انتهت جولات البدء والإعادة في انتخابات مجلس الشعب المصرية بظفر متوقع لكل من حزب الحرية والعدالة الإخوان وحزب النور السلفي، وكلا الحزبين السياسيين ذو مرجعية إسلامية يؤمنان من حيث النوع لا الدرجة بضرورة إحلال المنظومة القيمية الإسلامية كمرجعية كبرى بأمل إيجاد حلول لأزمات المجتمع المصري على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وتتراوح طموحات الفريقين من رؤية مصر المستقبلية على شكل دولة محكومة بحزب إسلامي كحزب التنمية والعدالة التركي إلى دولة يمثل نظام الحكم فيها دارا من دور الخلافة الإسلامية.
ولم يخرج العلمانيون المصريون من مولد انتخابات مجلس الشعب بلا حمص وفقا للتعبير المصري الدارج، إذ حل حزب الوفد المصري ثالثا في تسلسل الفائزين بالانتخابات وهو ذو مرجعية علمانية لا غبار عليها، في حين جاءت الكتلة المصرية المدعومة (كنسياً) بالمركز الرابع في السباق الانتخابي المصري، حسب مصادر عليمة بسير المعترك الانتخابي المصري حتى الآن.
وأمام عموم المواطنين المصريين انتخابات أخرى لاستكمال الطواقم التشريعية في بلادهم هي انتخابات مجلس الشورى التي لا يُتوقع أن يُعلن عن نتائجها الختامية قبل شهرين من هذا التاريخ.
وأمام أعضاء مجلس الشعب المنتخبين ديمقراطيا لأول مرة في التاريخ المصري المعاصر مهام كبرى فيما يتعلق برسم الصورة الجديدة للدولة المصرية. وقد يكون من أهم تلك المهام الملقاة على عاتق المتصدرين للسلطة التشريعية في مصر اليوم ما يتعلق بتوافق الفائزين من الإسلاميين مع الفائزين من العلمانيين على كتابة وإقرار دستور جديد للمصريين يخلف سابقه وبشكل يعيد إلى الأذهان ما جرى الحال عليه في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين مع فارق مهم يتمثل في أن العراق كان وحتى الأمس القريب يعاني من وطأة قوات أجنبية غير مرغوب بها كانت هي السبب المباشر في الإطاحة بنظام الحكم في هذا البلد ومن ثم لعبت هذه القوات دورا واضحا في تقييد حرية العراقيين اجتماعيا وسياسيا الأمر الذي لا نظير له في الحالة المصرية التي ربحت حريتها من دون تدخل قوات أجنبية.
لكن ثمة مشكلة تواجه عموم المصريين ولم تكن حاضرة في المشهد العراقي وهي ما يتمثل ببقاء المؤسسة العسكرية في مصر بكامل عددها وعدتها إلى حد الانفراد بحكم البلاد ابتداء من الإطاحة بنظام حكم مبارك وحتى اللحظة الراهنة في حين انتهى الوجود الرسمي للمؤسسة العسكرية العراقية القديمة بقرار من لدن الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، ومع هذا الإجراء لم يتبق من نفوذ العسكر العراقي القديم أثر معتد به لاسيما في الحياة السياسية العراقية الجديدة.
وإزاء هذا التشابه والتباين بين الواقعين العراقي والمصري يبرز للأذهان سؤال ملح مفاده: إلى أي مدى يمكن أن يصبح المصريون أكثر أو اقل حرية من نظرائهم العراقيين في تشريع وتعديل القوانين السابقة، ومن ثم الشروع بتصميم نظام سياسي مصري جديد فعلا؟
إن اختلاف صورة الجيش بالنسبة لشريحة مصرية كبرى من النظرة إليه باعتباره بطلا نبيلا في بداية الثورة المصرية، ومن ثم تحول هذه النظرة الرومانسية تدريجيا إلى صورة الوحش العنيف الذي يكشف عن بكارات النساء المتظاهرات بقسوة فظيعة يشي بوجود قوة عاتية غير مرغوب بها شعبيا على نطاق كبير هي قوة المؤسسة العسكرية المصرية القديمة الجديدة لا تقبل التزحزح عن مواقعها وسيكون لها كلمة نافذة (بالقوة) في سياق أحداث سياسية مصرية قادمة ليس أولها كتابة الدستور الجديد وليس آخرها المساهمة في تنصيب حكومات وعزل أخرى.
إن سيناريو بقاء مؤسسة العسكر كقوة كبيرة في الحياة المصرية السياسية وعدم زوالها مع زوال المجلس العسكري الحاكم يعضده وجود مؤشرات تدفع باتجاه دعم هذا السيناريو، من ذلك التناغم الواضح بين مواقف كل من حزبي العدالة والحرية الإخواني والنور السلفي مع مواقف المجلس العسكري الحاكم الآمر الذي إن دل على شيء فإنما يدل على عمق أدراك هذين الفصيلين السياسيين الكبيرين بالثقل إن لم نقل الخطر الذي تمثله المؤسسة العسكرية بفضل ما اكتسبته هذه الأخيرة من نفوذ واقعي في شرايين الدولة المصرية ومفاصلها الحيوية، فضلا عن وجود قناعة لدى أتباع حركة الاخوان المسلمين تفيد بأن وجود جيش قوي في تركيا مثلا لم يَحُلْ دون صعود الإسلاميين في هذا البلد الذي يبدو هو الأنموذج الأقرب لتطلعات هذا الفريق السياسي الحائز على نصيب الأسد من انتخابات مجلس الشعب المصرية.
ومن الأحزاب السياسية الداخلية التي لا تجد غضاضة أيضا بوجود المؤسسة العسكرية إلى جوارها هو حزب الوفد العلماني الذي يعتبر الجيش حتى بوجهه الحالي ركيزة من ركائز الدولة المصرية الحديثة، هذه الدولة التي ساهم في تأسيسها أول مرة الوفديون قبل أي فريق سياسي آخر.
وأما بشان أتباع الكنيسة القبطية المصرية ممثلين بالكتلة المصرية فلن تكون هي الأخرى بمنأى عن الانتصار إلى الجيش ذي المزاج العلماني الغالب لأنه سيغدو على الأقل عنصرا فاعلا في منع إنشاء خلافة إسلامية جديدة تُعيدهم ثانية إلى أحكام الذمة العثمانية البائدة.
هذا على الصعيد الداخلي أما على الصعيد الخارجي فليس صعبا ملاحظة وجود إرادات إقليمية ودولية تستقتل من أجل بقاء سلطة العسكر فاعلة في رسم مشهد الأحداث المصرية المصيرية، ومن أبرز القوى المؤثرة على هذا الصعيد الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي وتركيا فضلا عن دول عربية شتى بل حتى الدولة الإسرائيلية التي نجحت على مدى عقود بالتفاهم مع المصريين عبر قناة الجيش.
لطيف القصاب/مركز المستقبل للدراسات والبحوث
* مركز المستقبل للدراسات والبحوث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى