أثارت تقارير بناء أول حاملتي طائرات في ألمانيا والتي ظهرت للمرة الأولى في الصحافة البحرية العسكرية عام 1936 جدلاً كبيراً بين الخبراء. وقد سمح التحليل الذي نشر في الصحافة بالوصول إلى استنتاج أن العقيدة الحالية للأسطول الألماني يتيح الفرصة ليس فقط لمشاركة السفن في معارك المدفعية ضد العدو وإنما في حالة عندما تستخدم فيها المدفعية للدفاع عن النفس
وقد اعتبر تسليح السفينة بـ16 رشاش من عيار 150 ملم واحدة من أكثر السمات الهامة لحاملات الطائرات الألمانية. يشار إلى أن موضوع التركيز على تسليح الطيران وإبقاء المدفعية فقط للدفاع عن النفس الذي ظهر في النصف الثاني من الثلاثينات من القرن الماضي، أثار لدى أنصار النظرية الأمريكية الخاصة بحاملات الطائرات، دهشة حذرة. والأكثر من ذلك كم ستكون دهشتهم لو علموا بأن مخطط الألمان كان يتضمن تسليح حاملات طائراتهم بمدفعية ثقيلة قوامها 8 رشاشات من عيار 203 ملم. جدير بالذكر أن الأمريكيين أنفسهم قاموا في بداية العشرينات من القرن الماضي بالشيء نفسه مع حاملات الطائرات من طراز ليكسينغتون، ولكن هذه السفن كما هو معروف تم بناؤها وفق معادلة جديدة، ولهذا أصبحت استثناءً من القاعدة. على كل حال فإن عملية تسليح حاملات الطائرات الألمانية بالمدفعية كانت سرية للغاية ولم تكن معروفة لدى الغرب.
تعود بداية تصميم حاملات الطائرات في ألمانيا إلى شتاء 1933/1934 عندما وضعت المتطلبات التكتيكية والتقنية: السعة نحو 20 ألف طن والسرعة 33 عقدة وعدد الطائرات يتراوح بين 50-60 و8 مدفعيات من عيار 203 ملم مع أسلحة مضادة للطائرات بالإضافة إلى الحماية الواقية المخصص للطرادات الخفيفة.
الصورة: مشروع حاملة الطائرات "غراف زيبلين"
تم تنفيذ التصميم الأولي تحت إشراف المهندس الألماني المختص في مجال صناعة السفن هيديلر في غضون عام 1934. وقد تقرر أثناء عملية البناء تغيير المدافع الثقيلة ذات عيار 203 ملم بأخرى عيار 150 ملم وتزويد المدفعية المضادة للطائرات بعشرة سبطانات من عيار 105 ملم بالإضافة إلى زيادة عدد الرشاشات الثقيلة، وزيادة سرعة السفينة لتصل 35 عقدة. ويرى المراقبون في ذلك الوقت، من خلال هذه المواصفات، أنه كانت هناك مفاهيم أساسية وضعت في ذلك المشروع لكي تميز هذه الحاملات عن غيرها من الحاملات الأجنبية، ومن هذه الميزات يمكن أن نذكر سطح السفينة المصفح واختيار مخطط لحظائر ذي طابقين تسمح بزيادة عدد الطائرات الموجودة في هذه السفينة.
وقد أدى التعرف على سفينة اكاجي اليابانية في خريف عام 1935، ومن خلال دراسة الوثائق الفنية التي تم الحصول عليها من قبل اليابانيين، إلى ظهور المصعد الثالث والمتوسط في حاملة الطائرات الألمانية.
أما فيما يتعلق بالمخطط المعماري لهذه الحاملات فيمكن القول أنها تركت انطباعاً تقليدياً: مدرج الطيران متين مع مقدمة منحنية إلى الأعلى، بالإضافة إلى وجود "الجزيرة" على طرف السفينة يمر من خلالها خطوط الغاز الرئيسية للمراجل.
أما هيكل السفينة الذي يصل طوله إلى 250 م وارتفاعه 22.2 م فقد تم تقسيمه إلى 19 مقصورة محكمة الإغلاق عن طريق حواجز عرضية وصل ارتفاعها حتى سطح الحظيرة.
تم تطبيق نموذج حماية السفن الألمانية عن طريق بناء سطح مصفح للسفينة مع حافات سميكة تتراوح بين 40-60 ملم وحزام مقوى تصل سماكته 100 ملم على سفن حاملات الطائرات. أما سماكة سطح السفينة أو ما يسمى بالمدرج فقد وصلت إلى 20 ملم. ومن خلال ضمان حماية الأجهزة الميكانيكية عن طريق التصفيح بدا وكأن المصممون الألمان تركوا الجزء العلوي العائم الموجود أمام الحظيرة دون وقاية تقريباً. ولكن جزئياً ينبغي على المدفعية ذات العيار 150 ملم المثبتة على متن السفينة المصفحة أن تحمي الحظيرة العليا من قذائف العدو، أما الجزء الآخر سيكون محمياً عن طريق الحدود الطولية للحظيرة المصفحة والتي تصل سماكتها نحو 30 ملم.
الأكثر إثارة للاهتمام في مشروع حاملة الطائرات الألمانية هو الجزء المتعلق بالطيران. الحديث يدور هنا عن إطلاق الطائرات من سطح السفينة التي كان من المتوقع أن تنفذ خلافاً لما هو عليه في سفن حاملة الطائرات الأجنبية، عن طريق اثنين من المنجنيق المتمركزين في مقدمة السفينة. مع العلم أن المنجنيق من طراز K-252 المزود بتصميم انزلاقي من صنع شركة "Deutsche Werke " مصمم لتأمين 4 انطلاقات دون الحاجة لإعادة شحن اسطوانات الهواء.
أما عن مدرج الطيران المزود بقضبان من خشب الساج تصل سماكته 50 ملم، يبلغ طوله 241 م وعرض قدره 30.7 م ومزود بحظيرة علوية وأخرى سفلية وثلاثة مصاعد كهربائية متوضعة على محور واحد مع إزاحة بسيطة نحو الجزء الأيسر من سطح السفينة. أما فيما يتعلق بالمصاعد الموجودة في مقدمة السفينة وفي وسطها والمزودة ب اثنين من منصات التحميل ثمانية الأضلاع، فباستطاعتها نقل الطائرات من كلتا الحظيرتين. كما أنه هناك مصاعد مصممة لإعادة الطائرات إلى الحظيرة في مقدمة وفي مؤخرة مدرج السفينة.
وما يميز عمليات الإقلاع هو استخدام عربات إطلاق يتم تركيبها على الطائرات في الحظيرة وتصطحبها حتى مدرج الإقلاع. ومن منصة المصعد الكهربائي عبر القضبان الحديدية تنتقل العربة مع الطائرة إلى المنجنيق. وبعد انطلاقة الطائرة تنزل العربة بواسطة سلسلة من الناقلات المائلة المتوضعة أمام مقدمة مدرج الإقلاع، إلى حظيرة سطح السفينة ويتم نقلها إلى الحظيرة الأساسية عبر خطوط حديدية أحادية. وهنا يكمن دور المصعد الكهربائي فقط في حال فشل عمل الناقلات المائلة.
الصورة: كيل، كانون الثاني/يناير 1941. تم التقاط الصورة من قبل طائرة تجسس بريطانية.
في نهاية صيف عام 1939 التحقت دفعة صغيرة من طراز Ju-87C-0 إلى السرب الرابع لمجموعة حاملة الطائرات رقم 186 التي تم تشكيلها في شهر كانون الأول/ديسمبر 1938 في مدينة كيل، حيث زودت الطائرة بجهاز ليتم إقلاعها من المنجنيق بالإضافة إلى مربط ليمكنها من الهبوط على سطح سفينة حاملة الطائرات.
ومن أجل حماية الطائرات الموجودة على سطح السفينة من الرياح تم تخصيص دروع مضادة للرياح ترتفع بشكل شاقولي عن طريق محركات كهربائية خلال بضع ثواني. أما بالنسبة لهبوط الطائرات فقد تم توفير ذلك بواسطة حبال متوضعة على سطح السفينة وتعمل كفرامل للطائرات. ومن أجل تأمين هبوط الطائرات في ظروف الرؤية المنخفضة فقد تم تجهيز مدرج الطيران بإنارة خاصة مكان الهبوط متوضعة على الأرضية الخشبية.
وقد تميز الهيكل الداخلي للحظيرة وهيكلية تصميم نظام الوقود والتزويد بزيت المحركات والمعدات المضادة للحريق الموجودة على السفينة الألمانية بمجموعة من الحلول التقنية المميزة من بينها الستائر المثبطة للحريق ونظام نقل عربات الإطلاق ومحركات الطائرات ومحطات تزويد الوقود والزيت في الحظيرة.
ويبلغ سعة مستودعات البنزين المخصصة للطائرات والموجودة في القسم الأمامي من جسم السفينة إلى ما يزيد عن 330 ألف لتر. أما عملية التزود بالوقود والزيت فقد كان من المقرر أن تنفذ في الحظائر المجهزة بمحطات التعبئة.
تم اختيار التوربينات البخارية كمحركات للسفينة وفقاً للمعايير المعتمدة في الأسطول الألماني. أما الاستطاعة المطلوبة والتي تقدر ب 200 ألف حصان فقد تم توزيعها على 4 محاور توربينية والتي كان عليها أن تسبب في إنتاج استطاعة قدرها 50 ألف حصان لكل واحدة منها ولذلك تم تزويد كل وحدة ببخار وفق المؤشرات التالية ضغط قدره 75ATM وحرارة قدرها 450 درجة و4 مراجل من طراز لامونت يمكنها إنتاج 50 طن على الساعة. يشار إلى أن احتياطي وقود المراجل الذي يقدر ب 6500 طن كافية لضمان إبحار على مسافة تقدر ب 6 ألاف كيلو متر. وما يميز حاملة الطائرات الألمانية تقنياً هو استخدام نظامين من طراز "فويت-شنايدر" وهذه عبارة عن ريش مروحي لسهولة القيادة أثناء السرعات المنخفضة.
تم حجز حاملة طائرات بسعة 24114 طن من شركة دوتش ويرك كيل في 16 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر لعام 1935، وقد تم وضع حجر الأساس لحاملة الطائرات تحت رقم تسلسلي 252 في 28 من شهر كانون الأول/ديسمبر لعام 1936، وبعد عامين أي في الثامن من شهر كانون الأول /ديسمبر 1938 تم حفل افتتاح تدشين السفينة حضره كبار القادة في الرايخ الثالث من بينهم هتلر وغيرينغ، حيث تم في ذلك اليوم تسمية حاملة الطائرات تكريماً لوالد الكونتيسة هيل فون زبلين.
لقد كان تصنيع الطائرات الخاصة بسفن الحاملات واحدة من الصعوبات الرئيسية التي واجهت أول حاملة طائرات ألمانية. وقد رأى وزير الطيران في الرايخ الثالث غيرينغ في الرغبة الملحة لحصول الأميرال ريدر على طائرات خاصة بالحاملات تهديداً لاحتكاره، وبطبيعة الحال لم يظهر أي اهتماماً لهذه الصناعة الجديدة فقد كان يردد المقولة الشهيرة له: "كل ما يطير في الجو هو لي". ومع ذلك وفي الفترة ما بين 1938-1939 تم اختبار مقاتلة من طراز بيبلان "أرادو -197" والتي تعتبر نموذجاً متطوراً عن "أرادو -68". وأخيراً تمت المصادقة على مقاتلة من طراز "مي -109 ت" وعلى طائرات هجومية من طراز "يونكيرز-87 اس". وفي هذا الإطار تم اختبار 5 طائرات من طراز "يونكيرز-87 اس" القابلة للطي والتي تم صنعها واختبارها في معهد "لوفتواف" في مدينة ترافيميوند . وقد خطط الألمان لاستخدام طائرات من طراز "فايسلر 187" و"أرادو 195" كطائرات متعددة الأغراض: استطلاعية وقاذفات خفيفة.
ووفقاً للتغيرات التي حصلت في عملية بناء مجموعة الطائرات المخصصة لسفينة الحاملات وفقاً لتاريخ شهر آذار/ مارس من عام 1941 فقد كان ينبغي أن تضم الحاملة 20 طائرة متعددة الأغراض من طراز "فاي 167" و10 مقاتلات من طراز "109ت" و13 قاذفة هجومية من طراز "جو 87 اس" علماً أن مجموعة الطائرات هذه توزعت على الشكل التالي: 18 طائرة في الحظيرة السفلى و25 الباقية في الحظيرة العليا.
في نهاية شهر نيسان/ابريل من عام 1941 وبناء على اقتراح القائد العام للقوات البحرية توقف العمل في بناء حاملات الطائرات وتم تفكيك المدافع ذات العيار 150 ملم وإرسالها إلى النرويج لتعزيز الخطوط الدفاعية الساحلية. وفي 6 من شهر تموز/يوليو من عام 1940 تم جر "غراف زيبلن" إلى غوتين هافن وذلك لاستخدامها كمخزن عائم. وقبيل الهجوم على الاتحاد السوفيتي قام مصممو الحاملة، تخوفاً من احتمال وقوع غارات جوية سوفيتية، بسحب "غراف زيبلن" إلى شتيتن في 21 من شهر حزيران/يونيو لعام 1941، وفي شهر تشرين الثاني نوفمبر عاد المصممون الألمان السفينة إلى غوتين هافن حيث مكثت هناك حتى ربيع عام 1942.
وفي 16 من شهر نيسان/أبريل لعام 1942 قرر هتلر استئناف العمل في بناء "غراف زيبلن".
ونظراً لاحتمال وقوع غارات جوية تم تأجيل نقل السفينة إلى كيل، مع أنه تم في ذلك الوقت تثبيت 6 رشاشات من عيار 37 ملم و8 من عيار 4 ملم بالإضافة إلى كشافات مضادة للطائرات. وفي 30 من شهر تشرين الثاني /نوفمبر من عام 1942 قامت ثلاث قاطرات بسحب غراف زيبلن إلى البحر، وفي 5 من شهر كانون الأول/ديسمبر للعام نفسه وصلت سفينة "غراف زيبلن" بأمان إلى مدينة كيل بصحة 3 كاسحات ألغام و6 سفن خفر السواحل وتم وضعها على الفور في حوض عائم لإجراء عمليات البناء اللاحقة. ومع ذلك ففي 30 من شهر كانون الثاني/يناير من عام 1943 صدرت أوامر جديدة من هتلر بوقف أعمال البناء ... حينها وصف الأدميرال ريدر هذه الحدث بأنه أرخص قرار في تاريخ انتصارات الانكليز في البحر، ونتيجة لذلك تم نقل "غراف زيبلن" إلى شتيتن مرة أخرى في 21 من شهر نيسان /أبريل من عام 1943 وحتى نهاية الحرب العالمية.
وبحلول شهر نيسان/أبريل عام 1945 وصفت حالة حاملة الطائرات كما يلي: لم يكن على متنها سلاح مدفعية ولم تنتهي أعمال تركيب الأجهزة والمعدات الخاصة بإدارة والتحكم بإطلاق النار كما أنه لم تنتهي أعمال الأجهزة الكهربائية بالإضافة إلى الأجهزة التقنية الخاصة بالطيران.
وفي أثناء هجوم القوات السوفيتية على المدينة كانت حاملة الطائرات "غراف زيبلن" في مصب مون لنهر أودر. وفي تمام الساعة السادسة مساءً من يوم 24 نيسان/أبريل لعام 1945 أمر قائد القوات البحرية في شتيتن الكابتن كاهلر عن طريق الراديو القيادة الخاصة التي كانت موجودة على ظهر الحاملة بتفجير السفينة، حيث أدت هذه الانفجارات إلى تعطيل عمل التوربينات والمولدات والمصاعد الرئيسية التي لم تعد صالحة للاستخدام. وفي أثناء دخول القوات السوفيتية إلى المدينة تسربت المياه عبر ثقوب صغيرة وشقوق إلى داخل السفينة وبالتالي كانت الحاملة في حالة من الغرق.
وفي صيف عام 1945 وبواسطة سفن الإنقاذ والطوارئ تم رفع السفينة، وفي 19 من شهر آب/أغسطس اعتبرت هذه السفينة تابعة للقوات البحرية السوفيتية كإحدى الغنائم الحربية التي تم الاستيلاء عليها.
وبعد التوقيع على استسلام القيادة الألمانية في الحرب العالمية الثانية انعقد مؤتمر بوتس دام جمع قادة الدول الثلاث العظمى تقرر خلالها تقسيم غنائم سفن الأسطول الألماني الصالحة للاستخدام بالتساوي بين الدول الثلاث على أن يتم تدمير باقي الأسطول الألماني. وفي 23 من شهر كانون الثاني /يناير من عام 1946 نشرت صحيفة برافدا بياناً سوفيتياً انكليزياً أمريكياً بتحديد أعضاء اللجنة الثلاثية البحرية الحربية.
ورث الاتحاد السوفيتي نتيجة القرعة "غراف زيبلن" الذي كان ضمن المجموعة "س" والتي تتضمن السفن التي تعرضت للغرق وللتلف أو تلك التي لم يتم بناؤها حتى النهاية والتي كانت تحتاج إلى إصلاحات لمدة 6 أشهر على الأقل.
وفي هذا الإطار قدمت اللجنة الثلاثية توصيات تقتضي بموجبها تدمير جميع السفن القتالية التابعة لمجموعة "س" في وقت محدد عن طريق إغراقها في أعماق البحار أو تفكيها واستخدام أجزائها كمعادن.
وفي عام 1947 صدر مرسوم رقم 601 حول تدمير السفن الألمانية التابعة لمجموعة "س" في عام 1947، وبحسب اقتراح القيادة البحرية الجديدة للاتحاد السوفيتي تقرر استخدام هذه السفن لإجراء التجارب ودراسة عامل مدة صلاحية السفن البحرية.
أما فيما يتعلق بعملية تدمير "غراف زيبلن" فقد كان من المفترض أن تجري في إطار التجارب العلمية العسكرية. ولتحقيق ذلك تم تشكيل لجنة خاصة برئاسة نائب الأدميرال يوري فيودوروفيتش رال والتي كانت مهمته إغراق السفينة عن طريق إجراء اختبارات تحمل السفينة للقصف الجوي وقذائف المدفعية والطوربيدات. وقد كان من المفترض أن يتم تفجير مختلف أنواع القذائف والقنابل التي تم تثبيتها في السفينة بشكل مسبق ومن ثم قصف الحاملة من قبل الطائرات وتعرضها لقذائف من مدفعية السفن وفي الختام كان ينبغي أن تتعرض السفينة لهجوم مدمر بالطوربيدات. كما كان من المخطط تفجير بعض الألغام على مختلف الأعماق، وبطبيعة الحال بين كل عملية وأخرى كان ينبغي على العلماء العسكريين إجراء قياسات وحسابات لعناصر السفينة لمعرفة قدرة السفينة على تحمل مثل هذه الضربات.
ومع اتخاذ هذا القرار لم تكن الحاملة غراف زيبلن في أفضل حالاتها. وبحلول يوم 17 من شهر آب/أغسطس لعام 1945 تم فحص السفينة في قاعدة شتيتن البحرية من قبل الوحدات 77 التابعة للأسطول البلطيقي، وقتها كانت "غراف زيبلن" موجودة على اليابسة مع ميلان طفيف باتجاه الجانب الأيمن. وقد كانت جميع التوربينات والمولدات والمراجل معطلة من قبل الألمان الذين قاموا بتفجير هذه المعدات وأحدثوا ثقوباً في الجزء المغمور بالمياه تصل قياساتها 0.8 و0.3 م وتصدع وصل طوله نحو 0.3 م. بالإضافة إلى كل ذلك فقد تم تعطيل مصاعد الطائرات حتى ان المصعد الخلفي الموجود على المدرج كان معطوباً مع انحراف قدره 0.2 م علاوة على أن سطح السفينة تعرض لخدوش عميقة جراء سقوط القذائف.
لقد تم رفع "غراف زيبلن" عن طريق مضخات المياه بعدما أغلقت جميع الشقوق والثقوب الموجودة في الجزء السفلي المغمور أما الثقوب الموجودة في جسم السفينة العلوي والنوافذ المحطمة تم لحمها وإغلاقها ولكن لم يتمكن الخبراء من إصلاح عامل نفاذية المياه للمدرج وذلك لعدم وجود الوقت الكافي لذلك.
بعد ذلك تم سحب "غراف زيبلن" إلى سوينميوند وعندما وصلت السفينة في ليلة من 15 من شهر آب/أغسطس إلى المكان المحدد لها اتضح أنه بسبب وجود خلل في سلسلة المرساة لم يكن بالإمكان وضع السفينة في مكانه المحدد في حين أن المرساة الصغيرة كانت تقي السفينة فقط من الانجراف إلى حد طفيف. هذا، كما سنرى، كان له الأثر الحاسم في برنامج الاختبار.
في صباح يوم 16 من آب/أغسطس بدأت اختبارات تأثير الذخائر على السفينة. بداية تم تفجير القذائف الصاروخية من عيار 1000 وثلاثة أخرى من عيار 100 وتم قصف السفينة بقذائف مدفعية من عيار 180 ملم في المنطقة الواقعة أسفل المدرج. وفي أثناء إجراء الاختبار الثاني من التفجيرات تم قصف مدرج السفينة بقذيفة صاروخية من عيار 1000 مرة أخرى أما السلسلة الثالثة من التفجيرات فقد شملت توجيه ضربات من قذائف صاروخية عيار 250 وقذيفتين مدفعية من عيار 180 ملم.
وبعد الانتهاء من السلسلة الأولى من التفجيرات تعرضت الحاملة لقصف صاروخي، حيث تم تخصيص من أجل تحقيق هذه المهمة 39 طاقم تابع لفوج 12 للطيران و8 طوربيدات و25 طائرة من طراز ب-2 مع العلم أن معظم هذه الطائرات قامت بقصف السفينة بأول إشارة من قائد العمليات أما جزء الطائرات من طراز ب-2 فقد هاجمت الهدف بشكل منفرد عن طريق طائرتين من طراز كاتالين، إحداها كانت موجودة فوق الهدف مباشرة والثانية عملت كطائرة إنقاذ وبحث واستطلاع.
جدير بالذكر أن المجموعة الأولى هاجمت الهدف وقصفته من ارتفاع 2070م ورمت على السفينة 28 قذيفة صاروخية أما المجموعة الثانية فقد رمت من نفس الارتفاع تقريباً 36 قذيفة، في حين أن المجموعة الثالثة وهي الطائرات المنفردة فقد وجهت ضرباتها بواسطة 24 قذيفة. وكانت نتيجة هذا القصف الموجه ضد سفينة لا حول لها ولا قوة ثابتة لا تتحرك مذهلاً: فمن أصل 100 قذيفة وصل إلى الهدف 6 فقط علماً أنه تم العثور على 5 أثار فقط لقصف سطح السفينة. في حين أكد الطيارون بأنهم أصابوا 11 إصابة لأن بعض القنابل والقذائف كانت تقع في نفس المكان الذي تعرض له القصف السابق، على كل حال أياً كانت الإصابات فإن قصف حاملة الطائرات من وجهة نظر التحمل لم تؤت بنتيجة حتى أن القذائف من طراز "ب -50 " كانت ضعيفة ولم تحدث تأثير قوي على السفينة باستثناء بعض التشوهات التي تعرض لها المدرج بعمق يتراوح بين 5-10 سم. ويبدو أن التدريبات القتالية هذه لم تكن إيجابية بالنسبة للصقور الستالينية التي قامت بقصف غراف زيبلن، وإنما كمن كان يتدرب في حقل رمي، حيث لم تكن هناك أنظمة دفاع جوي وكانت الطائرات تسدد دون أن تواجه أي عوائق وتحلق بحرية فوق الهدف بالإضافة إلى أن ارتفاع المقاتلات كان ملائماً للقيام بضربات نارية مكثفة.
هكذا انتهى برنامج اختبار تحمل السفينة من نقطة الثبات فوق الماء، وبدأت الإعدادات لاختبار تحملها تحت تأثير الطوربيدات والأسلحة التي تقصف من تحت الماء. ولكن في 17 من شهر آب/أغسطس بدأت الأحوال الجوية تستاء تدريجياً وبدأت السفينة تتعرض لرياح قوية وصل ل 5-6 درجة وبدأت الحاملة بالانجراف إلى مناطق المياه القليلة وظهرت خطورة حقيقية حول إمكانية إغراق السفينة على أعماق كبيرة مع العلم أن الاختبار الأول جرى على عمق 113 م وفي نهاية هذا الاختبار كانت السفينة على عمق 82م. لذلك اتخذ نائب الأدميرال يوري رال قراراً انفرادياً بوقف الاختبارات وإغراق الحاملة بـ الطوربيدات الموجودة على السفن. ولهذا تم استدعاء زوارق من طراز ايلكو من أسطول البلطيق والمدمرات "سلافني وستروغي وسترويني". بالطبع كانت الزوارق أول من وصل إلى الحاملة لكن الهجوم لم يكن ناجحاً. وبعد مرور ساعة واحدة وصلت المدمرات حيث وجهت المدمرة سلافني طوربيدا في الجهة اليمنى من السفينة وأصابتها إصابة مباشرة بدأت بعدها الحاملة غراف زيبلن بالانحراف تدريجياً إلى الجهة اليمنى بزاوية قدرها 25 درجة.
في الوقت نفسه زاد ميلان مقدمة السفينة. وبعد ثماني دقائق أخرى، أي بعد 23 دقيقة من الانفجار الثاني، بدأ غراف زيبلن بانحراف 90 درجة، بالاختفاء من سطح البحر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى