إذا كان هذا هو مفتي الديار المصرية فلا تعجب إذن لما صار عليه حال الديار المصرية.
باركوا ياناس لفضيلة الشيخ علي جمعة مفتينا الهمام، فقد قام بطريقة لا نعلمها بتطليع نسخة من مفاتيح الجنة، وأصبح بمقدوره أن يفتح أبوابها لمن يشاء ويغلقها عمن يشاء. سأله أبناؤه في كلية دار العلوم عن رأي الشرع في الشباب الذين أغرقهم الفقر الوطني المبارك على سواحل إيطاليا، منتظرين يا عيني أن يقول المفتي لهم قولا فصلا في الذين حكموا البلاد فأكثروا فيها الفساد وطفشوا منها الولاد وأغرقوا سكانها في البر والبحر، قولا يستحضر فيه المفتي هيبة الله فيصير السلطان أمامه كالقط، كما صار أمام سلفه الشيخ عز الدين بن عبد السلام شيخ مصر وحجتها في عهد المماليك، لكن الشيخ علي جمعة لم يفعل ذلك، بلاش، فضيلته على الفور أحال أرواح الشباب الغرقى إلى بند الطماعين واتهمهم بالتفريط في أرواحهم مجانا وعدم إستحقاقهم لوصف الشهيد لأنهم لم يخرجوا في سبيل الله، هكذا خبط لزق وفي ندوة عقدت قبل حتى أن تجف المياه عن جثث الغارقين، لاتلوموا إذن بعدها واحدا من الذين حضروا ندوة المفتي من أبناء كلية دار العلوم لو رزع غيره من أبناء البلاد حكما قاطعا مستدلا فيه بفهم يخصه لآية أو حديث، فقد رأى أمامه مفتي الديار يفتش في نوايا الغارقين ويتهمهم بالطمع، وبأنهم تبطروا على نعمة خمسة وعشرين ألف جنيه كانت في أيديهم، المفتي يدافع عن نفسه قائلا أنه طالب بدراسة مستفيضة لأسباب الظاهرة وجميع جوانبها، لكنه لم يقم بهذه الدراسة المستفيضة قبل أن يحكم على هؤلاء الشباب بالطمع أو حتى بالطموح والرغبة في المغامرة، لم يقل عنهم خيرا أو ليصمت لعله يتقصى الحقيقة فيدرك أن أولئك المغدورين حصلوا على تلك المبالغ بشق الأنفس واستدانوها من طوب الأرض ليكونوا مخيرين بين الغرق في الديون والغرق في لجة البحر، حاكمهم المفتي وحكم عليهم دون حتى أن يطلب مهلة ليسأل خبيرا إقتصاديا عن طبيعة المشروع الذي يمكن أن تفتحه في مصر بهذا المبلغ فيأكل أولادك منه عيش حاف دون أن تضطر لدفع رشاوي بالشيئ الفلاني لغلاظ القلوب والأكباد في المحافظات والأحياء والبلدية والصحة والتموين، لم يختر فضيلة المفتي حتى أن يذكر محاسن الغارقين فيطلب لهم الرحمة من الله ولأهلهم الصبر والسلوان، بل اختار بغلظة لاتليق بمفتي مصر بقدر ماتليق بمفتي يأجوج ومأجوج أن يضع بفتواه المتعجلة الملح في جراح أهاليهم النازفة.
أنت ضد الطمع يا مولانا. بارك الله فيك. قل لنا إذن يامن امتلكت قلب أسد هصور على الغلابة والذين تقطعت بهم السبل،أليس من الطمع أن يأتي لحكم البلاد رجل يقول لأهلها أنه سيحكمها فترة رئاسية ويمضي، فإذا به يتربع على عرشها ست فترات ويملك إبنه مقاليد الأمور فيها، أليس هذا طمعا يامولانا؟. أليس طمعا يامولانا أن يسعى رجل أعمال مسنود لإحتكار أهم سلعة في البلاد دون رقيب ولا حسيب؟، أليس طمعا يامولانا أن يسعى حزب حاكم لإمتلاك المقاعد النيابية بسحل الناخبين وتزوير صناديق الإنتخابات دون حتى أن يقنع بأغلبية عادية؟، مارأي فضيلتك في طمع العلماء في الأمراء الذي قال عنه مولانا الشيخ تاج الدين السبكي في كتابه معيد النعم ومبيد النقم « فكم رأينا فقيها تردد إلى أبواب الملوك فذهب فقهه ونسي ماكان يعلمه.. وأدى تردده إلى فساد عقيدة الأمراء في العلماء فإنهم يستحقرون المتردد إليهم»، وهل أنت مقتنع حقا بما سمعتك تقوله في برنامج 90 دقيقة أنك لاتريد أن تتحدث في السياسة وتكتفي بالحديث في الشرع، هل ستقول هذا لربك يوم القيامة يامولانا إذا سألك لماذا لم تنكر المنكر وتسمع العباد صوتك فيما يحيط بهم من مطامع؟، أم أن فضيلتك متخصص في محاربة طمع الغلابة في لقمة العيش والستر والحياة الآدمية؟، هل فكرت يامولانا قبل أن تطلق هذه الفتوى التي لم يسبقك إليها أحد من الموقعين عن رب العالمين، أن تذهب إلى قرى هؤلاء الغارقين فتتفقد أحوالهم وتبص على بيوتهم بعين الشفقة وتسأل بروح حنينة عن الذي أودى بهم إلى مصير مؤلم كهذا، ثم تقول لنا بعدها هل حقا ألقى هؤلاء المساكين بأيديهم إلى التهلكة أم أنهم تعرضوا للقتل عمدا مع سبق الإصرار والترصد قبل حتى أن يسافروا إلى الغرق.
يافضيلة المفتي إنك من حيث لاتدري... ساعدت الجاني على أن يغسل يده الملطخة بالدماء، وأدنت الضحية التي لاتدري بأي ذنب غرقت، يامولانا كنا نظنك ستنحاز لمن ماتوا دون عرضهم ودون مالهم ودون أحلامهم ودون آمالهم فتسأل الله لهم الشهادة ولاتنفيها عنهم لأنك تعرف أن مصائر الناس لايحددها أحد حتى لو كان فضيلتك، يافضيلة المفتي يخجلني أن يطلب غافل مثلي منك أن تخرج في سبيل الله إلى الناس في حواريهم وقراهم وزواياهم ومقاهيهم، فقد سمعتك تبرر فتواك بكلام يشي أنك لم تعد تعرف الكثير عن واقع الناس في مصر، إنزل إلى الناس يامولانا ودعهم يفتونك عن العيشة التي صارت مستحيلة على الفقير، وعن الأحلام التي صارت طرقا مفضية إلى الغرق مجازا وواقعا، وعن بكره الذي لم نعد نعرف متى يطلع على البسطاء بأقل خسائر ممكنة.
يافضيلة المفتي نفّرت ولم تبشر، وقسوت على الضحية وترفقت بالجاني، فحق أن نشكوك إلى الله الذي يغرق الغلابة وهم لايكفون عن الطمع في كرمه.
(السطور التي قرأتها سبق نشرها في عمودي اليومي (قلمين) بصحيفة الدستور المتباعة بتاريخ نوفمبر 2007 حين كان الدكتور علي جمعة مفتيا للديار المصرية، وبرغم أن مدة خدمته انتهت وغادر موقعه منذ فترة، وخفت بعده نجم منصب مفتي الديار حين أصبح لدى سلطة الإخوان الفاشلة ألف مفتي ومفتي حاضرين على الدوام لخدمتها، إلا أن كفاءة الدكتور علي جمعة في الخدمة أعادته إلى المشهد ثانية مبررا ومباركا لكل ما تطلبه السلطة، فأهلا به وأهلا بكم في نظام مبارك في ثوبه الجديد).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى