سيتى الاول يسجل انتصاراتة
قبل ظهور الإنسان وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعًا للتغيرات الجيولوجية.
بعد طرد الهكسوس وتمكن المصريين من حكم بلادهم على يد أمراء طيبة، عادت مصر لمجدها القديم واتخذت طريقها ثانية نحو الأوج تحت حكم الأسرة الثامنة عشرة التى كان البطل أحمس قاهر الهكسوس هو رأسها ومؤسسها.
واتسعت رقعة المملكة المصرية وثبتت أركانها حتى صارت إمبراطورية عظمى وصار جيش مصر أقوى الجيوش في العالم، استطاع ملوك الأسرة الثامنة عشرة، التى لا يضاهيها في التاريخ عظمة سوى الأسرة الثانية عشرة، أن ينهضوا بمصر ويجعلوها في مقدمة أمم العالم القديم ومعلمة له، فقد تجاوز التحامسة من ملوك هذه الأسرة العظيمة بجيوشهم مياه النهر المعكوس" الفرات" أي أن مياهه تسير من الشمال إلى الجنوب على العكس من نهر النيل الذي يسير بمياهه من الجنوب إلى الشمال.
وإن كانت مصر قد بلغت القمة في الحضارة رأسيا في داخلها على عهدي سنوسرت الثالث وأمنمحات الثالث في عصر الدولة الوسطى، فإنها بلغت القمة في الامتداد والتوسع الجغرافي أفقيا في عهد الأسرة الثامنة عشرة.
فقد تكونت الإمبراطورية الأولى في تاريخ الإنسانية على أرض الكنانة، لعدة عوامل، ليس الموقع الجغرافي هو الفاعل فيها وحده، فلم ينفع الموقع الجغرافي هذا المصريين عند تفككهم وغفلتهم في الفترات المعروفة بالفترات الانتقالية أو البينية ما بن عصور تاريخ الدول المصرية القديمة المتعاقبة ( الدولة القديمة والدولة الوسطى والدولة الحديثة).
بل كان هذا الموقع الجغرافي المتميز بالتحكم في ملتقيات الطرق البرية والبحرية، وبالا على مصر وسببا لنكباتها على مر العصور، فقد أطمع الموقع الفريد، بقية الأمم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
ولا ندري ما السبب الذي أدى إلى تجاهل ملوك مصر وأباطرتها العظام من أبناء وأحفاد أحمس العظيم في أواخر عهد الأسرة لحفر أو تطهير مجرى القناة ما بين النيل والبحر الأحمر، ذلك حدث بالرغم من نشاط التجارة البرية ووجود سفن مصرية تمخر عباب البحرين الأحمر والمتوسط.
وتوالت الرحلات التحارية والحربية التى بينت أن قوة مصر هى الأولى عسكريا واقتصاديا ولاحت مظاهر هذه القوة في الرحلة التجارية الشهيرة إلى بلاد بونت جنوب البحر الأحمر على عهد الملكة العظيمة حتشبسوت، كذلك كانت قوى مصر في البحر المتوسط جلية في السيطرة على جزره الكبرى، خاصة كريت التى ارتبطت بعلاقات وثيقة ودانت للتاج الملكي المصري وسلمت لصولجانة.
وانتهى عهد الأسرة الملكية العظيمة بملوكها وملكاتها الذين واللائي لا نجد لهم ولهن في تاريخ الإنسانية مثيلا على مدى العصور، وربما انطمس ذكر القناة او القناة نفسها الذي كان في آخر الأسرة، قد حدث بعد الاضطرابات الدينية على عهد "أخناتون" الملك الذي احتل الترتيب العاشر بين أربعة عشر التى هددت البلاد بالفوضى وكادت تفكك أوصال الإمبراطورية المصرية العظمى، كما يتبين من الرسائل التى عثر عليها في تل العمارنة موقع مدينة "آخيت اتون" التى اتخذها أخناتون مركزا روحيا وعاصمة لدعوته الشهيرة.
لكن قوام الدولة كان قويا فلم تنهار بل ازدادت قوة في عهد آخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة الفارس الجسور "حور محب" الذي لم يؤثر عنه أنه سعى للملك ولا كانت له أطماع فيه لكنه وجد نفسه كقائد للجيش المصري، في مكان الصدارة العظمى؛ حيث لا اختيار ما بين الصمود أو الانهيار.
فارتقى "حور محب" العظيم العرش وأعاد هيبة الدولة داخليا وخارجيا طوال ثلاثين عاما هي مدة حكمه البلاد، لينتقل بعده العرش المصري إلى حاكم جديد سيكون رأسا لأسرة عظيمة أخرى من الأسر الحاكمة في تاريخ مصر والعالم وهو قائد الجيش رمسيس، وكان الانتقال سلسا بلا أي شائبة بالرغم من أن رمسيس لم يكن من بين أبناء الأسرة الثامنة عشر التى رحلت لتسجل ملوكها بحروف من نور في سجلات الإنسانية.
وتلقب رمسيس هذا بلقب رمسيس الأول الذي اعتلى العرش شيخا كبيرا بلغ من الحكمة مبلغا عظيما، حعله يحسن إدارة شئون البلاد ويحافظ على ما أبقى عليه سلفه العظيم.
ورغم قصر مدة حكم الملك رمسيس الأول التى لم تزد على عامين، إلا أنه سار في ركب الملوك البنائين العظام، فبدأ في بناء بهو الأعمدة في منطقة معابد الكرنك وهو البهو الذي لا تزال أساطينه قائمة شاهدة في أكبر معابد الدنيا قديما وحديثا، على عظمة الحضارة المصرية وهو البهو نفسه الذي أكمل بناءه ابنه ووريثه الضابط الشاب تلميذ "حورمحب" ومحل ثقته ذلك الشاب المدعو "سيتى" ضابط حصن "ثارو" (اقنطرة شرق حاليا) على مدخل الحدود الشرقية التى تدخل من قبلها جيوش الفاتحين وتخرج من أو إلى مصر.
فما أن تولى الملك العجوز رمسيس الأول حكم البلاد حتى استدعى ولده الوحيد ليكون بجواره ويعاضده في أمور حكم البلاد وكانت المهمة شاقة أمام الأمير الفارس، فإن كان حور محب قد أعاد خلال حكمه هيبة الدولة، إلا ان كثيرا من الولايات التابعة للإمبراطورية المصرية، أثارت القلاقل وتطاولت على مصر، فكان على سينى الأول أن يعيد مصر كإمبراطورية قوية، كما أعاد أستاذه حور محب مصر كدولة قوية.
وشهدت مصر نهضة هائلة في البناء والفن وكان سيتى أول ملك يسجل تفاصيل معاركه في أرجاء الإمبراطورية على جدران المعابد من خلال لوحات جدارية كبيرة على معبد الكرنك.
وعادت بالفعل مصر إمبراطورية قوية على يد سيتى الذي خاض حروبا في كل الجهات لتأديب المتمردين من القبائل في أرجاء الولايات التابعة للحكم المصري في فلسطين وسوريا ولبنان والفرات.
و قام ستي بإعادة حفر القناة ليعيد اتصال البحرين عبر نهر النيل مرة أخرى لتعود الملاحة وينفتح الطريق المائي مارة أخرى ويصير العالم متصلا مائيا بلا عوائق تارة أخرى.
فقد ورد في بردية "أنسطاسي" أن الملك سيتي الأول بنى قلعة على القناة لحمايتها وأحاطها بالأشجار على ضفتيها لحمايتها من العواصف وزحف الرمال، كما سجلت البردية رحلات سيتي إلى القناة ورسم مصور لعودته منتصرا من إحدى حملاته الحربية على الولايات التابعة للتاج المصري في آسيا وهو في قلعة "ثارو" التى كان سيتي يتولى قيادتها في صدر حياته العسكرية.
فعادت مصر تتحكم في الطريق البحري وتحكم قناتها تحت حمايتها، لتنطلق مرة أخرى قوة عظمى هادرة في عهد سيتي وما بعده من ملوك خاصة ابنه رمسيس الثاني الذي لا حاجة بنا للإشارة إلى المجد الذي حقققه لنفسه ولبلاده، فرمسيس الثاني ابن سيتى الأول، فد سار على خطى الأباطرة العظام ولم يخف اهتمامه بالقناة التى أعاد أبوه حفرها، فقد اكتسف معبد صغير لرمسيس الثاني عند الكيلو 91 على القناة.
وقد بلغ رمسيس الثاني من الشهرة والفخار ما جعله أشهر ملوك التاريخ قاطبة في كل العصور القديمة والحديثة وصار رمزا بآثاره التى أحدث بها صخبا تاريخيا تتردد أصداؤه عبر العهود، بما لم يكن لملك غيره في شتى بقاع الأرض والذي لايزال اسمه هو الوحيد الذي يسمي به بعض المصريين أبناءهم به حتى اليوم، فشهرته بلغت العامة والخاصة.
وعن معالم هذه القناة يقول الدكتور جورج حليم كيرلس الملقب بمؤرخ قناة السويس في كتابه "قناة السويس من القدم إلى اليوم": ومازالت آثار هذه القناة واضحة تماما حتى يومنا هذا في محاذاة المجرى الملاجي الحالي لقناة السويس بالقرب من بلدة جنيفة (على مسافة 28 كيلومترا من مدينة بور توفيق ويكن تتبع مسارها حتى الكيلو 138 حيث حفرت قناة المياه العذبة في مجرى القناة القديمة نفسه، ثم تختفي بعد ذلك معالم هذه القناة، التى كلنت تمتد في القدم حتى ميناء كليسما (السويس حاليا).
ومن المعروف أن طول القناة كان نحو 150كيلو مترا وعمقها من 3:4 أمتار واتساعها يزيد على 25 مترا.
وظلت الإمبراطورية المصرية تحمى قناتها الواقعة في عمق أراضيها، غير أنه بعد أن ضعفت مصر وتوالى على عروشها ملوك ضعفاء في أواخر عهد الرعامسة "غلب اسم الرعامسة على ملوك الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين الذين تسمى معظمهم باسم رمسيس" كذلك فيما عرف تاريخيا بالعصر المتأخر فغلب اقتسام حكم البلاد بين الملوك والكهنة في الأسرة الواحدة والعشرين، فيما بين ملوك تانيس في الشمال وكهنة طيبة في الجنوب وارتقى بعد ذلك عرش مصر ملوك ولم يكونوا بقوة السابقين من الملوك العظام.
ها وقد تراجعت مصر تراجعا حادا، فتدهور كل شيء تقريبا، فانطمرت القناة التى شكلت عصب التجارة البحرية وعادت أثرا بعد عين، بل تراكمت الرمال والطمي في المنطقة الواقعة ما بين البحيرات المرة التى كانت تسمي بحيرات أميريس وبين خليج السويس، والمسافة بينهما صارت منخفضات جافة ومليئة بالكثبان، فتكون فيها سد رملي عملاق بطول 30 كيلومترا، فانقطعت الصلة نهائيا ما بين البحيرات المرة والخليج.
وكان تدهور حال القناة من مظاهر ضعف مصر وفي الوقت نفسه سببا من أسباب هذا الضعف أيضا، فيجب ألا ننسى ازدهار القناة مرتبط بقوة حمايتها، فإذا سادت الفوضى، صارت القناة مطمعا للأجانب الذين تمر سفنهم فيها، فيمدون أعينهم لاستغلال مصر وبعد عيونهم تمتد أيديهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى