* 57 شهيدًا و2800 مصاب و1200 مفقود حتى الآن
* المستشفيات الميدانية: ملحمة كتبت بدماء الأطباء.. والموتسيكلات كلمة السر لإنقاذ المصابين
* "الشناوى" قناص العيون فى 2011.. متهم 2012.. طليق فى 2016
ليس مجرد شارع بمحيط ميدان التحرير شهد أجواء الثورة المصرية وروت أرضه دماء خيرة شبابها وتناثرت أشلاؤهم على أروقته، وفقعت فيه عيون شباب ثائر لم يبحث يومًا إلا عن الحرية، فحسب وإنما سيظل اسمًا محفورًا في تاريخ ووجدان ذاكرة ثورة الـ 25 من يناير، لكونه الموجة الثانية للثورة وانتفاضتها الثائرة ضد بطش الداخلية.. إنه "محمد محمود" الشاهد الصامت على أكثر مراحل الثورة المصرية حيث شهد موجة من العنف وصفت بالأخطر والأشرس منذ الـ 25 من يناير.. في محمد محمود فقط لا صوت يعلو على صوت الرصاص ظلام دامس وأنوار خافته لضوء طلقات النار، وأنفاس مكتومة خشية الموت اختناقًا بالغازات المسيلة للدموع كر وفر وأشلاء متناثرة هنا وهناك "خلف هذا الجدار فقد احمد حرارة عينيه" وتحت تلك الشجرة راح طبيب المستشفى الميداني يعالج جروحًـا وأبت رصاصات الغدر أن تتركه إلا جثة هامدة.. " كنيسة قصر الدوبارة، عمرو مكرم" كانت كلمات السر لإسعاف المصابين.. "المصريون" رصدت لقطات لا تنسى وصورًا لن يطمسها التاريخ وأبرياء لن ينساهم الزمـان جرفهم سيل الرصاص في مشهد كان الأكثر عنفـًا ومواجه دموية مع قوات الأمن آنذاك لمنع انتفاضة الثائرين.
مئات الشهداء والمصابين... والداخلية "إحنا ماعندناش خرطوش"!!
خمسون شهيدًا ومئات المصابين تتورط فيهم الداخلية ونظام حاكم لا يتحرك سواء للتستر عليها، هكذا يتلخص محمد محمود، ذلك الشارع الذي تجاوز كونه مكانًا جغرافيًا في قلب العاصمة ليتحول في مدة أسبوع لصفحة مهمة في ملف ثورة أوشكت على أن تطوي عامها الثالث. يصف البعض أحداث الشارع والتي بدأت صباح السبت 19 نوفمبر من 2011 بالموجة الثانية للثورة، فيما يعتبرونها آخرون أنها الحدث الأبرز الذي قسم صف القوى السياسية، ولكن يأبى من شاركوا في الأحداث إلا أن يطلقون عليها "حرب الإبادة" ارتكبتها داخلية النظام المخلوع ضد شباب لم يرتكبوا شيئًا سواء أنهم تعرضوا لبطش وزارة تعتبر نفسها الحاكمة في هذه الدولة.. أساليب جديدة انتهجتها وآليات جديدة اعتمدت عليها في قمعها، لا تخشى كبيرًا في هذه الدولة، فمجلس عسكري حاكم رسمي للبلاد أعطى لها الضوء الأخضر بالتحرك وإعلام راح يهلل لها مدعيًا أنها تدافع عن هيبة الدولة ولكن "أي دولة تلك التي ترتبط هيبتها بقتل مواطنيها؟!" بدأت الأحداث فى أعقاب مليونية "المطلب الواحد" التي دعا إليها الحركات السياسية المعارضة للمجلس العسكري، ترتب عليها اعتصام محدود لأهالي شهداء الثورة والمصابين المحتجين ضد إهمال الدولة لهم، لتأتي وزارة الداخلية بفض الاعتصام صباح يوم 19 بشكل وحشي. أثارت عملت الفض حفيظة الشباب الذين نزلوا لتظاهرات اعتراضًا على ما ارتكبته الشرطة في حق المصابين، وفي استمرار لمشهد القمع تعرضت لهم الشرطة بوحشية أدت إلى مهاجمة الشباب لمقر الوزارة الواقع نهاية شارع محمد محمود، وأخذت الأحداث وتيرة سريعة من التصعيد نتيجة لتزايد غضبة الشباب تجاه القمع الذي تستخدمه الشرطة، وبدأت الأعداد في التزايد والمسيرات تتجمع مستهدفة ميدان التحرير. ومع تصعيد الأحداث توالت البيانات الرسمية من الدولة التي تنفي فيها استخدام العنف ليتوجها التصريح الشهير لوزير الداخلية أن ذاك اللواء منصور العيسوي عندما قال "إحنا معندناش خرطوش" لتتحول الكلمة إلى مصدر لسخرية الشباب في الشارع الذين كانوا يصورون أنفسهم وهم يحملون فوارغ الخرطوش والرصاص المطاطي في تكذيب صريح لوزير الداخلية. بدأت الأحداث في أخذ لقب "الموجة الثانية" للثورة سريعًا بعد يوم واحد من الاشتباكات عندما انتقلت من ميدان التحرير لتتمركز في شارع محمد محمود القريب من وزارة الداخلية، ليأخذ الإعلام الرسمي من هنا نقطة إدانة للشباب واصفيهم بـ"البلطجية" فيما اعتبرت وزارة الداخلية هي الحامي لهيبة الدولة وبالتزامن مع التطبيل الإعلامي تستمر البيانات والمؤتمرات الصحفية النافية لما يحدث في الشارع، ولكن ما إن انتهى السبعة أيام مدة الاشتباكات اضطرت الدولة للاستجابة للمطالب وبدـ المجلس العسكري في الاعتذار لأهالي الشهداء وإقامة مستشفيات عسكرية في الميدان لإنقاذ المصابين، ولكن لم تنته الأحداث سواء بمليونية "الفرصة الأخيرة" والتي كانت بمثابة إنذار للمجلس العسكري، الذي راح في امتصاص غضبة الشارع بصرف المستحقات المالية للمصابين واعتبار شهداء محمد محمود شهداء ثورة، ولكن كل ذلك لم يشفع للمجلس العسكري بأنه تورط في دماء سالت من أجل رفض قمع الداخلية. وفي خضم هذه الأحداث التي ارتكبت الداخلية فيها كمُا من الجرائم ترتفع لمستوى الحروب وتعمدها لفقء العيون، حرصت جماعة الإخوان المسلمين للحفاظ على موقع الحيادي من الأحداث، فباعتبار أنها الفصيل السياسي الأقوى والمتحالف مع المجلس العسكري آن ذاك، كانت تستشعر الحرج في حال انضمامها للشارع ومطالبه، وفي نفس الوقت كانت لا تريد ان تفقد صفقاتها مع المجلس العسكري، مما أدى لاتخاذها خطابًا سياسيًا دبلوماسيًا يطالب بضبط النفس، وكان هذا الموقف بمثابة القصبة التي قصمت ظهر البعير وكرست الاستقطاب السياسي، ومن وقتها باتت الجماعة في وادٍ وباقي القوى السياسية والثورية في وادٍ آخر، لما أثار حالة من السخرية في الذكرى الثالثة عندما أعلنت الجماعة عن تنظيمها لفعاليات في ذكرى محمد محمود الذي طالما ما أدانت الشباب عليه، ليوجه إليها الثوار اليوم "بتقولوا "رابعة رمز الصمود، طبعا ما أنتم ما نزلتوش في محمد محمود".
اسم حفظ فى القائمة السوداء للوطن "الشناوى" ..
قناص العيون فى 2011 .. متهم 2012 .. طليق فى 2016
مثلما خلدت أحداث محمد محمود بطولات شباب ضحى بحياته أو فقد بصره لاستكمال ثورة 25 يناير، في أول موجة أعقبتها، وأكدوا أن للثورة ثوارًا يحموها ولن يتخلوا عنها حتى إذا كان ذلك سيضعهم في موجهة مع المؤسسة العسكرية الحاكمة آنذاك، إلا أنها حفظت على الجهة الأخرى أسماء في قائمة سوداء لن تمحى بالتقادم ولن تغفرها، وعلى رأس تلك القائمة محمود صبري الشناوي أو قناص العيون. اسم أطلقه عليه الثوار عقب ظهوره في الفيديو الوحيد الذي يوثق جرائم الداخلية خلال الأحداث، في البداية لن تتحقق من الملامح، كل ما ستراه شاب يمسك بسلاحه ويصوب تجاه المتظاهرين وصوت الطلقات يخترق أذنك لتشعر للحظة أن تلك الطلقات موجهة إليك، ولكن ما أن تعيد التشغيل وتقترب أكثر من الوجه تجده اتضح أخيرًا، وخلفه مجند يحيه "جت في عينه يا باشا.. جدع يا باشا"، هكذا حصل الثوار على صورته ابتداءً، ثم أطلقوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي "ابحث مع الشعب" تطلب بنشر صورته على اوسع نطاق لحين الاستدلال عليه، وبالفعل ما لبث الأمر ساعات قليلة حتى أعيدت نشر الصورة مصحوبة بالبيانات الكاملة من اسم ورقم هاتف وعنوان المنزل. واستمر قناص العيون في أفعاله الصادمة، حيث فوجئ الجميع بتصريحه خلال التحقيقات معه الذي قال فيه " ''أنا كنت نازل أحمي وزارتي مش بحمي كباريه''، متعجبين من تبريره لفعلته التي مزقت نور شباب كالورد لم يرتكبوا ذنبًا إلا أنهم حلموا يومًا بمصر أفضل، بدأت أولى جلسات محاكمة قناص العيون فى 6 مارس 2012، متهما بالشروع في قتل 5 متظاهرين، لتستمر المحاكمة قرابة العام والنصف انتهت المحاكمة بالحكم على الشناوي بالسجن لمدة ثلاث سنوات، ليسدل الستار على مصير قناص عيون الثوار ويظل ضحاياه يعيشون في ظلمة إلى الأبد.
وهنا بدأت عاقبة فعله تلاحقه، فلم يعد قادرًا على العودة إلى منزله، وحتى أهله لم يستطيعوا البقاء فيه خوفًا من أن تلاحقهم هم الآخرين شرائر فعلة نجلهم من بطش الثوار، وظل مختبئًا بمساعدة وزارة الداخلية، وبعد 6 أشهر من الأحداث في إبريل 2012 بدأ التحقيق معه ولكنها رفضت عرضه على النائب العام بداية، وحققت معه في مكان مجهول، وتم تجديد حبسه 9 مرات من مخبئه السري والذي لم يُعلم حتى الآن هل كان حقُا محبسًا أم فندقًا 5 نجوم. نفى "الشناوي" خلال تلك التحقيقات تصويبه الخرطوش في اتجاه أعين المتظاهرين قائلًا إنه كان يطلق طلقات دفع فقط في الهواء عندما يقترب المتظاهرون من محيط وزارة الداخلية، وقد قال معلقا علي الفيديو أنه لا يعرف إن كان تعليق الشرطي موجهًا له أو لشخص آخر، مؤكدًا بذلك أنه كان في مسرح الأحداث. وأخيراً وبعدما اعتاد ضحاياه على الظلام التام كحرارة أو نصفه ممن فقدوا إحدى عزيزتهم، وفي مارس 2013، أصدرت محكمة جنايات القاهرة قرارًا بسجنه لمدة ثلاث سنوات وإلزامه بالمصروفات. وبعد عامين وعدة أشهر سيخرج من محبسه، والذي بالتأكيد لا يعامل فيه كغيره من السجناء، ليمارس حياته بصورة طبيعية، إلا أن لعنة من أفقدهم ذلك الحق ستظل تلاحقه واسمه سيظل مدونًا في ذاكرة الوطن بلون الدماء. قنابل محرمة دوليًا.. غازات سامة.. أشلاء متناثرة.. عيون مفقودة * أبو شنب :عيني جات في عينه ففقعهالى..
وشهامة عبد الرحمن قادته خلف القضبان
كانت حالات إصابة أعين الثوار والمتظاهرين خلال أحداث محمد محمود تثير الريبة والخوف فى آن واحد داخل نفوسهم فلم يفقد الدكتور أحمد حرارة ومالك مصطفى وأحمد عبد الفتاح فقط أعينهم، وإنما كثيرون ممن اشتركوا في الأحداث، ووقع المتابعون للأحداث في حيرة متسائلين هل هذه الظاهرة مجرد صدفة أم أن قوات الأمن والشرطة بدلًا من التصويب على أرجل المتظاهرين تتعمد إصابة أعينهم. فهذا احمد أبو شنب أول مصاب في أحداث محمد محمود يروي ما حدث له قائلا: "أنا مش قادر أنسى اللي حصل في اليوم ده يفتكره كأنه حصل إمبارح "الرصاص والدم أمخاخ تنفجر وعيون تنفقع وأرجل تتقطع "الداخلية كانت عامله ذي الوحش الجعان تقوم بضرب النيران بشكل وحشي, في البداية مكنش هناك أي إصابات وكان الشارع عبارة عن كر وفر بين رجال الداخلية والمتظاهرين, وفجأة حسيت برصاصه اخترقت رجلي ودي كانت أول طلقة رصاص حي تنطلق باتجاه المتظاهرين". وأضاف ابو شنب فجأة وبدون مقدمات لقيت كمية رصاص بتنضرب ناحية المتظاهرين لدرجة اني حسيت "اني مش بلدي واني بواجه محتل مش داخليه بلادي" قعدت في حالة ذهول من هول المفأجاة فنظرت إلى أعلى لأرى قناص العيون ينظر إلي فنظرت إليه، قائلًا :"عينى جات فى عينه ففقعهالي"، مشيرًا إلى أن ما رآه من الصعب أن يدركه إلا من عاش مثل هذا اليوم. وقال: كنت أحاول أن آخذ ساترًا بعيدًا عن النيران ولكن كان الرصاص أقوى مني فأصبت برصاصتين اخترقوا قدمي أيضًا, وسقطت على الأرض ولم أدرك بنفسي إلا بعد عملية جراحية استمرت ساعات, ومازالت قدمي بها بعض المشاكل حتى الآن, أظن أن ما حدث هو ثمن الحرية. واعتبر أبو شنب نفسه من المحظوظين لأنه ظل على قيد الحياة رغم الذكريات النفسية السيئة التي كلما تذكرها بكى على زملائه التي فقدهم في هذا اليوم, مشيرًا إلى أنه لن يترك حقه وسيذهب لإحياء ذكرى محمد محمود وتأبينًا لذكرى زملائه التي كانوا من ضحايا هذه الأحد. * شهامة عبد الرحمن قادته خلف القضبان وعن مجزرة محمد محمود يحكي أحمد عبد الرحمن شاهد على أحداث محمد محمود قصة صديقه الذي ذهب وراء القضبان ظلمًا، بسبب شهامته، وقال: صديقي يدعى شامبو هو اسم الشهرة له فاسمه الحقيقي أحمد جاد ذهبنا معًا إلى شارع محمد محمود خلال الثورة لندافع عن حق الثوار وحقنا في الحياة الكريمة، ومن أجل مواجهة الظلم والقهر الذي رأينا منه الكثير كمواطنين بسطاء، ويؤكد أحمد أن صديقه شامبو من اجدع شباب الشرابية، فهو دائمًا شهم ويقف ضد الظلم, عندما بدأت الاشتباكات شاهد شامبو جنديًا يقوم بضرب المتظاهرين في عيونهم وفي قلبهم بكل قسوة فيقعوا على الأرض ساقطين في دمائهم ولافظين أنفسهم الأخيرة, لم يستطع شامبو أن يتماسك لأمام هذا السفاح فقال لي سأذهب إليه وأنهيه عن ما يقوم به رفضت ذلك وقلت له فلنترك الأحداث ونذهب ولكنه رفض بإصرار قائلاً لي لن أتركهم يقتلون أمامي ولو كانت حياتي ثمنًا, فذهب شامبو إلى الجندي وأخذ منه البندقية عنوة وهرب بها فورًا وذهب ثاني يوم لتسليمها بمسجد عمر مكرم ولكن حظه العثر أن ظهرت صورته بإحدى الصحف أنه بلطجي ويمسك بيديه بندقية وقامت الشرطة بالقبض عليه ومنذ ذلك اليوم لن نراه. قال محسن محمد شاهد عيان "أحداث محمد محمود": إن الأمن المركزي استخدم القوة المفرطة لفض اعتصام مصابين الثورة ففي حوالي الساعة 10 من صباح السبت قامت قوات الشرطة المصرية بفض اعتصام العشرات من مصابين الثورة في شارع محمد محمود بالقوة مما أدى إلى إصابة 2 من المعتصمين واعتقال 4 مواطنين. وأوضح أن استخدام القوة المفرطة من جانب الشرطة أدى لاشتعال الأحداث في شارع محمد محمود وفي ميدان التحرير، ونزول المتظاهرين بأعداد كبيرة في حوالي الثانية ظهرًا تجمع المتظاهرين في محاولة لمعاودة الاعتصام ,ووصلت تعزيزات من قوات الأمن المركزي إلى ميدان التحرير عن طريق شارع القصر العيني بهدف إخراج المتظاهرين من الميدان دارت معارك كر وفر بين المعتصمين وقوات الأمن, استخدم الأمن فيها القوة المفرطة, وتعمد إصابة النشطاء والصحفيين فأصيبت الصحفية "رشا عزب" والناشط السياسي "مالك مصطفى" في عينه وأصيبت "نانسي عطية" صحفية في "جريدة الشروق" بخرطوش في وجهها, وأصيب "أحمد عبد الفتاح" مصور "بالمصري اليوم" في عينه, وأصيب "طارق وجيه" مصور "بالمصري اليوم" في وجهه, وأصيب اثنان آخران من مصوري "جريدة المصري اليوم" حتى وصلت الإصابات بين الصحفيين إلى أكثر من 10 إصابات واعتقال 2 منهم وكانت أغلب الإصابات في العين والرأس والوجه. وسقط أول شهيد هو "أحمد محمود أحمد" (23 سنة) وكان قد أصيب برصاصة قاتلة واستمرت الاشتباكات حتى وقت متأخر من الليل في الشوارع الجانبية المؤدية لميدان التحرير وازداد عدد المصابين بشكل كبير ما بين اختناق وغيبوبة وكدمات نتيجة التدافع جريًا من وابل القنابل المسيلة للدموع وكانت المعركة على أشدها في شارع محمد محمود. من جانبه أكد الدكتور محمد فتوح، رئيس جمعية أطباء التحرير، أن الغازات التي تم استخدامها خلال أحداث شارع محمد محمود من الغازات المحرمة دوليًا ولا يجوز استخدامها ضد مدنيين وفي أماكن مغلقة، مشيرًا إلى أنه خلال عملهم بالمستشفيات الميدانية وقتها شاهدوا وفاة الكثيرين، بسبب تلك الغازات وصاحبها أعراض تشنجات وأعراض عصبية. وكشف فتوح لـ"المصريون" عن أن فريقًا طبيًا من كلية العلوم جامعة عين شمس قد حصل حينها على عينة من تلك القنابل المسيلة للدموع وعقب تحليلها اكتشفوا أنها تتكون من مكونات سامة ممنوعة من التداول والاستخدام ضد الحشود المدنية وتم رفع تقريرهم للجنة تقصي الحقائق التي كانت مشكلة في عهد الدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية السابق، كما تم رفعه له شخصيًا. وفجر فتوح مفاجأة حيث أكد أنه صدر قرار في عهد الدكتور مرسي عقب إرسال التقرير له في شهر 6 باستيراد 90 طن من نفس نوعية القنابل وهي نفس القنابل التي استخدمت ضد المعتصمين برابعة وضد المعتقلين في سيارة الترحيلات وتسببت في مقتل 38 بداخلها.
موتوسيكلات الحياة.. تتحدى فاقعى العيون
يكفيك أن تدخل إلى الميدان وقت الاشتباكات الواقعة على أطرافه في محمد محمود لتجده مصممًا من كتل بشرية في غاية من الدقة هندسية غير المعتادة في التظاهرات، فهذا محتج يعرف أين يقف وكيف يتحرك، وهناك بين كل تجمع احتجاجي وآخر تجد حارة لا تتعدى مترين يسير فيها "موتوسيكلات" بسرعة فائقة تحمل شاب فقد توازنه من كثافة الغاز وآخر تسيل دمًا من إحدى عينيه بعد تصويب فرد الأمن عليها، تلك الموتوسيكلات التي يمكن أن نسميها "موتوسيكلات الحياة" لما قامت به من إنقاذ حياة المئات باعتبار أنها الوسيلة الأنسب والأسرع وسط هذه الحشود البشرية. تجلت الموتوسيكلات كظاهرة بقوة خلال أحداث محمد محمود لعجز عربات الإسعاف أن تنقل كل تلك الأعداد الساقطة أو تنقلهم بسرعة من داخل الشارع وحتى المستشفيات الميدانية الواقعة في قلب الميدان، بدأ كل من لديه دراجة بخارية في إحضارها لإنقاذ من يمكنه إنقاذه متحديًا خرطوش الشرطة وغازها مقتحمًا الاشتباكات لحمل من يسقط في صفوف المتظاهرين لعلاجه.
وبات أصوات الموتوسيكلات وصرخاتها من قلب الميدان تنطلق متقاطعة مع هتافات المتظاهرين وصرخات المصابين، بالتزامن مع أصوات الرصاص والخرطوش والسحابة الضبابية المخيمة على الميدان من كثافة الغاز، إغماءات وإصابات متتالية، استغاثات على مواقع التواصل الاجتماعي تنوه عن طرق جديدة لعلاج الإصابة بالغاز غير المعتاد، فبدأت النصائح باستخدام الخميرة والخل، بدلًا من زجاجات المياه الغازية التي كانت تستخدم في 25 يناير. وفي ظل كل تلك المظاهر الجديدة على المشهد السياسي تركز إبداع المتظاهرين في رسم الجرافيتي على الجدران لعيون فقعت وأخرى تسيل الدموع من الغازات، لتظهر صورة ساخرة من المشهد لأسد قصر النيل وهو مغطٍ لعينه.
المستشفيات الميدانية.. ملحمة كتبت بدماء الأطباء
بجانب بطولات الشباب المثابر في مواجهة قوات الأمن وحماية ميدان التحرير من الاقتحام أثناء أحداث شارع عيون الحرية كان هناك أبطال من نوع آخر، سلاحهم القطن والشاش والبيتادين ورداؤهم البالطو الأبيض، إنهم أطباء التحرير. فالمستشفيات الميدانية سطرت خلال ملحمة شارع محمد محمود أسطورتها الخاصة التي لن ينساها أبدًا كل مصاب وجريح، فهؤلاء الأطباء عملوا طوال ستة أيام على خط النار وتعرضوا لكل أشكال العنف الذي لم يواجه أي طبيب يومًا إلا في حالات الحرب.
حيث روى الدكتور محمد فتوح، رئيس جمعية أطباء التحرير لـ"المصريون" كيف واجهتهم صعوبة دائمة في بناء المستشفيات الميدانية أثناء الأحداث خاصة في ظل استهدافها المستمر، فالأطباء تعرضوا لكل ما كان يتعرض له المتظاهرون من إطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع بشكل مكثف واعتداءات من قبل البلطجية وقوات الأمن للنيل من المصابين خاصة أثناء الليل، متذكرًا كيف تم اقتحام المستشفى الميداني بمسجد عمر مكرم وحصارها ومنع الأطباء من الوصول إليها في الوقت الذي يتم فيه الاعتداء على المصابين من قبل بعض البلطجية. كما أكد فتوح أن عدد المستشفيات الميدانية أثناء الأحداث كان كبيرًا جدًا فبجانب المستشفيات الرئيسية التي تم إنشاؤها فى مسجد عمر مكرم وكنيسة الدوبارة ومسجد عباد الرحمن ومجمع التحرير، كان كثيرًا من الأطباء المتطوعين يقيمون خيامًا صغيرة بقلب الميدان في محاولة منهم لإسعاف أكبر قدر ممكن من المصابين الذين منعتهم الاشتباكات من الوصول للمستشفيات الرئيسية.
ولم يشفع البالطو الأبيض ولا عدم تدخل هؤلاء الأطباء في الاشتباكات لهم، حيث تزايد استهداف الأطباء والمسعفين يومًا بعد يوم فبالرغم من معرفة قوات الأمن التامة لأماكن وجود المستشفيات إلا أنهم لم يتوقفوا عن استهدافها بالقنابل، كما أصيب الكثير منهم خلال الأحداث حيث يروي الدكتور فتوح لـ"المصريون" عن ذلك المسعف الذي لم يرحموه وأطلقوا عليه الرصاص خلال محاولته لنقل عدد من المصابين مما أدى إلى استئصال إحدى كليتيه وجزء من المعدة والقولون، كما اعتقل ثلاثة أطباء، فضلًا عن الدكتور أحمد حسين الذي تم اختطافه وتعذيبه لمدة ثلاثة أيام. وأشاد رئيس جمعية أطباء التحرير بالدور الوطني الذي قام به إمام مسجد عمر مكرم الشيخ مظهر شاهين ورجال كنيسة الدوبارة حيث سمحوا للأطباء بإنشاء مستشفياتهم داخل المسجد والكنيسة وتعاونوا معهم بشكل فعال ووفروا لهم الحماية. أما عن الإصابات التي واجهها الأطباء خلال الأحداث فأكد الدكتور محمد فتوح أن اغلبها كانت بالرصاص الحي في منطقة العين والوجه والرقبة والرأس، حيث وصلت حالات الوفاة الرسمية 57 شهيدًا وعدد المصابين بلغ 2800 مصاب، إلى جانب العدد الكبير من المختفين والذين لم يعثر عليهم والذي يصل عددهم ما بين 300 إلى 1200 شهيد. واستكمل الشباب والبنات إلى جان الأطباء عزف سيمفونية الفداء والتضحية من أجل إسعاف من يطوله رصاص الأمن الغاشم، فمع تناقص الأدوية ومواد الإسعافات الأولية كان الأطباء يطلقون استغاثات عبر موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، كشف الدكتور فتوح عن الاستجابة السريعة التي كانت تلقاها دعواتهم، حيث توافدت طوال الأحداث أفواج الشباب والفتيات بمختلف الأعمار يمدونهم بما يحتاجونه من أدوية وإسعافات أولية ليكتشفوا في نهاية الأحداث وجود فائض كبير في الأدوية.
اقرأ المقال الاصلى فى المصريون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى