اللواء منصور العيسوي دمث ومثقف ويعطيك فورا إحساسا بالأبوة والحكمة ولم يتردد لحظة وهو يحكي لي ذكريات رائعة من تاريخه المهني، أن يخبرني برقم العقار الذي يسكن فيه ومكانه تفصيلا، وهو ما يشي بأننا أمام رجل شفاف غير منشغل بأبهة ومحاذير الأمن التقليدية، لكنني فعلا استغربت، وأعربت له عن هذا الاندهاش بحماس لم أبذل جهدا في ضبطه:
كيف تطبق دولة قانون الطوارئ ثلاثين عاما دون أي احتياج حقيقي، وبإصرار على نزع الحياة الطبيعية من البلد، وبكل افتراء وتعسف ضد الجماعات الدينية من تلك التى رفعت السلاح أو رفعت صوتها، ومن تلك التي شاركت فى الإرهاب، وتلك التي شاركت فى الانتخابات، بينما عندما يأتي وقت مثل الذي نعيشه، حيث انسحاب أمني غريب مريب منذ 28 يناير، ثم عودة متلكئة مترددة، ثم ظهور غير مكتمل واكتمال غير ظاهر، وحيث يتجول فى أطراف القاهرة وفى أحيائها الشعبية والعشوائية بلطجية ومسجلو خطر، وتشتعل الخناقات بالسلاح الأبيض والأحمر والأزرق، إذا بالداخلية لا تطبق قانون الطوارئ ولا تلجأ إلى استخدامه في مواجهة الانفلات الأمنى بالقبض على المشتبه فيهم ومسجلى الخطر والبلطجية، ثم إننا لا نريد اعتقالهم، بل احتجازهم في معسكرات الأمن المركزي لإعادة الطمأنينة للشارع واستعادة قدرة الشرطة والمجتمع على ردع الخارجين عن القانون، خصوصا أن كثيرا منهم يتم استخدامه من خلال عناصر كارهة للثورة وتعمل على ضربها، ثم إن هناك اتهاما لم يتم نفيه حتى الآن بأن شخصيات رسمية، وربما أمنية، تستعمل هؤلاء مسجلى الخطر فى مواجهات مطلوبة ضد ثوار يناير أو معتصميهم، لهذه الأسباب أعتقد أنه لا بد من تطبيق قانون الطوارئ.
وزير الداخلية قال بحسم مبتسم يوحى بأنه لا مجال للتراجع، إنه لن يطبق قانون الطوارئ، ولم يتم استخدامه منذ الثورة ولا فى أى حالة واحدة، وهذا أمر محسوم فى مجلس الوزراء ولدى الحكومة.
طبعا لا يمكن أن تفهم كيف يمكن تطبيق القانون العسكرى ومحاكمة متهمين مدنيين -بالقطع منهم بلطجية ومغتصبون- أمام المحاكم العسكرية؟ وهو أمر استثنائى ترفضه كل القوى الوطنية تقريبا، بينما يتم رفض تطبيق قانون الطوارئ، وهو قانون مدنى موضوع لمثل هذه الأيام الطارئة فى حياتنا، فإذا لم يطبق الآن متى يتم تطبيقة بالذمة؟!
وزير الداخلية كان راضيا خلال أكثر من مئة وعشرين دقيقة قضيتها معه فى مكتبه، عن درجة عودة الشرطة إلى الشارع، وكان تقديره أن الداخلية استعادت عافيتها بنسبة خمسة وستين فى المئة، وكان فخورا بعمليات بدت فعلا مدهشة ومجيدة حين حكى لى تفاصيلها، حيث تمكنت الشرطة خلال الأسبوعين الماضيين من القبض على عصابات تهريب أسلحة قادمة من ليبيا، حيث حملت سيارة للعصابة أربعة وثلاثين صاروخ «آر بى جى»، وهى الصواريخ الموجهة للدبابات والقادرة على نسف مبنى كامل بصاروخ واحد، كذلك كانت فى الحمولة ذاتها صواريخ «م.ط»، فلما سألت يعنى إيه «م.ط»؟ قال لى إن معناها مضاد للطائرات! كما برقت عينا الوزير سعادة وفخرا وهو يحكى عن ضبط أكبر عملية مخدرات حاولت الدخول إلى مصر منذ سنوات طويلة، فقد تمكنت شرطته من القبض على قافلة مخدرات تحمل ثمانية آلاف كيلو حشيش، أما القبض على الدكش الواد بتاع المنزلة، فقد كان حدثا مهما للغاية من وجهة نظر اللواء العيسوى، خصوصا أن الشرطة تمكنت من اقتحام الكوخ الذى اتخذه الدكش وكرا له فى قلب البحيرة، حيث يذهب إليه بلنشات ومحصن بحماية مسلحة تحيطه فى قلب بحيرة المنزلة، حيث كان يسطو على السفن فى القناة ويشارك فى عمليات تهريب كبرى!
الشرطة تعود بقوة يا أستاذ إبراهيم..
هذا خبر يسعدنا كلنا يا سيادة الوزير، ولعله لا يزعج سوى الدكش، لكن بقى أن نشعر نحن فعلا بعودة الشرطة.
رد الوزير بأن حكى لى عن زيارة وزير داخلية التشيك للقاهرة والاجتماع الذى ضمهما معا، حيث أخبره الوزير التشيكى أن بلاده مرت بمثل هذه الظروف تماما بعد سقوط الحكم الشيوعى ولم تنجح فى استعادة الأمن إلا بعد ثلاث سنوات تقريبا. وأضاف العيسوى: فلما نستعيد خمسة وستين فى المئة فى أربعة أشهر فقط يبقى أمرا عظيما، حيث لم يكن موجودا فى مبنى الوزارة بعد يوم 28 يناير إلا اللواء المسؤول عن اتصالات الشرطة ومعه خمسة أو ستة ضباط فقط!
لم أكن أنوى أن أخدش هذا الإحساس المطمئن والمثير للطمأنينة لدى اللواء منصور العيسوي حين سألته:
أين القناصة يا سيادة الوزير؟
نكمل غدا بإذن الله..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى