرئاسية مختلف تماما عن منطق الانتخابات البرلمانية، ففي الثانية قد تكون الخدمات المجتمعية على مستوى الدائرة أو تفضيل "الناس بتوع ربنا" لعبت دورا في النتيجة التي حققها الإخوان، أما الرئيس فإن الثقافة السياسية للشعب المصري تظهر أن المصريين ينظرون إليه نظرة مختلفة، ويعقدون عليه آمالا كبارا، ويلاحظ أن ثمة احتمالا في أن يكون الإخوان قد خسروا بتراجعهم المستمر عن وعودهم السياسية ثقة قطاعات كانت تؤيدهم قبلا، خاصة أن الشاطر ليس بالشعبية التي يتصورونها، كما أن عقليته الاقتصادية لا تبرر مقولة أنه باني نهضة مصر"!".
وفي الواقع إنني لا أجد تفسيرا لهذا الأداء السياسي المتدني سوى في احتمالين: أولهما، أن يكون الإخوان على درجة غير متوقعة من ضحالة الخبرة السياسية، والثاني أن يكون هناك صراع حقيقي داخل الجماعة ربما يصل إلى حد الشراسة هو المسؤول عن المعاملة الفظة التي لقيها الدكتور أبو الفتوح والدفع بعد ذلك بخيرت الشاطر مرشحا للجماعة.
يبقى أن "الرضا الأمريكي" عن ترشيح خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية يحتاج مناقشة خاصة لا تكفيها هذه السطور القليلة، وإن كنت قد تذكرت في هذا السياق المقولة الشهيرة للدكتور مصطفى الفقي إبان النظام البائد بهذا الخصوص، وهي مقولة أقامت الدنيا ولم تقعدها في حينه، غير أنه من المثير الآن أن نعاود قراءتها على ضوء هذا الرضا الراهن عن الإخوان والشاطر.
فيا أيها الممثلون للقوى المدنية والليبرالية، وبالذات مرشحو الرئاسة منكم: ها هم "إخوانكم المسلمون" يقدمون مقعد الرئاسة على طبق من ذهب لكم، فهل تصرون على خسارته بسلوك الترشح العشوائي الذي نراه الآن كما خسرتم الانتخابات البرلمانية؟ أم تعملون على توحيد صفوفكم بتنحي أصحاب الفرص المحدودة في الفوز عن الترشح خدمة لمستقبل الديمقراطية في هذا الوطن؟ وتكوين "ائتلافات رئاسية" من رئيس واثنين أو حتى ثلاثة من النواب من بين المرشحين الحاليين لتعظيم فرصتكم في الفوز وإنقاذ الوطن من شمولية آتية لا محالة إذا انفرد فصيل بوضع الدستور والهيمنة على البرلمان والتربع على الرئاسة؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى