«ديوان المحاسبة» هو المسمى الأول لأعلى هيئة رقابية مستقلة لمراقبة المال العام للدولة وأجهزتها. تم إنشاؤه عام 1942 طبقًا للمرسوم الملكي وقتها رقم 52، ثم تغير اسمه إلى الجهاز المركزي للمحاسبات عام 1964، ويتبع مباشرة رئيس الجمهورية.
وحسب قانون الجهاز فإن التقارير التي يعدها “المركزي للمحاسبات” بعد الفحص على كافة أجهزة الدولة والتي تستمر طوال العام وتنتهي في 30 يونيو (نهاية العام المالي) تقدم إلى ثلاث جهات بشكل وجوبي، وهي: رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، مجلس النواب.
وفي حالة رصد أي مخالفات مالية وحالات اعتداء على المال العام للدولة، يطلب رئيس الجهاز من الإدارة المعنية تحويل تلك المخالفات إلى الجهات المختصة، سواء كانت النيابة الإدارية، أو النيابة العامة، أو جهاز الكسب غير المشروع؛ لتقوم بدورها بالتحقيق في تلك المخالفات المرصودة من قِبَل الجهاز، والرد عليه بشأن صحتها من عدمها في إطار التعاون بين الأجهزة الرقابية للقضاء على الفساد.
إلا أن المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الحالي فجر مفاجأة، وهي أنه تم تقديم أكثر من 200 بلاغ إلى تلك الجهات وهناك ملفات عديدة لم يتم فتح باب التحقيقات فيها حتى الآن وما زالت حبيسة الأدراج. وذكر “جنينة” أن التقدير المبدئي لحصيلة المبالغ التي ستعود على الدولة من تلك الأموال المنهوبة والمهدرة تقدر بـ 64 مليار جنيه، وأن الفترة المقبلة بصدد إنشاء جهاز جديد يسمى “الأموال المهدرة”.
وعلى الرغم من أن أكبر رئيس جهاز رقابي مستقل في الدولة عمله هو مراقبة أجهزة الدولة، إلا أنه خرج مؤخرًا كثيرًا في وسائل الإعلام ليعلن عدم تعاون بعض المؤسسات في تقديم المستندات المطلوبة لفحصها، وعلى رأسها وزارة الداخلية. كل تلك الأرقام التي يعلنها رئيس الجهاز كافية في حال استعادتها لأن تساهم في نهضة اقتصادية حقيقية دون الحاجة إلى انتظار المنح والقروض، ولكن لم يرد عليه أحد من المسئولين. والسؤال هنا ما هي الآلية التي تدار بها تلك البلاغات؟ ولماذا تظل حبيسة الأدراج وتضيع على الدولة المليارات؟
نائب رئيس النيابة الإدارية: نحقق في كافة بلاغات الجهاز.. وبعض المخالفات المادية عقوبتها التأديب فقط
في البداية تقول المستشارة نجوى الصادق، نائب رئيس النيابة الإدارية، إن النيابة تتلقى من الجهاز المركزي للمحاسبات بلاغات تختص بالمساس بالأموال العامة للدولة، ويتم التحقيق فيها جميعًا بدون أي استثناء، مؤكدة أنه لا توجد لديهم ملفات بالأدراج.
وأوضحت نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية لـ “البديل” أن الآلية التي تتعامل بها الهيئة عند تلقى البلاغات هي توزيعها على النيابة المختصة؛ للنظر في البلاغ، ومن ثم تحدث عملية التحقيق، وتتم إحالة النتيجة إلى الجهة الإدارية التي تقارنها بنصوص القانون في حالة ثبوت صحة البلاغ، ويتم إحالة صاحبه أو الجهة المدانة إلى المحاكمة التأديبية.
وأوضحت أن النيابة العامة تحول لها البلاغات الخاصة بجرائم الاختلاس من المال العام والتربح من وراء المنصب، وتكون جميعها قضايا جنائية، أما النيابة الإدارية فتختص فقط بالعقوبة التأديبية، فليست كل المخالفات المادية تندرج تحت باب “الجنائية”.
وردًّا على تصريح رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بأن هناك بلاغات بالاعتداء على المال العام تم إرسالها إلى النيابة، ولم ترد أى إجابة حول التحقيق فيها رغم مخاطبة تلك الجهات، قالت إن النيابة الإدارية تخطر “المركزي للمحاسبات” في البلاغات المرسلة إذا كانت لا تحتوي على مخالفات وغير مطابقة للقانون أو العكس.
وحول البلاغات التي قام “جنينة” بالإفصاح عنها في وسائل الإعلام المتعلقة بمسئولين سابقين وحاليين بالدولة، حصلوا على قطع أراضٍ بالحزام الأخضر من خلال استغلالهم لمناصبهم وصفاتهم، وحصلوا على سعر الفدان بـ 3 آلاف جنيه فى حين أن سعره الحالى بلغ 5 ملايين جنيه، بخسائر كبدت الدولة 26 مليار جنيه، ولم يتم التحقيق معهم، أشارت نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية إلى أنه لا يمكن الحديث حول ذلك الموضوع بأرقام ووقائع جازمة سوى بتصريح رئيس الهئية الذي أكد فيه أن “النيابة الإدارية” نجحت مؤخرًا في استعادة عدد كبير من الأراضي المنهوبة.
رئيس مجلس الدولة الأسبق: القانون لا يجبر النيابة على النظر في بلاغات “المركزي للمحاسبات”
ومن جانب آخر كشف المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق والفقيه الدستوري، أن عدم قيام النيابة العامة والإدارية والكسب غير المشروع، بالتحقيق في بعض بلاغات الجهاز المركزي للمحاسبات أمر لا يعاقب عليه قانونًا ولا يجرمه الدستور.
وأوضح “الجمل” أن النيابة جزء لا يتجزأ من السلطة القضائية ولها سلطة تقديرية نحو البلاغات التي تتلقاها من الجهاز، ومن حقها أن تحفظ بعضها إذا ما رأت عدم كفاية الأدلة المرفقة، ولكن من حق الجهاز أن يعلم السبب لحفظ التحقيق أو عدم النظر فيه بإرسال خطابات لتلك الجهات يطالب فيها بحق المعرفة، وإذا تم التجاهل وعدم الرد يرسل طلبًا عاجًا بالأمر.
وحول أحقية بعض أجهزة الدولة في عدم التعاون مع “المركزي للمحاسبات” كما أشار المستشار هشام جنينة إلى أن وزارة الداخلية ترفض إطلاع الجهاز على مستنداتها المالية، قال رئيس مجلس الدولة الأسبق إنه لا يوجد استثناء، ولكن الأمر يتوقف على نوعية الملفات التي يريد أن يفتحها الجهاز، فهناك بعض المستندات السرية والاعتمادات غير المعلنة داخل وزارة الداخلية التي لا يمكن الإعلان عنها، ولكن إذا كانت هناك ملفات مالية عادية، فيجب أن تخضع لرقابة الجهاز.
وطالب “الجمل” أن يكون هناك بعض الشفافية بين مؤسسات الدولة، خاصة في مكافحة الفساد والوقوف ضد نهب أموال الشعب، وعلى الجهات التي يتهمها رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بعدم التعاون معه أن ترد بتقرير وافٍ عن الأسباب من وراء ذلك إن صح حديثه، أو يتم فتح تحقيق بين الجميع للكشف عن حالة الغموض تلك.
منظمة الشفافية الدولية: “جنينة” يحارب وحده.. والحل في هيئة مستقلة تجمع كافة الأجهزة الرقابية
ويرى أحمد صقر عاشور ممثل منظمة الشفافية الدولية السابق أن الخلل الواضح في عمل الجهاز من جهة والنيابة العامة والإدارية والكسب غير الشروع من جهة أخرى بجانب أجهزة الدولة الرافضة للفحص ناتج عن تباعد الأجهزة الرقابية والعمل منفردًا دون تكامل.
وطالب بضرورة أن يندمج كل من جهاز الرقابة الإدارية ومكافحة غسيل الأموال والكسب غير المشروع والجهاز المركزي للمحاسبات تحت راية هيئة مستقلة مركزية تعمل وفق آلية وإطار محددين، وعلى أن تتبعها جهة مسئولة في الدولة؛ لمراقبة التحقيق في ملاحظاتها وتقاريرها، بدلًا من المعاناة التي يتحدث عنها “جهاز المحاسبات” في التواصل مع الجهات المحققة.
وببسؤاله: هل تكفي اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد أن تقوم بدور تلك الهيئة المركزية؟ قال إن رئيس الحكومة ليس متفرغًا للعمل بها، فهو منشغل بالعديد من الملفات، كما أنه لا يجوز أن يراقب الجهاز التنفيذي للدولة نفسه.
وشدد على أنه يجب ألا يوجد جهاز تنفيذي تابع للحكومة فوق المساءلة، مثلما يحدث مع وزارة الداخلية، ولا يصح أن تحفظ النيابة التحقيق في ملاحظات أكبر جهة رقابية في الدولة من تلقاء نفسها، فهناك قصور في التشريعات التي لا تجبر تلك الأجهزة على النظر في كافة الملاحظات والبلاغات الواردة إليها والرد بتقرير إذا ما كانت صحيحة أم لا.
ولفت إلى أن آليات العمل للنيابة وجهات التحقيق بطيئة من الأساس وليست هناك أولويات لها بخصوص الفساد المالي، حيث تغيب السياسيات الملزمة بذلك، فلا يصح أن تكون هناك ملاحظات على الصناديق الخاصة وأراضي الدولة المنهوبة، ولم يتم البت فيها، فالمنظومة تسير كما كانت أيام مبارك.
وطالب ممثل منظمة الشفافية الدولية السابق رئاسة الجمهورية بأن تتدخل فورًا لوقف ذلك العبث وحسمه إذا ما كانت جادة في تطهير البلد من الفساد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى