محمد صلاح
عكس المشهد أمس أمام وداخل مقر اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات الرئاسية حجم الشكوك في النيات، إذ بدا إغراق لائحة الترشيحات بالمرشحين الاحتياطيين تحسباً لإجراءات تستهدف إبعاد واحد أو أكثر من المرشحين الإسلاميين نموذجاً لإنعدام الثقة بين أطراف اللعبة السياسية، صحيح أن إقدام اللواء عمر سليمان على الترشح للمنافسة على المقعد سبب ردود فعل غاضبة بين قوى الثورة ونشّط الاعتقاد بأن النظام السابق يعود من جديد وتُرجم على أنه سيناريو محكم يعتمده المجلس العسكري لتكرار النموذج اليمني بعد رفضه النموذج التونسي، لكن أزمة الثقة كانت بدأت قبل المعركة الانتخابية الرئاسية واستمرت وزاد حجمها ومثل كرة ثلج ظلت تنمو حتى أصبح أي تصرف أو قرار أو إجراء أو تصريح أو حتى حكم قضائي لا يستقبل من دون تشكيك وبحث في النيات. بالطبع وضعت الانتخابات الرئاسية المصرية كل القوى السياسية، جماعات وأحزاب وحركات وشخصيات عامة على المحك وستصبح جميعها أمام خيارات صعبة لن يجدي معها الترويج لنظرية المؤامرة التي يلجأ إليها البعض أحياناً للهروب من الحقيقة أو لقلب الحقائق أو تبرير أخطائه. تلك النظرية استخدمتها كل الأطراف تقريباً من دون استثناء منذ سقوط نظام مبارك وتفكك قوى الثورة وتشرذمها وانتقالها من موقع المشاركة إلى المنافسة أو المغالبة. مثلاً ترشيح «الإخوان» للمهندس خيرت الشاطر للمنافسة على المقعد الرئاسي اعتُبر لدى البعض مؤامرة طرفيها المجلس العسكري و»الإخوان» واتفاق على تسليم كل السلطات إلى الإسلاميين مقابل تمتع العسكر بميزات يباركها «الإخوان» ويمررونها من دون اعتراض. وفي الوقت نفسه اعتبر بعضهم أن ترشيح الشاطر مؤامرة من «الإخوان» ضد العسكر!! ونهاية لشهر عسل غلف العلاقة بين الطرفين لنحو سنة كاملة ونذير على صدام سيحدث آجلاً أو عاجلاً بينهما!! وحكاية الجنسية الأميركية لوالدة المرشح الإسلامي حازم صلاح أبو إسماعيل هي الأخرى مؤامرة لدى اتباعه الذين اعتبروا أن الأميركان والإخوان والعسكر اتفقوا على إبعاد الشيخ، وأن كل الأوراق الرسمية التي ظهرت أو ستظهر وتثبت الجنسية الأميركية لوالدة الشيخ مزيفة ومزورة ومفبركة، أما منافسو أبو إسماعيل فرأوا في ترشحه مؤامرة على مصر!! تستهدف ضرب وضعها الإقليمي!! ترشيح اللواء عمر سليمان أيضاً لدى البعض مؤامرة على الثورة من قوى النظام السابق. «الإخوان» والليبراليون واليساريون اتفقوا على النظرية، واعتبروا أن العسكر دفعوا برجلهم في المرحلة الأخيرة من السباق ليربكوا الكل. وفي المقابل فإن مناصري سليمان أنفسهم كانوا اتهموا العسكر حين أصدر الرجل بياناً اعتذر فيه عن عدم الدخول في السباق الرئاسي بالضغط عليه لإبعاده عن المنافسة لمصلحة مرشح «الإخوان»!! إنها النظرية نفسها التي روجت لسنوات بأن العالم يدير مؤامرة على مصر. وكلما وقع حادث أو كارثة قفزت نظرية المؤامرة إلى الصدارة وبرز الحديث عن مكائد تحاك ضد مصر من إسرائيل وأميركيا والغرب والشرق وبلاد تركب الأفيال. هناك أيضاً من اعتبر أن ترشح سليمان والشاطر وشفيق والحملة ضد الشيخ إسماعيل كلها «مؤامرات» لـ «توسيع» الطريق لعمرو موسى!! وأن خروج ودخول هذا المرشح أو ذاك إلى لائحة المرشحين مجرد مؤامرة وراء أخرى لينتهي السباق الرئاسي قبل أن يبدأ التنافس الحقيقي باعتلاء موسى المنصب!! وحتى حملات التشويه التي يمارسها أنصار كل مرشح ضد باقي المرشحين فسرت لدى البعض بأنها «مؤامرات» و»تمثيليات» وسيناريوهات تطبق بدقة لترسيخ قناعات بعينها لدى الشعب لمصلحة هذا المرشح أو ذاك. ولا يمكن إعفاء المجلس العسكري من المسؤولية عن ذلك المناخ فأعضاء المجلس أنفسهم اطلقوا تصريحات أو اتهامات ضد قوى سياسية وناشطين لم يثبتوها ما رسخ الاعتقاد بأن المجلس نفسه لا يقف على مسافة واحدة من كل القوى الموجودة على الساحة بل ينسق مع بعضها ويستهدف البعض منها.
المؤكد أن الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة ستشهد مزيداً من الاستقطاب والظنون وأحاديث المؤامرات. وسيروج مناصرو كل مرشح «النظرية» كلما صدر إجراء ضد مرشحهم وسيسعون لإقناع الناس بأنها مؤامرة على مصر أو الشعب أو الثورة.. فالأخطاء الفادحة في الفترة الانتقالية جعلت الكل على قناعة تامة بأنها «فترة انتقامية» وأن كل طرف ينتقم من الآخر وفي هذا جزء من الحقيقة وآخر من الخيال!
الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى