البرادعي وحمدين صباحي ليسا ساذجين لكي نتصور أنهما جاهلان بحقيقة أن الشارع السياسي الآن ليس شارع الثورة بوحدتها وإجماعها، وإنما شارع أحزاب الثورة التي اختلفت رؤاها للإصلاح والبناء، وكل هذه الأحزاب تملك حيوية الشارع والقدرة على الحشد والحق في ذلك أيضًا، وبالتالي فالاثنان يفهمان بوضوح كامل ما يفهمه المواطن البسيط من أن رفضهم للحوار ودفعهم لقطاع من الشباب لممارسة العنف والإكراه السياسي واللعب بالشارع عند القصر الجمهوري أو غيره هي ـ في جوهرهاـ دعوة للقتل والعنف والمواجهة المفتوحة في الشارع، البرادعي وصباحي يعرفان ذلك جيدًا، ومن هنا حمّلت وما زلت أحمل البرادعي وحمدين والبدوي وعمرو موسى المسؤولية الكاملة عن أيّ قطرة دم تسيل في الشارع أو الميادين، هم الذين يدفعون لحرق الوطن من أجل إجبار جميع القوى السياسية الأخرى على الرضوخ لرأيهم ورؤيتهم السياسية، البرادعي وشركاه يؤسسون الآن لمبدأ في غاية الخطورة، وهو أن السياسة في مصر تدار بمنطق "حق النقض ـ الفيتو"، بحيث يمتلك هو أو غيره حق نقض وإسقاط أي قرار أو استفتاء أو مؤسسة منتخبة لا يرضى هو عنها أو لا يمنحها صك البراءة، ومنطق "حق النقض" ضد الديمقراطية قطعًا، فأنت ليس على رأسك ريشة من أجل أن تفرض رأيك السياسي عليّ وعلى غيري من المشتغلين بالعمل العام أو الأحزاب السياسية، إما نقبله وإما تحرق لنا البلد، هذا الابتزاز السياسي لا يمكن أن يمر ولا أن يسمح به مخلص لهذا الوطن، البرادعي يتصرف بوصفه ممثل الثورة وزعيمها، رغم أن العالم كله يعرف أن خصوصية ثورة يناير المميزة أنها ثورة شعب بلا زعامات، وعشرات القوى والتجمعات والقطاعات الشعبية شاركت في هذه الثورة، فأن يأتي البرادعي ليغتصب الحديث باسم الثورة دون غيره، أو يأتي حمدين لكي يقول إنه ومن معه أصحاب الثورة الأصليون، والباقي هنود حمر مثلًا، فهذا تهريج سياسي وتخبط وعصبية لا تنتمي إلى أي منطق.
والعبث الذي يحدث الآن بمحاولة إعادة إنتاج شعارات ولافتات وأدوات ثورة الشعب المصري في مواجهة طغيان مبارك لإعادة تسويقها في الميادين والشوارع الآن في مواجهة الرئيس الشرعي المنتخب قبل خمسة أشهر، والشعب يريد إسقاط النظام، وارحل، هي مراهقة سياسية، فالثورات ليست شعارات ولافتات، وإنما سياق تاريخي وتراكم خبرات المعاناة مع الديكتاتور وتوحد شعبي وقوة أخلاقية تدعم الحق المجمع عليه بين ملايين المواطنين، ليست الثورة رخيصة إلى حد أن أي حزب أو مجموعة أحزاب بعدة ميكروفونات ولافتات يفجرونها كل عدة أشهر على خلفية أجنداتهم السياسية الخاصة، عندما ينزل متظاهروك في الشارع لكي تقول للرئيس المنتخب ارحل، فإن ملايين أخرى لأحزاب وقوى ثورية ستخرج إلى الميادين وتقول: نحمي الرئيس الشرعي المنتخب والصندوق بيننا والشعب الحكم ، لأن ما تفتعله ليس ثورة وإنما ابتزاز سياسي رخيص يتوسد العنف لفرض إرادته على الآخرين، والدرس الذي أعطاه مئات الآلاف الذين احتشدوا عند قصر الاتحادية يوم الأربعاء الماضي لإعلان ولائهم للشرعية والرئيس المنتخب كان حاسمًا وواضحًا، ووصل للجميع داخل مصر وخارجها ورآه العالم رأي العين وفهم الرسالة، فقط البرادعي وصباحي أغمضا أعينهما وكأنهما لم يقرآ المشهد ولم يفهما الرسالة، هما فهماها قطعًا، ولكنهما قررا العمل على حرق الوطن إن لم يرضخ الشعب المصري أو رئيس الجمهورية لأجندتهم السياسية، ولن يفلحا في ذلك أبدًا، لأن مصر أكبر منهم بكثير، ومصر ليست شارع الميرغني أحد شوارع حي روكسي الذي هو أحد أحياء ضاحية مصر الجديدة التي هي أحد أحياء مدينة القاهرة، والشعب المصري أكثر وعيًا من أي وقت مضى، والثورة التي تجاوزت كل المؤامرات وفخاخ العنف المتتالية طوال ما يقرب من سنتين، ستتجاوز المؤامرة الحالية، وستصل "المحروسة" ـ بعون الله وحفظه وبإرادة شعبها ـ إلى استقرارها وأمنها ودولة المؤسسات والديمقراطية.
08/12/2012
من الذى يريد اختطاف الثورة؟! - جمال سلطان
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ADDS'(9)
ADDS'(3)
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى