“إذا سرق فيهم الشريف تركوه. وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد”.. بهذه الكلمات التي قيلت قبل قرن من الزمان، وضحت أزمة الكيل بمكيالين في ميزان العدل، الذي بميله تميل الدولة كلها، حتى تكاد أن تسقط.
فالشريف الذي هو ذو نفوذ إذا سرق، يترك، والضعيف يلقى أشد العقاب، وحتى يستوي ميزان العدل؛ لا بد من التساوي في معاقبة السارق؛ حتى يكون عقابه رادعًا لغيره وعبرة لمن تسول له نفسه الإقدام على نهب أو سرقة الأموال العامة والخاصة، بما يصب في المصلحة العامة للدولة ويحفظ الحقوق الخاصة والعامة. غير أن ما يحدث عندنا شيء آخر، حيث تلجأ الدولة في الوقت الراهن إلى التصالح مع من سرقوا أموالها على مدار عقود ماضية؛ إعمالاً بنص الحديث.
أربعة أعوام مرت منذ اندلاع 25 يناير ولم يصدر حكم نهائي على أحد هؤلاء المتهمين، غير أن الدولة لجأت إلى التصالح مع رموز نظام مبارك والإفراج عنهم وإسقاط التهم الموجهة إليهم مقابل رد الأموال التي استباحوها على مدار عقود مضت.
وقال المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، إن معاقبة مرتكبي الجرائم في حق الشعب المصري واجبة قانونًا، خاصة إذا كانت في المال العام، مشيرًا إلى أن تعديل قانون التصالح في جرائم المال العام دون إنزال عقوبات بمرتكبيها يخالف الشريعة الإسلامية التي أكدت على معاقبة كل مرتكب جريمة، مضيفًا “لما تتسرق في ميكروباص، وبعد ما يتقبض على السارق تتصالح معاه، فده معناه إنه مش هيتوقف عن السرقة وهيستمر”، لافتًا إلى أن ما يحدث من تعديلات وقوانين يدعو إلى الاستغراب.
وأضاف رئيس مجلس الدولة الأسبق أن الإجراءات القانونية التي تتخذها الدولة لاسترداد الأموال العامة في الداخل والخارج بها تقصير شديد، وهو ما يعرقل إلزام الدول الأخرى بتسليم المتهمين بإهدار الأموال إلى مصر، وذلك لأن هناك إرادة لبقاء الوضع كما هو عليه، مشيرًا إلى أنه لم يصدر حكم واحد ضد أحد المتهمين بسرقة أموال مصر لإلزامه بردها.
وقال شادي طلعت، عضو اتحاد المحامين، إن التعديلات التي أدخلت على قانون الكسب غير المشروع والتصالح في جرائم المال العام يجب أن تحدد في إطار معين؛ حتى لا تكون ثغرة يستخدمها البعض في نهب الأموال العامة مستقبلاً، كما يجب أن تحدد نوعية الجرائم وما هي قيمة الأموال التي يعاقب عليها منتهكو المال العام.
وأضاف عضو اتحاد المحامين العرب أن المادة يجب ألا تكون فضفاضة وفي المطلق، مشيرًا إلى أنها لا تتعارض مع الدستور، وهي اتجاه يتماشى مع المشرع المصري، بالنظر إلى المصلحة العامة للدولة، خاصة وأن الهاربين إلى الخارج لا نستطيع الوصول إليهم؛ حتى يعيدوا الأموال التي نهبوها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى