النقيب ماجد جمال بولس أو أسد التحرير الذي لن ينساه معتصمو التحريرالمعتصمون
بالميدان في فتنة الأيام الخمسة عشر ما بين جمعة الغضب في28 يناير وجمعة التنحي
في الحادي عشر من فبراير.
أكاد أجزم أن كل أم مصرية راودها حلم أن يكون ماجد بولس إبنا لها, أو أن يكون لها ابنا مثله وهذا أضعف الإيمان.يشبه النقيب ماجد بولس إلي حد كبير جارك أو صديقك أو زميلك أو الجالس إلي جوارك في ميني باص أو ميكروباص يشق طريقه إلي رمسيس أو بولاق, أو قطار متجه للإسكندرية أو أسوان. لا علامة تميزه سوي لقب كابتن ماجد كما اعتاد المعتصمون بالتحرير مناداته بود وحب واحترام وابتسام كلما عبروا دبابته الرابضة علي رأس أحد الشوارع التي تصب في الميدان, والتي اختفت وصاحبها كحلم ليلة شتاء بعد انتهاء المهمة. ومع ذلك, وحتي الآن, يعرف الجميع كابتن ماجد, ولكنهم لا يعرفون عنه شيئا محددا, وخاصة بعد رفضه الحديث لوسائل الإعلام لاعتبارات نفهمها. ببساطة, قدم ماجد بولس نموذجا حقيقيا للإيمان بالواجب في تلك الأيام التي كان فيها الإيمان بالآخر رفاهية والثقة درع من ورق أو فولاذ- ولا شيء مؤكد ولا ثابت إلا وجه الله- حيث الجميع تحت سيف الشائعات وقنابل التخويف قبل المولوتوف, والميدان هو الفيصل والاختبار. نجح النقيب ماجد بولس في اختباره المهني بحسم الأمر لصالح المعتصمين في سلمية التحرير في ظهيرة الثاني من فبراير الذي شهد موقعة الجمل, بعد أن تكالب مؤيدو النظام السابق وبلطجيته علي الميدان لتفريغه من معتصميه الذين قالوا لا في وجه من قالوا نعم, فلم يجدوا عند مدخل التحرير من ناحية شارع طلعت حرب سوي ماجد وقبله يد الله الحارسة. وقف ماجد بولس وحده تقريبا أمام بلطجية مستفيدي الحزب الوطني, الذين هاجموا الميدان من خمسة مداخل تكفل المعتصمون بثلاثة منها, بينما وقف النقيب ماجد وحده تقريبا ليصد الهجوم القادم كأسد جسور بعد أن نزل عن دبابته دون ارتداء درعه الواقي مطلقا رصاصة تحذيرية لم تكن كافية لردع الوحوش المتوثبة لنهش الميدان, فلم يجد سوي إطلاق دفعة أخري كانت كافية للصد وبناء الجدار الذي احتمي خلفه بعض المعتصمين لتشكيل جبهة سريعة بعد أن أنقذهم ماجد بولس من كارثة الهجوم المباغت من الخلف بينما تتدفق أفواج وحوش علي جمال وأحصنة عبر ميدان عبد المنعم رياض.
لا ندعي أننا نعرف الكثير عن النقيب ماجد بولس, ولكن المحبة دفعتنا وغيرنا للبحث ومشاهدة عدة فيديوهات ترسم ملامح بطولة تشكلت كأسطورة لبطل يحلم به ناس الميدان. يحتضن موقع اليوتيوب تلك الفيديوهات ممهورة بدعوات العشرات له, وبعضهم يسرد قصصا وصورا متواترة:
الأولي: عن لحظة وصول الفارس ماجد إلي الميدان ممتطيا صهوة دبابته مساء28 يناير الماضي, حيث استقبله الثوار كغيره من أبناء القوات المسلحة فرحين مهللين في فرح هستيري: الجيش والشعب ايد واحدة, في استدعاء طازج لنزول الجيش التونسي إلي الشارع, بعد قفز بن علي في طائرته باحثا عن ملاذ آمن بعد أن أشعل ببطء فهمه تونس الخضراء, التي تضرجت شوارعها بدماء المؤمنين بالتغيير والحرية. ويتردد أن النقيب ماجد قد تعهد منذ تلك الجمعة المباركة لساكني الميدان بالأمان شريطة عدم الاقتراب من مبني وزارة الداخلية الذي تحول حرمه إلي ساحة إعدام لكل من يقترب, وهو ما وافق عليه الشباب والتزم به النقيب الشاب الذي لا يتجاوز عمره الثلاثين عاما أو هكذا يبدو-, والذي لم يسلم هو نفسه من رصاص قناصة الداخلية الذي كان في استقبال دبابته, فاضطر لإطلاق النار من سلاحه الآلي لوضع حد لصوت الرصاص في المنطقة.
والثانية: صورة أخري يرسمها معتصمو التحرير للنقيب ماجد الذي ألقي السكينة في قلوب تخوفت من طيران الإف16 علي ارتفاعات منخفضة فوق الميدان بأمر الرئيس السابق, وذلك عندما خرج النقيب عن صمته بالحديث في الميكروفون مؤكدا للواقفين أمام إحدي منصات التحرير أن الطائرات لم تفعل ذلك من أجل ترويعهم, وإنما هو اجراء روتيني لطمأنة القوات البرية نافيا النية لإطلاق أي صواريخ لأنها ستقتل ببساطة الجميع من متظاهرين أو عسكريين. واختتم كلمته بقوله: إذا حدث ذلك سأقتل نفسي, ولم يجد المتظاهرون بدا من التكبير ورفع ماجد بولس علي الأعناق.
والثالثة: ماجد بولس وقد انخرط في بكاء عميق, مع أحد أطباء المستشفي الميداني الذي انشقت عنه الأرض يوم الثاني من فبراير لمواجهة أفواج المصابين والجرحي جراء إلقاء كسر الرخام وقنابل المولوتوف, يومها أطلق ماجد بولس رصاصاته دون أوامر عليا, ولكن بما أملاه عليه ضميره العسكري في حماية المدنيين المسالمين في وجه المدججين بكراهية ومصالح وسلاح. قيل إن ماجد بكي لأنه لم يستطع أن يفعل ما هو أكثر بينما الطبيب الشاب المتطوع يهدئ من روعه ويخفف من مشاعر النقيب الشجاع, وهو ما دفعه لرفع مسدسه لإطلاق الرصاص علي رأسه فأمسك به الطبيب الشاب مخففا عنه ألم مرأي المصابين ممن أريقت دماؤهم من أجل حاشية رئيس لم ير في مصر سوي مدفن سوبر لوكس ينفق في سبيله أرواح شابة لم تنعم بالحياة طويلا.
واللقطة الأخيرة يرسمها فيديو آخر يتوجه فيه المحتفلون في التحرير بتلقائية لتحية ماجد بولس والتقاط الصور التذكارية معه فور إعلان خبر التنحي, حيث رفرفت في سماء الميدان أصوات تهتف وتصرخ وتدعو وتبتهل في الوقت نفسه, وتشكر ماجد بولس وتقبله بينما يرسم بإصبعيه علامة النصر. في تلك اللحظة, لم ينس البعض أن يطلب توقيع النقيب ماجد للذكري الخالدة في الذاكرة الجمعية والبصرية, والتي نجح الناشط محمد حسين في توثيقها بفيلم قصير ضم جميع لقطات ماجد بولس مدافعا كنمر يقظ, وباكيا كطفل وديع, ومتبادلا التهنئة في يوم عرس الحرية بينما يقف علي دبابته مع زملاء أمسك أحدهم بيده لحمايته من السقوط لتحية كل من جاء يطلب توقيعه أو التقاط صورة لطفله مع رفيق سلاح الميدان الذي يدفع في يد الطفل شعار القوات المسلحة المصرية, التي انتمي لها ماجد فتشرفت به وتشرف بها.
أعترف, في تلك اللحظة
أحببت قواتنا المسلحة أكثر من أي وقت مضي, وتناسيت مخاوف تنبت بين الحين والآخر, وفهمت مغزي ما كتبته إحداهن تعليقا علي صورة النقيب الشجاع في تلميح لديانته: مع ماجد بولس ذلك أفضل جدا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى