21/01/2017
25/08/2016
07/05/2016
06/03/2016
30/10/2015
15/05/2012
عمار علي حسن : ساعة الثورة وكسر المحرمات
-
لعبت الثورة دوراً مهماً فى كسر المحرمات السياسية إذ هدمت جدران الرهبة بين السلطة والجماهير، وعَرّت الحكام، ووضعتهم فى مرمى نيران النقد اللاذع والسخرية الزاعقة الحارقة، بأشكال وصيغ غير مسبوقة، ولم يعد أحد منهم بمنأى عن التناول والتداول الذى لا حدود له، ولا قيود عليه. وعلى التوازى انكسر تابوهان آخران يرتبطان بالدين والجنس، أو بالأحرى يتعلقان بالفهم الخاطئ والمتزمت والأحكام التقليدية الجامدة للدين، لاسيما التركيز على الطقوس والمظهر لا النفوس والجوهر، وكذلك المبالغة المَرضية فى الخوف من كل ما يتعلق بالجنس، وكأنه ليس السبب فى استمرار الحياة على الأرض، أو أنه لا يحظى بأهمية قصوى لدى الناس أجمعين.
وحدث هذا نتيجة أمرين، الأول أن الثورة ذات طابع شعبى، شاركت فيها الملايين فجأة، وهى صاحبة الحق فى إنجاح موجاتها الأولى بلا منازع. وبعد أن كان تجاوز هذه «المحرمات الزائفة» مقتصراً على النخبة، اتسع هذا التجاوز ليطوق قطاعات عريضة من البشر، لأن حركة النقاش وفيض الجرأة والشجاعة سار على التوازى فى العالمين «الافتراضى» و«الواقعى» وإذا كان الأول يتمتع بالنفاذية واختراق السدود، لاسيما من خلال «الشبكات الإلكترونية للتواصل الاجتماعى»، فإن الثانى زاد نشاطاً وتمكناً نتيجة روح الإقدام التى نفختها الطليعة الثورية فى نفوس الجموع التى كانت تنتظر الإشارة الأولى للخروج العارم فى غضب واحتجاج. وحين تجاور الناس وتحاوروا فى الميادين والشوارع تساند بعضهم على بعض، وتبادلوا التحفيز والتشجيع، فأصبحوا يكسرون الكثير من الأشياء التى فرضت عليهم بوصفها «محرمات» لا يجب الاقتراب منها أو الوقوع فى دائرة الاشتباه حولها مع أن الأمر ليس كذلك، إنما هو من صنع الأيادى والعقول الخشنة التى حرصت طيلة الزمن الفائت على قهر المواطنين تحت لافتات عديدة.
أما الأمر الثانى فهو رفع هذه الثورة شعار «الحرية» و«الكرامة»، ونيل الأولى وحيازتها لا يمكن أن يتم على الوجه الأكمل، وهناك إجراءات وتدابير سياسية وآراء وفتاوى فقهية تقيدها بقسوة وتجبر، رغم أن النص القرآنى الكريم رفع من شأنها وجعل «التفكير فريضة» ودعا إلى تحرير الناس من الاستسلام لكل ما يستعبدهم ويسلب إرادتهم، وجعل علاقتهم بربهم مباشرة لا وساطة ولا وصاية فيها لأحد. أما الثانية فكان بعض انتهاكها يتم من زاوية إزكاء المحرمات والتلبيس على العقول بالمبالغة فيها.
لكن هذا التطور الفكرى والاجتماعى يبقى حتى هذه اللحظة فعلاً فردياً، الأمر الذى يضعف قدرته الدافعة وإمكانياته الكامنة على التغيير، بغية صنع واقع جديد ينتصر لإنسانية الإنسان. وقد بات الأمر بحاجة ماسة إلى «تنظير» و«تنظيم»، فالأول يضع الإطار أو التصور الشامل الذى نعود إليه ونحن ندافع عن الحريات الفردية والعامة، والثانى هو ركيزة أساسية لدوام هذا الدفاع وتعزز أنصاره بمرور الزمن.
18/10/2011
عمار علي حسن : فيه إيه يا مصر؟
هذا عنوان مسرحية تعرض حالياً على مسرح السلام بشارع قصر العينى، شاهدتها يوم الجمعة الماضى، ولم أشعر بأن الساعات الثلاث التى قضيتها ناظراً إلى ما يجرى، منصتاً إلى ما يقال ويغنى، قد ذهبت سدى، أو ضاعت بلا جدوى، بل على النقيض من هذا تماماً،
تعزز إيمانى بروعة الفن وجلاله ودوره الكبير فى تزكية الوعى وتبصير الناس بسبل معالجة مشكلاتهم الاجتماعية والسياسية المزمنة، فضلاً عما تقره الفنون فى العقول من معان، وما تدعه فى النفوس من صفاء وبهاء وجمال.
كل شىء يتعلق بـ«الاحتقان الطائفى» كان معروضاً على خشبة المسرح، أسبابه وجذوره، أعراضه وأمراضه، مساره وتداعياته، آثاره ومآسيه. ولأن أحزان ما جرى فى ماسبيرو كانت حاضرة فى جنبات المكان وفى انشغال الرؤوس وفى وخز الضمائر الحية،
تفاعلت مع العرض بافتتان ووعى، ساعدنى على ذلك ليس فقط حضور التفاصيل المروعة ليوم الأحد الدامى، بل أيضاً جاذبية المسرحية واقتدار الممثلين واحتشادهم بالنص وإيمانهم بالقضية واحتفاؤهم بالجمهور، ورغبتهم الصادقة فى أن يصل صوتهم إلى كل ذى عين بصيرة وعقل فهيم.
هذا يغفر للمسرحية أى عيوب تصمها سواء كانت المباشرة أو الوعظ أحياناً أو إقحام مشهد معين، فما بها من عناصر فنية أخرى وما انطوت عليه من عطاء ملحمى رغم قلة الإمكانيات يمحو أى نقص، كما أن القضية التى تعالجها المسرحية تجعل عرضها فى هذه الآونة ضرورة، واستمرارها واجباً، وخروجها من أروقة مسرح السلام إلى مسارح أخرى داخل القاهرة وخارجها سبيلاً لتعميم الاستفادة وتوسيع دائرة المتعظين منها، والمتفاعلين معها، والمتأثرين بها.
ولا تكتفى المسرحية بالتمثيل بل تعرج على الغناء والاستعراض وتضعهما فى مكانهما اللائق، وتوظفهما لخدمة النص والمعنى، فلا تشعر فى الغالب الأعم بأن هناك شيئاً نافراً أو منفراً، أو يوجد ما يشذ عن خط سير وسرد الحكاية التى تنطوى عليها المسرحية، وهى حكاية عادية تجرى فى الشوارع الخلفية والقرى والنجوع البعيدة،
لكنها لا تحظى بتسليط أى ضوء، فالانشغالات والأضواء مسلطة على السلبيات فحسب، بينما الإيجابيات ينظر إليها على أنها شىء معتاد وعادى ومتكرر ولا حاجة إلى لفت الانتباه إليه.
إنها حكاية أسرتين مصريتين تتجاوران فى السكن وتتفقان فى الأحلام، إحداهما يدين أفرادها بالإسلام والأخرى بالمسيحية. وتنشأ صداقة بين الولد المسيحى «سامى» والبنت المسلمة «مريم»، وتتبادل أماهما رضاعتهما فتصير بينهما أخوة فى الرضاعة، ويحتفظان بعلاقاتهما البريئة العفيفة الصادقة طيلة السنين حتى يتزاملا فى كلية الطب،
ولا تروق هذه العلاقة للمتطرفين من الجانبين، فشباب مسيحيون على شاكلة من ينصتون إلى أفكار «الكتيبة الطيبية» يعيبون على أبى سامى حرصه على صداقة جاره المسلم، وينتقد شباب مسلمون ينتمون إلى تيار «الإسلام السياسى» أبا مريم على أنه يترك ابنته صديقة لـ«سامى». ويشتد الصراع بين الجانبين، وتحدث مواجهة تهدم فيها قبة كنيسة ومئذنة جامع وتسيل دماء فى لحظة توحش جارح وصراع فاتك لا يراعى جوهر الأديان ولا مصلحة الأوطان.
وهنا يجد أستاذهما بالكلية نفسه مسؤولاً عن إيجاد مخرج من هذا المأزق، فيوقف دروس الطب ويبدأ فى رحلة طويلة لتدريبهم على فن التعايش وقبول الآخر مستغلاً ثقافته العريضة، التى تمكنه من أن يستند دوماً إلى القرآن والإنجيل وأقوال الفقهاء وأحكامهم وشروح القديسين وتصوراتهم، ويحيل كذلك إلى الحكم والأمثال والشعر، ثم يستعيد مشاهد نادرة من التاريخ تحض على التسامح المتبادل أبطالها أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز والنجاشى ملك الحبشة والصحابى الجليل أبو ذر الغفارى. وهكذا يبدأ الطرفان مراجعة الأفكار المغلوطة،
ويتعلمان كيف يتعاونان على مواجهة تصاريف الحياة، ويتركان الحكم على العقائد لله يوم القيامة. ويعطى صاحب فكرة المسرحية ومخرجها الأستاذ ياسر صادق ومعه مؤلفها سراج الدين عبدالقادر نهاية مبتغاة حيث يظهر فى المشهد الأخير شبان مسيحيون يرممون المئذنة المترنحة، وشبان مسلمون يعيدون القبة المنهارة.
كل هذا يتم فى ركاب ملحمى متعدد المسارات نستمع فيه إلى ابتهالات وأغان وأشعار تنساب وسط تمثيل بارع من الأساتذة طارق الدسوقى وياسر صادق ومحمد رمضان وراندا البحيرى ومعهم تسعة عشر ممثلاً وممثلة، وثلاثة وعشرون فتاة وشاباً من طلبة معهد الفنون المسرحية، علاوة على فرقة استعراضية، ويعمل هؤلاء جميعاً وسط تفاعل خلاق مع الجمهور على طريقة «مسرح المقهورين» بما أثرى العمل وعزز قابليته وجاذبيته.
وقد أحزننى فور انتهاء العرض أن سمعت من مخرجه ومؤلفه وأبطاله أنه سينفض قريباً، مع أننى تمنيت له طول بقاء ولاسيما فى الظروف الصعبة التى نعيشها، والتى نحتاج فيها إلى الفن الهادف ليكون رافداً من روافد القضاء على الاحتقان الطائفى وإعادة مجتمعنا إلى سابق تماسكه وتسامحه.
ومن أجل ذلك أتمنى أن يلتفت وزير الثقافة الدكتور عماد بدر أبوغازى إلى هذا العمل ويمد له يده فيساعده على أن يُعرض فى مسارح أخرى خارج القاهرة، كما أتمنى أن تلتفت الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة إلى هذه المسرحية فتعرضها على مسارح الجيش ليراها جنودنا البواسل، مسلمين ومسيحيين. فما أحوجنا إلى فن يسهم فى تقويض التعصب والكراهية ويساعد فى قيام الحياة على التعاون والمشاركة والمحبة، وما أحوجنا إلى كل ما يقضى على الاحتقان الطائفى فيرديه قتيلا ويلقيه فى سلة التاريخ، ويقى مصر من آثام الغلو الدينى وشرور الفتن، ما ظهر منها وما بطن.