كان المشهد شديد التناقض وموغلا فى المفارقة فى ستاد برج العرب: مسئولون يحتفلون بعودة هيبة دولتهم لكنهم مطأطئو الرؤوس، ينظرون فى الأرض، أعينهم تهرب من العدسات ومشاهدى التليفزيون، كأنها حمر مستنفرة، بينما قساورة الألتراس يزأرون خارج الأسوار بالحق والخير والجمال.
وفى ستوديوهات الكذب امتد حبل الثرثرة والتفاهات طعنا فى نبيل الرياضة المصرية هذه الأيام محمد أبوتريكة، حيث انهال المنتفخون جهلا وبلادة تجريحا فى اللاعب الخلوق، بين معاير له بفقره وتواضع مستواه الاجتماعى قبل أن يصبح نجم نجوم الكرة العربية والأفريقية، وبين ناقم على اتساقه مع ذاته، وصلابته الأخلاقية فى مواجهة عواصف التدليس والسفسطة.
إن كل ما فعله محمد أبوتريكة أنه قرر أن يكون مع الفطرة البسيطة السليمة، رافضا السباحة فى مستنقعات الزيف الأجير، منحازا لحق الشهيد، غير قادر على الرقص فى حفلات المجون الرياضى، بينما لا يعرف مقتول من قاتله ولم قتله، ودماء 74 شهيدا لا تزال بلا ثمن.
أى خطيئة تلك التى ارتكبها أبوتريكة حين قرر ألا يركض ويرقص ويحتفل على عشب مبلل بدماء الضحايا؟
وأى جريمة اقترفها حين اختار أن ينحاز لمشاعر جماهير الكرة الحقيقية، أصحاب الحق وأصحاب الفضل على كل هؤلاء السادة الذين تأنقوا ولمعوا أدمغتهم بورنيش الحماقة وجلسوا على مصاطب التحليل والتنظير يعلمون الناس الوطنية والفضيلة، وجلهم من مدرسة «زى ما قال الريس منتخبنا كويس»، ابتداء من وزير للرياضة ينتمى قلبا وروحا وعقلا لمنظومة جمال مبارك الفاسدة، وليس انتهاء بنجوم العار الذين وضعوا مصر فى وحل معركة الجزائر الشهيرة؟
إن هيبة الدولة ليست جملة شديدة الإسفاف والابتذال تلوكها ألسنة كباتن الهانم ونجليها، ولا تصنعها فرمانات وقرارات تنفذ على جثث الشهداء والضحايا، بل تصنعها سياسات تقيم العدل وتستجيب لحقوق الناس ومطالبهم.
ويخطئ من يتصور أن هيبة دولة يمكن أن تتحقق دون مراعاة هيبة الدم وقدسيته، والانتصار لكرامة المواطن والقصاص لشهداء الجريمة السياسية التى نفذتها أصابع محترفة فى بورسعيد.
وفى العالم المتحضر يلعبون كرة القدم من أجل إسعاد الجماهير، وليس من أجل أمراء اللعبة وسماسرتها والعاملين عليها.. هى صناعة وتجارة نعم، لكنها تقوم بالأساس على ما يتكبده الجمهور البسيط من مشقة، فإذا كان هذا الجمهور وهو العنصر الأول والأهم فى المعادلة لا يريد هذه «التجارة» قبل أن يسترد حقوق شهدائه فلا معنى إذن للإصرار على استئناف هذا النشاط إلا أن السادة الملمعين المتأنقين يحتقرون هذه الجماهير الغاضبة.
غير أن أكثر ما يلفت النظر فى المسألة كلها أنهم يتلمظون ويشتعلون غيظا وغضبا من رجل قرر أن يتخذ موقفا أخلاقيا محترما، اسمه محمد أبوتريكة، وعليه قرروا أن يطردوه من جنتهم الزائفة، وينبذوه فى العراء.
فليهنأوا بتجرع كأس «سوبرهم» الملوثة حتى الثمالة.. والمجد لمحمد أبوتريكة والألتراس.
وائل قنديل يكتب : أبوتريكة.. اثبت مكانك
قسم الأخبار
Tue, 11 Sep 2012 06:45:00 GMT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى