آخر المواضيع

آخر الأخبار

07‏/08‏/2011

يسرى فودة يكتب : شرطة مَنْ؟

298
الشارع الذى أسكن فيه اتجاه واحد وكغيره من شوارع مصر يعج بالسيارات المركونة على جانبيه بغير وجه حق. عندما قدت سيارتى عصر الجمعة فى طريقى إلى إفطار عائلى فى قريتى قرب طنطا فوجئت بعد خطوتين بسيارة جيب خفيفة فى وجهى. وقعت عينى على لوحة الأرقام فقرأت كلمة «الشرطة».
وراء زجاجها لمحت ضابطين بالزى الأبيض. تقدم سائقها أكثر فتقدمت أنا أيضاً حتى صرنا وجهاً لوجه. مرت ثوان ثقيلة، فأنا أعرف أننى لن أتراجع عن حقى، ثم بدأت من وراء الزجاج أشرح لهما بيدى وأصابعى أن هذا الشارع اتجاه واحد. قرأت بكل وضوح ابتسامة اعتراف على وجهيهما يشوبها قليل من الخجل (أو هكذا طاب لى أن أتصور).

بعد ثوان أخرى ثقيلة حدثت «المعجزة» عندما بدأت سيارة الشرطة فى التراجع حتى أخلى سائقها الضابط فسحة من الطريق تكفى لعبورى. تقدمت وعندما اقتربت نافذتى من نافذته شعرت وكأنه يشعر بانكسار المهزوم فأصابنى جانب من التأثر. أخرجت رأسى من النافذة وقلت له مازحاً: «صباح الفل، هشتكيك للشرطة». انفجر كلاهما ضاحكاً وهما يجيبان فى نفس واحد: «رمضان كريم يا باشا».
فى كل ورقة على كل شجرة فى الطريق الزراعى - ولم يعد على جانبيه الكثير - ذكرى ترد الروح، وخليط من الصور والأصوات والروائح التى تبعث فى النفس وهجاً لا ينطفئ. ينتهى الطريق بى، مثلما ينتهى دائماً، بين عيدان الذرة وحقول القطن التى تقودنى أول ما تقود إلى مقابر القرية حيث أقرأ الفاتحة على روح أبى وأرواح ساكنيها كلهم.
فى هذه الحقول كانت لنا حياة. كنا ثلاثة أطفال ولا الورد البلدى الذى كان يطل من فوق سور دوار العمدة على العابرين. وكنا جميعاً قد ولدنا فى عام واحد تقريباً: هشام ابن عمتى، ومدحت ابن خالى وأنا. تمر السنون وهى تختزن لنا هذه الذكريات الجميلة كلها حتى يكون هشام «الجيش» ويكون مدحت «الشرطة» وأكون أنا «الشعب».
لم يجتمع ثلاثتنا فى مكان واحد منذ قيام ثورة 25 يناير، لكننا نتحدث الآن هاتفياً أكثر وأطول مما كنا نتحدث قبل الثورة، وكأن حالة القلق العام التى أصابت أضلاع الوطن الثلاثة تتلخص فى هذه الثلاثية العائلية. كلنا نشعر بالتعب وكلنا لا ندرى ما سيحدث غداً. وحين يكون هذا تكون القرية ملاذاً يعيد إلى النفس جانباً من الطمأنينة.
تدور الدوائر ويدخل ابن أختى بعد العيد عامه الرابع والأخير فى أكاديمية الشرطة. استحق منى هدية بعد الإفطار فقد أبلغنى أنه أحرز موقعاً متقدماً على دفعة قوامها 1700، لكننى صدمت حين علمت أن أول 500 يعينون فى الأمن المركزى وأن أول 100 من هؤلاء الـ500 يعينون فى العمليات الخاصة.
قبل أن أغادرهم انتحيت به جانباً فى حضرة أمى، وقلت له: «أعطنى وعداً أمام الله وأمام جدتك بأنك فى يوم من الأيام ومهما كان لن تضرب مواطناً ولن تهين مواطناً بغض النظر عما يفعله». وعدنى بأغلظ الأيمان. لكن قلقى على ابن أختى شديد، وعلينا جميعاً.
استقيموا يرحمكم الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى