روزاليوسف اليومية
يوم واحد كان الأصعب في حياة اللواء "عمر محمود حسين سليمان" تولي فيه رئاسة الجمهورية بعد أن نقل الرئيس المخلوع صلاحياته إليه بموجب التفويض الرئاسي الذي منحه له الدستور المصري في 10 فبراير الماضي وقبلها عينه مبارك في 29 يناير نائبا لرئيس الجمهورية وهو المنصب الذي حرم منه سليمان بالقصد والتدبير علي مدي عشرة أعوام كاملة.
وربما لا يعرف غير عدد قليل أن مبارك ناشد سليمان لدرجة الاستعطاف كي يقبل المنصب، إذ كان سليمان يشكل له طوق النجاة الأخير ولأن الرجل كان قدره دائما الوقوف أمام العواصف فقد قبل وهو يعلم بخبرته الطويلة أن مبارك قد انتهي ومن ورائه النظام.
وفي الواقع سجلت تقارير سليمان السرية فساد مبارك ونظامه إلا أن هذه التقارير ربما لا يفرج عنها التاريخ إلا بعد أعوام طويلة يكون الرجل قد حرم فيها حتي من أن يشكره أو يتذكره أحد.
تلك التقارير سجلت أن سليمان كان ضد جمال مبارك علي طول الخط وتذكر واقعة شهيرة نادي فيها جمال في بداية عام 2010 علي سليمان ب"سليمان" دون ألقاب فما كان من الاخير يومها غير أن التفت لجمال وقال له: "احترم نفسك يا ابني" وأضافت التقارير أن سوزان مبارك وزكريا عزمي وصفوت الشريف وجمال عبد العزيز كونوا عصابة حالت دون تعيين الرجل في منصب نائب الرئيس كما دبروا له عملية اغتيال متكاملة ذكرت في الملفات وجاءت في قصة لقناة فوكس نيوز الأمريكية، ففي ساعة متأخرة من مساء 29 يناير الماضي وبعد ساعات قليلة من تعيينه في منصب نائب الرئيس أفاقت عصابة القصر ومعهم سوزان وجمال علي قرار مبارك وشعروا بالمصيبة وأدركوا بحنكة السياسة أنه قد أصبح الرئيس الفعلي لمصر وأن جمال قد انتهي وهم وراءه فقرروا قتله وإنهاء قصته وعند تحركه في شارع الخليفة المأمون في اتجاه روكسي بموكبه الذي كان يضم ثلاث سيارات تعرض لكمين حقيقي قتل فيه حارسان من أبناء المخابرات ومعهما سائق العربة الأولي التي أخذت أكبر دفعات من الرشاشات الآلية بعد أن أطلقت عليهم من داخل عربة إسعاف مسروقة ولولا القدر لكانوا قضوا علي الرجل الذي أنقذه أن خطة السير وضعته في سيارة بعيدة عن الموكب، ولأن الجاني معروف فلم يعلن حتي يومنا هذا عما حدث وكأنها حادثة مرور مع أن كل من كان في عربة الإسعاف قد قضي عليه.
سليمان هو من أقنع مبارك بالتنحي يوم 11 فبراير إذ أعلن لمبارك طبقا لما سجلته أوراق التاريخ أنه من مساء يوم 10 فبراير الماضي قد رفع يده من مساندته بعد أن سالت دماء الشعب علي حد تعبير سليمان يومها وهو أيضا من سلم السلطة طواعية للمجلس الأعلي للقوات المسلحة مع أنه كان وقتها الرئيس، ومثبت أنه سلم لمبارك وكشف له طيلة أيام الثورة جميع الصور والأفلام والمعلومات التي أفادت بأن العادلي قد طغي بالبلاد وراح يقتل الشعب وهو أيضا من شهد عليهم في تحقيقات قضية مقتل الثوار التي ستنظر في 3 أغسطس القادم إذ سيكون شاهدا رئيسيا فيها ضد المخلوع ونظامه.
وثائق «ويكيليكس» لو كان لديها علي سليمان معلومة لكانت فضحته دون تأخير ومنها نجد لقاءه في 30 إبريل 2009 مع الأدميرال "ميخائيل مولين" رئيس قيادة الأركان المشتركة الأمريكية، وفي الجلسة تسجل السفيرة مارجريت سكوبي سفيرة الولايات المتحدة بمصر أن سليمان رفض بشدة مخطط تقسيم السودان وأن مبارك وافق، وأن الأول رفض أيضا مخطط التوريث في مصر وحذر الولايات المتحدة منه وأنه رفض العدوان علي غزة من قبل إسرائيل.
أما مستند ويكيليكس في تاريخ 12 نوفمبر 2009 فقد أثبت أن سليمان كان مع ملف التقارب الافريقي بقوة وهو ما تؤكده جلسته مع نائب مستشار الرئاسة الأمريكية للشئون الافريقية "جوني كارسون" وفي اللقاء شرح سليمان خطة جهازه لمساعدة الصومال وإثيوبيا، وهو عكس ما قيل عن أنه من ساهم في ضرب ملف العلاقات المصرية الافريقية حيث كان المسئول عنها هو أحمد أبو الغيط وزير الخارجية ومبارك نفسه.
أما الادعاء بأنه تورط في تعذيب معتقلي جوانتانامو فهو موجود في الوثيقة بتاريخ 1 أغسطس 2005 وفيها نكتشف جانبا مهما فقد كان الدور الوحيد للمخابرات المصرية هو تسلم الذين تلقي الولايات المتحدة القبض عليهم من المصريين في افغانستان وباكستان وبعدها كان ينقل المعتقل لولاية حبيب العادلي ومن بعد ذلك كان يضرب المعتقلين بأمر العادلي الرجل الذي جعل التعذيب حرفة في مصر وليس سليمان الذي زج باسمه في القضية دون أن يدرك القارئ أن له صلاحيات محددة في القانون وهي أن يتسلم المصريين المتهمين في قضايا أمنية وإرهابية دولية من الاجهزة الأجنبية ومن ثم ينقلهم للجهة المختصة بالتحقيق الفعلي معهم في وزارة الداخلية.
سليمان مواليد 2 يوليو 1936 متزوج وله ثلاث بنات رجل من محافظة قنا بصعيد مصر في عام 1954 انتقل مع أسرته إلي القاهرة ليحقق حلم والده أن يكون ضابطا مثل عبد الناصر وقد التحق بالكلية الحربية مع أن مجموعة الدراسي كان 96% في القسم العلمي، وفي الأكاديمية العسكرية تخرج وكان من الأوائل وكرمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في حفل التخرج ويومها بكي والده كثيرا حيث تحقق حلمه.
وشارك سليمان في حروب مصر كلها بداية من حرب اليمن لحرب 1967 حتي أكتوبر 1973 وحصل علي شهادة الأركان من أكاديمية فرونزي العسكرية بالاتحاد السوفيتي كما أنه يحمل درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة ومن جامعة عين شمس ونفس الدرجة في العلوم العسكرية من كلية الأركان المصرية، وقد تولي سليمان منصب رئيس فرع التخطيط العام في هيئة عمليات القوات المسلحة ثم عين نائبا لمدير المخابرات الحربية في عام 1986 ثم مديرا للمخابرات الحربية من 1991 حتي 1993 وهو أعرق جهاز مخابرات مصري كلاسيكي وهو الأقدم قبل المخابرات العامة وفي 22 يناير 1993 تم تعيينه في منصب المدير ال15 لجهاز المخابرات العامة المصرية خلفا للواء "نور الدين عفيفي".
وللتاريخ فإن سليمان هو أقدم مدير من حيث أعوام الخدمة بجهاز المخابرات العامة المصرية والمحدد فيها للمدير فترة 3 أعوام فقط ولا يوجد ممن سبقوه من خدم أطول حتي اللواء "صلاح نصر خدم لمدة 10 أعوام من عام 1957 حتي عام 1967 ويعد سليمان رسميا أول رئيس للمخابرات المصرية يتم الكشف عن اسمه وصورته وبياناته بداية من عام 1996 حيث برز من يومها حقيقة الدور السياسي الذي يلعبه الجهاز.
واتهم سليمان بسبب نظام مبارك باتهامات متعددة غير أن جميع الجهات الرقابية التي حققت مع جميع التحريات الرسمية أشارت إلي أن الرجل كان شاهدا ولم يشارك حتي إن سجلات المرور نفسها لا تسجل له ملكية عربة شخصية واحدة والسبب لا يندرج تحت بند السرية مثلما يمكن أن يفكر البعض.
وهنا كان يجب أن نعود لقانون جهاز المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971 ومن الرسميات نتعرف علي حقيقة دور رئيس المخابرات بشكل عام حتي نعرف حقيقة الرجل، فالجهاز له دور محدد في الحصول علي المعلومات السياسية والاقتصادية والعسكرية من جميع الجهات خارج الدولة والقيام بتجميع المعلومات وتحليلها وعمل التقديرات لرفعها للقيادة السياسية المتمثلة في رئيس الدولة كما يقوم الجهاز بنشاط تجميع المعلومات عن النشاط المناهض للدولة وسلامتها المتمثل في مكافحة الجاسوسية والنشاط الهدام ويقوم الجهاز بنشاطات سياسية غايتها تأمين مصالح مصر القومية وتحسين علاقاتها بجميع الدول.
وتشير الأوراق لتعرض سليمان للعديد من النقض في قضايا محددة أهمها علاقة مصر وإسرائيل وملف دول حوض النيل والملف الافريقي بشكل عام، وهنا يجب أن نعرف أن مبارك كان من الذكاء ليدفع بالرجل للقاء الإسرائيليين حتي يمكنه حرق ورقته من هذا المنطلق وقتما يشاء وفي الواقع أن سليمان لو تذكرنا كان مديرا للمخابرات بمعني أنه علي رأس أرفع جهاز أمني مصري ومهمة جهازه في الأساس التعاون والاتصال بالأجهزة الموازية في كل دول العالم ومن هنا كانت الإجابة في أنه عندما يقابل الإسرائيليين أو الأمريكيين أو مثلا وفدا من مخابرات الصين أو جزر القمر يكون الدافع واحداً هو مصلحة مصر ويكون من أرسله وكلفه بتلك الزيارات واحداً هو رئيس الجمهورية.
لقد سجلت تقارير المخابرات المصرية الموجودة علي مدي نظام مبارك كل الفساد ومن بدايته، بل رفعت تقارير الفساد حتي عن المركزي للمحاسبات نفسه لرئيس الجمهورية ويوجد بها معلومات وافية وحقائق واقعة عن فساد النظام ولم يتصرف الرئيس المخلوع حامل الشرعية.
سألنا مستشارين وسياسيين وخبراء أمن وزملاء للرجل هل كان عمر سليمان فاسدا؟ فجاءت الإجابة التي نسجلها بأن الرجل كان أبعد ما يكون عن أن يصفه أحد بذلك، بل كان مناضلا في السر ولو كانت عليه شائبة واحدة فليكشفها من يملكها علي حد تعبيرهم غير أن الجميع أجمعوا علي أنه لديه مشكلة واحدة من وجهة نظرهم وهي الولاء الزائد عن الحد وهو من أنقذ الرئيس المصري يوم حادثة أديس أبابا 1995 بأن أصر طبقا لمعلومات لديه علي إرسال عربة مصفحة لأديس أبابا قبل الزيارة بيوم واحد.
سليمان لم يكن يحب النميمة وكان ينسحب من جلساتها لينفذ عمله وكان عدواً معلنا لزكريا عزمي وصفوت الشريف، وكانت سوزان مبارك تترك القصر عندما يكون سليمان فيه.
وتذكر الوثائق حدوث اشتباكات كلامية بين سوزان وسليمان لم ينهها غير مبارك ولو كان هناك خطأ واحد لسليمان طيلة فترة خدمته لعزله مبارك دون تفكير، لقد كتب سليمان في تقاريره المطولة عن فساد ابني الرئيس وتجارتهما في أشياء كثيرة كان منها ما لا يمكن الصمت عنه.. فما كان من مبارك إلا أن أمر سليمان بالابتعاد عن أي ملف يخص الأولاد.
لقد رفض سليمان قتل الثوار وشهد ضد مبارك بأنه أوصل إليه كل المعلومات التي تؤكد صور القتل وجعله يشاهد أفلاما تصور وتثبت قتل الثوار، وكان سليمان عضوا بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة حتي 29 يناير 2011 عندما عين نائبا للرئيس لمدة 13 يوماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى