مبادئ بي بي سي الأساسيَّة
الحقيقة والدقة والحياد والاستقلالية قيم أخلاقية راسخة لدى بي بي سي. وقد طورت بي بي سي إرشادات تلخص أخلاقيات المؤسسة وقيمها في ما يتعلق بالمحتوى الذي يقدم في التلفزيون والراديو والانترنت، أينما كان موقع المتلقين لهذا المحتوى في العالم.
هذه الإرشادات صممت لمساعدتك على اتخاذ القرارات التحريرية، وهي تدور حول جوهر القيم الصحفية: الحقيقة والدقة والحياد والاستقلالية والمصلحة العامة والمسؤولية تجاه الجمهور. هنا، نقدم ملخصاً ببعض الإرشادات لما قد تصادفه يومياً في عملك. وهي ليست لائحة جامدة، فقد تتغير الارشادات احياناً وفقاً للظروف. وعندما يراودك شك، عليك دائماً طلب النصيحة. لمزيد من المعلومات، عليك الاطلاع على كتيّب الارشادات التحريرية.
أنت تريد أن تكون الأول في بث الخبر، ولكن عليك أن تفعل ذلك على نحو سليم.
الدقة
- بالنسبة لصحفيي بي بي سي، تعتبر الدقة أكثر أهمية من السرعة. عليك أن تكون شاهداً على الأحداث وأن تجمع المعلومات أولاً. ليس من المقبول تقديم تقرير عاجل بوصفه حقيقة مستندة على تقرير لوكالة أنباء ما أو مواقع اجتماعية.
الحياد
- الحياد يشترط أن تكون عادلاً ومنفتحاً وموضوعياً عندما تعاين الأدلة وتزن الوقائع. لا يتطلب ذلك تقديم كل حجة في كل مرة تغطي حدثاً، كما لا يتطلب وقتاً متساوياً عند عرض كل وجهة نظر.
- يجب عليك وعلى كل صحفي في بي بي سي عدم الاستفادة من منظمات خارجية او مساهمين، تحت أي ظرف. بي بي سي تتكفل بتغطية نفقات السفر والاقامة وغالبية التسهيلات التي تستخدمها.
- بوصفك من أسرة بي بي سي، اذا اردت ان تطلق مدونة خاصة بك على الانترنت، عليك اولا مناقشة ذلك مع مديرك، وهو سيطلب منك ان تناقش المخاطر وتضارب المصالح. فهو لن يمنعك من ذلك بلا سبب. اما اذا كان لديك فعلا موقع على الانترنت، عليك ألا تقدم وجهة نظر سياسية او آراء تفضيلية أو ان تكتب بحرية أو انحياز، بما ان ذلك يتعارض مع سياسة الحياد التي تعتمدها بي بي سي والتي ترضخ لها بدورك.
- لا تستخدم تأشيرة سياحية لدخول بلد ما بهدف اعداد تقارير لـ"بي بي سي". أي قرار استخدام تأشيرة سياحية بهدف تجنب القيود يجب ان يعود الى مسؤول التحرير، وليس إليك وحدك.
- المعلومات التي يريدها الجمهور متوفرة فقط عبر مصادر مجهولة او عبر مشاركين. التحفظ على هوية أو طبيعة المصدر هو الملاذ الأخير، ويجب عدم اللجوء اليه تلقائياً. عليك ان تتنبه الى انه عندما تعد بالتحفظ على المصدر، لا بد ان تفي بالوعد. ولمديرك الحق في ان يعرف هوية المصدر اذا تقرر بث المعلومة.
- اذا اردت ان تشرك اطفالاً وشباباً في تقريرك، عليك ان تحصل على موافقة مسبقة منهم. وعليك بطبيعة الحال ان تحصل على موافقة ذويهم، او اي من لديه وصاية قانونية عليهم (كأستاذهم على سبيل المثال). وكلما كان الطفل أصغر سناً، كلما كان إشراكه أكثر حساسية، وكلما كانت الموافقة ضرورية.
- عليك دائما ان توازن بين مصلحة الجمهور والدقة في نقل المعلومة، مقابل الاندفاع. وعليك تجنب الكشف غير المبرر للخصوصية عند تناول حوادث أو كوارث أو حرب، وغير ذلك. ويتعين عليك بداية ان تطلب مقابلة جريح او مفجوع في ما يتعلق بحادث او كارثة عبر وساطة اصدقاء له، اقرباء او مستشارين .
- قد يحاول المشاركون احياناً فرض شروط قبل الموافقة على منحك مقابلة او مشاركة في برنامجك. في غالبية الحالات، ترفض بي بي سي التخلي عن صلاحياتها التحريرية. واذا رفض أحد المشاركة في مقابلة ما لم يعرف الاسئلة مسبقاً، او ما لم يتم تجنيبه أمراً معيناً، فعليك التفكير ملياً في مدى حاجتك لمقابلته، وان تطلب نصيحة مديرك.
الاستقلالية والثقة
الاستقلالية: إذا أردت ان تكون موضع ثقة، فالاستقلالية ركيزة أساسية لتحقيق ذلك، الاستقلالية قيمة أساسية واضحة لأي صحفي، ولكن كيف ستجيب عن الأسئلة الآتية:
هل أنت أو هل تبدو أنك مستقل تحريريا عن الحكومة، والمصالح السياسية والتجارية وأي مصلحة اخرى؟ هل ترفض أو تبدو رافضا تبني مؤسسة معينة أو انشطتها أو ما تقدمه من منتجات وخدمات؟ هل تتجنب بروز منتج معين في المحتوى الذي تنتجه؟ هل أنت متأكد من أن أنشطتك خارج وظيفتك الرئيسية لا تؤثر بشكل غير ملائم على إنتاجك من الأخبار والبرامج؟ الاستقلالية تتطلب أيضا الاعتدال فهي لا تعني أن يصبح المرء عنيدا ولا أن يكون متشككا في دوافع كل شخص لمجرد أنه يريد تأكيد استقلاليته.
المكانة والمظهر
قد تعتقد أنه لا يمكن لأي شخص أن يشكك في استقلاليتك لأنك صحفي. ومن المؤكد أن بي بي سي والعاملين بها يتمتعون بالاستقلالية حتى لا نقول "العناد" أحيانا. جميع الصحفيين كذلك، فهم من النوع الذي يقول لنفسه: "نحن لا نتلقى أوامر من أحد. نحن نتخذ قراراتنا بتغطية القصة والأولوية وترتيبها في البث والنشر".
وخلاصة القول فإن الاستقلالية تسير جنبا إلى جنب مع النزاهة التحريرية والتجرد من الانحياز، ونحن نعرض الأخبار دون خوف او تفضيل. ولكن هناك مثل قديم يقول "نحن نحكم على انفسنا من خلال نوايانا ونحكم على الآخرين من خلال أفعالهم". وببساطة، فإن الاعتقاد بأننا نتمتع باستقلالية أو نسعى إلى ذلك أو نعتزمه ليس كافيا. كذلك فإنك قد لا تضمن النجاح في إقناع كل فرد في جمهورك بأنك في الواقع مستقل.
وبسبب تعهدات صحفيي بي بي سي لجمهورهم يتوجب عليهم أن يظهروا استقلاليتهم في اتخاذ قراراتهم، وأن يبذلوا قصارى جهدهم لتبديد أي شكوك وإزالة الغموض بشأن تلك الاستقلالية. وإذا ساورك الشك تجاه علاقتك بأحد شخوص الحدث اسأل نفسك: كيف سيبدو ذلك أمام شخص آخر؟ أو إذا عرف شخص من الجمهور أني حصلت على القصة الخبرية بهذه الطريقة فهل سيعتقدون أني كنت مستقلا؟ تأكد من الاحتفاظ دائما بمسافة كافية بين الحدث وتأثيراته المحتملة عليك؟ وإذا كنت تتعامل كصحفي مختص بشؤون الاقتصاد مع منتجات وعلامات تجارية مختلفة، قل لنفسك: هل هو واضح أنك تقدم تقريرا عن هذه المنتجات دون الترويج لها؟
الحيادية والنزاهة
الحيادية: تعد من المزايا الأساسية بالنسبة لبي بي سي. والصحافة ليست كلها محايدة ولا تحتاج جميعها لذلك. فهناك أنواع من العمل الصحفي الجيد ينشر في صحف لها وجهات نظر معينة تجاه قضايا العالم.
فالقراء يمكنهم الاختيار بين جريدة وأخرى للشراء أو القراءة وفق مدى توافقها أو اختلافها مع وجهات نظرهم. لكن صحافة بي بي سي مختلفة، فالمؤسسة تمول من شراء المواطنين لرخص التلفزيون السنوية في المملكة المتحدة، ويعني هذا أن المؤسسة مسؤولة ليس أمام الحكومات ولكن أمام الجمهور الذي يدفع لتمويل خدماتها. هذا الجمهور لديه وجهات نظر ويعبر عن آراء متباينة على أوسع نطاق، كما أن خلفياته الاجتماعية والثقافية والدينية متنوعة. ويعني هذا أن بي بي سي لا يمكنها ان تتبنى عمدا وعن علم مسبق وجهة نظر معينة تجاه العالم. وينص القانون في المملكة المتحدة على أن صحفيي بي بي سي يجب ان يكونوا غير منحازين، وهي قيمة أساسية وإحدى متطلبات العمل التي تميز بي بي سي عن أي مصدر إخباري آخر. كما انها جزء من التعهدات التي تقطعها بي بي سي على نفسها أمام الجمهور. لكن هناك سوء فهم في الغالب لمسألة التجرد من الانحياز، وبخاصة من أولئك الذين يعتقدون أن فكرة الصحافة المحايدة نوع من الخيال. كما ان معظم الناس يخلطون بين الحيادية وتعبيرات اخرى مثل الموضوعية والتوازن والنزاهة، لكن الأمر مختلف.
مثال توضيحي
ولتوضيح هذه الفروق نستعين بقصة يستخدمها عادة مراسل بي بي سي آلان ليتل. أنت تدخل إلى مقهى يتجادل فيه رجلان، أحدهما يقول للآخر اثنين زائد اثنين يساوي أربعة، ويرد الآخر بأن اثنين زائد اثنين يساوي خمسة. عندما تروي هذه القصة لصديق فيمكن أن يكون ذلك بموضوعية، وتوازن ونزاهة وحياد وفي كل مرة ستختلف الرواية. "الموضوعية" تنقل كل ما قاله الرجلان دون أي افتراضات بشأن الرياضيات أو الأرقام، لا يمكنك أن تقرر ما إذا كان احدهما على صواب أو مخطئا، ليس لأنك لا تعرف الإجابة التي هي بسيطة بالطبع، ولكن لأنك لا تملك إطارا يمكن من خلاله إصدار حكم. و"الحيادية" تعني نقل ما قال الرجلان دون إصدار احكام رغم أنك تعرف أن أحدهما مخطئ. ويعني "التوازن" الاهتمام بنقل إدعاءات الرجلين بتعبير متساو دون أي أحكام. "النزاهة" أن تضمن نقل ادعاءات الرجلين بأكبر قدر من الأمانة، وباستخدام تعبيرات كل منهما في الدفاع عن وجهة نظره ولكن أيضا بدون إصدار احكام. أما "التجرد من الانحياز" فيعني نقل ادعاءات الرجلين بكل دقة ممكنة مع البحث عن أو الأخذ في الاعتبار وجهات النظر الأخرى المرتبطة بالموضوع مثل رأي خبير في الرياضيات ليقول أي الرجلين على صواب. عدم الانحياز يساعدك على التوصل إلى حكم يستند على الوقائع بعد أن تبحث عن كل الآراء ووجهات النظر المتعلقة بالموضوع. كما انه يعني ضرورة تقييم كل هذه المواقف وربما استبعاد التي لا تستند على أدلة أو تناقض الحقائق. ويشمل أيضا عرضا لوجهات النظر المختلفة.
تطبيق التجرد من الانحياز
عندما تسعى لتحقيق التجرد من الانحياز في كل اعمالك الصحفية، ستصادفك بعض القضايا التي تزداد فيها أهمية ذلك السعي، وهنا يجب أن تكون اكثر نشاطا وفاعلية في البحث عن الآراء المختلفة وتقييمها. إن التجرد من الانحياز واجب في أي قضية مثيرة للجدل، والقضية الخلافية قد تكون تلك التي تشهد حالة قوية من الاستقطاب داخل المجتمع أو التي ينشب بشأنها خلاف شديد بين ممثلي القوى السياسية. وهنا يمكن أن تؤدي مناقشة معينة أو مناظرة إلى تغيير في السياسة أو اتخاذ قرار. ولا توجد بالطبع قائمة محددة بالموضوعات الخلافية أو المثيرة للجدل، فيجب عليك أن تمارس نوعا من التقييم لتحديد ما إذا كان الموضوع الذي تتناوله مثيرا للجدل أم لا. ورغم ذلك فالقاعدة العامة هي ترجيح أن أي موضوع يتناوله المنتج الإخباري سيكون مثيرا للجدل.
لكن تطبيق عدم الانحياز لا يعني ان الإنتاج الإخباري سواء كان مرئيا أم مسموعا أو منشورا على شبكة الإنترنت أصبح ببساطة محايدا أو متوازنا. لكنه يعني انك لا بد وأن تكون قد بحثت عن كل وجهات النظر والآراء الخاصة بأي قضية تتناولها. ربما تكون قد جربت التوصل إلى حكم بناءً على أدلة واضعا القصة في إطار معين يؤدي للتوصل إلى نتيجة. لكن عملية جمع المعلومات برمتها وتجميع وبناء القصة الخبرية التي ترويها يجب أن تتم بتجرد من الانحياز.
التجرد من الانحياز دائماً
أنت بحاجة للتمسك بتجنب الانحياز في قضايا معقدة طوال الوقت. فكل مادة إخبارية تقدم حتى لو كانت خبرا صغيرا في نشرة يجب ان تكون نزيهة وغير منحازة. لكن دائما، وبالتحديد في الاخبار العاجلة أو ذات التطورات المتلاحقة، قد يمر بعض الوقت قبل تحقيق التجرد من الانحياز. وقد يستغرق الأمر وقتا حتى يمكنك جمع وجهات النظر المختلفة التي تمكنك من كتابة قصة خبرية غير منحازة. فمثلا رفض أحد أطراف الحدث التعليق لا يعني ذلك عدم الكتابة عنه، كما أن بث الخبر على انه عاجل يعني تقريرا بأنه يحوي المعلومات المتاحة في الوقت الحالي وأن التفسيرات والمناقشات بشأنه ستأتي لاحقا. وقد يستغرق الأمر وقتا لإقناع شخصية مؤثرة بالمشاركة في مناقشة عامة، كما أن فهم قضية معينة قد يتغير وقد يصبح لعدد من وجهات النظر الأخرى صلة بالقضية. ومن مسؤوليات مدير التحرير في قسم معين أن يضمن على الدوام تقديم كل وجهات النظر المهمة وذات الصلة بالموضوع. وقد يعني ذلك أحيانا مراجعة عدد من وجهات النظر المطروحة في جدل معين وتقييم ثقلها وأهميتها وذلك لضمان أن رأي الأقلية على سبيل المثال لا يقدم مثل رأي الأغلبية.
كما ان مدير التحرير مسؤول ايضا عن ضمان عدم تكرار أن تتكرر المشكلات التالية المزمنة المرتبطة بمسألة الحيادية.
- تبني ثقافة الضحية، فالعالم ليس مقسما بين ضحايا في مواجهة أشرار. عليك تجاوز تبسيط الأمور لتتمكن من رواية ما يجري بالفعل وهنا يجب اتخاذ قرارات صعبة.
- تجاهل المشكلات الحساسة، فالالتزام بتقديم وجهات النظر المختلفة لا يعني تجاهل أو عدم تغطية موضوعات مثل المشكلات العرقية بين جماعات مختلفة او عدم معالجة بعض القضايا الشائكة المرتبطة بالدين.
- المساواة والتجرد من الانحياز: إعطاء وقت متساو لوجهات النظر الراسخة والآراء غير الصادقة لا يعني تجردا من الانحياز.
- ثقافة المقاطع الصوتية، اختيار عدد من المقاطع الصوتية لأشخاص يعبرون عن آراء مختلفة لا يحقق بالضرورة التنوع المطلوب في وجهات النظر او تقديم مناقشة ملائمة لموضوع ما.
- انعكاسات ردود الفعل: عند مواجهة سيل من الآراء المختلفة، يكون من المغري غالبا اختيار وتضمين الآراء التي تتجمع حول نوع الاستجابة التي يتوقعها الصحفي.
الدقَّة ونقل الحقيقة
الحقيقة والدقة يشكلان عنصرا أساسيا في سمعتك كصحفي، فإذا لم يكن بمقدور القراء أو المستمعين أو المشاهدين أن يثقوا في أنك تقدم رواية دقيقة للحدث، فإن معنى ذلك هو أنك لم تنجح حتى في تحقيق الحد الأدنى الضروري من أساسيات العمل.
كصفحي، أنت ملزم بعقد اتفاق مع جمهورك، فأنت تشاهد وتكتشف أمورا لا يتسنى لمعظم الناس الوقت او القدرة للوصول إليها. مهمتك أن تنقل للجمهور ما توصلت إليه، وأنت في هذه الحالة تطلب منهم أن يثقوا في أنك تراجع صحة كل واقعة نقلتها لهم. وتطلب منهم أن يثقوا في أن روايتك لا تضللهم، بل أنك تعدهم بعدم التضليل. قد تعمل مع أفراد من جمهورك عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وقد تسألهم أن يعيروك خبرتهم وتجاربهم، أو ان يقوموا لأجلك ببعض المهام الشاقة مثل تدقيق الوثائق او مقارنة الرواية الرسمية للحدث برواياتهم. وحتى في هذه الحالة أنت مسؤول عن تزويد الجمهور بالحقيقة وعدم خداعه.
مهما كانت رؤيتك للحقيقة والخط الفاصل بين الخبر والرأي ستظل الدقة فكرة بسيطة ولكنها في غاية الأهمية، فالدقة لا تعني مجرد الحصول على المعلومات المؤكدة بشكل صحيح مثل الأسماء والأماكن وتواريخ الميلاد والتصريحات، فحسب، بل أيضا الدقة في نقل الآراء التي عبر عنها من تعرض أخبارهم. ولذلك إذا كتبت أو قلت إن "رئيس البلدية قال لجمهوره إن العاصمة هي مركز النفوذ الفني والثقافي للبلاد"، فأنت أمام مستويين محتملين للدقة. فمن المحتمل أن المعلومات لم تكن صحيحة وأنك لم تنقل او تقدم الآراء التي طرحت بالشكل الصحيح. هل المتحدث هو رئيس البلدية؟ هل ألقى بالفعل خطبة؟ هل انت متأكد من انك لم تحصل على مجرد بيان صحفي؟ هل استخدم بالفعل الكلمات التي نسبتها إليه؟ ومن المحير فعلا كيف يخطئ الصحفيون في نقل مثل هذه الحقائق البسيطة، ولذا فارتكاب هذه الأخطاء يعتبر أسرع السبل المؤكدة لتقويض الثقة ومعها سمعتك في آن واحد.
الصحفي والدقة
أنت بحاجة لأن تكون حريصا بدرجة أكبر حين تنقل الرأي، هل يقدم التقرير بدقة ما قاله رئيس البلدية بالضبط؟ هل كان يمزح أو يتعمد المبالغة لإحداث تأثير؟ هل كانت هناك جملة سابقة أو لاحقة للجملة التي نقلتها عنه كانت ستضعها في سياق مختلف؟ ولهذا تأكد من أن تنقل جزءا من التصريح (الاقتباس) أو تعرض الرأي بدقة، وانك تنقل بشكل صحيح المعنى الأوسع للاقتباس او الرأي الذي عرضته. ومن غير المقبول في جميع الأحوال استبعاد كلمات أو عبارات هامة من الاقتباس، أو وضع الاقتباس في سياق مختلف عما قيل فيه. الكلمات والجمل المستخدمة في التصريح المنقول قد تكون دقيقة لكن المعنى الذي تنقله عبرها قد لا يكون كذلك لأنك شوهتها من خلال التلاعب في عناصر أساسية بها. إن جزءا من وظيفتك كصحفي تأكيد صحة تلك العناصر التي يمكن التأكد منها بموضوعية، وتوضيح أن تلك هي الحقائق، والتمييز بين هذه الحقائق والعناصر الأخرى التي يظهر جليا أنها رأي.
فجوات المعرفة
يقع أيضا ضمن وظيفتك كصحفي تحديد الفجوات في روايتك للحدث. هل هناك حقائق بارزة مفقودة بشكل ملحوظ؟ هل أطلقت الجماهير صيحات استهجان أم ضحكت أم جلست مندهشة في صمت، أي الحقائق المفقودة هي الأبرز والأهم؟ إذا كانت هناك اختلافات في الرأي الذي تريد نقله فما هي الأهمية التي توليها لكل عنصر؟ وإذا كان هناك إجماع واضح في القاعة أو في مكان الحدث فهل يشير ذلك إلى إجماع حقيقي أم أنك ببساطة لم تسبر أغوار الآراء المعارضة؟
تصحيح الأخطاء بعد الاقرار بها
عليك ان تقر بالأخطاء وتصححها فور اكتشافك لها. والصحافة لديها سمعة سيئة في مجال عدم الاعتراف بالأخطاء. لكن الجماهير تتسم بالوضوح في هذه النقطة فهي تثق بالمؤسسات الإخبارية التي تعترف بأخطائها وتصححها أكثر بكثير من المؤسسات الأخرى التي تعتقد أنها معصومة من الخطأ. وفي أي حدث أنت كصحفي تسعى لعرض وتقديم رواية دقيقة وحقيقية لما يجري في العالم، ولديك واجب أخلاقي بأن تعلم الجماهير بأنك نقلت شيئا خاطئا. كما أن تصحيح الأخطاء ضرورة ملحة على شبكة الإنترنت، فقصصك الإخبارية يتم تناقلها وحفظها في الأرشيف لفترة طويلة بعد نشرك لها. وعدم الدقة سيؤدي لسلسلة من الشكاوى تتهمك بعدم النزاهة بل قد تورطك في اتهام بالتشهير. وأكثر السبل فعالية في تصحيح الخطأ هو الاعتراف به ثم تصحيحه.
الحقيقة والدقة والحياد والاستقلالية قيم أخلاقية راسخة لدى بي بي سي. وقد طورت بي بي سي إرشادات تلخص أخلاقيات المؤسسة وقيمها في ما يتعلق بالمحتوى الذي يقدم في التلفزيون والراديو والانترنت، أينما كان موقع المتلقين لهذا المحتوى في العالم.
هذه الإرشادات صممت لمساعدتك على اتخاذ القرارات التحريرية، وهي تدور حول جوهر القيم الصحفية: الحقيقة والدقة والحياد والاستقلالية والمصلحة العامة والمسؤولية تجاه الجمهور. هنا، نقدم ملخصاً ببعض الإرشادات لما قد تصادفه يومياً في عملك. وهي ليست لائحة جامدة، فقد تتغير الارشادات احياناً وفقاً للظروف. وعندما يراودك شك، عليك دائماً طلب النصيحة. لمزيد من المعلومات، عليك الاطلاع على كتيّب الارشادات التحريرية.
أنت تريد أن تكون الأول في بث الخبر، ولكن عليك أن تفعل ذلك على نحو سليم.
الدقة
- بالنسبة لصحفيي بي بي سي، تعتبر الدقة أكثر أهمية من السرعة. عليك أن تكون شاهداً على الأحداث وأن تجمع المعلومات أولاً. ليس من المقبول تقديم تقرير عاجل بوصفه حقيقة مستندة على تقرير لوكالة أنباء ما أو مواقع اجتماعية.
الحياد
- الحياد يشترط أن تكون عادلاً ومنفتحاً وموضوعياً عندما تعاين الأدلة وتزن الوقائع. لا يتطلب ذلك تقديم كل حجة في كل مرة تغطي حدثاً، كما لا يتطلب وقتاً متساوياً عند عرض كل وجهة نظر.
- يجب عليك وعلى كل صحفي في بي بي سي عدم الاستفادة من منظمات خارجية او مساهمين، تحت أي ظرف. بي بي سي تتكفل بتغطية نفقات السفر والاقامة وغالبية التسهيلات التي تستخدمها.
- بوصفك من أسرة بي بي سي، اذا اردت ان تطلق مدونة خاصة بك على الانترنت، عليك اولا مناقشة ذلك مع مديرك، وهو سيطلب منك ان تناقش المخاطر وتضارب المصالح. فهو لن يمنعك من ذلك بلا سبب. اما اذا كان لديك فعلا موقع على الانترنت، عليك ألا تقدم وجهة نظر سياسية او آراء تفضيلية أو ان تكتب بحرية أو انحياز، بما ان ذلك يتعارض مع سياسة الحياد التي تعتمدها بي بي سي والتي ترضخ لها بدورك.
- لا تستخدم تأشيرة سياحية لدخول بلد ما بهدف اعداد تقارير لـ"بي بي سي". أي قرار استخدام تأشيرة سياحية بهدف تجنب القيود يجب ان يعود الى مسؤول التحرير، وليس إليك وحدك.
- المعلومات التي يريدها الجمهور متوفرة فقط عبر مصادر مجهولة او عبر مشاركين. التحفظ على هوية أو طبيعة المصدر هو الملاذ الأخير، ويجب عدم اللجوء اليه تلقائياً. عليك ان تتنبه الى انه عندما تعد بالتحفظ على المصدر، لا بد ان تفي بالوعد. ولمديرك الحق في ان يعرف هوية المصدر اذا تقرر بث المعلومة.
- اذا اردت ان تشرك اطفالاً وشباباً في تقريرك، عليك ان تحصل على موافقة مسبقة منهم. وعليك بطبيعة الحال ان تحصل على موافقة ذويهم، او اي من لديه وصاية قانونية عليهم (كأستاذهم على سبيل المثال). وكلما كان الطفل أصغر سناً، كلما كان إشراكه أكثر حساسية، وكلما كانت الموافقة ضرورية.
- عليك دائما ان توازن بين مصلحة الجمهور والدقة في نقل المعلومة، مقابل الاندفاع. وعليك تجنب الكشف غير المبرر للخصوصية عند تناول حوادث أو كوارث أو حرب، وغير ذلك. ويتعين عليك بداية ان تطلب مقابلة جريح او مفجوع في ما يتعلق بحادث او كارثة عبر وساطة اصدقاء له، اقرباء او مستشارين .
- قد يحاول المشاركون احياناً فرض شروط قبل الموافقة على منحك مقابلة او مشاركة في برنامجك. في غالبية الحالات، ترفض بي بي سي التخلي عن صلاحياتها التحريرية. واذا رفض أحد المشاركة في مقابلة ما لم يعرف الاسئلة مسبقاً، او ما لم يتم تجنيبه أمراً معيناً، فعليك التفكير ملياً في مدى حاجتك لمقابلته، وان تطلب نصيحة مديرك.
الاستقلالية والثقة
الاستقلالية: إذا أردت ان تكون موضع ثقة، فالاستقلالية ركيزة أساسية لتحقيق ذلك، الاستقلالية قيمة أساسية واضحة لأي صحفي، ولكن كيف ستجيب عن الأسئلة الآتية:
هل أنت أو هل تبدو أنك مستقل تحريريا عن الحكومة، والمصالح السياسية والتجارية وأي مصلحة اخرى؟ هل ترفض أو تبدو رافضا تبني مؤسسة معينة أو انشطتها أو ما تقدمه من منتجات وخدمات؟ هل تتجنب بروز منتج معين في المحتوى الذي تنتجه؟ هل أنت متأكد من أن أنشطتك خارج وظيفتك الرئيسية لا تؤثر بشكل غير ملائم على إنتاجك من الأخبار والبرامج؟ الاستقلالية تتطلب أيضا الاعتدال فهي لا تعني أن يصبح المرء عنيدا ولا أن يكون متشككا في دوافع كل شخص لمجرد أنه يريد تأكيد استقلاليته.
المكانة والمظهر
قد تعتقد أنه لا يمكن لأي شخص أن يشكك في استقلاليتك لأنك صحفي. ومن المؤكد أن بي بي سي والعاملين بها يتمتعون بالاستقلالية حتى لا نقول "العناد" أحيانا. جميع الصحفيين كذلك، فهم من النوع الذي يقول لنفسه: "نحن لا نتلقى أوامر من أحد. نحن نتخذ قراراتنا بتغطية القصة والأولوية وترتيبها في البث والنشر".
وخلاصة القول فإن الاستقلالية تسير جنبا إلى جنب مع النزاهة التحريرية والتجرد من الانحياز، ونحن نعرض الأخبار دون خوف او تفضيل. ولكن هناك مثل قديم يقول "نحن نحكم على انفسنا من خلال نوايانا ونحكم على الآخرين من خلال أفعالهم". وببساطة، فإن الاعتقاد بأننا نتمتع باستقلالية أو نسعى إلى ذلك أو نعتزمه ليس كافيا. كذلك فإنك قد لا تضمن النجاح في إقناع كل فرد في جمهورك بأنك في الواقع مستقل.
وبسبب تعهدات صحفيي بي بي سي لجمهورهم يتوجب عليهم أن يظهروا استقلاليتهم في اتخاذ قراراتهم، وأن يبذلوا قصارى جهدهم لتبديد أي شكوك وإزالة الغموض بشأن تلك الاستقلالية. وإذا ساورك الشك تجاه علاقتك بأحد شخوص الحدث اسأل نفسك: كيف سيبدو ذلك أمام شخص آخر؟ أو إذا عرف شخص من الجمهور أني حصلت على القصة الخبرية بهذه الطريقة فهل سيعتقدون أني كنت مستقلا؟ تأكد من الاحتفاظ دائما بمسافة كافية بين الحدث وتأثيراته المحتملة عليك؟ وإذا كنت تتعامل كصحفي مختص بشؤون الاقتصاد مع منتجات وعلامات تجارية مختلفة، قل لنفسك: هل هو واضح أنك تقدم تقريرا عن هذه المنتجات دون الترويج لها؟
الحيادية والنزاهة
الحيادية: تعد من المزايا الأساسية بالنسبة لبي بي سي. والصحافة ليست كلها محايدة ولا تحتاج جميعها لذلك. فهناك أنواع من العمل الصحفي الجيد ينشر في صحف لها وجهات نظر معينة تجاه قضايا العالم.
فالقراء يمكنهم الاختيار بين جريدة وأخرى للشراء أو القراءة وفق مدى توافقها أو اختلافها مع وجهات نظرهم. لكن صحافة بي بي سي مختلفة، فالمؤسسة تمول من شراء المواطنين لرخص التلفزيون السنوية في المملكة المتحدة، ويعني هذا أن المؤسسة مسؤولة ليس أمام الحكومات ولكن أمام الجمهور الذي يدفع لتمويل خدماتها. هذا الجمهور لديه وجهات نظر ويعبر عن آراء متباينة على أوسع نطاق، كما أن خلفياته الاجتماعية والثقافية والدينية متنوعة. ويعني هذا أن بي بي سي لا يمكنها ان تتبنى عمدا وعن علم مسبق وجهة نظر معينة تجاه العالم. وينص القانون في المملكة المتحدة على أن صحفيي بي بي سي يجب ان يكونوا غير منحازين، وهي قيمة أساسية وإحدى متطلبات العمل التي تميز بي بي سي عن أي مصدر إخباري آخر. كما انها جزء من التعهدات التي تقطعها بي بي سي على نفسها أمام الجمهور. لكن هناك سوء فهم في الغالب لمسألة التجرد من الانحياز، وبخاصة من أولئك الذين يعتقدون أن فكرة الصحافة المحايدة نوع من الخيال. كما ان معظم الناس يخلطون بين الحيادية وتعبيرات اخرى مثل الموضوعية والتوازن والنزاهة، لكن الأمر مختلف.
مثال توضيحي
ولتوضيح هذه الفروق نستعين بقصة يستخدمها عادة مراسل بي بي سي آلان ليتل. أنت تدخل إلى مقهى يتجادل فيه رجلان، أحدهما يقول للآخر اثنين زائد اثنين يساوي أربعة، ويرد الآخر بأن اثنين زائد اثنين يساوي خمسة. عندما تروي هذه القصة لصديق فيمكن أن يكون ذلك بموضوعية، وتوازن ونزاهة وحياد وفي كل مرة ستختلف الرواية. "الموضوعية" تنقل كل ما قاله الرجلان دون أي افتراضات بشأن الرياضيات أو الأرقام، لا يمكنك أن تقرر ما إذا كان احدهما على صواب أو مخطئا، ليس لأنك لا تعرف الإجابة التي هي بسيطة بالطبع، ولكن لأنك لا تملك إطارا يمكن من خلاله إصدار حكم. و"الحيادية" تعني نقل ما قال الرجلان دون إصدار احكام رغم أنك تعرف أن أحدهما مخطئ. ويعني "التوازن" الاهتمام بنقل إدعاءات الرجلين بتعبير متساو دون أي أحكام. "النزاهة" أن تضمن نقل ادعاءات الرجلين بأكبر قدر من الأمانة، وباستخدام تعبيرات كل منهما في الدفاع عن وجهة نظره ولكن أيضا بدون إصدار احكام. أما "التجرد من الانحياز" فيعني نقل ادعاءات الرجلين بكل دقة ممكنة مع البحث عن أو الأخذ في الاعتبار وجهات النظر الأخرى المرتبطة بالموضوع مثل رأي خبير في الرياضيات ليقول أي الرجلين على صواب. عدم الانحياز يساعدك على التوصل إلى حكم يستند على الوقائع بعد أن تبحث عن كل الآراء ووجهات النظر المتعلقة بالموضوع. كما انه يعني ضرورة تقييم كل هذه المواقف وربما استبعاد التي لا تستند على أدلة أو تناقض الحقائق. ويشمل أيضا عرضا لوجهات النظر المختلفة.
تطبيق التجرد من الانحياز
عندما تسعى لتحقيق التجرد من الانحياز في كل اعمالك الصحفية، ستصادفك بعض القضايا التي تزداد فيها أهمية ذلك السعي، وهنا يجب أن تكون اكثر نشاطا وفاعلية في البحث عن الآراء المختلفة وتقييمها. إن التجرد من الانحياز واجب في أي قضية مثيرة للجدل، والقضية الخلافية قد تكون تلك التي تشهد حالة قوية من الاستقطاب داخل المجتمع أو التي ينشب بشأنها خلاف شديد بين ممثلي القوى السياسية. وهنا يمكن أن تؤدي مناقشة معينة أو مناظرة إلى تغيير في السياسة أو اتخاذ قرار. ولا توجد بالطبع قائمة محددة بالموضوعات الخلافية أو المثيرة للجدل، فيجب عليك أن تمارس نوعا من التقييم لتحديد ما إذا كان الموضوع الذي تتناوله مثيرا للجدل أم لا. ورغم ذلك فالقاعدة العامة هي ترجيح أن أي موضوع يتناوله المنتج الإخباري سيكون مثيرا للجدل.
لكن تطبيق عدم الانحياز لا يعني ان الإنتاج الإخباري سواء كان مرئيا أم مسموعا أو منشورا على شبكة الإنترنت أصبح ببساطة محايدا أو متوازنا. لكنه يعني انك لا بد وأن تكون قد بحثت عن كل وجهات النظر والآراء الخاصة بأي قضية تتناولها. ربما تكون قد جربت التوصل إلى حكم بناءً على أدلة واضعا القصة في إطار معين يؤدي للتوصل إلى نتيجة. لكن عملية جمع المعلومات برمتها وتجميع وبناء القصة الخبرية التي ترويها يجب أن تتم بتجرد من الانحياز.
التجرد من الانحياز دائماً
أنت بحاجة للتمسك بتجنب الانحياز في قضايا معقدة طوال الوقت. فكل مادة إخبارية تقدم حتى لو كانت خبرا صغيرا في نشرة يجب ان تكون نزيهة وغير منحازة. لكن دائما، وبالتحديد في الاخبار العاجلة أو ذات التطورات المتلاحقة، قد يمر بعض الوقت قبل تحقيق التجرد من الانحياز. وقد يستغرق الأمر وقتا حتى يمكنك جمع وجهات النظر المختلفة التي تمكنك من كتابة قصة خبرية غير منحازة. فمثلا رفض أحد أطراف الحدث التعليق لا يعني ذلك عدم الكتابة عنه، كما أن بث الخبر على انه عاجل يعني تقريرا بأنه يحوي المعلومات المتاحة في الوقت الحالي وأن التفسيرات والمناقشات بشأنه ستأتي لاحقا. وقد يستغرق الأمر وقتا لإقناع شخصية مؤثرة بالمشاركة في مناقشة عامة، كما أن فهم قضية معينة قد يتغير وقد يصبح لعدد من وجهات النظر الأخرى صلة بالقضية. ومن مسؤوليات مدير التحرير في قسم معين أن يضمن على الدوام تقديم كل وجهات النظر المهمة وذات الصلة بالموضوع. وقد يعني ذلك أحيانا مراجعة عدد من وجهات النظر المطروحة في جدل معين وتقييم ثقلها وأهميتها وذلك لضمان أن رأي الأقلية على سبيل المثال لا يقدم مثل رأي الأغلبية.
كما ان مدير التحرير مسؤول ايضا عن ضمان عدم تكرار أن تتكرر المشكلات التالية المزمنة المرتبطة بمسألة الحيادية.
- تبني ثقافة الضحية، فالعالم ليس مقسما بين ضحايا في مواجهة أشرار. عليك تجاوز تبسيط الأمور لتتمكن من رواية ما يجري بالفعل وهنا يجب اتخاذ قرارات صعبة.
- تجاهل المشكلات الحساسة، فالالتزام بتقديم وجهات النظر المختلفة لا يعني تجاهل أو عدم تغطية موضوعات مثل المشكلات العرقية بين جماعات مختلفة او عدم معالجة بعض القضايا الشائكة المرتبطة بالدين.
- المساواة والتجرد من الانحياز: إعطاء وقت متساو لوجهات النظر الراسخة والآراء غير الصادقة لا يعني تجردا من الانحياز.
- ثقافة المقاطع الصوتية، اختيار عدد من المقاطع الصوتية لأشخاص يعبرون عن آراء مختلفة لا يحقق بالضرورة التنوع المطلوب في وجهات النظر او تقديم مناقشة ملائمة لموضوع ما.
- انعكاسات ردود الفعل: عند مواجهة سيل من الآراء المختلفة، يكون من المغري غالبا اختيار وتضمين الآراء التي تتجمع حول نوع الاستجابة التي يتوقعها الصحفي.
الدقَّة ونقل الحقيقة
الحقيقة والدقة يشكلان عنصرا أساسيا في سمعتك كصحفي، فإذا لم يكن بمقدور القراء أو المستمعين أو المشاهدين أن يثقوا في أنك تقدم رواية دقيقة للحدث، فإن معنى ذلك هو أنك لم تنجح حتى في تحقيق الحد الأدنى الضروري من أساسيات العمل.
كصفحي، أنت ملزم بعقد اتفاق مع جمهورك، فأنت تشاهد وتكتشف أمورا لا يتسنى لمعظم الناس الوقت او القدرة للوصول إليها. مهمتك أن تنقل للجمهور ما توصلت إليه، وأنت في هذه الحالة تطلب منهم أن يثقوا في أنك تراجع صحة كل واقعة نقلتها لهم. وتطلب منهم أن يثقوا في أن روايتك لا تضللهم، بل أنك تعدهم بعدم التضليل. قد تعمل مع أفراد من جمهورك عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وقد تسألهم أن يعيروك خبرتهم وتجاربهم، أو ان يقوموا لأجلك ببعض المهام الشاقة مثل تدقيق الوثائق او مقارنة الرواية الرسمية للحدث برواياتهم. وحتى في هذه الحالة أنت مسؤول عن تزويد الجمهور بالحقيقة وعدم خداعه.
مهما كانت رؤيتك للحقيقة والخط الفاصل بين الخبر والرأي ستظل الدقة فكرة بسيطة ولكنها في غاية الأهمية، فالدقة لا تعني مجرد الحصول على المعلومات المؤكدة بشكل صحيح مثل الأسماء والأماكن وتواريخ الميلاد والتصريحات، فحسب، بل أيضا الدقة في نقل الآراء التي عبر عنها من تعرض أخبارهم. ولذلك إذا كتبت أو قلت إن "رئيس البلدية قال لجمهوره إن العاصمة هي مركز النفوذ الفني والثقافي للبلاد"، فأنت أمام مستويين محتملين للدقة. فمن المحتمل أن المعلومات لم تكن صحيحة وأنك لم تنقل او تقدم الآراء التي طرحت بالشكل الصحيح. هل المتحدث هو رئيس البلدية؟ هل ألقى بالفعل خطبة؟ هل انت متأكد من انك لم تحصل على مجرد بيان صحفي؟ هل استخدم بالفعل الكلمات التي نسبتها إليه؟ ومن المحير فعلا كيف يخطئ الصحفيون في نقل مثل هذه الحقائق البسيطة، ولذا فارتكاب هذه الأخطاء يعتبر أسرع السبل المؤكدة لتقويض الثقة ومعها سمعتك في آن واحد.
الصحفي والدقة
أنت بحاجة لأن تكون حريصا بدرجة أكبر حين تنقل الرأي، هل يقدم التقرير بدقة ما قاله رئيس البلدية بالضبط؟ هل كان يمزح أو يتعمد المبالغة لإحداث تأثير؟ هل كانت هناك جملة سابقة أو لاحقة للجملة التي نقلتها عنه كانت ستضعها في سياق مختلف؟ ولهذا تأكد من أن تنقل جزءا من التصريح (الاقتباس) أو تعرض الرأي بدقة، وانك تنقل بشكل صحيح المعنى الأوسع للاقتباس او الرأي الذي عرضته. ومن غير المقبول في جميع الأحوال استبعاد كلمات أو عبارات هامة من الاقتباس، أو وضع الاقتباس في سياق مختلف عما قيل فيه. الكلمات والجمل المستخدمة في التصريح المنقول قد تكون دقيقة لكن المعنى الذي تنقله عبرها قد لا يكون كذلك لأنك شوهتها من خلال التلاعب في عناصر أساسية بها. إن جزءا من وظيفتك كصحفي تأكيد صحة تلك العناصر التي يمكن التأكد منها بموضوعية، وتوضيح أن تلك هي الحقائق، والتمييز بين هذه الحقائق والعناصر الأخرى التي يظهر جليا أنها رأي.
فجوات المعرفة
يقع أيضا ضمن وظيفتك كصحفي تحديد الفجوات في روايتك للحدث. هل هناك حقائق بارزة مفقودة بشكل ملحوظ؟ هل أطلقت الجماهير صيحات استهجان أم ضحكت أم جلست مندهشة في صمت، أي الحقائق المفقودة هي الأبرز والأهم؟ إذا كانت هناك اختلافات في الرأي الذي تريد نقله فما هي الأهمية التي توليها لكل عنصر؟ وإذا كان هناك إجماع واضح في القاعة أو في مكان الحدث فهل يشير ذلك إلى إجماع حقيقي أم أنك ببساطة لم تسبر أغوار الآراء المعارضة؟
تصحيح الأخطاء بعد الاقرار بها
عليك ان تقر بالأخطاء وتصححها فور اكتشافك لها. والصحافة لديها سمعة سيئة في مجال عدم الاعتراف بالأخطاء. لكن الجماهير تتسم بالوضوح في هذه النقطة فهي تثق بالمؤسسات الإخبارية التي تعترف بأخطائها وتصححها أكثر بكثير من المؤسسات الأخرى التي تعتقد أنها معصومة من الخطأ. وفي أي حدث أنت كصحفي تسعى لعرض وتقديم رواية دقيقة وحقيقية لما يجري في العالم، ولديك واجب أخلاقي بأن تعلم الجماهير بأنك نقلت شيئا خاطئا. كما أن تصحيح الأخطاء ضرورة ملحة على شبكة الإنترنت، فقصصك الإخبارية يتم تناقلها وحفظها في الأرشيف لفترة طويلة بعد نشرك لها. وعدم الدقة سيؤدي لسلسلة من الشكاوى تتهمك بعدم النزاهة بل قد تورطك في اتهام بالتشهير. وأكثر السبل فعالية في تصحيح الخطأ هو الاعتراف به ثم تصحيحه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى