http://twitter.com/shrief_ghany
بعد نشر مقالي الجمعة الماضية 27 سبتمبر، وكان بعنوان «مرسي فرصة تاريخية خسرتها مصر!»، تلقيت العديد من التعليقات، كثير منها يؤيد مضمونه وبعضها يعترض عليه. وهذا أمر عادي. لكن ما لفت نظري أن أحد الليبراليين وصف المقال بـ «الخزعبلات». الوصف كان مفاجئا من صاحبه، وهو إنسان أحترمه وأقدره.
أظن أن كلامي كان واضحا، والفكرة قد استطعت عرضها بشكل منطقي. قارنت بين تجربتي محمد مصدق في إيران، ومحمد مرسي في مصر، وكيف أنه بعد انتصار الدولة العميقة على مصدق بما تملكه من جيش وآلة أمنية، تلافى الإيرانيون في ثورة 1979 عدم وجود قوة تحمي ثورتهم، فحلوا الأجهزة الأمنية والعسكرية وأنشأوا ميليشيا خاصة بهم هي الحرس الثوري لتحل محل الجيش، وأسسوا دولة فاشية دينية متشددة ردا على إجهاض تجربتهم الديمقراطية مع مصدق.
قلت نصا: (قناعتي الشخصية أن مصر خسرت محمد مرسي. بل أراه فرصة تاريخية لن تتكرر للتداول السلمي للسلطة. أثبتت الأحداث أنه ديمقراطي فعلا وقولا ورئيس لكل المصريين، ويكفي الدستور الذي صدر في عهده ومنح رئيس الوزراء سلطات واسعة ربما تساوي سلطات رئيس الدولة، والذي يمكن عزله من قبل البرلمان. كل من صدق أضاليل الفاجرين وفجر المضللين في الإعلام الذين تحدثوا عن الميليشيات الإخوانية المسلحة، يجب أن يخجل من نفسه، بعدما شاهد بأم عينيه اللي يندب فيهم رصاصة أن مقرات الإخوان تحرق وبيوتهم تنتهك، ويتم القبض عليهم دون وجود مسلح واحد يدافع عنهم).
أضفت: (الآن.. نحن أمام خيارين. إما أن يحكم العسكر البلد بشكل مباشر بالحديد والنار، وعندها لن يتركوا السلطة طواعية، أو يحكمون من وراء الستار على أن يدفعوا إلى الواجهة بـ «طراطير» يحركونهم كما شاءوا وكيفما أرادوا، وهؤلاء يملؤون المحروسة أكثر من الهم على القلب، ويعرضون حاليا خدماتهم، الليبرالي منهم والناصري واليساري واليميني و «الهلهلي». أما الخيار الآخر فقد نكون بالفعل في انتظار دولة دينية فاشية على النموذج الإيراني، يقودها حاكم متشدد تعلم جيدا من تجربة مرسي أن الحلم لا يستقيم مع مجتمع يتلذذ بالعبودية ويستمتع بحياة الفساد).
أزعم أن تلك السطور كافية لتوضيح الهدف النهائي من المقال: إن محمد مرسي، كان بالفعل فرصة تاريخية خسرتها مصر للتداول السلمي للسلطة، لإيمانه بالديمقراطية، على عكس الخيارين المتاحين بعده.
حاولت توضيح هذا المعنى، وذكرت أن مرسي الإسلامي أثبت أنه أكثر قبولا للآخر وانحيازا للدولة المدنية، ممن صدعونا بمبادئ الحرية ثم انحازوا لتكميم الأفواه والمذابح. لكن القارئ الكريم، راح يفتش في مقالات قديمة، يرى أنها تتناقض مع مواقفي وآرائي الحالية، منها مقال ذكرت فيه أن المصريين بنسبة أمية وصلت %40 غير قادرين على الاختيار الصحيح أمام صناديق الاقتراع، لكن القارئ فاته أنني شددت في المقال نفسه على أن هذا ليس مبررا لوأد التجربة الديمقراطية، وأن الديمقراطية ممارسة، وتزداد رسوخا بتكرار الانتخابات.
كنت أتمنى أن ينشر القارئ الكريم، مقالا لي بتاريخ 18 مايو 2012، عنوانه «حائر بين البرادعي الليبرالي والشاطر الإخواني!»، أشدت فيه بالدكتور البرادعي الليبرالي، والمهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وذكرت أنه لا يوجد تناقض إطلاقا لأني أحكم على المواقف لا الأفكار التي هي في النهاية اجتهاد بشري قابل للصواب والخطأ. قلت إنني في انتخابات مجلس الشعب 2005، أعطيت صوتي لاثنين.. محام «إخواني» وطبيب يساري متشدد، وأنني لم أر أي ازدواجية ولا تناقض أن أجمع بين الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا.
وأوضحت أنني نجوت من طوفان تأثير الإعلام الموجه الذي ربانا عليه نظام مبارك، فلم يحسن تربيتنا، وكيف أن هذا الإعلام نجح بشكل كبير في إسقاط 3 أجيال مصرية أسرى لـ «الصورة الواحدة»، وأن يكون قبولهم لأي فصيل سياسي بـ «الجملة». فإما أن يكون كله حسناً ويستحق أن نرفعه عالياً، أو كله رديئاً ويستحق أن نرفعه عالياً ثم نلقي به إلى القمامة!
وأشرت إلى أن الإعلام الساقط والتعليم الفاشل لم يعودونا على إعمال العقل، والنظر للأمور بشكل ناقد، وللسياسيين -بمختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم- على أنهم بشر فيهم سلبيات، لكنهم لا يخلون من الإيجابيات.
أشدت بالدكتور البرادعي عندما حرك المياه الراكدة أواخر أيام مبارك، ثم بعد أن انفتح على كل التيارات. ذكرت عنه أيامها: هل الليبرالية تعني معاداة كل صاحب توجه إسلامي. الدكتور محمد البرادعي «ملهم الثورة المصرية» أعطى النموذج لليبرالي الحقيقي المؤمن بحق الآخر في التواجد على الساحة. انفتح على كل التيارات بما فيها التيارات الإسلامية بمختلف توجهاتها، وأكد حقهم في التعبير عن آرائهم، ولم يرفض -مثل فرق النواح والولولة- حقهم المشروع في تولي الحكم عبر صناديق الانتخابات.
أما عندما صمت البرادعي على أفعال «البلطجة» أيام مرسي، بل وأعطى غطاء سياسيا لها، فكان طبيعيا أن أهاجمه، وأقول إنه «خيب آمالنا فيه»، وبعد ظهوره لحظة إعلان الانقلاب على الشرعية، ثم قبوله منصب نائب الرئيس، فقد فتحت عليه ما أستطيعه من نيران الكلمات. لهذا من الطبيعي جدا أن أقول الآن إن التاريخ أنقذه من «المزبلة» بأن استفاق ورفض فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة والإبادة، ليتهمه الغوغاء في الإعلام الفاجر بالخيانة وليعطوا الضوء الأخضر لأحد السفهاء برفع قضية عليه بهذا المعنى. سيسجل له التاريخ أنه استقال حتى لا يلحق به هذا العار الأبدي، كما سيدون في سجلاته أنه لم يصمت على «الخطة الفاشية الممنهجة» في مصر ضد القيم الإنسانية من جانب من وصفها بـ «مصادر سيادية»، فكان الرد الفوري شطبه من جداول نقابة المحامين من قبل نفس الأشخاص الذين سبق وهللوا لانضمامه للنقابة أيام مرسي.
أشكر القارئ الكريم الذي انتقد «خزعبلاتي»، والذي كان سببا أن أقول للبرادعي في هذه اللحظة: لقد عدت إلى قلبك.. عدت إلى مصر الحقيقية الرافضة للديكتاتورية والتي لن تكف عن الحلم بالحرية!
• shrief.abdelghany@gmail.com
@shrief_ghany
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى