سبيل «أم عباس».. ورد وريحان ولذة للشاربين

صنعت والدته سبيلًا بعد مقتله بـ 13 عامًا؛ بسبب قسوته مع الشعب وسياسته المتشددة، خلطت المياه بالعنبر والورد وزهر الريحان، أضفت على المياه حلاوة تنعش الشاربين، وكأن الحب والخير نبتة تكبر في نفسها، تحملت تكاليف وصول المياه لبيوت الفقراء، فوفرتها في سبيلها، سبيل «أم عباس»، الذى أنشأته السيدة «بنبا قادن»، المعروفة بأم عباس بين عموم المصريين، زوجة الأمير أحمد طوسون باشا، ابن محمد على باشا، وأم الخديوى عباس حلمي الأول، الذي حكم مصر في الفترة من 1848 وحتى 1854، وتحمل أقدم مدارس تعليم البنات اسمها بالقاهرة.

توقفت كافة الإصلاحات في عهد ابنها، وازداد النفوذ الإنجليزى بمصر؛ بسبب توطيد علاقته بالسفير البريطاني بالقاهرة، لذا كان من الصعب على الأم الصالحة أن تبني سبيل تطلق عليه اسمه، فكان الاختيار أن يقام السبيل باسمها، فمقتل الخديوي عباس بقصره في بنها، يعود إلى قسوته مع الرعية وتشككه الدائم في أفراد أسرة محمد علي، حتى يقال إن الشرطة السرية أسست في عهده على النطاق الواسع الذي اشتهرت به مصر لاحقاً.

بنته في حي القلعة بقلب القاهرة، عند تقاطع شارع الركبية وشارع السيوفية مع شارع الصليبة المؤدي لميدان القلعة، أنشأته أم عباس لتوزيع مياه الشرب على أهالي القاهرة والمارة وعابري السبيل، حيث كان عدد كبير من أهالي القاهرة لم يكن يستطع تحمل الأعباء المالية التى تقدم للساقيين لإيصال المياه إلى منازلهم، بالإضافة إلى رفع العناء والمشقة وقسوة صيف القاهرة على الشعب.

امتزج السبيل بالفن المعماري العثماني والأوروبي في آن واحد، حيث استعانت "بنبا هانم" بمهندس تركي لوضع التصميم الخاص بالسبيل، إذ لم تعرف بمصر أي أسبله ذات الأضلاع المثمنة، بعكس ما اعتادت عليه تركيا، مستخدمة الرخام الأبيض المزخرف بنقوش نباتيه من الطراز الأوروبى ككساء للسبيل، كما زين السبيل بعدد من الكتابات ذات خط نسخي، بالإضافة إلى كتابة سوره الفتح كاملة بطريقه إطارية عليا على الأضلاع الثمانية، كتبها الخطاط التركي عبد الله بك زهدي، أما بقية النقوش على واجهة السبيل فتحتوى على آيات من القرآن الكريم ذات صلة بوظيفة السبيل.

يتكون السبيل من مستويين، الأول تحت الأرض، وتوجد فيه الصهاريج التي كانت تستخدم في تخزين المياه، التي تمد السبيل، وكانت تلك الصهاريج تملئ بمعرفه ساقيين عن طريق نقلها في "قرب جلدية"، بمياه من أعماق النيل حتى تكون خالية من الشوائب، وكانت تلك المرحلة تتم في شهر أغسطس من كل عام، في موسم الفيضان حيث تكون الشوائب في أقل معدلاتها.

أما المستوى الثاني كان في منسوب الطريق العام، وهو عبارة عن حجره ذات ثلاث شبابيك، ويوجد في صدر هذا السبيل لوحه من الرخام يسمى "الشاذروان"، وهو ذات فائدة مزدوجة الأولى تبريد مياه الشرب، والثانية تنقيه المياه من الشوائب إن وجدت، والثاني كان يتم تنظف هذا اللوح الرخامي في نهاية كل يوم وعقب إغلاق أبواب السبيل بعد صلاه العشاء.

 

سبيل «أم عباس».. ورد وريحان ولذة للشاربين
أحمد نبيل خضر
Wed, 24 Jun 2015 10:10:43 GMT

مواضيع مشابهة