بمحاكمة مبارك تجاوزت مصر خطرين كبيرين، الأول بعدم محاكمته، تواطئاً أو تباطئاً، والثانى بمحاكمته استثنائياً فى محاكمة لا تتوافر فيها شروط المحاكمة العادلة أسوة بما كان يفعل، وكلاهما خطر كبير على مستقبل دولة القانون والمساواة التى يرغب المصريون فى بنائها.
والمؤكد أن يوم المحاكمة كان تاريخياً فى حياة المصريين، وبدا لافتاً غياب من يمكن وصفهم بـ«أنصار الرئيس المخلوع»، إذا استثنينا بضع مئات سموا أنفسهم «أنصار الرئيس»، فالاختفاء المفاجئ لمئات آلاف المؤيدين والمهللين والمصفقين لمبارك حين كان فى السلطة ونسيانهم الكامل له أمر قد يفسره البعض بثقافة النفاق الموجودة عند البعض، وهى رغم وجودها لا تفسر بالكامل حالة مبارك.
والمؤكد أننا إذا قارنا مبارك بأى زعيم أو سياسى فى تاريخ مصر الحديث (من سعد زغلول إلى جمال عبدالناصر) فسنجد أن شعبيته تكاد تصل إلى «الصفر» فى الشارع المصرى، وأن حزبه الوهمى الذى تحدث عنه أحمد عز باعتباره حصل على 97% من الأصوات فى الانتخابات الأخيرة لم نر منه إلا بضعة آلاف أمام مسجد مصطفى محمود حين كان هناك ملايين فى ميدان التحرير يطالبون بسقوطه، وبضع عشرات بعد سقوط نظام مبارك فى مشهد لم يتكرر مع أنظمة عربية أخرى أكثر ديكتاتورية مثل القذافى وبشار الأسد وعلى صالح، فكلهم كان لهم مئات الآلاف من الأنصار، إما لاعتبارات المصلحة أو القبلية أو الطائفية.
والمؤكد أن هناك من يقول فى مصر «حرام كفاية» اتركوا الرجل وشأنه، لكن هؤلاء يمثلون الطيبة المصرية المعتادة، وليس ولاء ولا إيماناً بمبارك، فهل يعقل أن يحكم رجل مصر 30 عاماً ولا يجد له أنصاراً مستعدين للدفاع عنه إلا إذا كان شخصاً أخرج الشعب من حساباته.
لقد استمر الوفديون يجهرون بوفديتهم وبولائهم لسعد زغلول ومصطفى النحاس بعد ثورة يوليو، وظل الناصريون يجهرون بولائهم لعبدالناصر رغم مواجهة السادات لهم، وظل تيار من المصريين يؤيد السادات رغم اغتياله والجدل الذى ثار حول كامب ديفيد، أما مبارك فلم يكن له لا مشروع ولا رؤية ولا حتى اهتمام بالناس. ليس هناك شك فى أن مبارك هو الحاكم الأسوأ فى تاريخ مصر الحديث، فلم تعرف البلاد حاكماً احتقر الشعب وأهانه مثلما فعل مبارك، فتفرج على كوارثه وآلامه كأنه ليس واحداً منهم، وأدار البلد بالمواءمات وقتل الكفاءات و«طفّشها» خارج البلاد وحوّل معظم مؤسسات الدولة إلى خرابات حقيقية، لأن المهم هو البقاء فى الكرسى وتوريثه إن أمكن.
مدهشة هى رسالة الشعب المصرى طوال الثورة حين رفع الناس يافطات تحمل صور عبدالناصر والسادات، وهى رسالة أكبر من أى انقسامات أيديولوجية عرفها المجتمع فى فترات سابقة، لأن كليهما ترك أثراً فى الناس على عكس مبارك الذى تجاهل الشعب بشكل كامل فتجاهله حتى من كانوا مؤمنين بخطه الرأسمالى وعلاقته بأمريكا وإسرائيل.
يجب ألا نتعامل مع مبارك بمشاعر الانتقام، فلنتركه لمحاكمة عادلة ونطوِ صفحته وننظر للمستقبل، لأن تحدياته أكبر وأخطر بكثير من محاكمة مبارك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى