الهكسوس
قبل ظهور الإنسان وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعًا للتغيرات الجيولوجية.
اتخذ الغزاة الهكسوس "أواريس" في شرق الدلتا عاصمة لملكهم "مكانها الآن منطقة تل الضبعة"، وقد سادوا منها مصر ماعدا الجنوب الذي ظل بعيدا عن قبضتهم، وإن لم يخل الأمر من استفزاز ومحاولة إذلال لأمراء طيبة.
وفي قصة أفراس البحر التى تزعج أصواتها في طيبة التى تقع أقصى الجنوب، منام ملك الهكسوس في شرق الدلتا في أواريس، دلالة على ذلك.
ولا يعرف إن كان هذا الاستفزاز، كان محاولة منهم لبسط نفوذهم على أمراء طيبة لاسيما وأن الهكسوس كانوا أقوياء ولهم مراكز نفوذ في الجنوب نفسه، فضلا عن كل الجهات أوأن هذا الاستفزاز كان على سبيل الاستهزاء بحاكم طيبة "سقنن رع".
ورد سقنن رع الذي في رسالة أورد الدكتور سليم حسن ترجمتها إلى العربية في الجزء الأول من كتابه "الأدب المصري القديم"، رغم ما بدا منه من شبهة خنوع، إلا أن هذا الحادث كان مقدمة حروب طاحنة دفع فيها الملك المصري العظيم "سقنن رع" حياته شهيدا كما يبدو من أثر ضربة بلطة في جمجمته بعد العثور على موميائه، وانتهت الحروب بكسح الهكسوس من مصر، مخلفين ورائهم سيرة نكراء مازالت آثارها في الذاكرة المصرية تتردد حتى اليوم في السخرية اللاذعة من أي فعل همجي ووصمه بالهكسوس.
فالهكسوس لم يكسبوا حب المصريين وتكبروا عليهم وسخروا منهم وهم على قوتهم التى مكنت لهم من حكم مصر، إلا أنهم لم يتمكنوا من الإسهام في الحضارة الإنسانية عامة ولا المصرية خاصة، بأي نصيب قل أم كثر.
ولم يتركوا آثارا ذات قيمة كبيرة من أي نوع، باستثناء بعض التماثيل والألواح الحجرية والأواني هنا أو هناك، فلم يتركوا سيرة لهم عن أي نظام اجتماعي أو قانوني أو ثقافي يذكر.
ورغم أن بعض الدارسين يرون أن الشعوب التى ينتمى لها الهكسوس، بدأت في التسلل لاستيطان شرق الدلتا كمهاجرين للاستقرار في عهد الأسرة الثانية عشرة، إلا أن الهكسوس لم يندمجوا في الشعب المصري وإن عبدوا آلهتهم وتزيوا بأزيائهم، فكرهوا المصريين وكرههم المصريون، حتى الذين خضعوا لهم واعترفوا بسلطانهم.
لم يفكر الهكسوس ولا شرعوا في عمل أي أثر تايخي وطوال حكمهم لم تشهد مصر نهضة في أي مجال، بل حتى امتداد حكم الهكسوس في فلسطين وما بعدها، لم يكن قويا ولم تزدهر التجارة في عهدهم ولم يهتموا بطرقها لا برا ولا بحرا ولذلك عندما طردهم أحمس وتعقبهم، استطاع أن يستأصل شأفتهم تماما، فاختفوا من التاريخ ومن الجغرافيا، فهم كما وصف حالهم السندباد المصري الدكتور حسين فوزي في كتابه "حكايات السندباد القديم" بأنهم شعب ظهر فجاة واختفى فجأة.
فلقد كان مركز الهكسوس في شرق مصر واتصل ملكهم بأرض آسيا - حيث أصولهم - عبر سيناء ومع ذلك لم تزدهر التجارة كما أسلفنا.
وطرق المواصلات البرية والبحرية لا تقوم بوظيفتها إلا تحت نظام تأمينى بالغ القوة، حتى لا تكون هدفا لهجمات اللصوص، وقد انتهى ذكر قناة سنوسرت بعد نهاية عهد أسرته وخلال الفترة البينية الثانية التى تفككت فيها أوصال الوطن وتحت حكم أسرتين ضعيفتين تخللتا الفترة ما بين الملكة سوبك نفرو "آخر سلالة الأسرة الثانية عشرة" سادت الفوضى البلاد ولم يستطع حكام الأسرتين الثالثة عشر والرابعة عشر، أن يلملموا شتاتها، بل ربما كانوا هم بضعفهم وصراعاتهم وتفككهم في الأقاليم المصرية، من مظاهر هذه الفوضى السائدة عاملا قويا لتمكن الهكسوس من السيطرة على مقاليد الأمور في مصر وصارت طرق الملاحة بين البحرين الأحمر والأبيض والانتقال بينهما، تحت سلطان الهكسوس وتوقف سلطان مصر على البر والبحر.
وهؤلاء الغزاة وإن وشى التاريخ بقوتهم العسكرية، إلا أن هذه القوة كانت فقط بسبب ضعف المصريين وتشرذمهم آنذاك، فلم تكن مملكة الهكسوس مملكة قوية ولا أحدثت نهضة لا لهم ولا لغيرهم ولذلك كان اندثارهم أمرا ميسورا وجودا وتاريخا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى