لا نريد أن يقدم ضابط الشرطة الصغير قربانا لإغلاق ملف قتل 43 مصريا من الذين تظاهروا واعتصموا فى ميدان التحرير، صحيح أن الملازم أول محمد صبحى الشناوى هو الفاعل فى جريمة إطلاق النار على عيون المتظاهرين، لكنه ليس المتهم الأول فى الجريمة لأن الشرطة تتحرك بأوامر وتعليمات. بالتالى فصاحبنا هذا كان مجرد أداة. وما كان له أن يفعل فعله إلا لأن تعليمات صدرت إليه بذلك ممن هو أعلى منه. أو أن التعليمات تسمح له بذلك. وفى الحالتين فهناك «محرض» على الجريمة، هو المتهم الأول فى هذه القضية وفى غيرها من القضايا المماثلة. هذا المتهم لابد أن يكون شخصية مهمة فى الجهاز الأمنى. وهذه الأهمية تجعله دائما قابعا فى الظل بعيدا عن المساءلة وفوق القانون. وأفضل وسيلة لصرف الانتباه عنه وإخراجه من دائرة الاشتباه هى تلبيس التهمة لواحد من الصغار، والتضحية به لامتصاص غضب الرأى العام والإيحاء بأن العدل يأخذ مجراه.
لقد نشرت الصحف أن الضابط تم حبسه لـ15 يوما. وكان قد اختفى وغير محل إقامته بعد أن فضحه التسجيل المصور. إذ سلم نفسه لوزارته التى أبلغت النائب العام بأنه جاهز للمثول أمام النيابة، التى كانت قد أصدرت أمرا باستدعائه للتحقيق معه. ولابد أن نسجل هنا بأن الفضل فى تحريك القضية يرجع إلى شبكة التواصل الاجتماعى، التى ما إن تلقفت صورته حتى عرضتها على الملأ، مصحوبة بتعليق أحد رجاله الذين أشادوا بكفاءة «الباشا» فى إصابة «عين أم» بعض المتظاهرين. وما إن ظهرت صورته حتى تطوع من حدد عنوان بيته ورقم هاتفه، وتطوع آخرون بتخصيص مبلغ خمسة آلاف جنيه لمن يلقى القبض عليه. الأمر الذى أصابه بالذعر ودفعه إلى الاختفاء. ولو لم يحدث ذلك لطمس الموضوع ولقيدت القضية ضد مجهول، شأن غيرها من القضايا المماثلة.
للدقة فإن التسجيل المصور لم يفضح الضابط وحده، لكن الأهم من ذلك أنه فضح وزارة الداخلية وكذب تصريحات وزيرها، الذى ما برح يصرح بأن رجال الأمن لم يطلقوا الرصاص على المتظاهرين. المطاطى منه والخرطوش أو الرصاص الحى. وحاول أن يقنعنا بأن كل الجرائم التى وقعت يتحمل مسئوليتها «الطرف الثالث» الذى يضم عناصر من العفاريت والجن والأشرار، الذين دأبوا عى قتل المتظاهرين وعلى رجال الأمن أنفسهم، ثم الاختفاء بعد ذلك.
الصور أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن ضابط الأمن المركزى كان يحمل سلاحا، وأنه أطلق رصاصاته على المتظاهرين، وأن بعض جنوده استحسنوا فعلته، وأنه كان يوجه رصاصاته صوب وجوه المتظاهرين. ولا يتصور أحد أن ذلك الضابط الصغير كان وحده المسلح. أو أنه تطوع من جانبه بإطلاق النار على المتظاهرين. لكنه كان واحدا ممن أرسلوا إلى الميدان لمهمة محددة وتكليفات واضحة. كان إطلاق النار على المتظاهرين من بينها. وهذه التكليفات وجهت إلى كل الضباط الذين أرسلوا حينذاك إلى الميدان بدعوى «تأمينه». وكل واحد منهم كان يحمل سلاحه الذى صرف له ومعه خرطوشه. ولا يتخيل أحد أن يكون الملازم الشناوى هو الوحيد الذى استخدم ذلك السلاح، لأن سقوط القتلى يعنى أن آخرين فعلوا نفس الشىء، ولكن شاء حظ الملازم الشناوى أنه كان الوحيد الذى تم تصويره. وتناقلت المواقع صورته وهو يطلق الخرطوش على أعين المتظاهرين وسمعنا بآذاننا صوت من شجعه على كفاءته فى التصويت. كما لا يتخيل أحد أن يكون الذى جرى قد حدث مرة واحدة، لأن القتلى كانوا يتساقطون كل يوم، بما يعنى أن الرصاص ظل يطلق على المتظاهرين كل يوم من جانب الشناوى وأمثاله.
هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول إنه ليس من العدل ولا من الأمانة أن يتم تلبيس العملية للضابط الصغير، فى حين يظل الذين أصدروا إليه التعليمات بمنأى عن التحقيق والمساءلة. بل أزعم أن حصر المسألة فى شخصه والسكوت على الذين أصدروا إليه الأوامر يعد تدليسا على الرأى العام وتسترا على المتهمين الأصليين. القابعين فى الأبراج العالية. ليس ذلك فحسب وإنما هو يبعث برسالة إلى أولئك الكبار لكى يواصلوا مهمتهم فى قتل المتظاهرين وقمعهم، ويطمئنهم إلى أنهم سيظلون فى أمان وفى أسوأ الظروف فإن غيرهم سيدفع الثمن.
ليس عندى دفاع عن الملازم الشناوى الذى لايزال فى العشرينيات من عمره، لكنى أدعو إلى وضع قضيته فى إطارها الصحيح من خلال مساءلة الذين دفعوه إلى ارتكاب جريمته. وإذا ما تم ذلك وأرشد الشاب عن الذين حرضوه شاهدا أو ضحية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى