محمد علي باشا ونابليون بونابرت
قبل ظهور الإنسان على الأرض وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعا للتغيرات الجيولوجية.
كان نابليون يريد حفر القناة، لإنشاء طريق بحري الشرق يكون تحت سيطرة فرنسا، فبعد ثلاثة قرون من اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، بدا أن الطريق طويل للغاية وحتى بغض النظر عن طول المسافة، فكما يذكر الدكتور عبد الرحمن برج في كتابه "100 عام على قناة السويس" الصادر عام 1969 بمناسبة مرور 100 سنة على القناة، مثلا أن المسافة بين بريطانيا ومستعمراتها في نيوزلندا، أقصر عن طريق المحيط، غير أن المسافة تخلو من أية مرافئ وهذا لا يشكل عنصر أمان للسفن التى تفضل أن تسير في طريق به مواني للتزود بالوقود أو سهولة اللجوء إليها أو الاتصال بها عند أي طاري يدعو للتوقف أو الاستغاثة ولذلك فإنها تفضل المرور عبر القناة في مسافة أطول ولكنها أكثر أمانا.
وهذا أمر في غاية الأهمية، هذا فضلا عن أن قناة السويس تختصر فعلا الطرق بالنسبة لكثير من دول أوروبا في تجارتها مع الشرق، فالمسافة ما بين لندن وبومباي أقل بـ11000 كيلومتر.
ورحل نابليون لكن الفكرة لم ترحل، فقد حضر إلى مصر مجموعة أطلقت على نفسها "أتباع سان سيمون" وهم ممن تأثروا بأفكار الفيلسوف الفرنسي سان سيمون (1760- 1825) وكان ذا أطروحات ثورية إصلاحية ورأوا في مصر أرضا بكرا لتطبيق مشروعاتهم، فزاروا والى البلاد محمد على في عام 1832 وعرضوا عليه فكرة العودة لحفر القناة عن طريق النيل، فأحسن استقبالهم لكنه لم يرتح لحقر قناة لأنه استشعر الخطر من ورائها، فوجود قناة للملاحة العالمية ستعطى مجالا للتدخل الدولي وستصبح المنطقة مسرحا للصراع هو ما حدث بالفعل.
كما أن العثمانيين الأتراك في الأستانة التابعة لهم سلطة البلاد، لا يريدون مثل هذا المشروع، واكتفي محمد على بعودة مرور حركة التجارة العالمية برا عبر الأراضي المصرية، فقد عادت لميناء الإسكندرية الأهمية التجارية عام 1839 بعد حفر ترعة المحمودية الصالحة للملاحة، فعادت المراكب لحمل البضائع إلى القاهرة، ثم تحمل بعد ذلك برا إلى السويس عبر عربات تجرها الجياد للأفراد، بينما تحمل البضائع فوق ظهور الجمال.
ومحمد على أعاد الحياة للقناة القديمة حتى البحيرات المرة، لكن فقط كمصدر للمياه العذبة لري الأراضي الزراعية دون التعويل عليها كممر ملاحي.
كما عادت ميناء السويس لاستقبال السفن، فرست سفينة بخارية قادمة من الهند في 22 أبريل 1829، رغم اعتراض الأستانة على ذلك، هذا الاعتراض لم يأبه به محمد علي.
كما كانت جمعية الدراسات التى اشترك فيها السان سيمونيون والمكونة من ثلاث مجموعات من مهندسين فرنسيين وغير فرنسيين وتأسست سنة 1846 قد كلفت خبيرا في الطبوغرافيا يدعى بور دالو بالاشتراك مع لينان الذي كان يشغل كبير مهندسي الحكومة المصرية، فأثبتت دراستهما في 1847، أن فارق منسوب المياه بين البحرين لا يكاد يذكر وأن القناة لا تحتاج إلى أهوسة لمعادلة المناسيب عند مرور السفن فيها وهنا رفض محمد على ذلك صراحة قائلا: "لا أريد بسفورا آخر" قاصدا أن مضيق البسفور الذي يصل البحر الأسود بالمتوسط والمار أمام الأستانة ويفصل ما بين أوروبا وآسيا، يمكن أن يكون مصدرا للخطر!.
على أثر ذلك اقترح الضابط الإنجليزي توماس واجهورن على حكومته، إنشاء خط مراسلات بريدية بين لندن وبومباي، عن طريق السويس، بديلا عن خط بريد رأس الرجاء وعندما تم تجربة الخط، اتضح لبريطانيا الفارق الشاسع في وصول البريد.
وعلى ذلك تم اقتراح إنشاء خط سكك حديدية عام 1856 من الشركات الملاحية، بين الإسكندرية والسويس، يمر بالقاهرة، بديلا عن الوسائل البدائية للنقل.
وبلغ من سعادة سفير إنجلترا "جورج بلدوين" بذلك أنه قام بعمل استعراضي طريف، حيث أحضر ثلاثة زجاجات كان في الأولى ماء من النيل والثانية ماء من نهر التايمز الإنجليزي والثاثة من نهر الجانج الهندي وصعد بالزجاجات الثلاث إلى الهرم الأكبر للاحتفال بهذه الاقتراح الذي رفضته الأستانة وقتها.
ونتيجة لكثافة الحركة التجارية العائدة بقوة، تأكد بذلك أهمية حفر القناة لتحقيق الاتصال المائي، حيث كان مهندس فرنسي يدعى لينان كانت له خبرة كبيرة في الأمور الإدارية المصرية حتى وصل إلى منصب وزير الأشغال وقد رأى أن زيادة منسوب البحر الأحمر لا تحول دون حفر القناة وأنه يمكن معالجة ذلك، فأرسل بدراساته إلى قنصل فرنسا في الإسكندرية، حيث طالع المهندس فردينان دي ليسبس هذه الدراسات حيث كان نائبا للقنصل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى