لم نكن نتخيل للحظة واحدة أن يكون حجم الفساد في مصر بهذة التفاصيل المخيفة, فأبطال هذة الجرائم هم رجال عاشوا في ظل الرئيس السابق حسني مبارك,
بينهم من تربطهم به علاقات مصاهرة ومنهم من له علاقات صداقة سهلت لرءوس الفساد العبث بثروات مصر.إلا أنه حان الوقت الذي يتساقط فيه الفاسدون كأوراق الشجر في فصل الخريف, وسواء كان هذا الفساد بعلم الرئيس السابق أو دون علمه فالنتيجة واحدة وهي نهب أموال الشعب.
اللواء منير صالح ثابت
الورقة الأولي التي حان ميعاد سقوطها هو اللواء منير صالح ثابت ذلك الرجل الذي لم تجرؤ الأقلام الصحفية قبل هذه الأيام من المرحلة التاريخية التي تمر بها مصر علي مجرد ذكر اسمه لكونه شقيق سيدة مصر الأولي سوزان مبارك أو سوزان صالح ثابت.
هذا الرجل الذي عاش في ظل الرئيس طيلة فترة حكمه استطاع أن يكون إمبراطورية لا يستهان بها في عالم رجال الأعمال, ولم تكن نجاحاته لمجرد أنه رجل أعمال بدأ من الصفر وإنما لاستفادته المباشرة من كونه صهر الرئيس.
منير ثابت هو الشقيق الأكبر لـسوزان ثابت من أسرة متوسطة الحال, وكان السبب الرئيسي في زواج شقيقته سوزان من الرئيس السابق عندما كان تلميذا لمبارك في الكلية الجوية وربطتهما صداقة التلميذ بالأستاذ, وتكررت علي أثرها زيارات أسرية انتهت بزواج مبارك من الشقيقه الصغري سوزان.
وبدأ نشاط منير ثابت في البيزنس والأعمال الحرة بعد تقاعده من الخدمة في القوات الجوية اعتبارا من عام1982 مستغلا في ذلك علاقة المصاهرة مع الرئيس مبارك باعتباره شقيق حرم رئيس الجمهورية, حيث أسس شركة باسم(E.A.F)
وهي شركة خدمات ملاحية تباشر نشاطها وعملها في مطار القاهرة, وحققت أقصي الإيرادات والأرباح خلال فترة تولي محمد فهيم ريان رئيس مجلس إدارة شركة مصر للطيران في ذلك الوقت.
ففي5 مارس1983 أبرم منير ثابت عقدا مع شركة مصر للطيران لتقديم الخدمات الملاحية بمطار القاهرة مقابل32 ألف جنيه سنويا في الوقت الذي كانت فيه أرباح الشركة الوطنية مصر للطيران من هذه الخدمات تبلغ قرابة32 مليون جنيه سنويا, وهو ما يوضح حجم الأموال التي استفاد منها منير ثابت بعد دخوله كمنافس وحيد للشركة التي كانت تقدم الخدمات الملاحية بمفردها وتصب أرباحها في خزانة الدولة.
والأكثر فسادا في هذا العقد أنه لم يتم وضع حد أدني في قائمة أسعار الخدمات الملاحية, مما مكن منير من حرق أسعار شركة مصر للطيران وذلك بتخفيض أسعار الخدمات التي تقدمها شركته عن أسعار مصر للطيران ونتج عن ذلك خسائر فادحة لمصر للطيران بلغت أكثر من مليار جنيه من عام1983 حتي.1994
وفي تلك الفترة كان منير ثابت يستغل الملحقين التجاريين بالسفارات في جذب عملاء مصر للطيران الي شركته, الأمر الذي أدي الي مزيد من الخسائر لشركة مصر للطيران, ونتيجة هذه الخسائر الفادحة للشركة الحكومية أصدر الرئيس السابق حسني مبارك قرارا جمهوريا بوضع حد أدني للأسعار, إلا ان القرار كان استرشاديا وليس إلزاميا مما جعل نزيف الخسائر مستمرا في مصر للطيران لصالح منير ثابت.
لم تكن شركة الخدمات الملاحية هي الوحيدة في سلسلة شركات صهر الرئيس حيث أسس شركة ثانية اسمها فور وينجز للنقل البري والبحري والجوي بالشراكة مع رجل الأعمال حسين سالم الصديق المقرب للرئيس, وتم تسجيل هذه الشركة في عام1983 بالولايات المتحدة الأمريكية حتي تستفيد الشركة من التسهيلات التي تمنحها الولايات المتحدة للشركات الأمريكية, وتستطيع أن تحصل علي امتياز نقل كافة ما تصدره أمريكا من معونات اقتصادية وعسكرية لمصر.
وعندما تم تعديل القانون الأمريكي في عام1989 بإلغاء أحقية الشركات الأجنبية في التمتع بالتيسيرات الممنوحة للشركات الأمريكية الجنسية في نقل أو بيع أو تقديم خدمات للدول الممنوح لها معونات وقصرها علي الشركات التي يحمل أصحابها الجنسية الأمريكية وسمح القانون الأمريكي للشركات الأجنبية بالبيع والنقل, وتقديم الخدمات للدول التي تحصل علي قروض وليس منح من أمريكا, كانت الحكومة المصرية تقوم بالشراء بالقروض حتي تستفيد شركة منير ثابت وحسين سالم من أعمال النقل, مما ترتب عليه مديونيات كبيرة علي الحكومة المصرية في الوقت الذي حققت فيه شركتهما أرباحا ضخمة علي حساب الدولة.
أما الشركة الثالثة فهي شركة يونيكاب للأوراق المالية وهي شركة مساهمة مصرية أسست طبقا لقانون الاستثمار وكان علي رأس المساهمين فيها منير ثابت ووظيفتها المعلنة هي ترويج وضمان الاكتتاب في الأوراق المالية ولكن وظيفتها الخفية هي تسهيل بيع شركات القطاع العام, وقامت الشركة ببيع71 شركة في القطاع العام بالمخالفة لقيمة التقييم الحقيقية لها التي كان يحددها خبراء استشاريون, فأكبر شركة تم بيعها بـ22% فقط من قيمة تقييمها مما أهدر أموالا بالجملة علي الدولة, والأدهي من ذلك انه كان يتم دفع عمولات بيع لشركة منير ثابت رغم الخسارة الفادحة من جراء عمليات البيع.
ولم يكن غريبا أن يتم بيع هذه الشركات بالخسارة في فترة تولي عاطف عبيد وزارة قطاع الأعمال من عام1993 حتي عام1999, وقد لعب الرجل الخفي محسن صادق السكرتير الخاص لعاطف عبيد والذي كان يسهم في الشركة بنسبة20% دورا مهما في إتمام هذة الصفقات مما أثار الشك حول اختباء عاطف عبيد وراء سكرتيره الخاص, وقد انضم إلي المساهمين طارق نجل منير ثابت ليصبح عضوا في مجلس إدارة الشركة.
وتضمنت قائمة الشركات التي تم بيعها شركات الدلتا لحلج الأقطان, وبيوت الأزياء الراقية, وبيع المصنوعات, والعربية لتجارة المنسوجات, وأربع شركات في قطاع تجارة المنسوجات هي: عمر أفندي, وبنزايون, وصيدناوي, وستيا, وشركتان في القطن والتجارة الدولية هما مصر لحلج الأقطان ومصر لتجارة السيارات, بالاضافة إلي إحدي عشرة شركة في الصناعات الهندسية.
لم تكن المخالفات السابقة هي الأخيرة في ملف صهر الرئيس وإنما كانت هناك مخالفات أخري ارتكبها منير ثابت ونجلاه طارق وخالد بالاستحواذ علي مساحات كبيرة من الأراضي في محافظة البحر الأحمر, خاصة مدينة الغردقة, عن طريق التخصيص الذي يصدر من وزارة السياحة ممثلة في الهيئة العامة للتنمية السياحية ودون التقيد بشروط وإجراءات الهيئة, وكان يتم تسقيع هذه الأراضي لفترات طويلة ثم يتم التنازل عنها وبيعها للآخرين بأسعار فلكية, بينما كانت الهيئة العامة للتنمية السياحية أثناء ذلك تقوم بإيقاف بيع وتخصيص الأراضي للمشروعات في مدينة الغردقة, مما مكن منير ثابت ونجليه من بيع هذه الأراضي بأعلي الأسعار, ويعتمد مشتري الأرض علي ثابت ونجليه في مخالفة الاشتراطات, وأيضا تتغاضي الجهات الإدارية عن هذه المخالفات التي يقف وراءها صهر الرئيس.
كما استولي ثابت بمشاركة حسين سالم علي معظم الأراضي المميزة في محافظة جنوب سيناء ومدينة شرم الشيخ وخاصة هضبة أم السيد ثم قاما ببيعها بعد ذلك بأسعار فلكية دون أن تطبق عليهما قوانين الهيئة بسحب الأراضي التي لم يتم البناء عليها خلال18 شهر من تاريخ التخصيص, ونتج عن كل هذا تضخم ثروة منير ثابت بمبالغ تجاوزت ملياري جنيه.
وكان ثابت أيضا وسيطا في عملية بيع فندق شيراتون الغردقة بثمن بخس بلغ8 ملايين جنيه بما يعادل15% فقط من قيمته الحقيقية في ذلك الوقت.
كما أن مشتري الفندق استمر نحو15 عاما في إغلاق الفندق بالمخالفة للقانون ومحتميا بعلاقته بمنير ثابت, الأمر الذي حال دون قيام أجهزة الدولة بتطبيق القانون علي المستثمر السعودي أو اجباره علي تجديد وتشغيل الفندق خلال هذه المدة مما أضاع علي الاقتصاد القومي ما لا يقل عن نصف مليار جنيه بخلاف الجريمة التي ارتكبها ثابت في حق العمالة المصرية التي تم تشريدها بسبب إغلاق الفندق.
أما المفاجأة التي كشفت عنها مباحث الأموال العامة في تقرير مدعم بالمستندات فهي اتهام منير ثابت وآخرين بارتكاب جريمتي استعمال النفوذ وتلقي رشاوي قدرها14 مليون جنيه من رجال أعمال روس مقابل تخصيص أراض لهم بمحافظة البحر الأحمر.
وفي مفاجأة أخري كشف السجل التجاري بمصلحة الشركات أن شركتي سوديك السادس من اكتوبر للتنمية العقارية وبيفرلي هيلز مملوكتان لعلاء مبارك وصهره مجدي راسخ وخاله منير ثابت وآخرين, وتعمل الشركتان في مجال بناء القصور والفيلات الفارهة وملاعب الجولف في المدن الجديدة, بينما كانت أرض مشروع بيفرلي هيلز مخصصة للإسكان الشعبي, الا ان وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان سحب الأراضي من الأهالي وسلمها الي مجدي راسخ ليبني عليها مشروعه بسعر30 جنيها للمتر.
حسين سالم الصديق المقرب من الرئيس
أما رجل الأعمال حسين سالم الصديق المقرب من الرئيس السابق فلم يكن أقل حظا من سابقه منير ثابت, فهو أيضا عاش في ظل الرئيس ويعد من أكبر رجال الأعمال في مصر وكما جاء في بلاغ الدكتور صلاح جودة رئيس مركز الدراسات الإقتصادية إلي المستشار الدكتور عبد المجيد محمود النائب العام من واقع معلومات وأدلة مدعومة بالمستندات أن حسين سالم من مواليد1928 ويقيم بصفة دائمة في مدينة شرم الشيخ التي يمتلك بها عدة منتجعات وفنادق منها فندق موفنبيك الذي تقام به كافة المؤتمرات الدولية, وكان سالم يعمل في شركة النصر للتصدير والإستيراد وهي الشركة التي كانت مكلفة بتوطيد أواصر العلاقات التجارية والسياسية مع إفريقيا, وفي عام1986 تردد اسمه في الحياه العامة عندما قام علوي حافظ عضو مجلس الشعب آنذاك بتقديم طلب إحاطة عن الفساد في مصر, وقد ذكر في كتاب بعنوان الحجاب للصحفي الأمريكي بوب ودوورد مفجر فضيحة ووتر جيت الشهيرة أن شركة الأجنحة البيضاء التي تم تسجيلها في فرنسا هي المورد الرئيسي لتجارة السلاح في مصر, وبعد ذلك أثيرت التساؤلات حول حجم ثروة حسين سالم التي تتجاوز ميزانية الدولة في عام, ومع ذلك فقد ورد اسمه في بعض قضايا التهرب من قروض البنوك ومنها قضية أسهمه في إحدي شركات البترول العالمية التي حصل بضمانها علي قرض من أحد البنوك ورفض سداده, وانتهت القضية بحلول البنك الأهلي محله في الشركة.
وبحسب ما جاء في نص بلاغ جودة فإن حسين سالم يعد الأب الروحي لشرم الشيخ حيث أنه يعد أول المستثمرين في المنطقة منذ عام1982 وبالتالي لم يعد غريبا أن يملك حسين سالم خليج نعمة بالكامل تقريبا من فنادق وكافيتيريات وبازارات.
كما يعد منتجع موفنبيك جوليفيل من أكبر المنتجعات السياحية في المنطقة وقد أوصي حسين سالم عند تشييد هذا المنتجع بإقامة قصر علي أطرافه تم تصميمه وتجهيزه علي أحدث طراز معماري عالمي, وفوجئ الجميع بقيام سالم بإهداء القصر إلي الرئيس السابق ليصبح المصيف البديل لقصر المنتزة, كما أقام مسجد السلام بشرم الشيخ علي نفقته الخاصة بتكلفة بلغت مليوني جنيه خلال أقل من شهرين عندما علم أن الرئيس السابق سيقضي إجازة العيد في المنتجع.
ويمتلك حسين سالم طبقا لفحوي البلاغ شركة شرق المتوسط للغاز(E.M.G) التي قامت بتوقيع عقد الشراكة مع إسرائيل, وتشارك الحكومة المصرية بـ10% فقط في حين يمتلك الجانب الإسرائيلي المتمثل في رجل الأعمال يوسي مايمان25%, ويملك حسين سالم باقي الأسهم وتنص بنود الاتفاقية علي أن تقوم الشركة بتصدير120 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لإسرائيل مقابل28 مليار دولار فقط, علي حد ذكر صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية, وهذا هو الاتفاق الأول ضمن ثلاث اتفاقيات لم يتم الإعلان عنها.
ويبلغ رأس مال الشركة الإسمي500 مليون دولار والمدفوع من رأس المال147 مليون دولار فقط, والتكلفة الاجمالية للمشروع تبلغ نحو469 مليون دولار, حصلت الشركة علي قرض رئيسي من البنك الأهلي المصري قيمته380 مليون دولار, كما حصلت الشركة علي قروض أخري من بنوك الاتحاد الاوروبي وغيرها.
وقد بدأ ضخ الغاز إلي اسرائيل في مارس من عام2008 ومع هذا قام الشريكان الرئيسيان يوسي مايمان وحسين سالم ببيع حصتيهما بالتدريج في عام2007 أي قبل الضخ الفعلي للغاز حيث باع مايمان نصف حصته لشركة أمبال الأمريكية بمبلغ258.8 مليون دولار ثم قام ببيع%1.8 من أسهم الشركة بمبلغ40 مليون دولار وبعدها4.4% من الأسهم بمبلغ100 مليون دولار.
وحذا حسين سالم حذو مايمان في بيع الأسهم, وباع12% من أسهم الشركة بمبلغ260 مليون دولار, وفي نوفمبر2007 باع حسين سالم25% من الأسهم لشركة(P.T.T) التايلاندية بمبلغ486.9 مليون دولار, وتفاوض علي بيع10% من الأسهم إلي سام زل وهو مالك كبير للعقارات إسرائيلي أمريكي الجنسية ويقيم في شيكاغو, ولم يعلن سالم عن قيمة الصفقة رغم الإعلان عن أن شركة المتوسط تساوي وقتها2.2 مليار دولار بمعني أن صفقة سام مع حسين سالم تقدر قيمتها بـ220 مليون دولار.
ونصيب حسين سالم هو65% من مجموع الأسهم باع منها12% ثم25% ثم10% وبذلك صار مجموع البيع47% وتبقي له18%, وبلغت جملة المبيعات حوالي967 مليون دولار ولا يزال في حوزته ما يقدر بحوالي396 مليون دولار أي أن إجمالي نصيبه ما يعادل مليارا و360 مليون دولار, علاوة علي أن القروض وخاصة من البنك الأهلي المصري قد غطت تكاليف الإنشاء, كما أن الخط الذي ينقل الغاز من مصدره إلي العريش وهي محطة بداية خط أنابيب شركة شرق المتوسط قد قامت الدولة بإنشائه علي نفقتها وتعد هذة الصفقة غريبة من نوعها حتي أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت مقالا بعنوان تحقيق أرباح من غاز بدون الغاز
وقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن شركة شرق المتوسط للغاز أبرمت عقدا بقيمة ملياري دولار لتزويد شركة دوراد إينرجي الإسرائلية بالغاز الطبيعي لمدة15 عاما نظير100 مليون دولار عن كل سنة إضافية, وقالت إن هذا العقد يدشن إمدادات الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل.
ومما يذكر أن شركة شرق المتوسط مسجلة في المنطقة الحرة بمصر وهي الشركة الوحيدة التي تملك الحق في تصدير الغاز من مصر إلي إسرائيل والعميل الرئيسي للشركة هي مؤسسة الكهرباء الإسرائيلية التي ستشتري منها نحو206 ملايين قدم مكعب يوميا طوال15 عاما.
ومن المنتظر أن تستمع النيابة العامة إلي أقوال الدكتور سمير صبري المحامي بالنقض والدستورية والادارية العليا والدكتور صلاح جودة مدير مركز الدراسات الاقتصادية في البلاغات المقدمه منهما الي المستشار الدكتور عبدالمجيد محمود النائب العام والتي تتضمن المخالفات الجسيمة التي ارتكبها كل من منير ثابت وحسين سالم مدعومة بالمستندات التي تثبت صحة الاتهامات المنسوبة إليهما من الاستيلاء علي المال العام والإضرار المتعمد بأموال الشعب مستغلين في ذلك الصلة المباشرة لهما بالرئيس السابق.
100 حسنى ولا واحد مرسى ... ومتزعلش !
ردحذف