صورة أرشيفية - قناة السويس
قبل ظهور الإنسان وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليها في العصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعًا للتغيرات الجيولوجية.
عندما جاء عمرو بن العاص على رأس الجيش العربي، كان قد سبق جيشه إلى مصر عشق قديم منذ أن كان عمرو تاجرا جفعه حب المغامرة إلى مصر فأحب أهلها وأحبوه وكانت إقامته تطول في ربوعها، فيعود محملا بخيراتها في ارتحالاته التجارية التى لم تنقطع إلى معشوقته مصر.
وبغض النظر عن القصص التى تروى عن قصص عمرو مع المصريين قبل الفتح العربي عام 642م، إلا أنها تشيرإلى عمق ارتباط عمرو بالمصريين وارتباطهم به وولوجه في مجتمعهم حتى وصل إلى حفلات أمرائهم " في قصة حفل نبوءة سقوط الكرة في حجر من سيحكم مصر، حيث قادت الصدفة عمرو لحضور الحفل فسقطت الكرة في حجره".
وكما فعل المصريون مع الإسكندر، فعلوا مع عمرو وكذلك كان عهده معهم، فنادى بالأمان للبطرك "بنيامين" وهو البطرك الثامن والثلاثون من بطاركة الكنيسة القبطية، حيث كان مختفيا في الصحراء مطاردًا من الرومان.
وعاون المصريون عمرو في تعمير بلادهم فأصح منظومة الري التى ارتبط إصلاحها بالفترات المضيئة في تاريخ مصر وكذلك حفر قناتها.
وكان عمرو قد فكر في حفر قناة السويس بين البحرين مباشرة، بالرغم عدم علمه بفكرة الإسكندر السابقة، فأرسل بذلك إلى عمر بن الخطاب خليفة المسلمين في المدينة المنورة، لكن عمر بن الخطاب رفض الفكرة لأسباب مجهولة ربما كانت خوفًا من طغيان مياه البحر على مصر، حيث كان الظن بأن ارتفاع قاع البحر الأحمر عن الأبيض قد يؤدي إلى إغراق الأراضي المصرية وربما لخشية عمر من حاجز مائي يمنع بينه وبين عمرو الذي يتربص به الروم ولا يكفون عن مهاجمة الإسكندرية من البحر وكان قد أرسل إليه في أثناء الفتح بألا يجعل بينهما ماء.
وحفر عمرو "خليج أمير المؤمنين" في موقع قناة تراجان وكانت رحلة السفن تقطعها في 4 أيام وكانت تنقل الحبوب والثمار إلى الحجاز وعاد الرخاء لمصر مع رواج التجارة ومازال المصريون يطلقون على موضع منبع القناة إلى اليوم اسم "فم الخليج" ومازال اسم "الخليج المصري" يطلق على الشارع الذي كانت تمر به القناة بجانب اسمه الرسمي الآن "شارع بورسعيد الذي يمتد إلى مناطق شرق القاهرة".
وكانت السفن تأتى بالبضائع من البحر المتوسط، فتسلك أي من فرعي النيل "رشيد ودمياط" إلى الخليج وتسير حتى نهايته في برزخ السويس أو القلزم كما كان يسميها العرب.
وبعد انتقال الخلافة إلى العباسيين، قامت عليهم ثورة العلويين بقيادة محمد النفس الزكية وإبراهيم شقيقه في الحجاز، فأمر الخليفة أبو جعفر المنصور، بردم القناة في سنة 767 ميلادية، حتى لا تنتقل خلالها المؤن والإمدادات الحربية إلى العلويين في الحجاز وقيل لأنه أراد تحويل تجارة الهند لتتحول إلى الطرق البرية، لتمر بالبصرة ولتنشط فيها حركة التجارة.
وقد أهمل أمر جزء القناة الموصل للبحر الأحمر وبقيى الجزء المتصل بالنيل الذي اعتمدت عليه الزراعة في المناطق المار بها وكان يقام عند مجيء الفيضان إحتفال كبير على مدى العصور يوم ترتفع المياه في النيل وتكسر السد الترابي لتملأ الخليج وكان هذا الإحتفال يعرف بـ"كسر الخليج" يحضره الوالي أو الخليفة أو السلطان، حسب مسمى صاحب السلطة في القاهرة.
والملاحظ أنه مع توالي العهود ما بين الصعود والهبوط ورغم قطع القناة، احتفظت مصر بمركزها كطريق بري وبحري للتجارة العالمية وكانت رحلات السفن لا تنقطع عن مواني مصر في البحرين ولا تكف القوافل البرية عن نقل البضائع بين هذه المواني، كما نشطت الطرق للحج من شمال وغرب إفريقية عبر الصحراوات المصرية، فإما سلوك الطريق برا إلى الحجاز عبر سيناء أو بمحازاة ساحل المتوسط فإلى فلسطين والقدس لمن أراد زيارة بيت المقدس أو الإتجاه جنوبا إلى العقبة فالحجاز.
هناك أيضا الطريق الجنوبي الذي يخترق الصحراء الغربية إلى أودية جبال الصحراء الشرقية ثم ساحل البحر الأحمر لعبوره إلى الحجاز.
وظلت مصر تحمى وتحافظ على هذه الطرق، مادامت قوية مستقرة، بينما في فترات الضعف والإنحلال كانت هذه الطرق تقع تحت سيطرة قطاع الطرق من العربان والمجرمين.
ومنذ قيام أبوجفر المنصور بردم القناة عند السويس في عام 767 (وقيل في 776) لم يفكر أحد من المتعاقبين على حكم مصر منذ ولاة العباسيين والخلفاء الفاطميين وسلاطين الأيوبيين والمماليك، على تجديد القناة أو حفر أخرى جديدة، مكتفين بمرور التجارة بريا عبر المواني وتقاضي رسوم المرور (الجمارك أو المكوس).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى