بيما يتصدر اسم قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو الشهير ب “حميدتي” مشهد الاقتتال الحاصل في البلاد فإن المراقبين يبرزون علاقاته الوثيقة بدولة الإمارات بوصفه ذراع أبوظبي لنهب موارد السودان ونشر الفوضى فيه
وأبرز مركز الإمارات للدراسات والإعلام “إيماسك” أنه من المعروف لدى الجميع العلاقة الخاصة التي تجمع حميدتي بالإمارات، والدعم الذي يتلقاه منها، عبر طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي الإماراتي.
وكلمة السر في تلك العلاقة هي الذهب، حيث كشف تقرير نشرته منظمة جلوبال ويتنس- منظمة حقوقية تعمل بمجال مكافحة الفساد – عام 2019 أن قوات الدعم السريع التي يسيطر عليها حميدتي، تُسيطر على منجم جبل عامر، ذلك إضافة إلى ثلاثة مناجم أخرى في أجزاء متفرقة من البلاد، وهذا جعل حميدتي وقواته طرفًا رئيسيًا في صناعة تعدين الذهب. وهي تُمثل جزءا كبيرًا من صادرات السودان.
وتوضح المنظمة في تقريرها، أن واجهة تصدير الذهب السوداني إلى الإمارات هي شركة “الجنيد”. وقد أُنشأت عام 2009، من جانب عبد الرحمن حمدان دقلو، شقيق حميدتي. وهو في الوقت نفسه عضو مجلس إدارة في تلك الشركة. إضافة إلى عادل عبد الرحيم حمدان دقلو، وعلاء الدين عبد الرحيم حمدان دقلو.
وتمتلك شركة الجنيد حسابًا بنكيًا باسمها في بنك أبوظبي الأول. حيث يتم تسديد الدفعات النقدية جراء تصدير الذهب من خلاله، وفقًا لمنظمة جلوبال ويتنس. ويُصدر السودان من الذهب سنويًا ما يصل قيمته إلى 16 مليار دولار، تستحوذ الإمارات على 99% منها.
كما يُشير تحليل مجلس الأمن الدولي إلى أنه خلال الفترة من 2010 إلى 2014، هُرب من السودان ما لا يقل عن 96.885 طنًا من الذهب السوداني إلى الإمارات العربية المتحدة.
من بينها 48 طنًا تم تهريبها من منطقة دارفور السودانية إلى الإمارات، ومن المؤكد أن تهريب الذهب السوداني إلى الإمارات تعزز منذ سقوط البشير، والإطاحة برئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك.
وكذلك كان لافتا الدور الذي قام به حميدتي عبر قوات الدعم السريع في دعم القوات الإماراتية في اليمن، وإرسال عناصر تابعة له لدعم الوجود الإماراتي فيها.
ومن هنا، يرى كثير من المراقبين أن المصلحة الإماراتية هي نشر الفوضى وقتل الانتقال الديمقراطي في السودان، وخاصة مع الخلاف الواضح بين حميدتي وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان الذي كان يسير باتجاه التوقيع على اتفاق للانتقال السياسي مع قوى الحرية والتغيير لإنهاء الأزمة في البلاد وتشكيل حكومة مدنية فيها.
وكان لافتا توجيه أصابع الاتهام للدور الإماراتي في تأجيج الوضع الأمني في الخرطوم، وقبلها تعقيد الأزمة السياسي في البلاد.
وسبق أن كشف تحقيق استقصائي نشرته شبكة “جلوبال ويتنس” الدولية غير الحكومية أسرارا جديدة حول امبراطورية قوات الدعم السريع السودانية وقائدها حميدتي وعلاقة كل ذلك بالإمارات.
وأوضح التحقيق، الذي أجراه كل من “نيك دونوفون” و”ريتشارد كينت” من فريق الشبكة، ومعهم الصحفي المصري “محمد أبوالغيط”، أن هناك شركات لعبت دور الواجهة للأعمال المالية لقوات الدعم السريع؛ حيث نفذت تلك الشركات عمليات تحويل إلى تلك القوات من الإمارات، ومنها إلى شركات سودانية يسيطر عليها أفراد من عائلة “حميدتي”، متورطة في سرقة ثروات البلاد، وأبرزها الذهب.
وقال التحقيق إن وثائق حصلت عليها الشبكة وكشفت أن قوات الدعم السريع تمتلك حساباً بنكيا مستقلا خارج السودان، في بنك أبوظبي الوطني (حاليا جزء من بنك أبوظبي الأول)، مضيفا أنه تم إرسال طلب حق الرد للبنك، حاملا تفاصيل رقم الحساب وتحويلاته ولم يرد.
وأضاف التحقيق أن شركة تدعى “تراديف للتجارة العالمية”، وهي مسجلة في الإمارات، ثبت أنها تستخدم كواجهة لتعاملات قوات الدعم السريع المالية، وأشارت الوثائق إلى أن “القوني دقلو”، الشقيق الأصغر لـ”حميدتي”، هو المدير والمالك المسجل في الإمارات لهذه الشركة.
وأشارت الوثائق إلى تلقي شركة “تراديف” في حسابها ببنك النيلين السوداني، 50 مليون درهم إماراتي (نحو 13 مليون دولار) من حساب الدعم السريع ببنك أبوظبي، على دفعات، كما قامت الشركة في المقابل بتحويل 48 مليون درهم إلى الدعم السريع، ووصفت إحدى الوثائق غرض تحويل الأموال بأنه “تحويل من شركة شقيقة Sister Company.
وتطرقت الوثائق إلى مجموعة “الجنيد”، التي يمتلكها ويديرها أفرادا من عائلة “حميدتي”، التي تختص بتجارة الذهب بشكل أساسي، إضافة إلى أنشطة أخرى، أبرزها المقاولات؛ حيث يمتلك “عبدالرحيم حمدان دقلو”، شقيق “حميدتي” 40% من أسهمها، بينما تتوزع الأسهم الـ60% المتبقية على نجليه “عادل” و”علاء الدين”.
وأوضح التحقيق أن “عبدالرحيم دقلو” يحمل رتبة عميد، وهو نائب رئيس قوات الدعم السريع، وأن “حميدتي” مسجل شخصيا كأحد الأعضاء الخمسة بمجلس إدارة المجموعة.
ووسعت “الجنيد” من نشطتها خارج منطقة جبل عامر في دارفور، وهي منطقة الامتياز الممنوحة لها، والتي تحوي أكبر احتياطي ذهب في البلاد، إلى شمال كردفان، ومناطق من شمال السودان.
وكشف التحقيق عن سجل محاسبي مُسرب لقوات الدعم السريع يغطي الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، ويظهر روابط عدة أخرى مع مجموعة “الجنيد”. ويذكر السجل بأحد الخانات تحويل ما يعادل 50 ألف يورو لدفع مديونية مستحقة على شركة “الجنيد”.
وفي خانة أخرى يظهر قيام “الدعم السريع” بتحويل مبلغ 686 ألف درهم إماراتي (186 ألف دولار) إلى شخص مقابل مشتريات، مع الإشارة لشركة “الجنيد” في نفس الخانة.
وأظهرت الوثائق وجود شركة أخرى عملت كواجهة لتعاملات “الدعم السريع” المالية، وهي شركة “GSK”، وهي مسجلة في السودان كشركة أنظمة معلومات وأمن تقني، ويتولى أيضا منصب مديرها التنفيذي “القوني دقلو”، الشقيق الأصغر لـ”حميدتي”.
ويظهر اسم “القوني” وشبكة من أصدقائه ومعارفه، بعضهم موظفون ذوو مناصب في الشركة، ضمن شبكة وكلاء مشتريات “الدعم السريع”، وبعضهم تسلم دفعات أموال نقدية بعشرات الآلاف من الدولارات.
وبحسب التحقيق، أظهر سجل مشتريات “الدعم السريع” حصولها بالمجمل على 150 مليون درهم إماراتي (أكثر من 40 مليون دولار) على دفعات، تم إنفاق أكثر من 111 مليون درهم (30 مليون دولار) منها لشراء مركبات وأجهزة اتصال لاسلكي كلها من دولة الإمارات.
وأشارت الوثائق أيضا إلى أن قوات الدعم السريع اشترت أيضا أكثر من ألف سيارة خلال الستة أشهر الأولى من 2019، تضمنت أكثر من 900 سيارة موديل “تويوتا هايلوكس” و”لاند كروزر”، وهي السيارات التي يتم تركيب مدافع آلية عليها وتحويلها لمركبات عسكرية تظهر باستمرار بحوزة القوات، كما ظهرت بالتزامن مع انتهاكات حقوقية، منها مذبحة فض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم، في يوليو/تموز الماضي، والتي اتُهم “الدعم السريع” بتنفيذها.
وأكد التحقيق أن قوات الدعم السريع دفعت أكثر من 9 ملايين درهم (2.5 مليون دولار) إلى شركات في الخارج من خلال شبكة وكلاء في دول من بينها الإمارات ورواندا وماليزيا والصين وألمانيا وروسيا وهولندا.
وقالت “جلوبال ويتنس” إن متحدثا باسم الجيش السوداني أخبرها بأن قوات الدعم السريع لا تملك ميزانية منفصلة عن الجيش، وأنها تقوم بمشترياتها عبر القنوات الرسمية، لكن الشبكة أكدت أن ما تشير إليه الوثائق الواردة في التحقيق الاستقصائي تظهر عكس ذلك.
وأضافت أن المتحدث باسم مجموعة “الجنيد” اعترف بصحة الوثائق التي تخص المجموعة، والتي وردت خلال التحقيق، لكنه قال إن “حميدتي” انقطعت علاقته منذ 2009 بالشركة، منذ تولى قيادة القوات، لكن سبب استمرار وجود اسمه أن “البيانات غير مُحدثة”.
يذكر أن وكالة “رويترز” كشفت، في تقرير لها أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عددا من الوقائع التي تشير إلى تورط “حميدتي” في تجارة غير مشروعة بثروات السودان، وأبرزها الذهب، عبر شركة “الجنيد”.
و”الدعم السريع” هي قوات شبه عسكرية تشكلت رسميا عام 2013 من ميليشيات الجنجويد التي كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية خلال الحرب في إقليم دارفور (غرب)، وطالتها الكثير من الانتقادات المحلية والدولية والاتهامات بارتكاب “انتهاكات” بحق مواطنين.
وظلت “الدعم السريع” تابعة لجهاز الأمن والمخابرات قبل أن تتبع الجيش بدءا من يناير/كانون الثاني 2017.
وعزل الجيش السوداني “عمر البشير” (ظل في الحكم من 1989- 2019) من الرئاسة في 11 أبريل/نيسان الماضي، تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت أواخر 2018، تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية.
ورغم أن “حميدتي” غاب عن مشهد عزل “البشير”، إلا أنه ظهر بعد ذلك بشكل قوي ضمن اللجنة الأمنية والعسكرية التي حكمت البلاد لأشهر بعد عزل الرئيس، وتردد أن مصدر قوته تلك مستمدة من الإمارات، التي تدعمه بقوة.
وتردد “حميدتي”، بعد الإطاحة بـ”البشير”، على القاهرة وأبوظبي والرياض، في زيارات كان لها تفسيرات تشير إلى كونه الرجل القادم لهذه القوى الإقليمية في السودان.
وكان البشير قد اعترف أثناء محاكمته، بأنه سلم شقيق حميدتي (عبد الرحمن دقلو، القيادي البارز في قوات الدعم السريع)، جزءا من الأموال التي حصل عليها من الإمارات والسعودية والبالغة 91 مليون دولار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى