"كلما فرقتنا السياسة، جمعنا العسكر بغبائهم"، هذا ما كرره بعض المعتصمين في حي العباسية. فالرصاص الذي حصد أرواح بعضهم وأصاب آخرين لم يفرق بين إسلامي وليبرالي. فماذا جرى في حي العباسية بعد انتقال بعض المعتصمين إليه؟
ربما لم يتصور أحد أن حي العباسية شرق القاهرة، الذي شهد آخر حروب دولة المماليك في مصر أمام السلطان العثماني سليم الأول في القرن الـ 16 سيتحول يوما ما إلى مسرح لصدامات عنيفة في القرن الـ 21 بين معتصمين من مختلف التيارات السياسية و"مسلحين محترفين".هكذا وصفهم غالبية من التقتهم DW عربية بعد يوم من الصدامات التي راح ضحيتها عشرون شخصا. فقد ساد الهدوء النسبي في المنطقة، بداية من موقف حافلات "عبده باشا" وعلى طول الشارع الممتد بين مباني جامعة عين شمس، حيث يرابض المعتصمون في خيامهم منذ ليل الجمعة الماضية.
ففي زحام القاهرة وطقسها الحار، يعتبر الطريق طويلا من ميدان التحرير، وسط العاصمة، باتجاه الشمال الشرقي وصولا إلى حي العباسية، الذي حوله الخديوي عباس حلمي الثاني من صحراء "الريدانية" إلى منطقة مأهولة بالسكان والمباني الحيوية.
"نعتصم أمام وزارة الدفاع لإيصال صوتنا للمشير"
ورغم طول المسافة، قرر أنصار المرشح الرئاسي المستبعد حازم أبو إسماعيل نقل اعتصامهم من ميدان التحرير يوم الجمعة الماضية إلى حيث مقر وزارة الدفاع في العباسية "لإيصال صوتنا مباشرة إلى المشير طنطاوي وإبلاغه رفضنا تزوير اللجنة العليا للانتخابات، بعدما اعتصمنا أمام ماسبيرو لإيصال الرسالة نفسها إلى وسائل الإعلام"، على حد قول محمد السيد.
لم يقتصر حضور معتصمي العباسية على السلفيين بل جاءهم المدد من مختلف التيارات. في الصورة محمد فضل وحمادة الوكيل
محمد فضّل أن يعرف نفسه بأنه متطوع في المستشفى الميداني وإن بدا من هيئته الانتماء إلى إحدى التيارات السلفية. وأكد في حديثه لـDW أن المتواجدين في العباسية "ثوار من كافة القوى السياسية"، مشيرا إلى خيام حركة "6 أبريل" وغيرها من القوى والحركات الشبابية الثورية.
وبحماسة، تدخل زميله حمادة الوكيل في الحوار قائلا: "كلما فرقتنا السياسة، جمعنا العسكر بغبائهم". وأضاف: «مسألة الشيخ أبو إسماعيل تجاوزناها خلاص.. المسألة الآن مسألة دم مصري أريق بعلم المجلس العسكري ورضاه وربما تدبيره".وأوضح "نحن الآن، سلفيون وليبراليون مطالبنا واحدة: تسليم السلطة قبل إجراء انتخابات الرئاسة، وحل حكومة الجنزوري، وتعديل المادة 28 من الإعلان الدستوري، وإجراء محاكمات ثورية".
شباب «الإخوان» أقل تواجدا
لفت حمادة بحديثه، دون قصد، عن الليبراليين والسلفيين إلى غياب تيار الإخوان بشكل عام عن العباسية. لكن أحد الشباب الملتحين، الذين تحدثت معهمDW عربية، أفصح في سياق كلامه عن تعاطفه مع الإخوان وإن كان لا ينتمي إليهم تنظيميا.وقال الشاب الذي رفض تصويره أوذكر اسمه إن "الإخوان غير متواجدين هنا بصفة رسمية، لكن يمكن أن تجدي عدد قليل من شبابهم معتصمين بشكل شخصي ومستقل". قالها وانخرط في الحديث مع مجموعة من المعتصمين ضمت مواطنين من مختلف التوجهات حول مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية.
وكان من اللافت أن الحديث دار في أجواء ودية وحوار بناء متبادل، وهو ما علق عليه أبو محمد المصري، أحد المعتصمين الذي لا يبدو عليه الانتماء للتيارات السلفية قائلا: "هنا مفيش سلفي وعادي.. هنا كلنا نطالب بحقوقنا كمصريين، مصر ساعة الجد بتلاقي ولادها".
وفي خيمة 6 أبريل – فرع الجبهة الديمقراطية، قال أحمد معوض، أحد أعضائها: "هناك فرق بين المعتصم والمتواجد". وأوضح بالقول: "المعتصمون هم أبناء أبو إسماعيل الذين جاؤوا منذ يوم الجمعة الماضية احتجاجا على لجنة الانتخابات، أما نحن فتواجدنا هنا بعد تعرضهم للاعتداء للتأكيد على تضامننا معهم ومع دم كل مصري".
"من هاجمونا ليسوا بلطجية بل مسلحون محترفون"
وعن الصدامات التي شهدتها العباسية وراح ضحيتها العديد من القتلى والجرحى، قال أحمد لموقع DWعربية: "فجر الأربعاء، فوجئنا بشباب يقتحمون علينا الشارع مسلحين برشاشات". وأكد أحمد أن "هيأتهم لا توحي بأنهم بلطجية على الإطلاق.. بل كانوا يرتدون ملابس جيدة وفتحوا علينا النار بشكل احترافي لا ينم عن أنهم هواة أو مجرد بلطجية مأجورين".
أنصار الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل بادروا بالانتقال من ميدان التحرير إلى العباسية حيث مقر وزارة الدفاع
الأمر نفسه أكده عمر النحاس، عضو سابق في 6 أبريل، وناشط في أحد الأحزاب الجديدة تحت التأسيس. وقال عمر: "يهيئ لي أنهم قوات عسكرية بملابس مدنية، كما أن طلقاتهم كانت تصيب القلب ومنتصف الرأس بشكل يوحي أنهم محترفون". وأكمل عمر قائلا: "هناك فرق كبير بين هؤلاء المحترفين الذين هاجمونا فجرا والبلطجية الذين عادوا إلينا في فترة الظهيرة، حاملين أسلحة بيضاء وقنابل مولوتوف وسنج، هؤلاء كانت تتراوح أعمارهم بين 18 – 30 عاما". ومن المستشفى الميداني الكائن بين خيم المعتصمين، أكد بعض الأطباء أن الإصابات كانت بالفعل غالبيتها في المخ والصدر. وأعرب بعضهم عن غضبه مما وصفوه بـ"عدم دقة وسائل الإعلام في نقل ما يجري في العباسية".
وبعيدا عن المستشفى الميداني ومضمداته ورائحة القطن والشاش المغموسين في الجلسرين الطبي، كانت الحوارات بين المعتصمين، ليبراليين وإسلاميين، لا تنقطع. ورغم أن التوتر يخيم على بعض سكان الحي الذين يخشون تجدد المواجهات، رصدتDW حالة من التصالح بين "أعداء الأمس" إن جاز التعبير، ورغبة متبادلة من الطرفين للحديث وتحسين الصورة والاعتراف بأخطاء الماضي، حتى وإن شكك البعض في كون هذه الحالة "مؤقتة" لحين عودة الأمور إلى نصابها وعودة الصراع السياسي على السلطة من جديد.
القاهرة – أميرة محمد
مراجعة: أحمد حسو
DW
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى