-
لعبت الثورة دوراً مهماً فى كسر المحرمات السياسية إذ هدمت جدران الرهبة بين السلطة والجماهير، وعَرّت الحكام، ووضعتهم فى مرمى نيران النقد اللاذع والسخرية الزاعقة الحارقة، بأشكال وصيغ غير مسبوقة، ولم يعد أحد منهم بمنأى عن التناول والتداول الذى لا حدود له، ولا قيود عليه. وعلى التوازى انكسر تابوهان آخران يرتبطان بالدين والجنس، أو بالأحرى يتعلقان بالفهم الخاطئ والمتزمت والأحكام التقليدية الجامدة للدين، لاسيما التركيز على الطقوس والمظهر لا النفوس والجوهر، وكذلك المبالغة المَرضية فى الخوف من كل ما يتعلق بالجنس، وكأنه ليس السبب فى استمرار الحياة على الأرض، أو أنه لا يحظى بأهمية قصوى لدى الناس أجمعين.
وحدث هذا نتيجة أمرين، الأول أن الثورة ذات طابع شعبى، شاركت فيها الملايين فجأة، وهى صاحبة الحق فى إنجاح موجاتها الأولى بلا منازع. وبعد أن كان تجاوز هذه «المحرمات الزائفة» مقتصراً على النخبة، اتسع هذا التجاوز ليطوق قطاعات عريضة من البشر، لأن حركة النقاش وفيض الجرأة والشجاعة سار على التوازى فى العالمين «الافتراضى» و«الواقعى» وإذا كان الأول يتمتع بالنفاذية واختراق السدود، لاسيما من خلال «الشبكات الإلكترونية للتواصل الاجتماعى»، فإن الثانى زاد نشاطاً وتمكناً نتيجة روح الإقدام التى نفختها الطليعة الثورية فى نفوس الجموع التى كانت تنتظر الإشارة الأولى للخروج العارم فى غضب واحتجاج. وحين تجاور الناس وتحاوروا فى الميادين والشوارع تساند بعضهم على بعض، وتبادلوا التحفيز والتشجيع، فأصبحوا يكسرون الكثير من الأشياء التى فرضت عليهم بوصفها «محرمات» لا يجب الاقتراب منها أو الوقوع فى دائرة الاشتباه حولها مع أن الأمر ليس كذلك، إنما هو من صنع الأيادى والعقول الخشنة التى حرصت طيلة الزمن الفائت على قهر المواطنين تحت لافتات عديدة.
أما الأمر الثانى فهو رفع هذه الثورة شعار «الحرية» و«الكرامة»، ونيل الأولى وحيازتها لا يمكن أن يتم على الوجه الأكمل، وهناك إجراءات وتدابير سياسية وآراء وفتاوى فقهية تقيدها بقسوة وتجبر، رغم أن النص القرآنى الكريم رفع من شأنها وجعل «التفكير فريضة» ودعا إلى تحرير الناس من الاستسلام لكل ما يستعبدهم ويسلب إرادتهم، وجعل علاقتهم بربهم مباشرة لا وساطة ولا وصاية فيها لأحد. أما الثانية فكان بعض انتهاكها يتم من زاوية إزكاء المحرمات والتلبيس على العقول بالمبالغة فيها.
لكن هذا التطور الفكرى والاجتماعى يبقى حتى هذه اللحظة فعلاً فردياً، الأمر الذى يضعف قدرته الدافعة وإمكانياته الكامنة على التغيير، بغية صنع واقع جديد ينتصر لإنسانية الإنسان. وقد بات الأمر بحاجة ماسة إلى «تنظير» و«تنظيم»، فالأول يضع الإطار أو التصور الشامل الذى نعود إليه ونحن ندافع عن الحريات الفردية والعامة، والثانى هو ركيزة أساسية لدوام هذا الدفاع وتعزز أنصاره بمرور الزمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى