إن الأمر يبدو محيرا حقا: لماذا انفجر ينبوع الحنان السعودى ــ الإماراتى ــ الكويتى بمناسبة انقلاب ٣٠ يونيو، بينما كان ثالوث التأفف والتلمظ والاشمئناط هو سيد موقف هذه الدول من نجاح ثورة يناير فى خلع الكنز الاستراتيجى لإسرائيل؟
لماذا ينهمر «النقوط» الآن على نظام فرض نفسه بالقوة بعد أن أطاح برئيس منتخب يمثل أولى ثمرات الممارسة الديمقراطية فى المجتمع المصرى لأول مرة فى التاريخ؟
إن عليك أن تشغل عقلك وتفكر: لماذا يكافئون الانقلاب ويعاقبون الثورة؟
يذكرك هذا الرقص الثورى الماجن على إيقاع الوعود بالتدفقات المالية والنفطية من دول خليجية ليس بينها وبين ثورة ٢٥ يناير عمار بأغنية شديدة الإسفاف فى فيلم منقوع فى الإثارة والقتامة والدماء أداها الممثل خالد الصاوى فى علبة ليل وبعض كلامها يقول «وبحيى السعودية والأمم العربية وبمسى على الإمارات عشان كلها دولارات».
الفيلم اسمه «كباريه» والأغنية لمطرب يحتفى بالأموال التى تنهمر على رأسه وفوق أجساد عارية تتمايل على أنغام أغنيته
غير أن الأهم من ذلك أن الأمر لا يحتاج إلى كثير من الجهد لاكتشاف أن المعنى بهذا الحنان المفاجئ والسخاء المباغت ليس مصر ولا المصريين، فالمسألة كلها علاقات بين أنظمة، ولكى تكون موضوعيا فى قراءتها يجب أن تخرج الشعوب منها.. فالحاصل أن أنظمة تكره الثورات استشاطت غضبا عندما ثار الشعب المصرى وأسقط طاغيته المستبد فقررت أن تعاقب الشعب على ثورته..
ثم حدث أن دعمت هذه الأنظمة انقلابا على ما حققته الثورة فلما نجح الانقلاب فى عزل واختطاف الرئيس الذى جاء عبر آليات ديمقراطية، بادرت هذه الأنظمة بفتح خزائنها لمن نفذوا هذه العملية مكافأة وتشجيعا ورعاية.
ومن العبث أن يتحدث أحد عن مشاعر هنا، فالمشاعر والعواطف تكون بين الشعوب وعلى ذلك لا مشكلة على الإطلاق بين الشعوب العربية فى كل مكان، أما ما يحكم علاقات الأنظمة فهو شىء آخر يقوم على قيم الميكيافيللية والبراجماتية والحسابات التجارية الصارمة.
إن الشعب المصرى بعد ثورة يناير هو الشعب المصرى بعد انقلاب يونيو، ولذا يبدو لافتا هذا السخاء العاطفى تجاه المصريين الآن، بعد ثلاثين شهرا من التجهم وتقطيب الجباه؟
ولو صح أن حكام مصر الجدد قرروا إلغاء مشروع تنمية خليج السويس على وقع أنباء التبرعات والمكافآت القادمة من الإمارات والسعودية والكويت فإننا نكون أمام صورة شديدة الوضوح لمصر التى فى خاطر عروش الخليج، وليست مصر التى فى خاطرك وفى دمك، مصر العجوز المحتاجة، وليست مصر الباحثة عن الانطلاق والقيام من تحت ردميات مبارك.
وأزعم أن قرار الإطاحة بمحمد مرسى ليس وليد أسابيع أو حتى شهور قليلة مضت، وأتذكر كيف تبدلت الملامح واكفهرت الوجوه أثناء كلمة الرئيس المصرى فى قمة الدوحة مارس الماضى حين تحدث بصرامة عن أنه «لن أسمح لأحد أن يضع إصبعه داخل مصر»، مضيفا أنه «لن نسمح بأن يتدخل أحد فى شؤون مصر الداخلية، وإن سولت لأحد نفسه فلن يلقى منا إلا كل حزم وحسم، والجميع لابد أن يعى ذلك».
لقد أجرم محمد مرسى حين اعتبر نفسه حاكما لدولة كبيرة وردد كلاما عن امتلاك السلاح والخبز والإرادة، فكان لابد من عقاب سريع.
وائل قنديل يكتب: ينبوع الحنان النفطى الذى تفجر بعد ٣٠ يونيو
محرر صحفى
Fri, 12 Jul 2013 08:59:00 GMT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى