آخر المواضيع

آخر الأخبار
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عبد الخالق فاروق. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عبد الخالق فاروق. إظهار كافة الرسائل

24‏/09‏/2011

سبتمبر 24, 2011

كيف تحول الفساد إلى بنية مؤسسية متكاملة في مصر؟

السلطة والثروة والعلاقة الشوهاء
    كيف تحول الفساد إلى بنية مؤسسية متكاملة في مصر؟
394
رسم توضيحي لمؤسسة الفساد في مصر من إعداد المؤلف
عبد الخالق فاروق
عندما تثار قضية الفساد في مصر أو في غيرها من البلاد ينقسم الرأي العام عادة بين تيارين رئيسيين، يعبر كل منهما عن رؤية أحيانا أو عن مصالح مختلفة أحيانا أخرى، فأغلبية الرأي العام الساحقة التي تعاني من تدهور مستويات معيشتها تشكل مظاهر الفساد المتفشية تحديا لمشاعرها، واستفزازا لوجدانها، وهي بهذا تنظر إلى هذه الممارسات الفاسدة باعتبارها جرائم اقتصادية وأخلاقية قبل أن تتوقف عند مضامينها السياسية والثقافية.
أما التيار الثاني -والذي يمثله رجال المال والأعمال ودوائر رسم وصنع السياسات والقرارات وبعض الدوائر الإعلامية والصحفية المرتبطة بهم– فتروج لمفهوم مختلف ينطلق من مقولة أن "الفساد موجود في كل الدنيا"، وأن هذه الممارسات الفاسدة هي "جزء من اقتصاد الدول الحديثة"، أو أن هذه الممارسات "ذات طبيعة فردية وشخصية"، وأنها "الاستثناء الذي لا يلغي القاعدة العامة التي هي سليمة وصحيحة".
وإذا كان الأمر كذلك فقد يكون من المستحسن أن نبدأ هذه الدراسة بتعريف الفساد، ثم بعد ذلك نشرح وسائله وآلياته وكيفية تغلغله في مؤسسات الدولة وبنية النظام الحاكم.
أولا: المفاهيم .. الآليات .. النتائج
ثانيا: أشكال الفساد وأنواعه
ثالثا: مجالات وقطاعات الفساد
رابعا: آليات الإفساد
خامسا: النتائج والتداعيات
أولا: المفاهيم .. الآليات .. النتائج
الفساد:
عندما زادت ممارسات الفساد في كثير من دول العالم، خاصة منذ منتصف السبعينيات في الدول النامية، تجمع عدد من الخبراء الاقتصاديين ورجال القانون الدوليين، وفي طليعتهم المحامي النيوزيلاندي "جيرمي بوب" والألماني "بيتر إيغين" وقاموا -وبتمويل من مؤسسة فورد الأميركية- بتأسيس ما سمي "منظمة الشفافية الدولية" عام 1994.
وحاول هؤلاء على مدار خمسة أعوام صياغة موقف دولي صادر من منظمات المجتمع المدني الدولي تجاه هذه الظاهرة التي باتت تدمر أسس التنافس الحر المبني على وضع المعايير وشفافيتها.
وقد عرفت منظمة الشفافية الدولية في بداية عهدها الفساد بأنه "سوء استخدام السلطة الممنوحة من أجل تحقيق منفعة خاصة". بيد أن هذا التعريف لم يكن شاملا أو جامعا، لذا عادت المنظمة في وقت متأخر، وتحت تأثير اجتهادات عدد من الباحثين، مثل "سوزان روز أكرمان" Suzan rose-Ackerman – لتعرف الفساد بأنه "السلوك الذي يمارسه المسؤولون في القطاع العام أو القطاع الحكومي، سواء كانوا سياسيين أو موظفين مدنيين بهدف إثراء أنفسهم أو أقربائهم بصورة غير قانونية ومن خلال إساءة استخدام السلطة الممنوحة لهم".
أما قانون العقوبات الفرنسي فقد ميز بين ما أسماه "الفساد النشط" و"الفساد السلبي"، فعرف الأول بأنه "سعي الموظف الحكومي بنشاط من أجل الحصول على هدية أو منفعة أو رشوة قبل تقديمه الخدمة أو منح العقد"، أما الفساد السلبي فقد عرفه بأنه "قبول المسؤول لهدية أو مكافأة أخرى بعد منح العقد أو تقديم الخدمة".
وفي قانون العقوبات المصري نصت المادة (103 مكرر) على تعريف المرتشي بأنه "كل موظف عمومي يطلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل يعتقد خطأ أو يزعم أنه من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه".
لكن تطور الحياة الاقتصادية في مصر، وفي غيرها من الدول والمجتمعات منذ منتصف السبعينيات قد أوجد أشكالا جديدة وعديدة للفساد، فلم تعد الرشوة أو الاختلاس هما مظاهرها الوحيدة، بل هناك عشرات السلوكيات والممارسات التي تندرج في توصيف الفساد بالمعنى القانوني والأخلاقي للكلمة.
وعلى صعيد النظرية الاقتصادية، انشغل العقل الاقتصادي بقضية الفساد، واحتلت جانبا من النظرية الاقتصادية الحديثة، وكذا في الدراسات الاقتصادية التطبيقية، وكان من نتائج هذا الاهتمام ما يسمى في النظرية الاقتصادية بـ"الاقتصاد الخفي" hidden economy أو "الاقتصاد الأسود "black economy، وتعني تلك الأنشطة المالية أو الاقتصادية التي تجري في الخفاء وتخالف القوانين المعمول بها، وعادة لا تجد طريقة ما لتسجيلها في سجلات الحسابات القومية national accounts، ومن ثم هي لا تتضمن داخل مصفوفة الدخل القومي الرسمي national income matrix رغم أهميتها وثقلها في صيرورة التدفقات المالية والنقدية في البلاد.
كما برزت على ضفاف هذا الإطار النظري الجديد مفاهيم إضافية مثل "دخول الظل" shadow income، التي تتمثل في الدخول النقدية التي يحصل عليها بعض الأفراد أو الجماعات -وغالبيتهم من الموظفين في المصالح الحكومية- بصورة غير قانونية مثل الدروس الخصوصية أو الأعمال الموازية أثناء وقت العمل الرسمي –مثل قيادة سيارات الأجرة (التاكسي) أو أنشطة تجارية أو غيرها- ويندرج فيها أيضا الحصول على الإكراميات والرشا نظير أداء أعمالهم أو التبرع للقيام بهذه الأعمال.. إلخ. وبسبب ضعف الأجور والرواتب الناجم عن السياسات الحكومية في هذا المجال، إلى انتشار كثير من مظاهر الفساد (رشا) لإنهاء الأعمال في المصالح الحكومية.
وقد دفعت هذه الظواهر المتنامية بعض المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى دراسة هذه الظاهرة الاقتصادية والمالية. ففي العام 1998 أعد مجموعة خبراء بصندوق النقد الدولي I.M.F دراسة حول موضوع الاقتصاد الخفي على مستوى العالم، وقدرتها الدراسة بنحو 9 تريليونات دولار، أي ما يعادل 23% من الناتج المحلي العالمي الذي بلغ ذلك العام 39 تريليون دولار.
ثم توالى الاهتمام من الباحثين المرموقين في هذا الحقل المعرفي الجديد، وكان من أبرز هؤلاء عالم الاقتصاد النمساوي البارز "فردريك شنيدر" Frederick Schneider الأستاذ بجامعة "هانز كبلر"، الذي قام بدراسة اقتصاد 76 دولة على مستوى العالم، وتبين فيها أن نسبة ممارسة الاقتصاد الخفي تتراوح بين 15% و35% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول، واللافت أن هناك ثلاث دول تجاوزت هذا المعدل الوسطي، وهي تايلند (73% ) ونيجيريا (70%) ومصر (65%)، وذلك عام 1998، بينما بلغت النسبة 8% في الولايات المتحدة و19% في كندا و35% في البرازيل و20% في الدانمارك.
ثانيا: أشكال الفساد وأنواعه
الحالة المصرية تكاد تكون نموذجية في دراسة كيفية تحول الفساد في مجتمع ما من حالات انحرافات فردية معزولة -مهما اتسع وازداد عدد المنخرطين فيها في قمة هرم السلطة- إلى ممارسة مجتمعية شاملة بالمعنى الحقيقي لا المجازي للكلمة. وهنا نستطيع أن نميز في تحليل ظاهرة الفساد وحقائقه في مصر بين نوعين:
"
الحالة المصرية تكاد تكون نموذجية في دراسة كيفية تحول الفساد في مجتمع ما من حالات انحرافات فردية معزولة مهما اتسع وازداد عدد المنخرطين فيها في قمة هرم السلطة، إلى ممارسة مجتمعية شاملة بالمعنى الحقيقي لا المجازي للكلمة
"
الأول: ما نسميه "فساد الكبار" المتنفذين والمتربعين على قمة الهرم الاجتماعي والسياسي، سواء في الفرع التنفيذي (الحكومة) أو التشريعي (مجلس الشعب/البرلمان) أو الأمني، حيث شكلوا شبكات مصالح تتنازع فيما بينها أحيانا، وتتناغم في توزيع المزايا والغنائم أحيانا أخرى.
الثاني: ما نطلق عليه "فساد الصغار والفقراء"، حيث لم تعد ممارسات الفساد والرشوة والوساطة والمحسوبية تقتصر أو تنحصر في "الكبار" وحدهم، بل إنها -وعبر سياسات الإفقار واتساع الفجوة في الدخول وارتفاع الأسعار المستمر وغياب "القدوة" في قمة هرم السلطة والمجتمع وتآكل دور أجهزة الرقابة- قد تسربت إلى ممارسات الناس العادية في قطاعات الخدمات الحكومية وغير الحكومية.
وتختلف الدول المتقدمة عن كثير من دول العالم الثالث في طريقة تعاملها مع ظواهر الفساد ورموزه ومدى سطوة القانون في إخضاع ممارسات الفساد للقصاص العادل، فبينما يطبق القانون في أقصى أشكاله على رموز الفساد ووقائعه في الدول المتقدمة (اليابان وأميركا وأوروبا.. إلخ)، فإننا على العكس في بلادنا نجد أن المفسدين والفاسدين هم الذين يصوغون القواعد القانونية عبر سيطرتهم المباشرة على أجهزة التشريع والتنفيذ، وأحيانا بعض أفرع الهيئات القضائية. كما يتبين من الشكل الذي يتصدر هذه الدراسة.
ثالثا: مجالات وقطاعات الفساد
تشير دراسة منظمة الشفافية الدولية المنشورة عام 2001 إلى حقيقة كون أكثر المجالات الحكومية عرضة للفساد في الدول النامية هي:
    المشتريات الحكومية.
    تقسيم وبيع الأراضي والعقارات.
    نظم الجباية الضريبية والجمركية.
    التعيينات الحكومية.
    إدارات الحكم المحلي بالمحافظات.
بيد أن الحالة المصرية قد ضربت الأرقام القياسية، فاتسع نطاق ومجالات الفساد التي انغمس فيها بصورة شبة دائمة كبار رجال الدولة وأبناؤهم، مثل:
    قطاع المقاولات وتخصيص الأراضي وشقق المدن الجديدة والطرق والكباري والبنية الأساسية.
    عمولات التسلح ووسائل نقلها.
    قطاع الاتصالات والهواتف المحمولة والثابتة.
    خصخصة وبيع الشركات العامة ونظم تقييم الأصول والممتلكات والأراضي المملوكة لهذه الشركات.
    البنوك ونظم الائتمان وتهريب الأموال إلى الخارج عبر القنوات المصرفية الرسمية.
    شركات توظيف الأموال وما جرى فيها.
    تجارة المخدرات واختراق قيادات الأجهزة الأمنية والمؤسسة السياسية.
    تجارة العملات الأجنبية والمضاربة على سعر صرف الجنيه المصري.
    تجارة الدعارة وشبكات البغاء.
    نظم الاستيراد وأذون الاستيراد وبرامج الاستيراد السلعي.
    طرق توزيع مشروعات المعونة الأميركية.
    الصحافة ومؤسساتها، وإفساد الصحفيين عبر وسائل شتى، والإعفاء غير القانوني للمؤسسات الصحفية (القومية) من أداء الضرائب العامة، وتسهيل سبل الارتزاق السري وغير القانوني لبعض الصحفيين.
    ما يسمى "علاوة الولاء" التي تمنح بصورة سرية وبالمخالفة لقواعد المشروعية المالية لكبار قيادات الجيش والأمن.
    إفساد النظام التعليمي الرسمي والصمت على جريمة الدروس الخصوصية بل وخلق الظروف الملائمة لتفشيها.
    إبقاء فساد النظام الصحي الحكومي من أجل إتاحة الفرص لتوسع المستشفيات الاستثمارية ذات الصلة ببعض المتنفذين.
    المضاربات والتلاعب في البورصة وسوق الأوراق المالية وسوق التأمين.
"
ما يقارب 500 مليار جنيه مصري جرت من خلف ظهر الحسابات القومية ومصفوفة تدفقات الدخل القومي الرسمية في السنوات العشر الماضية أو الخمسة عشر عاما على أكثر تقدير، وهي كلها أموال لا تسدد ضرائب عنها، علاوة على ما ألحقته من أضرار على نمط توزيع الدخول واستشراء "ثقافة الفساد
"
هذه عينة من بعض القطاعات التي أفسدتها السياسات العامة، وسوف نتعرض لها تفصيلا بعد قليل.
أما مجالات الفساد لدى صغار المواطنين ومحدودي الدخل فتتنوع بدورها، بحيث أصبحت تشكل تيارا عريضا من الممارسات وجزءا أساسيا مما يسمى "الاقتصاد الخفي" hidden economy أو دخول الظل shadow income أو الاقتصاد الموازي، وتشمل الأنشطة التالية:
    العمل على إبقاء النظام التعليمي الحكومي غير فعال لصالح نظام تعليمي غير رسمي أو السوق التعليمية السوداء black educational market، سواء في صورة الدروس الخصوصية أو انتشار المدارس الخاصة والاستثمارية والأجنبية وأخيرا ما يسمى "مدارس التميز"، وقد بلغ حجم الأموال المنفقة على الدروس الخصوصية وحدها -وفقا لتقرير مجلس الشورى المصري عام 1994– حوالي 10 مليارات جنيه تحملتها الأسر المصرية الفقيرة، وقد بلغت عام (2004) حوالي 18 مليار جنيه خاصة بعد تقسيم مرحلة الثانوية العامة إلى سنتين دراسيتين بدلا من عام دراسي واحد.
    عدم فاعلية نظام الأمن الرسمي لصالح نمو وتفشي نظام الأمن غير الرسمي أو "الموازي"، حيث لا تحرر أقسام الشرطة محاضر للمواطنين إلا بالوساطة، ولا تجري عمليات التحري لكشف السرقات وضبط المتهمين إلا من خلال المحسوبية والرشا والإكراميات، كل ذلك يتم على مرأى ومسمع من الجميع وداخل معظم إدارات ومديريات الأمن.
    عدم تحريك إعلانات القضايا بالمحاكم "قلم المحضرين" وغيرها من تسلسل أعمال التقاضي، حيث يجري النظر في ثلاثة ملايين قضية سنويا أمام المحاكم المختلفة، إلا بعد دفع الرشا والإكراميات.
    عدم تقديم الخدمة المناسبة في المستشفيات العامة والحكومية، والتي يتردد عليها حوالي 47 مليون مريض وفقا لتقرير وزارة الصحة عام 2006، إلا من خلال الإكراميات والوساطة، وحسب الحالة الصحية وخطورة المرض.
    الرشا والإكرامات التي تدفع أثناء إنهاء المعاملات في المصالح الجمركية والضرائبية والخدمات الجماهيرية الأخرى، حيث تقدم الإدارات الحكومية حوالي 627 خدمة متنوعة للجمهور، خاصة في المحليات، ولا سيما أثناء منح تراخيص البناء أو رخص النشاط أو تعلية الأدوار في المساكن.. إلخ.
هذه الرشا وتلك الإكراميات يتعاطاها كثير من الموظفين الحكوميين بسبب تدني الأجور والمرتبات، فيأخذونها مجبرين حماية لأبنائهم وأسرهم من العوز والجوع. وإذا كان رئيس ديوان رئاسة الجمهورية وأحد أقطاب الحزب الوطني الحاكم النائب زكريا عزمي قد اعترف علنا وداخل جلسة مصورة لمجلس الشعب بأن الفساد وصل "للركب" (كناية عن الكثرة) في المحليات، فإن الحقيقة هي أن الفساد قد وصل إلى الأعناق.
رابعا: آليات الإفساد
رغم أن الفساد كان موجودا في مصر قبل ثورة 23 يوليو عام 1952 وبعدها، فإن الجديد منذ العام 1974، وفي عهد الرئيس حسني مبارك تحديدا هو تحول الفساد من مجرد انحرافات شخصية آخذة في الاتساع إلى بنية مؤسسية متكاملة من خلال مجموعة من الآليات هي:
الآلية الأولى: إيجاد سياسات تتيح المجال لعاملين في بعض مؤسسات الدولة ممارسة الفساد.
الآلية الثانية: وجود قواعد عرفية بين "جماعات الفساد" والمنخرطين فيها تلزم أعضاءها بالتزامات متبادلة ومناطق نفوذ متعارف عليها بينهم.
الآلية الثالثة: وجود خطوط اتصالات دائمة وواضحة بين هذه الجماعات وبعض شاغلي قمة الهرم السياسي والتنفيذي مباشرة أو عبر أقربائهم وأبنائهم، وجميعه يجري تحت لافتة "تشجيع الاستثمار".
الآلية الرابعة: استمرار سياسات الإفقار للطبقات محدودة الدخل، خاصة الموظفين (5.5 ملايين موظف) والعمال وغيرهم، بما يدفع الجميع إلى تعاطي "الإكراميات"، وهي النظير القانوني لمفهوم "الرشوة".
الآلية الخامسة: إفساد بعض أجهزة الرقابة بتوريط بعض قياداتها وكوادرها الوسيطة في ممارسات فساد، كما يظهر على سبيل المثال في بعض المؤسسات الصحفية.
الآلية السادسة: وسائل صياغة القوانين والقرارات الإدارية، وهو ما يسمى في الفقه القانوني القوانين المشرعة والقوانين غير المشرعة، بحيث تفتح ثغرة واسعة للفساد المحمي من الدولة خاصة في القوانين الاقتصادية والضريبية وغيرها.
الآلية السابعة: آلية التحايل القانوني عبر ما يسمى "الصناديق الخاصة" و"الوحدات ذات الطابع الخاص" خارج نطاق الميزانية الحكومية الرسمية، التي زاد عددها المعروف بنهاية العام 2008 على 8900 صندوق ووحدة، وتقوم هذه الصناديق وتلك الوحدات بفرض رسوم على المواطنين وتوزيع مكافآت على العاملين فيها، يأخذ نصيب الأسد منها كبار المسؤولين، بما يشكل شبكة واسعة من الفساد والإفساد. فكيف حدث هذا؟
هذه بعض الأمثلة للكيفية التي يتسلل منها الفساد:
(1) آليات إفساد المؤسسة التشريعية:
تبدأ عمليات الإفساد هنا في مرحلة مبكرة، ربما قبل "الانتخاب" الصوري لهؤلاء الأعضاء، وهي تتم على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: تتمثل في طريقة اختيار قوائم الحزب الحاكم، حيث تحدد معايير الاختيار بصورة يمتزج فيها كل السيئات، مثل أن يكون المرشح للقائمة الرسمية للحزب من المقربين إلى قيادات الحكم أو الحزب، أي غلبة الطابع الشخصي لا الكفاءة الموضوعية في الاختيار. أو أن يكون من كبار "المتبرعين" للحزب أو بعض قياداته المؤثرة، بصرف النظر عن ماضيه غير المشرف أو الإجرامي أو حتى المشبوه مثل تجار المخدرات والمتهربين من الخدمة العسكرية أو المشهورين بأعمال البلطجة .. إلخ. أو أن يكون من قيادات أجهزة الأمن، أو من المتعاملين معها.
المرحلة الثانية: التدخل الإداري والبوليسي المباشر في عملية التصويت والفرز، سواء عبر التلاعب في الجداول الانتخابية أو أثناء التصويت بما يؤكد مفهوما واحدا أمام الجميع، وهو أن النجاح ودخول هذه المؤسسة التشريعية مرهون برضاء الحكومة والنظام وقياداته، ومن ثم فإن "ولاء" العضو يجب أن يكون لرئيس النظام ثم إلى الأمين العام للحزب ثم إلى أمين التنظيم، وليس هناك لدى أغلب المرشحين ولاء لقضايا عامة بل لأشخاص، ومؤخرا دخل على الخط الولاء لشخص نجل رئيس الجمهورية.
المرحلة الثالثة: بعد دخول الشخص إلى نادي "عضوية مجلس الشعب" أو الشورى، تتم المرحلة الثالثة التي تطول أحيانا بعض أعضاء الأحزاب الأخرى سواء كانوا من المعارضة أو المستقلين، وتتمثل في "إغداق" الخدمات على العضو ورعاية طلباته الشخصية ووساطته وشمولها بعين العطف والقبول، وفي حال تمرد هذا العضو على الحكومة والرئيس، كما هو حال عدد محدود جدا من شرفاء هذه المجالس، تبدأ عمليات الإنكار والعزل وتجاهل طلباته، أي خنقه سياسيا.
وتبدأ عمليات الترغيب وشراء الولاء بوسائل شتى، منها الموافقة على طلبات التعيين في الوظائف الهامة لأبنائهم وأقربائهم أو بعض أبناء دوائرهم في حدود معينة، وتمر عبر أذون من الحديد والإسمنت بأسعار "مريحة" يجري بيعها بأسعار السوق وحصول العضو على عدة آلاف من الجنيهات عن كل إذن، أو تصاريح الحج أو السفر في رحلات إلى الخارج مع الوفود البرلمانية، وكذا الحصول على قطع أراض في المناطق الساحلية وغيرها بأسعار رمزية أو شقق سكنية أو فيلات فاخرة بأسعار زهيدة في بعض القرى السياحية أو الشواطئ.. إلخ.
ويدخل في باب إفساد المؤسسة التشريعية تلك القرارات الجمهورية التي تتخذ بين الحين والآخر لتعديل هذه المادة أو تلك لتحقيق مصالح خاصة بفئة أو شريحة معينة داخل البرلمان. فعلى سبيل المثال تنص المادة (95) من الدستور المصري الراهن على أنه "لا يجوز لعضو مجلس الشعب أثناء مدة عضويته أن يشتري أو يستأجر شيئا من أموال الدولة أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله أو أن يقاضيها عليه أو أن يبرم مع الدولة عقدا بوصفه ملتزما أو موردا أو مقاولا".
والسؤال هل احترمت الحكومة والنظام الحاكم هذا النص الدستوري؟ الإجابة للأسف بالنفي، فقد تدخل الرئيس أنور السادات لتعديل هذا النص ونصوص كثيرة مماثلة واردة في قانون مجلس الشعب رقم (38) لسنة 1972، فقام بإصدار القرار الجمهوري بقانون رقم (109) لسنة 1976، وأدخل عليه تعديلات عديدة على المواد (28) و(30) و(34 مكرر 1 و2 و3) التف بها على هذا النص، حيث نصت المادة (28) من القرار الجمهوري المذكور بأنه "لا يجوز أن يعين عضو مجلس الشعب في وظائف الحكومة أو القطاع العام وما في حكمها أو الشركات الأجنبية أثناء مدة عضويته، ويبطل أي تعيين على خلاف ذلك، إلا إذا كان التعيين نتيجة ترقية أو نقل من جهة إلى أخرى أو كان بحكم قضائي أو بناء على قانون".
لقد فتح تعبير "إلا إذا" عمل الشيطان كما يقولون، وهي الصيغة التي استغلتها الحكومة، وتحديدا إبان رئاسة الدكتور عاطف عبيد لمجلس الوزراء سابقا، من أجل إفساد العشرات من أعضاء مجلس الشعب، وذلك بتعيينهم أعضاء مجالس إدارة منتدبين في شركات قطاع الأعمال العام الذي كان يجري تفتته وبيعه ومشاركتهم في مأدبة البيع والتصفية.
أما المادة (30) المضافة بالقرار الجمهوري فقد نصت على أن "يستخرج لكل عضو من أعضاء مجلس الشعب اشتراك للسفر بالدرجة الأولى الممتازة بسكك حديد جمهورية مصر العربية أو إحدى وسائل المواصلات العامة الأخرى أو الطائرات من الجهة التي يختارها في دائرته الانتخابية إلى القاهرة. وتبين لائحة المجلس التسهيلات الأخرى التي يقدمها المجلس لأعضائه لتمكينهم من مباشرة مسؤولياتهم.. إلخ".
وهذه الفقرة التي تبدو للوهلة الأولى بسيطة وبريئة في شكلها أدخلت ثغرة إبليس إلى المجلس وأعضائه، إذ تسابق رؤساء مجلس الشعب المتعاقبون على توسيع نطاق المزايا والتسهيلات حتى تحولت إلى فساد في فساد.
أما المادة (34 مكرر، مكرر 1 ومكرر 2 ومكرر3 ومكرر 4) فقد شملت طيفا واسعا من الفساد والإفساد، ورسخت من هيمنة رئيس الجمهورية على أعضاء مجلس الشعب، فتحولوا إلى مجرد موظفين في رئاسة الجمهورية.
كما هو الحال مثلا في نص المادة (34 مكرر) التي تقول "يجوز إنشاء وظائف وكلاء وزارات لشؤون مجلس الشعب، ويعين وكيل الوزارة لشؤون مجلس الشعب من بين أعضاء هذا المجلس بقرار من رئيس الجمهورية، ويتضمن قرار التعيين إلحاقه بمجلس الوزراء أو بأحد القطاعات الوزارية أو بوزارة معينة أو أكثر.. إلخ". أي أن رئيس الجمهورية قد امتلك ميزة منح العطايا لهذا العضو أو ذاك، أو منعها عن هذا العضو أو ذاك، والمدهش في الأمر أن أعضاء المجلس قد فرحوا بهذه الغنيمة، دون أن يفكروا للحظة واحدة في مضامينها السياسية وهيمنة السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية تحديدا على أعمالهم ونشاطهم الرقابي.
والأخطر من ذلك ما نصت عليه الفقرة الثالثة من هذه المادة، حيث جاء فيها "كما لا يجوز لوكيل الوزارة لشؤون مجلس الشعب أثناء توليه منصبه أن يزاول مهنة حرة أو عملا تجاريا أو ماليا أو صناعيا أو أن يشغل أي وظيفة أخرى أو أن يشتري أو يستأجر شيئا من أموال الدولة أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله أو أن يقايضها عليه". وهكذا، وطبقا للقاعدة القانونية الشهيرة بأن الخاص يقيد العام، حصر المشرع عملية حظر مزاولة مهنة حرة أو أن يشتري أو يستأجر شيئا من أموال الدولة .. إلخ في وكيل الوزارة لشؤون مجلس الشعب وتركها طليقة من كل قيد لبقية الأعضاء.
قد يرد البعض بأن هذا لا يسري في حال اختلاف المراتب القانونية للنص، نص دستوري مقابل قرار جمهوري بقانون، بيد أن الواقع الفعلي وممارسة غالبية أعضاء البرلمان تشير إلى أن هؤلاء قد وجدوا في مثل هذه الثغرة "الشيطانية" غطاء قانونيا للممارسات المخالفة والخرق الدستوري الوارد في المادة (95) السابق الإشارة إليها، وهذا ما يفسر قولنا إن الفساد تحول من مجرد انحرافات شخصية إلى مفهوم "المأسسة" institutionalism، أي إيجاد غطاء من نص "قانوني" سواء في لائحة أو قرار جمهوري.
(2) آليات إفساد أعضاء المؤسسة القضائية
ظلت الهيئة القضائية المصرية عصية على الكسر أو الاحتواء لسنوات طويلة، سواء قبل ثورة 23 يوليو عام 1952 أو بعدها. وقد حاول الرئيس السادات الحفاظ على علاقة ودية مع السلطة القضائية المصرية في سنوات حكمه الأولى، حتى وقعت أحداث انتفاضة 18 و19 يناير عام 1977، واكتشف الرجل بحاسته السياسية أن الهيئة القضائية المصرية لا تساير النظام في توجهاته نحو توقيع أقصى العقوبات على المتهمين في هذه القضية، وجاءت أحكام محكمة أمن الدولة العليا في القضية رقم 100 لسنة 1977 بمثابة لطمة قاسية وجهت إلى النظام، حيث جاءت حيثيات الحكم مؤكدة على مسؤولية الحكومة وقراراتها الاقتصادية في اندلاع أحداث الانتفاضة. وبعدها اتبعت رئاسة الجمهورية والحكومة مجموعة من السياسات الجديدة بهدف اختراق المؤسسة القضائية واحتوائها، وقد تمثلت هذه السياسات الحكومية في أربعة أساليب متكاملة، وهي:
الأسلوب الأول: بدءا من العام 1979 جرى السماح لأول مرة في تاريخ القضاء بالتحاق ضباط الشرطة بمختلف درجاتهم ورتبهم دون رتبة المقدم بسلك النيابة العامة، وهي كما هو معروف أولى مراحل السلك القضائي، وقد أدت هذه السياسة المستمرة لربع قرن إلى انضمام نحو 3000 ضابط شرطة ومباحث إلى سلك القضاء بما أصبح عددهم يعادل ربع العاملين في هذه المؤسسة العريقة التي تميزت بالعقل القانوني المدني، فإذا بها الآن تطعم أو تخترق بعقل قانوني ذي طابع عسكري وشرطي، مارس الكثيرون منهم وسائل الضرب وامتهان كرامة المواطنين، فكيف لهؤلاء أن يعتدل ميزان العدل بين أيديهم؟
الأسلوب الثاني: مع تزايد أعداد خريجي كليات الحقوق سنويا، ورغبة الكثيرين منهم في الالتحاق بسلك القضاء "النيابة العامة"، أو حتى الهيئات القضائية الأخرى، مثل مجلس الدولة أو النيابة الإدارية، فإن إغراق المؤسسة القضائية وتوريط بعض أعضائها في ممارسات غير قانونية وغير أخلاقية من نوع الوساطة والمحسوبية في تعيين أبنائهم وأقربائهم في سلك النيابة العامة، وفي المقابل إهدار حقوق بعض المتقدمين في المسابقات الذين هم أكثر جدارة وكفاءة.
بل ولجوء بعض أعضاء الهيئات القضائية إلى دفع "تبرعات" دون أن نقول رشا لذوي النفوذ في الحكومة والحزب الحاكم أو التنازل والقبول بعلاقة من نوع ما مع الحكومة وبعض قياداتها، كل هذا كان بمثابة مساس بهيبة القضاة وأخلاقية هذه المؤسسة العريقة.
كما أن تورط بعض رجال القضاء في ممارسات الوساطة والمحسوبية والتمييز بين المتقدمين في المسابقات على أساس القرابة أو صلات الدم هو تلويث مباشر لهؤلاء بما يسمح في المستقبل بابتزازهم من النظام الحاكم، سواء في قضايا تمس تلك القيادات، أو رغبة الحكومة في توجيه بعض الأحكام القضائية بما يخدم مصالحها السياسية.
الأسلوب الثالث: يتمثل في تهرب حكومات الرئيس مبارك المتعاقبة من إصدار قانون بتعديلات السلطة القضائية التي أعدها القضاة منذ مؤتمر العدالة الأول عام 1986، بما يحفظ للقضاء المصري استقلاله ويصون كرامته. وهذا التهرب الحكومي الذي استمر زهاء ربع قرن كامل هو موقف سياسي تمليه رغبة نظام الرئيس مبارك في الاستحواذ على أوراق التأثير المباشر أو غير المباشر على أعضاء الهيئة القضائية المصرية.
الأسلوب الرابع: ويتمثل في سياسات إعارة وندب القضاة مستشارين للوزارات والهيئات والمصالح الحكومية، التي جعلتهم مجرد خبراء تحت طلب السلطة التنفيذية، خاصة لدى الوزراء، مع إغداق مكافآت كبيرة شهريا على القضاة المنتدبين، مما جعل من الصعب تخليهم عن هذه الوظائف الثانوية التي تحولت رويدا رويدا إلى ركيزة لضمان مستوى معيشة القاضي، وكذلك سياسات الإعارة الخارجية أو الداخلية.
والحقيقة أنه رغم كل تلك الجهود والمحاولات والسياسات الحكومية التي اتبعت من أجل احتواء السلطة القضائية والسيطرة على أعضائها، فإن الميراث العريق لهذه الهيئة وطبيعة التركيبة القانونية لعقلها المهني قد حال دون نجاح مجمل هذه السياسات الحكومية، فظل التيار الرئيسي للهيئة القضائية المصرية نظيفا ومستقلا، وهو ما يظهر جليا في الأسابيع الحافلة والساخنة طوال الفترة من مايو/أيار إلى سبتمبر/أيلول 2005 فيما سمي "انتفاضة القضاة" أو حركة 14 مارس التي قادها قضاة نادي قضاة الإسكندرية، ثم نادي قضاة مصر بالقاهرة، واستجمعت حولها أكثر من 4000 قاض من أجل المطالبة بإصدار قانون "استقلال القضاء" وتمكين القضاة من الإشراف الحقيقي والكامل على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة وغيرها من مطالب الإصلاح القانوني التي تصب في مجرى المطالب الشعبية الواسعة للإصلاح السياسي والديمقراطي في البلاد.
خامسا: النتائج والتداعيات
والآن ما الحجم التقديري للاقتصاد الخفي والأموال السوداء في الاقتصاد المصري في ربع القرن الماضي؟
تقدر الأحجام الكلية لأموال وتدفقات الاقتصاد الخفي والأموال السوداء بما يتراوح بين 57 مليار جنيه و70 مليار جنيه سنويا في العقد الماضي وحده، وهذا يكاد يعادل 20% إلى 25% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الرسمي في نفس الفترة، وهذا التقدير يقل إلى حد ما عن التقدير الذي توصل إليه عالم الاقتصاد النمساوي "شنيدر" في دراسته عام 1998 وشملت مصر، حيث قدره بنحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي، بيد أن إدخالنا لعمليات تهريب الأموال من داخل مصر إلى خارجها التي زادت سرعتها وأحجامها في السنوات العشر الأخيرة -خاصة في عهد تولي عاطف عبيد مسؤولية رئاسة الوزراء- وقدرتها بعض المصادر المصرفية والاقتصادية المصرية بنحو ثلاثة مليارات دولار سنويا (أي ما يعادل 30 مليار دولار في السنوات العشر الأخيرة) فإننا نكون بصدد حركة أموال سوداء تقارب 35% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالإجمال فإننا نكون إزاء ما يقارب 500 مليار جنيه مصري جرت من خلف ظهر الحسابات القومية ومصفوفة تدفقات الدخل القومي الرسمية في السنوات العشر الماضية أو الـ15 عاما على أكثر تقدير، وهي كلها أموال لا تسدد ضرائب عنها، علاوة على ما ألحقته من أضرار على نمط توزيع الدخول واستشراء "ثقافة الفساد" لدى جميع قطاعات السكان في البلاد. إنها باختصار كارثة اجتماعية وأخلاقية دون زيادة أو نقصان.
__________
عبد الخالق فاروق، خبير اقتصادي ومتخصص في قضايا الفساد.

23‏/09‏/2011

سبتمبر 23, 2011

عبد الخالق فاروق : مصر حالة نموذجية للفساد فى عصر مبارك

169
عبد الخالق فاروق: الحالة المصرية تكاد تكون نموذجية في دراسة تفشي الفساد
الخبير الاقتصادي والمتخصص بقضايا الفساد عبد الخالق فاروق اعتبر أن الحالة المصرية تكاد تكون نموذجية في دراسة كيفية تحول الفساد في مجتمع ما من حالات انحرافات فردية معزولة -مهما اتسع وازداد عدد المنخرطين فيها في قمة هرم السلطة- إلى ممارسة مجتمعية شاملة بالمعنى الحقيقي لا المجازي للكلمة.
وأضاف في دراسة له لمركز الجزيرة للدراسات نشرت مؤخرا أنه يمكن التمييز في ظاهرة الفساد بين نوعين، أولها ما جرى تسميته "فساد الكبار" المتنفذين والمتربعين على قمة الهرم الاجتماعي والسياسي، سواء في الفرع التنفيذي (الحكومة) أو التشريعي (مجلس الشعب) أو الأمني، حيث شكلوا شبكات مصالح تتنازع فيما بينها أحيانا، وتتناغم في توزيع المزايا والغنائم أحيانا أخرى.
وذكر أن الثاني هو ما نطلق عليه "فساد الصغار والفقراء" حيث لم تعد ممارسات الفساد والرشوة والوساطة والمحسوبية تقتصر أو تنحصر في "الكبار" وحدهم، بل إنها -وعبر سياسات الإفقار واتساع الفجوة في الدخول وارتفاع الأسعار المستمر وغياب "القدوة" في قمة هرم السلطة والمجتمع وتآكل دور أجهزة الرقابة- قد تسربت إلى ممارسات الناس العادية.
وهناك خسائر بشرية ومالية ضخمة نجمت عن الفساد الإداري والمالي لا ينساها المصريون ارتبطت برجال الأعمال وأعضاء بارزين بالحزب الوطني الحاكم مثل غرق العبارة المملوكة لرجل الأعمال الشهير ممدوح إسماعيل (عضو مجلس الشورى) وأدت لمصرع أكثر من ألف شخص، وعقْد أرض "مدينتي" التي اشتراها هشام طلعت مصطفى وأدت إلى خسائر بعشرات المليارات من الجنيهات.

إدارة الفسادوفتح ملف أراضي الدولة ملف حصول العديد من رجال الأعمال الأعضاء في البرلمان ووزراء على آلاف الأفدنة من خلال قرارات تخصيص بأسعار قليلة تقل كثيرا عن السعر الأصلي مما مثل إهدارا للمال العام.
وتعليقا على ذلك أكد مسؤول يعمل بجهاز يتبع رئاسة الوزراء للجزيرة نت أن ما أطلع عليه من معلومات يبين أن مصر تحولت خلال السنوات العشر الأخيرة تقريبا من فساد في الإدارة إلى إدارة الفساد.
وأضاف المسؤول -الذي اشترط عدم ذكر اسمه- أن بعض الوثائق التي لدى جهازه تبين أن أحد الوزراء في الحكومة المقالة استولى على أرض للدولة أثناء وجوده بالحكومة، وأنه جرى تقديم الوثائق التي تدينه لأربع مؤسسات سيادية وأمنية منذ فترة طويلة.
وهذا التوصيف بإدارة الفساد لا يبتعد كثيرا عن اعتراف رئيس ديوان رئاسة الجمهورية وأحد أقطاب الحزب الوطني الحاكم النائب زكريا عزمي من داخل مجلس الشعب قبل سنوات قليلة بأن الفساد وصل "للركب" (كناية عن الكثرة) في المحليات.
سبتمبر 23, 2011

عبد الخالق فاروق : السيناريوهات المتوقَّعة لمستقبل الحكم في مصر

168

تعاني مصر منذ عدة سنوات من أزمة سياسة واجتماعية مركبة تتخذ مظاهر متنوعة؛ بدءًا من حالات الاحتجاج والاعتصامات والتظاهرات التى زادت على أربعة آلاف موقف من هذا النوع خلال العامين الأخيرين وحدهما؛ مرورًا بأزمة اقتصادية متصاعدة التأثير انتهاءً بأزمة في القيادة السياسية ووضوح المستقبل بشأن العملية السياسية التي بدت مشلولة ومسدودة منذ ثلاثين عامًا أو يزيد.

"
لم يعد مشروع توريث الحكم إلى نجل الرئيس المصري مجرد اختيار شخصي وعائلي للرئيس مبارك والسيدة زوجته فقط، لكنه صار اختيار تحالف اجتماعي واقتصادي وسياسي لجماعات المال والأعمال المرتبطة بالنظام والحكم.
"
وخلال السنوات العشر الأخيرة؛ زاد من حدة الأزمة ملامح بدت واضحة فى سياسات النظام؛ وذلك بتصعيد مكشوف لنجل الرئيس مبارك إلى سدة الحكم في عملية "توريث" قيصرية؛ استدعت تغييرًا في نصوص الدستور لتمنع تمامًا أية فرصة أمام أي شخص للترشح والمنافسة الجادة والحقيقية لنجل الرئيس، كما تطلب الأمر إلغاءً لنص ورُوح المادة (88) من الدستور التي  كانت تنص على الإشراف القضائي الكامل والشامل على العملية الانتخابية.

وقد ترتب على هذه الإجراءات التوريثية ردود أفعال متعددة من جانب أطراف عديدة؛ بعضها معلَن وصاخب وبعضها الآخر لا يزال حتى هذه اللحظة صامتًا ومكتومًا خاصة لدى دوائر مؤثرة في أجهزة الدولة.

وقد تزايدت المخاوف لدى كافة الأطراف المعارضة، وحتى داخل دوائر الحكم والإدارة الحكومية في الفترة الأخيرة بعد أن تعرضت صحة الرئيس حسني مبارك لتدهور متكرر استدعى نقله إلى عدة دول أوروبية -آخرها ألمانيا- لإجراء عمليات جراحية حساسة في ظل سيناريوهات واحتمالات عديدة، يضع كل منها مصر في دوائر الخطر والانزلاق إلى المجهول.

وتناقش هذه الورقة السيناريوهات والاحتمالات القائمة في مصر خلال الشهور الخمس عشرة القادمة؛ أي حتى إجراء ما يسمَّى بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني من عام (2011م).

وقد جرى اختيار أسلوب السيناريوهات في تحليل المستقبل السياسي الغامض في مصر لأن السيناريوهات بطبيعتها أسلوب يُنتَهَج في ظل:

    نقص كبير في بعض المعلومات.
    تعدد الأطراف المشاركة في الظاهرة، وتنوع أوزانها النسبية بما يؤدي إلى تعدد الاحتمالات.
    عدم اليقين في نوايا بعض الأطراف أو الخصوم.
    مراعاة عنصر المفاجأة الذي يغلب أحيانا في حالة الدولة غير المؤسسية.

ويجدر بالذكر أن هذه الورقة كانت أساس نقاش مجموعة منتقاة من الخبراء والمحللين هم أعضاء في "جماعة العمل الوطني"، وهي جماعة تكونت في مارس/آذار 2010م، وأعلنت عن وجودها في مؤتمر حاشد بنقابة الصحفيين المصريين آنذاك.

العناصر الحاكمة في طبيعة الصراع على مستقبل الحكم في مصر: توجد خمسة عناصر أساسية حاكمة فى طبيعة الصراع حول مستقبل الحكم في مصر، وهي:

    مشروع التوريث (طبيعة التحالف الاجتماعي الحاكم - طبيعة الرغبات الشخصية للرئيس مبارك وأسرته).
    قدرات قوى وحركات المعارضة المصرية، وتحديدًا قوى:
        محمد البرادعى وأنصاره.
        قوى المجتمع المدني.
        أحزاب المعارضة الرسمية.
        جماعات وحركات اجتماعية متعددة.
        الإخوان المسلمون.
    طموحات ورغبات بعض قيادات المؤسسة العسكرية.
    قدرات أجهزة الأمن الداخلية.
    رغبات واتجاهات الولايات المتحدة، وقوة تأثيرها على مفاصل الدولة المصرية (الجيش ـ رجال المال والأعمال ـ المخابرات.. إلخ).

أولا: مشروع التوريث
ثانيًا: السيناريوهات المحتملة أمام الرئيس مبارك والنظام الحاكم

مشروع التوريث

لم يعد مشروع توريث الحكم إلى نجل الرئيس المصري مجرد اختيار شخصي وعائلي للرئيس مبارك والسيدة زوجته فقط، لكنه صار اختيار تحالف اجتماعي واقتصادي وسياسي لجماعات المال والأعمال المرتبطة بالنظام والحكم (تعدادهم ألفا رجل تقريبًا)، وهؤلاء يمتلكون حوالي 24% من الدخل القومي  أي حوالي 200 مليار جنيه سنويًا، كما أن ارتباطاتهم بالغرب وإسرائيل قوية. بيد أن  ظهور محمد البرادعى قد أعاق المقبولية الجبرية لدى المواطنين ودوائر متعددة لهذا الاختيار.

السيناريوهات المحتملة أمام الرئيس مبارك والنظام

إذا كان مشروع التوريث كذلك، فما السيناريوهات المحتملة أمام الرئيس مبارك ونظامه؟

في رأينا هناك أربعة سيناريوهات لا خامس لها:

السيناريو الأول: التمديد
أن يقوم الرئيس مبارك بالتمديد لنفسه (يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية العام القادم)؛ لكن هذا المسار تكتنفه عدة مخاطر:

    "
    الحالة الوحيدة التي يمكن تصور ظهور موقف سياسي للمؤسسة العسكرية خارج العملية المرسومة لتوريث الحكم أو التمديد للرئيس مبارك نفسه هي حدوث حالة إضرابات واسعة في شوارع المدن المصرية تخرج عن نطاق سيطرة قوات الأمن الداخلية.
    "
    أن حالته المرضية قد تتدهور فيضع النظام في نفس الورطة.
    أن حالته الذهنية لا تجعله قادرًا على السيطرة على الأمور؛ فتنشأ مراكز قوى متصارعة داخل النظام (ديوان الرئيس ـ المخابرات ـ قيادة الجيش ـ الداخلية ـ الحزب الوطني.. إلخ ).
    ربما يؤدي ضعفه إلى بروز تمردات أو طموحات خارج نطاق السيطرة لدى المؤسسة العسكرية أو لدى أي طرف داخل مؤسسات القوة.
    وربما يؤدي ضعفه كذلك إلى تفكك داخل حزب النظام (الحزب الوطني الحاكم)، وزيادة حدة الصراعات بين أشخاصه وشِلله وجماعاته؛ لأن بقاء التماسك الشكلي الحالي لهذه المؤسسة الحزبية مرهون بعدة أشخاص منهم (الرئيس مبارك نفسه ـ صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى وأمين عام الحزب الحاكم ـ زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية) أكثر من أي شخص آخر بمن فيهم جمال مبارك.

وبرغم المخاطر المصاحبة لهذا المسار فربما يكون هو الأقرب إلى طبيعة شخصية الرئيس مبارك المتمسك بالحكم حتى آخر نفس كما قال وأكَّد قبل ذلك، وكذلك لضمان ولاء المؤسسة العسكرية.

السيناريو الثاني: التوريث
يقوم هذا السيناريو على فرضية إسراع الرئيس مبارك ونظامه الحاكم في توريث الحكم إلى نجله جمال خلال الشهور القادمة، وذلك عبر:

    ترفيعه لمنصب رئيس الوزراء (تؤول السلطة مؤقتا لرئيس الوزراء في حال وفاة الرئيس لحين إجراء انتخابات بحسب التعديلات الأخيرة للدستور).
    أو توليته منصب الأمين العام للحزب الحاكم (مع ترضية صفوت الشريف بمنصب رفيع آخر).
    إجراء انتخابات رئاسية يدخل فيها جمال مبارك كمرشح عن الحزب الوطني والفوز بها؛ لأنها لا تتوفر على ضمانات النزاهة خاصة بعد استبعاد الإشراف القضائي الكامل عليها.

لكن هذا السيناريو تكتنفه أيضا عدة مخاطر أبرزها ما أحدثه ظهور البرادعى من شرخ عميق في صيرورة هذا المشروع (لدى رجل الشارع ـ لدى قطاعات واسعة من النخبة ـ لدى بعض قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية - والأهم لدى الولايات المتحدة والغرب الأوروبي). ومن المفيد القول هنا: إن نظام الرئيس مبارك سوف يعتمد في تمرير مشروع توريث نجله على هذه العناصر حصريا:

    رضا القوات المسلحة.
    تأييد أجهزة الأمن الداخلي.
    مساندة الحزب الحاكم.
    قبول الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل بالوريث.

غير أن العنصرين الحاكمين في تقديري هنا، هما:

    القوات المسلحة.
    أجهزة الأمن الداخلي.

وفي تقديري كذلك فإن الغرب عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا هما أقل حماسًا لمشروع التوريث بعد ظهور البرادعي.

السيناريو الثالث: نقل السلطة فى إطار جماعي شبه عسكري
ويقوم هذا السيناريو على فرضية نقل الرئيس مبارك السلطة سلميًا إلى ما يمكن أن يُطلق عليه إطار جماعي شبه عسكري، وذلك عن طريق:

    تعيين نائب للرئيس من داخل المؤسسة العسكرية.
    أو تكوين إطار (هيئة جماعية) من مجلس الأمن القومي (وزير الدفاع ـ مدير المخابرات ـ وزير الداخلية ـ رئيس الوزراء ـ وزير الخارجية ـ أمين الحزب الحاكم).

لكن احتمالات هذا السيناريو ضئيلة للغاية لعدة اعتبارات:

    "
    إذا تحركت قوى المعارضة المصرية بفاعلية في الشارع وعلى امتداد معظم محافظات مصر ضد توريث الحكم لجمال مبارك وضد "الحزب الوطني"؛ فإن المؤسسة العسكرية غالبًا ستقطع الطريق على هذا المشروع برمته.
    "
    الأول: طبيعة التركيبة النفسية والذهنية للرئيس مبارك التي تميل إلى الانفراد بالحكم والقرار من ناحية، وترغب في توريث الحكم لابنه من ناحية أخرى.

    الثاني: أن هذا الإطار الجماعي هو بطبيعته خالق لتنازع وصراعات بين أطرافه ورموزه والمؤسسات التي تقف خلفهم.

    الثالث: أنها صيغة ربما تكون غير مقبولة لدى الولايات المتحدة والغرب عمومًا، ومعروف عن مبارك أنه يأخذ مواقف هذه القوى بعين الاعتبار بصورة كبيرة فى معظم تصرفاته وقراراته.

إذن فالأرجح -في تقديري- هو أحد السيناريوهين الأولين: التمديد لنفسه بكل ما يكتنف ذلك من مخاطر ومحاذير، أو توريث الحكم لنجله بكل ما في ذلك من منزلقات ومخاطر.

وبالتالي فإن مفتاح الموقف كله في أيدى ثلاثة عناصر من وجهة نظر النظام ورئيسه:

    المؤسسة العسكرية (قياداتها العليا).
    المؤسسة الأمنية (الداخلية).
    ثم القبول الغربى والأميركي بأحد السيناريوهين ودعمهما له.

بالنسبة للعنصرين الأولين (الجيش ـ الداخلية)
إذا كان معلوما أن الداخلية لا تستطيع أن تتخذ موقفًا منفردًا أو مستقلاً؛ لأنها محكومة بقرار الجيش وهيئة أركانه، فحينئذ لن يبقى سوى موقف المؤسسة العسكرية، وهنا لدينا عدة وقائع ومؤشرات:

    المؤشر الأول: ليس لدينا حركة أو موقف سياسي منظم داخل القوات المسلحة وهيئاتها من موضوع التوريث لنجل الرئيس، فهي ملتزمة فقط على -ما يبدو- بالقائد الأقدم لها وهو الرئيس مبارك نفسه.

    المؤشر الثاني: أن لدينا أيضًا حالة همهمة وعسعسة بين بعض كبار ضباط القوات المسلحة تجاه الوضع القلق وفكرة التوريث دون أن يتجرَّأ أحد على التحرك، أو الإقدام على إعلان موقف، أو حتى البوح لآخرين بموقف.

    المؤشر الثالث: أن القوات المسلحة كمؤسسة ومنذ عام 1979م قد أصبحت بحاجة ماسَّة للولايات المتحدة من حيث:
        التسليح.
        قطع الغيار.
        نمط التدريب.
        الدعم المالي (تتلقى المؤسسة العسكرية المصرية دعما سنويًا من الولايات المتحدة يتراوح بين 900 مليون دولار إلى 1300 مليون دولار، وهو الدعم الذي مثَّل عنصرًا مهما في تطوير قدرات هذه المؤسسة).

    المؤشر الرابع: أن القوات المسلحة المصرية وكبار قادتها لا يعتنقون أيديولوجية معينة يدافعون عنها، ويعادون ويصالحون انطلاقا منها أيا كانت هذه الأيديولوجية سواء أكانت إسلامية أم علمانية (باستثناء كراهيتهم للشيوعية)، وبالتالي فهي مؤسسة مهنية تخضع للهراركية التقليدية (التراتبية الإدارية والوظيفية).

وعليه فإن الحالة الوحيدة التي يمكن تصور ظهور موقف سياسي للمؤسسة العسكرية خارج العملية المرسومة لتوريث الحكم أو التمديد للرئيس مبارك نفسه هي حدوث حالة إضرابات واسعة في شوارع المدن المصرية تخرج عن نطاق سيطرة قوات الأمن الداخلية.

وهنا سوف تتبنى القيادة العليا للجيش (هيئة الأركان) موقفًا مغايرًا مستندة فيه إلى:

    مشروعية الحفاظ على السلم الأهلي.
    إظهار نفسها بأنها لا تقوم بانقلاب عسكري حفاظًا على علاقاتها بالولايات المتحدة، وتجنبًا لحصار أوروبي وأميركي ضدها (نموذجا النيجر وموريتانيا ماثلان في الأذهان).

وهناك مؤشرات ووقائع عديدة تعزز من احتمالات هذا السيناريو، منها:

    إجراء الجيش لأكثر من مناورة جزئية على انتشار مكثف لسرايا الشرطة العسكرية المدعومة بالمدرعات الخفيفة فى المدن المصرية.
    تواجد عناصر من المخابرات الحربية في معظم مظاهرات واجتماعات قوى المعارضة منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2004م حتى الآن.
    إعداد خطط طوارئ وخرائط عمليات بالمدن المصرية في حال تطلب الموقف التدخل العسكري المباشر.

السيناريو الرابع والأخير: حالة الوفاة المفاجئة للرئيس
ويقوم هذا السيناريو على فرضية وفاة الرئيس المصري حسني مبارك (82 عاما) فجأة، وهنا سوف نجد أنفسنا إزاء مؤسستين داخل النظام والحكم:

    "
    القوات المسلحة المصرية وكبار قادتها لا يعتنقون أيديولوجية معينة يدافعون عنها، ويعادون ويصالحون انطلاقا منها أيا كانت هذه الأيديولوجية سواء أكانت إسلامية أم علمانية.
    "
    المؤسسة العسكرية والأمنية بكل روافدهما.
    مؤسسة "الحزب الوطني"، وجماعات رجال المال والأعمال المتربعة على عرشه، والمسيطرة على مفاصله.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن إجراء توافق بين طموحات كل من جمال مبارك وقيادات المؤسسة العسكرية. ولكي تكون الإجابة دقيقة على هذا السؤال ينبغي معرفة أن ذلك سيتوقف على عنصرين مهمين سيلعبان دورا في تحديد اتجاه ومسارات الأمور:

    الأول: تأثير المعارضة المصرية في الشارع ودرجة فاعليتها في تلك اللحظة المفصلية (لحظة وفاة الرئيس).
    الثاني: الولايات المتحدة (ومعها الغرب الأوروبي) وحسابات المصالح الخاصة بها ولا سيما فيما يتعلق باستمرارية الدور المصري الداعم لهذا المصالح في المنطقة.

وتقديـري أنه
إذا تحركت قوى المعارضة المصرية بفاعلية في الشارع وعلى امتداد معظم محافظات مصر ضد توريث الحكم لجمال مبارك وضد "الحزب الوطني"؛ فإن المؤسسة العسكرية غالبًا ستقطع الطريق على هذا المشروع برمته.

أما إذا ظلت المعارضة مجرد كيان شاحب لا تأثير له فإن تناغمًا في المصالح بين الطرفين –وبتأثير من الولايات المتحدة- سيؤدي إلى انتقال السلطة بصورة ما إلى "مرشح الحزب الوطني" المقبول من قادة المؤسسة العسكرية (أيًّا كان اسم هذا المرشح).

من هنا يأتي الدور التاريخي والمصيري المنوط بالقوى الوطنية المصرية أن تلعبه في الفترة القادمة لإفشال كل هذه السيناريوهات وإقرار السيناريو "الطبيعي" القائم على توفير كافة الضمانات اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية شفافة تعبر عن الخيار الحقيقي للشعب، حتى تتجنب البلاد الانزلاق إلى مخاطر لا يعلمها إلا الله

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى