قصة القناة
أغسطس 19, 2015
فلاسفة لكن لصوص.. لايبنتز يغري فرنسا بغزو مصر
لايبنتز
قبل ظهور الإنسان على الأرض وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعا للتغيرات الجيوبوجية.
في عام 1486 تمكن ملاح برتغالي يدعى بيرتلمي دياز من الوصول إلى طرف قارة إفريقيا الجنوبي وكان يسمى برأس العواصف، وبعده تمكن زميله في الملاحة والوطن فاسكو دي جاما من تجاوز رأس العواصف، ليعلن للبشر رؤية اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح البحري.
والحقيقة أن هذا الطريق كان مطروقا للملاحين العرب قبل البرتغاليين، بدليل أن البحار العربي العماني الشهير أحمد بن ماجد هو الذي اعتمد عليه دي جاما في هذا الاكتشاف، فمع السياسة الاستعمارية التى انتهجتها البرتغال، نشطت حركة التجارة البحرية مع الهند والشرق الأقصى وكان لابد من بحث عن طريق بديل عن الطرق البرية المارة بمصر تحت سيطرة المماليك أو في غرب آسيا وشرق أوروبا الواقعة تحت سيطرة العثمانيين، كذلك الطرق البحرية في المتوسط، كلها كانت خارجة عن سيطرة البرتغال، خاصة مع منافسة جمهورية البندقية ما أدى إلى تحول المنافسة البحرية إلى حربية، انتهت بانتصار البرتغال على الأسطول المملوكي بقيادة حسين الكردي في معركة "ديو البحرية" قرب سواحل الهند، لتفرض البرتغال نفسها على خطوط الملاحة في المحيط الهندي وهو المسرح الرئيسي للتجارة في جنوب وشرق آسيا.
وكان هذا الانتصار وبالا على المماليك، إذ تحولت التجارة عن مصر إلى الطريق البحري الجديد، فانهار الاقتصاد المصري وارتفعت الأسعار بجنون ووقعت اضطرابات عديدة، انتهت بسقوط دولة المماليك في سنة 1517وسقوط القاهرة تحت الاحتلال العثماني.
وقد وضع العثمانيون مصر في عزلة عن العالم ولم يهتموا بأي إصلاحات حقيقية فيها ولم يفكروا في بذل أي جهود لإعادة تفعيل طرق التجارة، أما مسألة عودة الطريق البحري بإعادة حفر القناة، فكان أبعد ما يكون عن العثمانيين الذين أهانوا المصريين وتواطؤا معهم المماليك، فأوكلوا إليهم إدارة أحوال البلاد لخبرتهم السابقة في حكم مصر وانزوت مصر كإيالة عثمانية في حال أشبه بما كانت عليه أيام الرومان، فنسيها التاريخ لمدة قاربت ثلاثة قرون في غيبة تامة عن الإسهاب بأي نصيب في مسيرة الحضارة الإنسانية، حتى جاءت حملة نابليون لتذكر التاريخ بموقع مصر في قلب العالم.
"إلى القناة من جديد"
في رسالة مشهورة له عرفت بـ"مذكرة أو مشروع لايبنتز" دعا الفيلسوف والقانوني والديبلوماسي وعالم الرياضيات الألماني جوتفريد لايبنتز، ملك فرنسا وصاحب نهضتها لويس الرابع عشر "الملك الشمس" إلى غزو مصر لأهمية موقعها بالنسبة للعالم محفزا له بأن يعيد محاولة سميه وسابقه على العرش الفرنسي لويس التاسع "الملك القديس" ذلك المحارب الأرعن المشئوم الذي غزا مصر على رأس الحملة الصليبية السابعة وتم أسره في معركة المنصورة وكررفشله الذريع في حملة على تونس أيضا".
وكان لايبنتز "1646- 1716" وهو ممن يحسبون على ما يعرف بفلاسفة التنوير، يغرى لويس الرابع عشر بالاستيلاء على مصر ليقضى على "المحمديين الكفار" ليسلك الطريق إلى القدس وبإنه سيكون أعطى القيمة كل القيمة لمقدرته المفترضة على إسعاد البشرية، حيث كتب: "إن خلاص القسم الأكبر من النوع الإنساني يرتبط الآن بالقرار الذي يمكن أن تتخذه ولكان في إمكان فرنسا أن توسع حدود إمبراطورية المخلص (السيد المسيح) من مصر حتى ديار الأمم الأكثر بعيداً فوق سطح الكرة الأرضية وليس فقط حتى حدود اليابان، بل وصولاً الى سواحل أستراليا المجهولة وعند ذلك سيعود العصر الذهبي للمسيحية مولوداً جديداً ونرى الكنيسة الأولية، كنيسة البدء تنبعث مزدهرة".
ولا يفوت لايبنيتز في هذا المجال أن يعرض على الملك أن يستعين به - من أجل المساهمة في تحقيق الأهداف السياسية التوسعية وهو واثق من أن "هذه الملكية الكونية ستجعل من فرنسا مدرسة أوروبا وأكاديمية النفوس الكبيرة وسوق المحيط والشرق المشتركة، معطية للخلف مبررات تمجيد لويس هذا بصفته "القديس لويس الثاني".
لكن لويس رفض مشروع لايبنتز، بل رفض مقابلته لمناقشة المذكرة، معتبرا أن الحروب الصليبية مرحلة انتهت من التاريخ وهذا هو ما دفع الفيلسوف "المستنير" أن يشن هجوما شرسا على لويس ويتهمه بالطمع وسياسته بالتوسعية!.
كانت هذه الرسالة التى تجاهلها لويس الرابع عشر، مقدمة مبكرة لحملة نابليون بونابرت على مصر وكان هدفها تكوين قاعدة للإمبراطورية الفرنسية في الشرق، فقد اختلف رؤية نابليون "التوسعية" عن رؤية لايبنتز "الصليبية" لكن الاتفاق بأنه لايمكن تحقيق سيادة على العالم دون الاستيلاء على مصر.
والمنافسة كانت على أشدها بين فرنسا وبريطانيا التى سادت البحار بعد أن أنهت كل سيادة لغير أسطولها على طرق التجارة البحرية العالمية، لكن مع انفتاح الطريق البحري إلى الهند وشرق آسيا عبر قناة السويس، يمكن أن تتحول موازين التجارة وموازين القوى أيضا.
وكانت زيارة السويس علة حملة نابليون وعلى أولوياته، فما أن اسستتب الأمر له في القاهرة، حتى يمم وجهه نحو الشرق ليتفحص بنفسه موضع القناة.
ولكن المهندس "جاك ماري لابير" الذي صحبه نابليون خصيصا مع بقية علماء الحملة، ذكر في تقريره بعد دراسة وافية استغرقت عاما أن هناك ارتفاعا يبلغ ثلاثين سنتيمترا لسطح البحر الأحمر فوق مياه المتوسط، فأراد لوبير أن يطرح مشروع قناة ذات تفريعات وأهوسة على مثال القنوات القديمة تبدأ من الإسكندرية وتنتهى بالسويس، لكن فيما يبدو أن زيادة تكلفة الحفر مع ما كان من اضطرابات سادت الثلاث سنوات التى استغرقتها الحملة على مصر، سببا في إلغاء فكرة حفر القناة.
لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :