آخر المواضيع

آخر الأخبار

04‏/11‏/2012

اسعد طه يكتب … يحكى أن : 9 … أرض الآلهة

أقلعت الطائرة ولم تكف عن الإقلاع ، ظلت طوال رحلتها تشق طريقها إلى أعلى بلا هوادة ..
عشرون دقيقة بعد مغادرتي العاصمة النيبالية كاتمندو وأجدني فوق إفرست ، أعلى قمة في العالم ، ومن عل أتمتع بمشهد خلاب لم يدم إلا حوالي الساعة ، الزمن الذي أحتاجته الطائرة لتصل إلى نقطة أعلى من نقطة الإنطلاق ، بعد أن قطعت حوالي ستمائة كيلو متر ، لتحط في مطار لاسا

خمسة عشر ألف قدم ترتفع الأرض هنا عن البحر ، نقص حاد في الأوكسجين تشعر به حين تلامس قدماك أرض المطار ، يخفف الأمر الأزهار والرقص الفلكلوري والموسيقى ، أستقبال لطيف لحوالي مائة راكب من جنسيات متعددة ، أتوا جميعا للسياحة والمتعة ، سواي وفريقي ، فقد أتينا لنبلغ قومنا بأمر التبت ، ولم يكن أمامنا من سبيل سوى أن نتخلى عن كل معدات التصوير المهنية التى بحوزتنا ، وأن نتقمص شخصية السائحين ، حتى تسمح لنا السلطات الصينية بدخولها ، المحرمة على معشر الصحفيين حينذاك

ساعة ونصف تلزمني للوصل من المطار إلى المدينة ، مسافة كافية لأن أتذكر الفيلم الشهير ، سبعة أعوام في التبت ، وأتذكر صديقي الصحفي عزت شحرور المقيم في بكين ، سألته فأجاب أن البوذية عقيدة الناس هنا شأنها شأن غيرها من العقائد ، نحل وطوائف ، وهي تنقسم إلى قسمين رئيسيين ، يتفرعان إلى فروع كثيرة ، الجنوبية وتعرف بالثيرافادا ، وهم الأصل والإتجاه الرئيسي والأكبر ، ويمثلون السلفية المتشددة ، التي لا تعترف بغيرها وينتشر أتباعها في سيريلانكا وميانمار وتايلاند ولاوس وفيتنام ، والشمالية والتي تسمى الماهايانا ، وهي الأحدث والأكثر مرونة من سابقتها ، وينتشر أتباعها في الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وسنغافورة وماليزيا ، ومن الشمالية أنشق عنها البوذية التيبيتية أو ما يعرف باسم فجرايانا ، وهم أتباع الدالاي لاما وينتشرون في نيبال وبوتان ومنغوليا وسيكيم ، وبالطبع هنا في التبت

وصلت لاسا المدينة ، فندق متواضع بل ردئ ، طلبت من الشركة التي حجزت لنا تغييره ، قالت إن عليها إبلاغ الأمر إلى بكين ، هكذا قانون التعامل مع الأجانب ، وسوف يستغرق الأمر أسابيع طويلة ، كل سكنات وحركات الأجانب هنا محسوبة ومرصودة ، منذ أن فرضت الصين سيطرتها على التبت

هآنذا إذن في لاسا ، مدينة الشمس ، كما يطلق التيبتيون على عاصمتهم ، أو كما الوصف الدارج عند سقف العالم ، حيث ضيق التنفس والدوار والإجهاد يصيب أغلب الزائرين ، فيما الناس بشوشة ، مرحبة بالضيوف ، وعلى عكس ما تذكره بعض المراجع ، عن كراهية أهل التبت للغرباء

في عاصمة التبت ليس أمامك خيارات متعددة ، فإما أن تزور معبد أو مدرسة دينية أو بيت للرهبان ، هي مدينة لا تتسع إلا للدين والعبّاد ، خذ عندك مثلا معبد جوكانغ ، الذي بني فى القرن السابع مع دخول البوذية إلى التبت ، ويعيش به اليوم مائة وثمانية عشر راهبا ، ويعد هنا من أكثر الأماكن المقدسة ، ويؤمه يوميا الآلاف لصلوات تستمر أحيانا ساعات طويلة

أما قصر بوتالا فقد شيده الدلاى لاما الخامس كمقر له عام ألف وستمائة وخمسة وأربعين ، وكان يعيش فيه حوالي ألف شخص ، وكان يعد مقرا للحكومة ، ويضم عددا من المدارس الدينية ، قبل أن يقع تحت سيطرة الصينيين الذين يراقب جنودهم داخل القصر كل شئ ، ويفرضون رسوما عالية على من أراد التصوير ، من أعلى نقطة في القصر تستطيع أن ترى مشهدا خلابا للتبت ، وتكتشف أيضا أن المدينة باتت ذات صبغة صينية أكثر منها تبيتية

في كل الأحوال فإن العيون الصينية في كل مكان ترصد كل شاردة وواردة ، شئنا أن نهرب منها ، خرجنا إلى حيث بحيرة نام تسو ، توقفنا في الطريق عند قرية ياك ، تحديدا عند خيمة صغيرة تعيش فيها ياغندا مع أبنتيها زونيم البالغة السابعة عشر عاما ، وبتسولاما البالغة الرابعة عشر عاما ، تقول السيدة إن زوجها تركها قبل عام ليحج إلى لاسا مشيا على الأقدام ، وهى التى تبعد ست ساعات بالسيارة ، أردفت لم يعد حتى الآن ، وهى تعتمد فى حياتها على الثور وعائلته ، الذى يؤمن كل شئ ، الخيمة المصنوعة من جلده ، والدفء بواسطة برازه ، والحليب للشرب ، أو قد يقايضونه مقابل أشياء أخرى ، وحول السيدة يا غندا يعيش خمسة وسبعون آخرون ، وخيمة مدرسية للأطفال

هناك حيث تسمى بأرض الآلهة ، حاولت أن أسجل كل ما وقعت عليه عيناي عندما زرتها عام تسعة وتسعين من القرن الماضي ، حينها كنت مأخوذا بفكرة شعب من الرهبان والراهبات ، يصعب على المرء التفريق بينهم ، فالجميع يحلقون رؤوسهم ، ويلتحفون برداء أحمر داكن ، وهم بين صلاة وتعليم ، ما من عائلة هنا ، إلا وأحد أفرادها على الأقل من هؤلاء الزهاد ، البوذية هى دينهم منذ أن وصلتهم فى منتصف القرن السابع ، ويرون الحياة من خلالها ، دورة من التقمص والولادات الجديدة

كنت أرى بعين العربي التبت كرمز للنضال السلمي من أجل حق تقرير المصير ، فضلا عن إشكالية نعيشها ، وهى الدين والسياسة ، فالدين والدولة لدى أهل التبت لا ينفصلان ، والذى يقود نضال شعبه السياسى يشغل أيضا أعلى رتبة دينية لدى أهل التبت ، وفي نظرهم هو نصف أله ، يطلقون عليه الدلاي لاما، أعتقدت حينها في ضرورة لقائه ، وفي ذلك حكاية أخرى
أسعد طه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى