كان المبلغ ضخما لدرجة أنه صعق وسائل الإعلام العالمية، وأثار دهشة رجال الاقتصاد، كان المبلغ ضخما لدرجة أنه صدم أهل مصر المحروسة الذين اكتشفوا فجأة أن الرئيس الذى حكمهم لمدة 30 عاما، ظل يشكو خلالها من قلة الموارد وقلة الدخل، يكنز فى خزائن البنوك حوالى 70 مليار دولار أو 40 مليار دولار على أقل تقدير.
ألقت وسائل الإعلام العالمية بالقنبلة، وأعلنت عن ثروة الرئيس السابق مستخدمة بعض الوثائق والسندات المالية، وتركت الشعب المصرى يغلى من الغيظ والغضب على خيرات الوطن المنهوبة والمسلوبة، وارتفع شعار آخر، هو: الشعب يريد استعادة أمواله من الرئيس المخلوع، ولكن أين تلك الأموال؟ أين وضع الرئيس السابق تلك المليارات المنهوبة؟ هل وضعها فى خزائن تحت الأرض، أم فى بنوك سويسرا كما جرت العادة؟ أم أنه حولها إلى سبائك ذهب ويورانيوم وقطع من الأحجار القديمة؟ وهل تلاعب الرئيس بالحسابات البنيكة، واستخدم أسماء أولاده وأحفاده أو بعض أصدقائه وشركائه لإخفاء مليارات أخرى غير المعلن عنها؟.. كل هذه الأسئلة دارت فى الشارع المصرى، وأثارتها وسائل الإعلام العالمية باهتمام شديد مدعم بالوثائق أحيانا، ومعتمد على أرقام ونسب تم التنبؤ بها فى أغلب الوقت، وفى الوقت الذى تكفلت فيه بعض الدوائر الاقتصادية الكبرى فى العالم بحساب وتقدير حجم ثروة مبارك وعائلته وتقسيمها مابين أموال سائلة وعقارات، كان الناس فى مصر يبحثون عن الطرق التى يمكن من خلالها استعادة تلك المليارات المنهوبة، وأين توجد وهل توجد فى بنوك ودول يمكن أن تستجيب لطلبات استرجاع أموال هذا الوطن؟!
«اليوم السابع» جمعت تلك القائمة التى يسعى خلفها المصريون، قائمة ليست طويلة بأشهر وأهم البنوك فى العالم التى يختزن فيها الرئيس وعائلته المليارات المنهوبة، واكتشفت مفاجأة صادمة ومدهشة فى نفس الوقت، وهى تسعى خلف تلك القائمة، مفاجأة من النوع الذى يؤكد أن حجم ثروة عائلة مبارك، قد يتجاوز كثيرا ما تحدثت عنه وسائل الإعلام، والمفاجأة هنا كشفتها 7 وثائق من بنوك ومؤسسات مالية بريطانية وسويسرية، تؤكد أن الرئيس المصرى السابق قام بنفسه بتحويل مبلغ مالى يقدر بـ620 مليون دولار من حساب بريطانى إلى حساب سويسرى.
المستندات التى حصلت عليها «اليوم السابع»، ترصد بالتفصيل حركة سير هذه الثروة، وتنقلها من بنك إلى آخر، ومن اسم الرئيس السابق إلى أسماء أخرى، بشكل يكشف حالة الحذر والسرية التى كان الرئيس يتعمد استخدامهما للتغطية على حجم ثروته الحقيقى، كما تكشف أيضا عن الوسائل التى كان النظام يُهرب بها أمواله فى بنوك بالخارج، وتفجر مفاجأة أخرى، وهى أن بنوك سويسرا لم تكن القبلة الوحيدة للنظام المصرى، وإنما هناك بنوك فى دول أوروبية وعربية أخرى بجانب ثروات عقارية ومشاريع استثمارية.
المستند الأول، عبارة عن إيصال حفظ سندات صادر فى 17 ديسمبر 2009، لمجموعة كاليدونيا المصرفية، يكشف نصا: «نحن الموقعون أدناه كمسؤولين مفوضين بمصرف كاليدونيا، نؤكد مسؤولية البنك الكاملة فى حفظ السندات بقيمة اسمية 620 مليون دولار فى مكان آمن، وهذه شهادة الإيداع التى يصدرها بنك بركليز بموجب شهادة ضمان، والمستفيد «إيكو تريد إيه جى» وعنوانه 17 نوليسويد 9050 ابيرزيل - سويسرا».
المستند الثانى يزيح الستار، ويشرح المستند الأول، حيث يكشف أن محمد حسنى مبارك هو صاحب السندات ببنوك باركليز، والذى يقر: بصفتى المالك أنقل كل حقوق وفوائد الوديعة التى قيمتها 620 مليون دولار ببنك باركليز الدولى إلى السيد «بيتر سكويرس» الذى يحمل جواز سفر رقم 80117d 699 وعنوانه «كيس هاوس، نورتن هارتفيلد، ورسيستر- إنجلترا»، ويذكر مبارك فى المستند، أن المبلغ 620 مليون دولار نقله إلى السيد «بيتر سكويرس» بكامل إرادته وبشكل قانونى، والمستند محرر بتاريخ 17 ديسمبر 2009.
المستند الثالث يوضح قيام السيد «بيتر سكويرز» بنقل ملكية الرصيد المذكور أعلاه إلى «إيكو تريد إيه جى» بسويسرا، بشكل قانونى، ووفقا لعقد موقع، والذى بموجبه يمنح «إيكو تريد إيه جى» الحق وبشكل انفرادى الاستحواذ على هذا الرصيد.
المستند الرابع عبارة عن وثيقة ضمان الحقوق وفقا لميثاق بنك باركليز، وموقعة من حسنى مبارك بخصوص نفس الإيداع، أما المستند الخامس عبارة عن إذون خزانة.
المستند السادس عبارة عن إذون خزانة بنك باركليز، البنك التجارى الدولى بانجلترا، حيث يكشف عن استثمار بقيمة 7 مليارات و450 مليون دولار، وهى عبارة عن وثيقة حماية لحقوق خاصة بالمستثمرين من المواطنين الأصليين والأجانب، ممن يستثمرون أموالهم فى المؤسسات الخاصة والعامة فى لندن، والحفاظ على سريتهم، المستند السابع وهو المستند الذى يكشف إيداع «حسنى مبارك» بلاتين فى بنك سويسرا المتحد، بقيمة 10 مليارات دولار.
وحول هذه المستندات يقول الدكتور محمد محسوب أمين عام المجموعة القانونية لاسترداد ثروة مصر، وهى المجموعة التى تشكلت لاستعادة ثروة مصر بالداخل والخارج : أجرينا اتصالات بمحامين فى سويسرا وإنجلترا لمساعدتنا، وبالفعل تمكن هؤلاء المحامون من الحصول على هذه الوثائق، بجانب وثائق أخرى تكشف ثروات لأشخاص، وأضاف الدكتور محسوب بأن لديهم وثيقتين تكشفان جزءا مهما عن ثروة مبارك، من سبائك بلاتين، أو مبالغ مالية ضخمة، وأن المجموعة التى تضم عددا كبيرا من خيرة القانونيين فى مصر، تسعى بقوة لاسترداد ثروات مصر التى نُهبت طوال 30 عاما كاملة.
مكونات ثروة عائلة مبارك وأماكن تواجدها
الوثائق السبعة تعود بنا كما قلنا سابقا إلى تلك القيمة الرهيبة التى أعلنتها صحيفة الجارديان لثروة الرئيس السابق وعائلته، حينما أشارت إلى أنها تقدر بحوالى 70 مليار دولار، وهذه الأموال- حسب تقارير للجارديان البريطانية، وتقارير هيئات النزاهة والشفافية الدولية- موزعة بين عدد من البنوك السويسرية، والبريطانية، والأمريكية، والآخرى فى ملكية عقارات فى لندن، ونيويورك، ولوس أنجلوس، ومنتجعات فى شرم الشيخ، والغردقة، وأسهم فى بورصات لندن وأمريكا والخليج وبعض بورصات آسيا.. ويبدو حصرها صعبا فى ظل توزعها بين أموال سائلة وإيداعات وسبائك ومشروعات عقارية وقصور وعمارات فى مدن أمريكا وبريطانيا.
وحسب بلاغ لـ37 شخصية مصرية، فإن لدى مبارك أصولاً فى مانهاتن وبيفرلى هيلز، وأن ولديه علاء وجمال يملكان أصولاً بمليارات الدولارات. وأشاروا إلى ماقاله كريستوفر ديفيدسون، خبير الشرق الأوسط فى جامعة دورهام، إن مبارك وزوجته سوزان وولديه جمعوا الثروة، عبر عدد من مشاريع مشتركة مع مستثمرين أجانب وشركات، وإن مبارك كان يستفيد من صفقات البترول والسلاح، ويدخل أفراد أسرته شركاء فى بعض الشركات التى كانت تبدو فوق المساءلة القانونية أو الشعبية.
وقدرت مصادر اقتصادية ومالية ثروة جمال مبارك وحده بنحو 17 مليار دولار، موزعة على عدة مؤسسات مصرفية فى سويسرا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا، وإنه يملك حسابا جاريا سريا ببنك «يو بى إس» السويسرى وحسابا آخر ببنك «آى سى إم»، وتتوزع ثروته عبر صناديق استثمارية عديدة فى أمريكا وبريطانيا، ومنها مؤسسة «بريستول آند ويست» العقارية البريطانية، ومؤسسة «فاينانشال داتا سيرفس»، التى تدير صناديق الاستثمار المشترك.
كما أن سوزان مبارك تراوحت ثروتها الشخصية بين 3 و5 مليارات دولار تحتفظ بأغلبها فى بنوك أمريكية، وعقارات فى عدة عواصم أوروبية مثل لندن وفرانكفورت ومدريد وباريس ودبى، حصّلتها من التدخلات الشخصية لصالح مستثمرين ورجال أعمال.
وتقدر ثروة علاء مبارك داخل وخارج مصر بـ8 مليارات دولار، منها ممتلكات عقارية فى كل من لوس أنجلوس وواشنطن ونيويورك، حيث يمتلك عقارات تعدت قيمتها 2 مليار دولار فى شارع روديو درايف، أحد أرقى شوارع العالم، وفى منهاتن بنيويورك، وطائرتين شخصيتين ويختا ملكيا تفوق قيمته 70 مليون دولار.
أما ثروة مبارك الأب فقدرت عام 2001 بحوالى 10 مليارات دولار، أغلبها أموال سائلة فى بنوك أمريكية وسويسرية وبريطانية مثل بنك سكوتلاند الإنجليزى، وكريديت سويس السويسرى، و«سويس» و«يو بى أس» بسويسرا، وبنك «أسكتلندا» البريطانى التابعين لمجموعة لويدز المصرفية، وتكونت هذه الأموال حسب الجارديان من فرض شراكة جبرية على الشركات المحلية والأجنبية.
وقالت مصادر إن مبارك كان يحصل على مئات الملايين من الدولارات من صفقات استثمارية، ومعظم تلك الأرباح كانت تحول إلى حسابات سرية فى بنوك، أو يتم استثمارها فى أصول وفنادق. وكانوا يسمحون بإقامة شركات تمثل ستارا يكون فيه المستثمر شريكا بالنصف، بينما يذهب نصف الأرباح إلى حسابات مبارك وعائلته فى الخارج.
وأشارت الجارديان إلى سلسلة من الشركات الغربية المهمة التى دخلت فى شراكة مع عائلة الرئيس مبارك، والتى تحقق مكاسب تقدر بنحو 15 مليون دولار سنوياً. كما أن فنادق وأراضى فى مدينة شرم الشيخ السياحية المملوكة لآل مبارك تعتبر أحد مصادر ثروة العائلة.
و قالت صحيفة «صنداى تليجراف» البريطانية إن مرتب مبارك كرئيس يبلغ 808 دولارات فقط شهريًا خلال عامى 2007 و2008 ولا يمكن أن يكون هذه الثروة. وأشارت إلى أنه كونها من تعاقدات عسكرية، وأن أبناءه كانوا يحصلون على نسب ضخمة من المشروعات الاستثمارية فى مقابل منح أصحاب هذه المشروعات احتكارا فى السوق، وبعضها من الفساد الحكومى وبيع الشركات المملوكة للدولة وأراضيها.
وحسب تقدير الخبير الاقتصادى الدكتور أحمد النجار، فإن جزءا كبيرا من ثروة عائلة مبارك، تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة. وبدأت بشراء ديون مصر، ثم شراء الأراضى والتوسط فى برنامج الخصخصة. كما أن جمال ورجاله اشتروا الأراضى بأثمان رخيصة، ومنها أراضى الإسماعيلية، التى تحولت إلى منطقة اقتصادية مهمة، وارتفعت أسعارها وتضاعفت عشرات المرات.
ثروة جمال مبارك جمعت من خلال شراء سندات من ديون مصر فى الثمانينيات من القرن العشرين. وقدمها مبارك على أنها تضحية للوطن، وكانت ديون مصر تباع آنذاك فى الأسواق الدولية بـ35% من قيمتها، واشترى جمال مبارك القيم المالية، وكان متأكدا من الحصول على 100% من الحكومة، مستغلا نفوذ والده.
وبعد أن ترك جمال وظيفته كمدير تنفيذى فى بنك أوف أميركا بلندن منتصف التسعينيات، انخرط فى علاقة عمل مع البنوك المصرية. وأصبح يملك جمال حصة كبيرة فى أسهم الشركات العاملة فى قطاعات الاقتصاد، من البترول إلى الزراعة إلى السياحة وحتى الإعلام.
بعض الأسهم المالية لجمال مبارك جاءت من خلال علاقاته مع المجموعة المالية «إى إف جى هيرمس» أكبر مصرف استثمارى فى مصر. والتى اعلنت فى بيان لها موقفه المالى لعام 2010: إن رأسمالها 8 مليارات دولار.
واستحوذت شركات هيرمس على صفقات الخصخصة، وشراء الشركات والمصانع الحكومية التى تم بيعها ضمن برنامج الخصخصة المصرى الذى يعتقد أنه وظف لمصلحة رجال الأعمال المتنفذين.
تعود علاقة جمال بهيرمس إلى منتصف التسعينيات بعد مغادرته لبنك أوف أميركا فى بريطانيا وعودته إلى مصر، وتأسيسه شركة ميد إنفيست المملوكة لصندوق دولى للأوراق المالية فى قبرص هوشركة بوليون المحدودة. هيرمس قالت إن جمال مبارك يملك نصف شركة بوليون، ومعه شقيقه علاء.
وتمتلك بوليون 35% من الأسهم المالية الخاصة التى تصل قيمتها إلى 919 مليون دولار تحت إدارتها، طبقا للرئيس التنفيذى لهيرمس حسن هيكل. ويستثمر الصندوق فى أسهم النفط والغاز والصلب والأسمنت والمواد الغذائية والماشية.
الأسبوع الماضى فشلت أسرة الرئيس السابق فى بيع أملاكها فى منتجع الجولف بمدينة شرم الشيخ. وانكشف الأمر عندما اصطحب أحد المسؤولين الكبار بمحافظة جنوب سيناء معه رجل أعمال إيطالى من شرم الشيخ، وذهب لتوثيق عقد بيع 53% من المنتجع الذى تملكه أسرة مبارك، لكن موظفى الشهر العقارى بجنوب سيناء رفضوا، لأن القانون يقضى بعدم بيع أكثر من 49% من المشروعات للأجانب. وكشف فشل الصفقة جزءا من ثروة عائلة مبارك العقارية فى شرم الشيخ. وهناك تقارير عن منتجعات أخرى فى شرم الشيخ والغردقة بل إن هناك أنباء ترددت قبل سنوات عن شراكة مجهولة مع بعض رجال المافيا الإيطالية فى مشروعات سياحية قرى ومنتجعات لم تكن تحقق أرباحا، وتردد أنها كانت واجهات لغسل وتحويل الأموال للخارج، بما قد يعنى وجود شراكة بين مسؤولين مصريين وأعضاء المافيا الإيطالية وهو مايفسر تجميد قانون مكافحة غسيل الأموال.
فيما قد يشير إلى أن بعض المشروعات الواجهات كانت تعمل فى عمليات نقل الأموال، وأن بعض رجال الأعمال كانوا بمثابة ستار، وأن مبارك كان يضمن تدفق الملايين إلى حساباته فى الخارج من خلال هؤلاء.
وتتردد أسماء لرجال أعمال كانوا على علاقة بمبارك، وكانت لهم أنشطتهم التى فوق المساءلة، ومنهم حسين سالم أكبر رجل أعمال فى بطانة مبارك، وجمع بينهما تحالف السلطة والثروة طوال 30 عاماً. ويبدو أن حسين سالم كان شريكا فى صفقات مبارك، وكان أيضا ستارا والدليل أن أحدا لم يمس حسين سالم الذى ورد اسمه فى تصدير الغاز لإسرائيل فهو يملك حوالى 65% من أسهم شركة «EMG» المسؤولة عن تصدير الغاز، بينما يملك رجل الأعمال الإسرائيلى يوشى ميمان 25% منها، ويتبقى نسبة 10% مملوكة للحكومة، وورد اسم حسين سالم فى صفقات السلاح، وكان المستفيد الأول من الاتفاق السرى لتصدير الغاز إلى إسرائيل. الذى يبدو أنه كان جزءا من عمليات نقل الأموال للخارج لصالح مبارك، وطبعا لصالح حسين سالم نفسه الذى كان يسيطر على السياحة فى شرم الشيخ وخليج نعمة، ويمتلك منتجع «موفنبيك جولى فيل»، وسلسلة فنادق بالأقصر، وشركة مياه فى جنوب سيناء، فضلاً عن استثمارات فى الساحل الشمالى. وهو الذى أقام قصرا كبيرا بديلاً عن قصر المنتزه فى الاسكندرية، وأهداه إلى مبارك. فهل كان القصر جزءا من حقوق مبارك المعروفة فى شركات سالم؟.
وكان حسين سالم أعلن أنه تم تكليفه بإنشاء الشركة تحت إشراف الأجهزة الأمنية وفى إطار موافقة مجلس الوزراء، لكن لم يفصح أحد عن الذى كلفه بإنشاء تلك الشركة، ويتردد أنها غطاء لأعماله ولنقل الأموال للخارج بواسطة الشركاء الإسرائيليين.
وكان حسين قد اعترف عام 1983 بأنه مذنب فى استغلال علاقته بالرئيس، لربح صفقة لشحن معدات عسكرية من البنتاجون إلى مصر بقيمة 8 ملايين دولار. وعلى الرغم من إدانته، فإن أعماله ازدهرت فى عهد مبارك، كما أنه يدير أحد أكثر الأعمال نجاحا.
ومن رجال الأعمال الذين يحتمل أن يكونوا شركاء لمبارك، يأتى اسم إبراهيم كامل، عضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى، وأحد الموالين لمبارك، وأحد الذين ساندوا مشروع جمال مبارك للتوريث، ومن تتبع أوراق التحالف، نكتشف أنه كان شريكا اقتصاديا أيضا. وكان يعلن تحديه العلنى لإقامة المحطة النووية فى الضبعة، وبدا أنه يتحدى مبارك شخصيا، لكن بدا أن الأمر كان توزيع أدوار لأحد الشركاء الاقتصاديين أوالذى كان يحظى بحماية من أى اقتراب.
إبراهيم أبوالعيون أحمد الكامل، صاحب شركة أكاتو أروماتيك جروب، وهى شركة مساهمة، مقرها فى مصر وفرنسا وألبانيا وروسيا وأوغندا، وهو أيضا رئيس البنك المصرى البريطانى، وصاحب شركات عقارية وصناعية وسياحية للبناء والتمويل، ويملك شركة اسيروكوب العالمية للطيران، وهو صاحب أول شركة مصرية لصناعة طائرات الركاب ويحتفظ إلى جانب ذلك بمنصب رئيس المجلس المصرى الأمريكى لرجال الأعمال، وهو أيضا نائب رئيس بنك هونج كونج. فهل كان إبراهيم كامل واجهة لأعمال عائلة مبارك؟ خاصة أن كامل له علاقات متشعبة مع روسيا وأفريقيا.
وتشير بعض المصادر إلى أن التحويلات كانت تتم عن طريق شركات رجال الأعمال المحميين، وكان هؤلاء محل ثقة، بحيث لا يمكنهم التلاعب، خاصة مع تحرير أوراق قانونية عن طريق كبار دور المحاماة فى أوروبا تضمن لعائلة مبارك حقهم فى الأموال التى يتم تحويلها إلى بنوك أوروبا وأمريكا وتقدر بعض المصادر عدد رجال الأعمال والسياسيين الذين خدموا مع مبارك أو كانوا ضمن تحالف السلطة والثروة بحوالى 120 شخصية كان بعضهم يعمل ضمن مشروعات الستارالرئاسى ويحولون للرئيس ولأنفسهم.
ولم يكن مبارك وحده وعائلته هم من ينزحون المليارات يوميا، لكن بالطبع كان فريق المافيا المحيط بالعائلة من السياسيين ورجال أعمال السلطة شركاء فى عملية النزح عبر شركات معلنة ومشروعات سياحية وصناعية بما يشبه المافيا.
كان الحديث عن الأموال العربية المهربة للخارج معروفا طوال العقود الماضية ومنذ السبعينيات، وقدرت الأموال العربية فى الخارج عام 2003 بحوالى 200 مليار دولار، لكن الأرقام الحالية تصل بها إلى 3 تريليونات دولار، وأحيانا تقفز بالرقم إلى 4 تريليونات، بما يعنى أن عمليات النزح استمرت بشكل يومى. وإذا كان الرئيس مبارك تولى الحكم 30 عاما فإن منها أكثر من 20 عاما شهدت عمليات نقل الثروات للخارج إلى بنوك سويسرا ولندن والولايات المتحدة، فضلا عن دول آسيوية وخليجية.
ثروة آل مبارك، تم توزيعها بين إيداعات مالية، لكن الأخطر هو إدخالها فى مشروعات عقارية مختلفة مثل القصور والفيلات التى كانت تشترى بأسمائهم أو أسماء معاونيهم وذكرت «واشنطن بوست» الأمريكية أن جزءا من هذه الثروة تم تجميدها فى عقارات يمتلكها مبارك وأبناؤه فى مصر ولندن ولوس أنجلوس ونيويورك. وقالت إن جمال يمتلك منزلاً بأحد الأحياء الفاخرة بلندن، حيث تبلغ قيمة المنازل هناك نحو 20 مليون دولار، أما عن بقية الثروة، فقالت إن أسرة الرئيس المخلوع تملك مليارات من الدولارات مخبأة ببنوك أجنبية وحسابات خارج البلاد.
ونشرت الصحف البريطانية تقارير عن امتلاك جمال مبارك قصورا فى لندن منها قصر سرّب جمال أنه باعه، لكن دوائر التسجيل العقارى فى لندن أكدت أن سجلات المنزل لم يجر عليها أى تغيير، فضلا عن مشروعات سياحية وعقارية ضمن مشروعات حسين سالم وعز وأبو العينين، ومنها المنتجع الذى تسربت أخبار فشل صفقة بيعه الأسبوع الماضى.
ورجح مراقبون أنها ربما فى شكل عقارات أو يخوت، مضيفاً: «أرصدة مبارك على الأرجح فى مناطق تزورها عائلته، وتشعر فيها بالارتياح مثل لندن على سبيل المثال أو سنغافورة أو دبى، وربما يمتلك عقارات فى الولايات المتحدة وسويسرا».
وقالت مصادر اقتصادية إن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وسويسرا هى الدول الثلاث الرئيسية المعروفة بغسل الأموال، فضلا عن الملاذات السرية، مثل جيرسى أو جزر كايما فى الكاريبى. وتتركز غالبيتها فى أرصدة فى بنوك بريطانية وسويسرية وعقارات فى لندن ونيويورك ولوس أنجليس، فضلاً عن امتلاكها مساحات راقية واسعة فى مدينة شرم الشيخ على شواطئ البحر الأحمر, وترجح مصادر اقتصادية أن مبارك وعائلته كانوا يديرون أموالهم من خلال حسابات بنكية فى سويسرا تتوزع بين أربعة بنوك، وبعض هذه الحسابات كان بكود شخصى لأسمائهم وبعضها بأسماء الحلفاء والمعاونين.
وقالت الجارديان «إن معظم هذه الأموال كانت ترسل إلى خارج مصر، وتودع فى حسابات بنكية سرية، ويتم استثمارها لاحقاً فى شراء بيوت وفنادق راقية». وقالت إن لمبارك أملاكاً فى مانهاتن وبيفرلى هيلز ووصفت جمال وعلاء مبارك أنهما من أصحاب المليارات.
وقالت أمانى جمال، أستاذ العلوم السياسة فى جامعة برنستون الأمريكية، فى مداخلة مع تليفزيون «إيه بى سى» الأمريكى «إن مبارك استغل الموارد العامة للبلاد لتحقيق مكاسب شخصية».
ويقول كريستوفر دافيتسون، خبير الشرق الأوسط فى جامعة دورهام «إن معظم الدول الخليجية تطلب من المستثمرين الأجانب منح الشريك المحلى نسبة 51% من الأسهم للبدء فى المشروع. وفى مصر فإن هذا الرقم وصل إلى 20%، وهذه النسبة تعطى السياسيين والحلفاء المقربين مصدراً ضخماً للأرباح، دون أى مصاريف أولية مع مخاطر قليلة.
لماذا يفضل الأثرياء بنوك سويسرا
الحديث عن ثروة عائلة مبارك المهولة ينقلنا إلى حيث توجد فكرة الخزائن السرية أو البنوك السرية فى دولة سويسرا التى تشتهر فى الشارع المصرى والعربى عموما، أنها مستقر أموال الوطن المنهوبة، وملجأ رجال الأعمال والسلطة الفاسدين، لما توفره بنوكها من حماية وسرية للأموال الهاربة من الوطن، والنظر إلى حجم الودائع والثروات الإجمالية التى تحتضنها البنوك السويسرية فى الحسابات أوصناديق الاستثمار وصناديق تستثمر لحساب دول وحكومات، يصيبك بالخضة أو الدهشة حيث يبلغ إجمالى الرقم حوالى 4.3 تريليون دولار، حسب ما أكدت أحدث بيانات البنك المركزى السويسرى، ثلثاها تقريبا ودائع ومدخرات أجنبية من بينها ثروات لمسؤولين ورجال أعمال مصريين، تقدر وفقا لما يتردد حاليا بين 200 و207 مليارات دولار، أشهرها- كما ذكرت تلك التقارير- أفراد عائلة مبارك وأصدقاؤه المقربون وأصهاره مثل حسين سالم، ومجدى راسخ، وعائلة الجمال، وعدد كبير من رجال السلطة السابقين والحاليين ورجال الأعمال الذين عملوا فى السياسة مؤخرا.
ويقبل الرؤساء والمسؤولون ورجال الأعمال على إيداع أموالهم وثرواتهم فى المصارف السويسرية بفضل مبدأ حماية وصيانة سرية حسابات العملاء الذى ينظمه قانون البنوك الذى صدر عام 1934، وهو سبب استقطاب أوعية تلك البنوك الإدخارية، لثروات وأموال العالم،، وعلى الرغم من ذلك لا تعد سرية حسابات العملاء والمودعين، مطلقة ومن الممكن بناء على حكم قضائى، رفع هذه السرية.
ويبلغ عدد البنوك السويسرية المرخصة 327 بنكاً لتقديم الخدمات المصرفية العادية، تحت رقابة «هيئة الرقابة السويسرية على أسواق المال والنقد» ويعتبر بنكا «يو بى إس» و«كريدى سويس»، أكبر بنكين فى سويسرا، ويستحوذان على نحو 50% من إجمالى الودائع وأحدهما يتردد أنه يحتوى على أموال الرئيس السابق حسنى مبارك.
ووفقا لقانون صدر مؤخرا فى الاتحاد الأوروبى يتم تجميد حسابات أى زعيم سابق أو مسؤول أو رجل أعمال يشتبه فى أنها متحصلة من مصادر أعمال ناتجة عن فساد أو غسيل أموال أو تمويل أنشطة إرهابية.
وتكشف مؤسسة النزاهة المالية الدولية، فى تقرير حديث لها بعنوان «التدفقات المالية غير المشروعة من الدول النامية» عن أن حجم تدفقات الأموال غير المشروعة والفساد الحكومى فى مصر بلغ 57 مليار دولار، ما يعادل 336,3 مليار جنيه خلال الفترة بين عامى 2000 و2008، واحتلت مصر المرتبة 21 من أصل 126 دولة.
وذكر التقرير أن حجم التدفقات المالية غير المشروعة للخارج بلغ خلال سنوات 2006 و2007 و2008، 13 و13.6 و7.4 مليار دولار على التوالى.
ويأتى تصنيف مصر كأول مصدر للأموال غير المشروعة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد 4 دول خليجية نفطية هى السعودية، والإمارات والكويت، وقطر، واحتلت الصين رأس القائمة بــ241.777 مليار دولار سنويا، تودع فى بنوك سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
ورصد التقرير، الذى جاء فى 78 صفحة، إجمالى هذه الأموال بحجم 1.26 تريليون دولار عالمياً، ويعتمد التقرير على بيانات من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وأرجعت المصادر التحويلات غير المشروعة إلى حالة عدم الاستقرار السياسى، وحوكمة الشركات والشفافية فى المعاملات المالية، والرشاوى والتلاعب بالأسعار، والتهرب من الضرائب والتهريب وتداول العقارات والأسهم بدون غطاء مالى.
بعد ساعتين فقط من قرار الرئيس حسنى مبارك بالتنحى، يوم 11 فبراير، جاء قرار الحكومة السويسرية بتجميد الأصول والأموال الخاصة به وبحاشيته؟
تحتوى البنوك السويسرية على أرصدة وودائع وصناديق استثمار تقدر نسبتها بـــ 27% من إجمالى ثروات العالم، وذكر موقع حكومى سويسرى على شبكة الإنترنت أن السلطات السويسرية المسؤولة أعادت ما قيمته 1.7 مليار فرنك سويسرى، ما يعادل 1.8 مليار دولار، من ثروات رؤساء دول سابقين أطاحت بهم شعوبهم.
خلال الــ20 عاما الماضية، تمت إعادة ثروات وأموال من البنوك السويسرية، منها 700 مليون دولار للجنرال سانى أباتشا، رئيس نيجيريا الأسبق، فى الفترة من 1993 إلى 1998، و683 مليون دولار من رئيس الفلبين الأسبق فردناند ماركوس، و93 مليون دولار، من أرصدة فلاديميرو مونتسينو، رئيس بيرو الأسبق.
ووفقا لمسؤول حكومى سويسرى، فإن الحكومة السويسرية تنتظر حاليا، بيانات ومعلومات مصرفية من البنوك والمؤسسات المالية السويسرية عن الحسابات المصرفية الخاصة بالرئيس السابق حسنى مبارك، ومجموعة من رجال الأعمال المسؤولين الحكوميين المصريين السابقين.
ووفقا لستيفن بيندر، المدير الإدارى، لمؤسسة أبحاث «ماى بريفت بنانكينج» السويسرية، فإن ثلث إجمالى الثروات الخاصة بالنخب الموجودة بالشرق الأوسط وأفريقيا، والبالغة إجمالاً 1.5 تريليون دولار، توجد فى سويسرا، منها 225 مليار دولار متحصلة بطرق غير قانونية، موزعة على الدول الغربية إجمالا.
يقول مسؤول مصرفى مصرى كبير، رفض نشر اسمه، إن عمليات تحويل الأموال والثروات الخاصة برجال أعمال ومسؤولين حاليين وسابقين مصريين، من البنوك المحلية المصرية أو فروع البنوك الأجنبية، العاملة فى السوق المصرفى المصرى، فى نفس معدلاتها السابقة قبل ثروة 25 يناير، مؤكدا أن أصول الثروات المتحصلة من أنشطة تجارية أو أية أنشطة أخرى، تتواجد خارج مصر فى البنوك السويسرية.
ويرجع محمد عشماوى، رئيس مجلس إدارة المصرف المتحد، الإقبال على إيداع الأموال والثروات فى حسابات بنكية وصناديق استثمار بالبنوك السويسرية إلى خصوصية الحالة السياسية والاقتصادية، التى تتمتع بها سويسرا.
ويعتبر رئيس المصرف المتحد، معدل الفائدة التى تمنحه البنوك السويسرية على الودائع والمدخرات من أقل معدلات الفائدة التى تمنحها البنوك فى العالم، ويبلغ 0.25%.
ويوضح عشماوى أن مصدر الحصول على الأموال بالطرق المشروعة هو القرار الذى يؤثر على إيداع أى فرد لأمواله فى البنوك السويسرية من عدمه وبالتالى، لن يؤثر إقرار القانون الجديد بشأن تجميد البنوك السويسرية لأية أرصدة فى حسابات مصرفية، ناتجة عن أعمال مشبوهة ونشاطات غسيل الأموال، وبشكل لا يؤثر على حرية حركة هذه الأموال بين الحسابات المصرفية للبنوك المختلفة حول العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى